تحديات أمام الصين لتطعيم السكان
- حوالى ثلث الصينيين البالغين 80 عامًا فما فوق لم يتلقوا كامل جرعات اللقاحات
- الصين تواجه أكثر من مليوني حالة وفاة إذا خففت قيود كورونا على غرار هونغ كونغ
- الصين ترددت في إلزام السكان بتلقي اللقاحات وفضّلت تقديم حوافز على غرار قسائم تسوّق
رغم ترددها في إلزام السكان بتلقي لقاحات كورونا، تواجه الصين تحديًا كبيرًا بعد تراجعها عن سياسة “صفر كوفيد” المتشددة إثر الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت على مستوى البلاد بعد وفاة 10 أشخاص في إقليم شينجيانغ حيث أغلقت السلطات الصينية الأبواب من الخارج على سكان المنطقة المضطهدة بسبب انتشار فيروس كورونا وذلك لمنعهم من الخروج للشوارع، ولم يتمكن الأشخاص من مغادرة المنزل عندما شب الحريق، كون باب المنزل قد أوصدته السلطات من الخارج.
ما زال حوالى ثلث الصينيين البالغين 80 عامًا فما فوق لم يتلقوا كامل جرعات اللقاحات، مقارنة مع أقل من 10 في المئة من إجمالي السكان حيث يعد المسنون الأكثر عرضة للخطر.
ومع إعلان الصين الأربعاء التخلي عن سياسات صفر كوفيد الأكثر تقييدًا، حذّر خبراء من إمكانية تفشي الفيروس بشكل خارج عن السيطرة لا يبدو نظام الرعاية الصحية الصيني مستعدًا لمواجهته.
قال تشو جياتونغ، رئيس مركز السيطرة على الأمراض في منطقة قوانغشي الجنوبية الغربية، الشهر الماضي في ورقة نشرتها صحيفة شنغهاي جورنال للطب الوقائي، إن البر الرئيسي للصين يواجه أكثر من مليوني حالة وفاة إذا خففت قيود كورونا بنفس الطريقة التي فعلت بها هونغ كونغ هذه السنة، وأظهرت توقعاته أن عدد الإصابات قد يرتفع إلى أكثر من 233 مليونًا.
وبحسب رويترز في مايو، قدّر العلماء في الصين والولايات المتحدة أن الصين تخاطر بما يزيد قليلاً عن 1.5 مليون حالة وفاة من الفيروس إذا تخلت عن سياستها الصارمة دون أي ضمانات مثل تكثيف التطعيم والوصول إلى العلاجات، وفقًا لبحث نُشر في Nature Medicine.
وتوقعوا أن ذروة الطلب على العناية المركزة ستكون أكثر من 15 مرة من السعة، مما يتسبب في وفاة ما يقرب من 1.5 مليون، بناءً على البيانات العالمية التي تم جمعها حول شدة المتغير.
ومع ذلك قال الباحثون المؤلفون الرئيسيون ومن بينهم من جامعة فودان في الصين، إن عدد الوفيات يمكن أن ينخفض بشكل حاد إذا كان هناك تركيز على التطعيم.
قالت شركة المعلومات العلمية والتحليلات البريطانية Airfinity يوم الإثنين إن الصين قد تشهد وفاة 1.3 مليون إلى 2.1 مليون شخص إذا رفعت سياسة “صفر كوفيد” بسبب انخفاض معدلات التطعيم والتعزيز، فضلاً عن الافتقار إلى المناعة الهجينة.
وبنت الشركة توقعاتها على التفشي الذي شهدته هونغ كونغ هذا العام (في خامس موجة وبائية ضربت المدينة) عندما شكّل تردد الأكبر سنا في تلقي اللقاحات عاملا رئيسيا أدى إلى ارتفاع حصيلة الوفيات.
تردد حيال التطعيم الإلزامي
تم بموجب سياسة بكين المتشددة في مكافحة الوباء إغلاق مدن بأكملها وفصل أطفال عن ذويهم أثناء الحجر بينما أُجبر السكان على الخضوع لفحوص “بي سي آر” يومية ليتمكنوا من تمضية يومهم بشكل عادي.
لكن الصين ترددت في إلزام السكان بتلقي اللقاحات وفضّلت تقديم حوافز على غرار قسائم تسوّق للحصول على وجبات “ديم سم” مجانية في مسعى لدفع السكان لتلقي اللقاحات.
وتم التخلي سريعًا عن محاولة في تموز/يوليو لفرض اللقاحات كشرط لارتياد أماكن عامة في بكين بعد ردود الفعل الغاضبة من السكان الذين عايشوا صدمات في السنوات الأخيرة نتيجة فضائح مرتبطة باللقاحات محلية الصنع.
