كيف نحمي أنفسنا من ضوء شاشات الهواتف؟
- الضوء الأزرق يزيد من خطر البلوغ المُبكّر لدى الإناث
- ضوء الشاشات يؤثر على الهرمونات الأنثوية والمبيض
- إليك مجموعة من النصائح لتقليل فرص التعرض لأضرار ضوء الشاشات
قبل أيام، انتشر بقوة مقطع فيديو صادم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يكشف قيام طفل صغير بتحطيم المنزل، بعدما أخذت والدته هاتفه الجوال منه ومنعته من استخدامه.
الفيديو رصد انهيار الأم من البكاء بعد مشاهدتها لتحطيم جميع أثاث وأجهزة ونوافذ المنزل، حتى المرحاض لم يسلم من الأضرار.
ربما يعتبر البعض أن هذه حالة فردية، لكنها بلا شك تنم عن ظاهرة نلاحظها جميعاً، وهي ارتباط الأطفال الشديد بالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية الذي يصل إلى حد الإدمان.
هذا الارتباط تنامى بقوة خاصة مع اندلاع جائحة كورونا، وما صاحبه من مكوث الأسر في المنازل خلال فترات الحظر المنزلي، وهو ما دعا الباحثين إلى إطلاق تحذيرات من أضرار كثرة المكوث أمام الشاشات، لخطورة ما ينبعث منها من ضوء أزرق على الصحة.
عشرات الأبحاث، أثبتت مؤخراً خطورة الاستخدام المتصاعد للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وكشفت أن الضوء الأزرق المنبعث منها يرتبط بتقليل جودة النوم لدى كل من الأطفال والبالغين.
السبب الأكثر ترجيحًا لحدوث الأضرار، أن هذا الضوء الأزرق يكبح إفراز “الميلاتونين”، وهو هرمون يساعد في التحكم بدورة النوم، ويهيئ أجسامنا للراحة، وبالتالي يؤدي إلى الأرق وتقليل جودة النوم.
خطر البلوغ المُبكّر
خلال السنوات الأخيرة، أبلغت العديد من الدراسات عن زيادات في معدلات بداية البلوغ المُبكّر لدى الفتيات، لا سيما خلال جائحة كورونا، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه التعرض المُفرط للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، في انخفاض مستويات الميلاتونين، ومع ذلك، كان من الصعب للغاية تقييم هذا عند الأطفال.
لكن أحدث دراسة أجريت في هذا الشأن، أجرت تقييمًا لرصد تأثير هذا التعرض لضوء شاشات الهواتف المحمولة، وعلاقته بالبلوغ المبكر.
ولإثبات هذه العلاقة، استخدم فريق البحث خلال الدراسة الجديدة، فئران التجارب، للتحقق من تأثير التعرض للضوء الأزرق على مستويات الهرمونات الإنجابية ووقت بداية البلوغ لدى القوارض الإناث.
وحسب الدراسة، التي عُرضت نتائجها منذ أيام، أمام الاجتماع السنوي الـ60 للجمعية الأوروبية لطب الغدد الصماء عند الأطفال، ارتبط التعرض المُطوّل للضوء الأزرق، ببدء البلوغ المبكر لدى الإناث، بالإضافة إلى انخفاض مستويات هرمون الميلاتونين، وزيادة مستويات بعض الهرمونات التناسلية والتغيرات الجسدية في المبايض.
وبهذه النتائج، فإن الاستخدام المُفرط للأجهزة المحمولة التي ينبعث منها الضوء الأزرق لن يرتبط فقط باضطرابات النوم فقط؛ بل يشير لاحتمال وجود مخاطر إضافية على نمو الأطفال وخصوبتهم في المستقبل، أن هذا الضوء قد يؤدي إلى تغيير مستويات هرمونات مهمة لصحة الإنسان، ويزيد من خطر البلوغ المُبكّر لدى الأطفال.
تأثير على الهرمونات الأنثوية والمبيض
للوصول إلى نتائج الدراسة، قسّم الباحثون الفئران إلى 3 مجموعات، كل منها 6 فئران، حيث تعرضت المجموعة الأولى لدورة ضوء طبيعية، والثانية لـ6 ساعات من الضوء الأزرق، والثالثة لفترة 12 ساعة من الضوء الأزرق.
ووجد الفريق أن علامات البلوغ كانت “مبكرة بشكل ملحوظ” لدى المجموعتين المعرضتين إلى الضوء الأزرق، كما وجدوا أنه كلما زادت مدة التعرض إلى هذا الضوء كلما كان بدء سن البلوغ أبكر.
كما لاحظوا انخفاض مستويات “الميلاتونين”، واضطرابت في مستويات نوعين من الهرمونات الأنثوية التناسلية، وهما الـ “إستراديول” وهو الهرمون الجنسي الرئيسي الموجود لدى النساء، وهرمون “اللوتين” هو واحد من الهرمونات المساعدة في عملية التكاثر.
كما رُصدت تغيرات جسدية في أنسجة المبيض، وكلها تتفق مع بداية سن البلوغ المُبكر. وعند التعرض للضوء الأزرق لمدة 12 ساعة، أظهرت الفئران أيضًا بعض علامات تلف الخلايا والتهاب في المبايض.
وفي حديث لـ”أخبار الآن”، تعليقاً على النتائج، قالت الدكتورة أيلين كيلينك أوغورلو، من عيادة الغدد الصماء للأطفال بمستشفى مدينة أنقرة التركية، وقائد فريق البحث: “دراستنا هي الأولى التي تظهر أن التعرض المفرط للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يقود إلى البلوغ المبكر لدى إناث الفئران، ليس ذلك فحسب؛ بل كان مرتبطًا بحدوث التهاب وموت الخلايا المبرمج في المبايض”.
وأضافت: “لقد وجدنا أن التعرض للضوء الأزرق كان كافياً لتغيير مستويات الميلاتونين، وتغيير مستويات الهرمون التناسلي والتسبب في بداية البلوغ المبكر في نموذج الفئران لدينا. بالإضافة إلى ذلك، كلما طالت مدة التعرض، كلما كانت البداية مبكرة أكبر”.
وتابعت أنه نظراً لأن هذه دراسة أجريت على الفئران، لا يمكننا التأكد من تكرار هذه النتائج عند الأطفال، لكن هذه البيانات تشير إلى أن التعرض للضوء الأزرق يمكن اعتباره عامل خطر لبداية سن البلوغ المبكر لدى الأطفال.
وأشارت إلى أن ما يزيد من قوة ارتباط هذه النتائج بالبشر، أن التغيرات الهرمونية والإباضة التي تحدث خلال فترة ما قبل البلوغ والبلوغ في إناث الفئران يمكن مقارنتها أيضاً بالبشر. لذلك، على الرغم من قيود الدراسة، تدعم هذه النتائج المزيد من التحقيق في الآثار الصحية المحتملة للتعرض للضوء الأزرق على مستويات الهرمونات وظهور البلوغ عند الأطفال.
سر الخطورة
“أوغورلو” شرحت بأن الضوء الأزرق، ينبعث من العديد من الأجهزة بما في ذلك أجهزة التلفزيون ومصابيح الـ(LED)، بالإضافة إلى ضوء الشمس أثناء النهار، لكن خطورته تزايدت في السنوات الأخيرة، نظرا لكثرة استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، والتعرض لهذا الضوء على مسافة أقصر بكثير من مسافة الشاشة.
وعن سر خطورة هذا الضوء، كشفت “أوجورلو” أن ذلك يكمن في شدّة وزيادة التعرض له خاصة في ساعات الليل، وهذا يجعله يغير من مستويات هرمون الميلاتونين لدينا ويعطل نومنا.
وتابعت أن الميلاتونين يشارك في عمليات أخرى في أجسامنا، بما في ذلك سن البلوغ؛ لذلك من الممكن أن يؤثر هذا الاضطراب في مستويات الميلاتونين على عمليات أخرى في الجسم، بخلاف النوم.
ولتقليل هذا الضرر، أشارت إلى أن بعض الأجهزة تحتوي على خيارات تصفية الضوء الأزرق، والتي قد تساعد في خفض المخاطر، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من التحقيق، ونعتقد أنه سيكون من المفيد تقليل التعرض للضوء الأزرق خاصة في الليل، وأن نكون أكثر وعيًا بالمخاطر المحتملة لهذه الأجهزة على صحة الأطفال.
ما خطورة البلوغ المُبكّر؟
ربما لا يدرك البعض خطورة تعرض الإناث لخطر البلوغ المبكر، وهي حالة يبدأ فيها جسم الطفل بالتغير إلى جسم شخص بالغ في مرحلة مبكرة جدًّا، وتتضمن تغييراً في شكل الجسم، وحجمه، وتطور في قدرة الجسم على التكاثر، وعلامات لدى الإناث منها كبر حجم الثدي ونزول الدورة الشهرية الأولى.