كان هذا التراجع في السياسة على الأرجح “نتيجة تدخّل مباشر من الزعيم المركزي”، بحسب ما كتب يانجونغ هوانغ من مجلس العلاقات الخارجية حينذاك، مشيرا إلى أن السلطات أبقت على إجراءات أخرى لا تحظى بشعبية.
وأوضح أن استراتيجية صفر كوفيد التي التزم بها الحزب الشيوعي حينها “تهمش دور اللقاحات في إطار تطبيق السياسات”.
وبخلاف بلدان أخرى حيث مُنح المسنون أولوية في تلقي اللقاحات، استهدفت الصين في تحركها الأولي عام 2021 الموظفين العاملين في قطاعات فيها “المخاطر عالية”، ليتم توسيعها لاحقًا إلى السكان الذين هم في سن العمل.
وقال الاستاذ المساعد في “كلية ييل للصحة العامة” شي تشين إن المسؤولين تعهّدوا زيادة معدلات التحصين في أوساط المسنين المتمسكين بمواقفهم، لكن توجد حاجة إلى “تحسين ملموس” لضمان الإمدادات والتشجيع على تلقي اللقاحات.
تشكيك وتهاون
وقال رئيس قسم علم الأوبئة في كلية الصحة العامة التابعة لجامعة هونغ كونغ بن كاولينغ إن النقص المتواصل في القواعد الواضحة ترك بعض كبار السن في حالة ضياع بشأن مدى سلامة اللقاحات.
كما أن نهج الصين التاريخي حيال تفشي الأوبئة والأعداد المنخفضة للمصابين أدت إلى التهاون حيال مدى إمكانية الإصابة بالفيروس.
وأفاد كاولينغ فرانس برس أنه بموجب سياسة صفر كوفيد، فإن “الإدراك لميّزة التطعيم ما زال منخفضا للغاية”. وتابع “إن كان انتقال العدوى إليك غير مرجّح.. فقد لا تستفيد من التطعيم”.
وقال خبير الأمراض المعدية في سنغافورة ليونغ هوي نام “يوجد على الدوام خوف من ردود الفعل”، مشيرًا إلى تاريخ الصدامات بين أفراد عائلات ضحايا وأطباء في الصين بعد وفاة أقاربهم نتيجة مضاعفات صحية.
ولفتت الخبيرة في السياسات الصينية لدى “جامعة نورثويسترن” نانسي كيان إلى أن إصلاح المشكلة “يتطلب من الحكومة الاستثمار في بناء الثقة مع الشعب الصيني”.
وأكد مجلس الدولة الصيني الأسبوع الماضي أن على الحكومات المحلية إصدار “مواد دعائية يسهل فهمها” والاعتماد على أفراد العائلات لتشجيع كبار السن على تلقي اللقاحات.
في هذا الصدد، تقول امرأة تقطن بكين وتدعى تيان إن والديها المسنين ووالدي زوجها تلقوا اللقاحات مباشرة بعدما رأوا أن جيرانهم قاموا بذلك.
وأكدت “إذا كان هناك عدد كبير من الأشخاص الذين تعرفهم يصطفون لتلقي اللقاح، فعلى الأرجح لن تشعر بالقلق كثيرًا”.
اللقاحات المحلية مقابل المصنّعة في الخارج
لكن حتى وإن تمكّنت الصين من ردم الهوة في التطعيم، ما تزال هناك شكوك حيال الفعالية بعيدة الأمد للقاحات محلية الصنع.
رفضت بكين حتى الآن إعطاء الضوء الأخضر للاستخدام العام للقاحات أجنبية مثل تلك التي تستخدم تقنية الرنا المرسال mRNA على غرار التي طوّرتها فايزر-بايونتيك وموديرنا.
وكتب هونغ جي ستيفن موريسون وسكوت كينيدي في تعليق على سياسة صفر كوفيد الصينية لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن “القومية تلعب دورا مهما”.
وأشارا إلى أن ذلك يعني أن “الحلول الغربية على شكل لقاحات mRNA ومضادات الفيروسات غير مطروحة”.
وأشارت دراسات إلى أن اللقاحات الصينية التي تم تطويرها بناء على تكنولوجيا أقدم توفر حماية طويلة الأمد أقل فعالية وتمنع إلى حد أقل الإصابات الشديدة والوفيات مقارنة مع تلك القائمة على تقنية mRNA المصنّعة في الخارج.
وخلصت دراسة أجرتها جامعة هونغ كونغ هذا العام إلى أن ثلاث جرعات من لقاح “سينوفاك” الصيني توفر “مستويات عالية جدًا من الوقاية من الأعراض الشديدة”، بما في ذلك في أوساط الأشخاص البالغين 60 عاما فما فوق.
وبينما “تقلّص بشكل فاعل” ثلاث جرعات من اللقاحات المحلية الوفيات، إلا أن على الصين توفير جرعات mRNA أيضا لتعزيز المناعة على الأمد البعيد، بحسب تشين من جامعة “ييل”.