وتبدأ مرحلة ابلوغ المبكر في حوالي سن 8 للفتيات وسن 9 بالنسبة للأولاد، ولك أن تتخيل فتاة عمرها 8 أو 9 سنوات فقط؛ تعاني من أعراض مماثلة لتلك التي تصفها امرأة تبلغ من العمر 20 أو 30 عاما، فهذا الموقف سيسبب صدمات جسدية وعقلية واجتماعية ونفسية، ولهذا يجب على العائلات مراقبة نمو أطفالهم بعناية شديدة والتواصل مع الجهات المختصة في الوقت المناسب.
وكانت دراسات تحدثت عن ارتباط البلوغ المبكر بزيادة مخاطر الإصابة بأورام الدماغ والثدي والورم الليفي العصبي، وأمراض الغدة الكظرية، وتكيسات المبيض.
وبعد حدوث البلوغ المُبكّر، يحدث نمو سريع في الطول والوزن عند هؤلاء الطفلات، وبعد فترة قصيرة تغلق صفائح النمو في العظام، وبالتالي لا يصل هؤلاء الطفلات إلى الطول المُتوقع لهن في علم الوراثة.
الضوء الأزرق.. أضرار متعددة
تعمل طبيعة أجسامنا بيولوجياً ضمن حلقة من الاستيقاظ خلال ساعات النهار والاسترخاء خلال الليل.
وخلال ساعات النهار، نتعرض بشكل طبيعي للأضواء المنبعثة من الشمس، وهي مفيدة للغاية لإيقاع ساعتنا البيولوجية، لأنها تعزز الانتباه وتحسن المزاج.
لكن في المقابل، خلال ساعات الليل، تفرز أجسامنا هرمون الميلاتونين الذي يساعد على الاسترخاء ويجعلنا نخلد إلى النوم في هدوء، ومن الطبيعي ألا يتعرض الجسم ليلاً لكثير من الأضواء خاصة الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، كي لا يحدث اضطرابات في إفراز هذا الهرمون، ونشعر بالأرق وصعوبات النوم.
وتشير الأبحاث إلى أن الأطوال الموجية الزرقاء التي تنتجها الثنائيات الباعثة للضوء من شاشات الأجهزة تسبب للمخ حالة من الارتباك، فهذا الضوء الأزرق له تأثير مشابه لتأثير ضوء الصباح الذي يحفز المخ على عدم إفراز هرمون الميلاتونين، وهو هرمون يحفز الجسم على النوم، ويسبب تغيير نمط النوم آثارًا صحية كبيرة على جسم الإنسان.
تشير بعض الدراسات إلى وجود صلة بين التعرض للضوء في الليل، مثل العمل في النوبة الليلية، ومرض السكري وأمراض القلب والسمنة، ناهيك عن التأثير السلبي على صحة العيون والصحة النفسية، بالإضافة إلى صعوبة حصول الشخص على القدر الموصى به من النوم ليلاً.
كيف نقلل الخطر؟
نظراً لأن التخلي عن جميع الأجهزة الرقمية وعلى رأسها الهاتف، ليس خياراً واقعياً في الوقت الحالي، هناك بعض النصائح يمكن اتباعها لتقليل تأثيرات الضوء الأزرق، ومنها تقليل وقت المكوث أمام الشاشات، وأخذ فترات راحة منتظمة من الكمبيوتر أو شاشات التلفزيون أو الهاتف لإراحة العينين.
النصيحة الأبرز هي محاولة إيقاف تشغيل الأجهزة بما فيها الهاتف قبل النوم بـ3 ساعات على الأقل، لأن هذا يمكن أن يساعد في منع الضوء الأزرق من التأثير على إفراز أجسامنا لهرمون النوم الميلاتونين. هناك خيار آخر أيضاً في الهواتف وهو ضبط “الوضع الليلي”، الذي يقلل من سطوع الشاشة وبالتالي تقليل انبعاث الضوء، ويساعد ذلك على التخفيف من إجهاد العين والنوم بشكل أفضل.
وفي النهاية، فإن أضرار ضوء الشاشات لا يقتصر على الأطفال وحدهم بل يطال الكبار أيضاً، وبالتالي يجب أن يكون الكبار قدوة لأطفالهم ويقللوا قدر الإمكان من المكوث وراء الشاشات، خاصة خلال ساعات الليل، الأمر فقط يحتاج إلى تنظيم وإرادة حتى نتجنب العواقب.