قصف دينبرو يعيد إلى الأذهان حلب وغروزني
- يعتقد المحللون أن روسيا تنتهج نفس الأساليب وتعتمد نفس الدعاية
- الغزو الروسي يعتبره زيلينسكي عدوانا على أوروبا بكاملها
تشهد العديد من المدن الأوكرانية قصفاً مكثفاً من قبل القوات الروسية، وكان آخرها مدينة دينبرو، وهو ما يعيد إلى الأذهان غروزني الشيشانية وحلب السورية، هاتان المدينتان اللتان حولهما القصف الروسي في 1999 و2016 إلى رماد، تعودان إلى الذاكرة، رغم اختلاف السياق، بحسب محللين.
قال تشارلز ليستر، خبير الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط، في تغريدة مرفقة بصور للمبنى الذي قصفته روسيا في دينبرو التي تعرضت للقصف حلب في سوريا 2015، ودينبرو في أوكرانيا اليوم، والشيء الوحيد الذي يربط بين الاثنين هو روسيا في عهد بوتين”.
The one thing linking the two?
– #Putin's #Russia. pic.twitter.com/H0rfYQW6l5
— Charles Lister (@Charles_Lister) January 14, 2023
تشن روسيا موجة جديدة من الهجمات الكبيرة على أوكرانيا، حيث أصابت البنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء البلاد إلى جانب استهداف دنيبرو بقصف عنيف إذ قال حاكم المنطقة إن 20 شخصاً قتلوا وأصيب ما لا يقل عن 60 شخصا بينهم 12 طفلا في الهجوم ، ولا يزال عدد أكبر من الناس محاصرين تحت الأنقاض.
These photos of a girl who survived Russian missile attack on Dnipro today, how she holds on to her toy and New Year's decoration as the only symbols of normalcy while rescuers save her, makes my heart break. For almost a year already, Russia continues to kill Ukrainian civilians pic.twitter.com/6z9jKloOm3
— Olga Tokariuk (@olgatokariuk) January 14, 2023
هذا وأظهر مقطع فيديو نشرته خدمة الطوارئ الحكومية في أوكرانيا رجال الإنقاذ يعملون حتى الليل للعثور على سكان المبنى وإنقاذهم ، وتحولت أجزاء منه إلى أنقاض.
واستخدم رجال الإطفاء سلالم ورافعة للوصول إلى الناجين من الشرفات وأجزاء مكشوفة من الواجهة ، بينما قام آخرون بغربلة الركام.
Eternal memory to all whose lives were taken by 🇷🇺 terror! The world must stop evil. Debris clearance in Dnipro continues. All services are working. We're fighting for every person, every life. We'll find everyone involved in terror. Everyone will bear responsibility. Utmost. pic.twitter.com/zG4rIF8nzC
— Volodymyr Zelenskyy / Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) January 14, 2023
اضطرت أوكرانيا إلى قطع التيار الكهربائي في معظم المناطق بعد الضربات الروسية، فيما أعلنت لندن عزمها منح دبابات ثقيلة إلى كييف التي تؤكد أنها تحتاجها بشدّة في حين تواصل روسيا إصرارها على حربها التي تشنها على أوكرانيا في العام الجديد.
تختلف الظروف والأسباب والأبعاد التي تدفع حربا ما للاندلاع لكن النقطة المشتركة بين جميع الحروب هو صنع المآسي وإحلال الخراب والدمار وتقتيل الأبرياء وتشريدهم وهذا ما يجمع مثلا بين الحرب التي اندلعت في سوريا وأوكرانيا والشيشان.
إلا أن الدول الثلاث تجمعها نقطة مشتركة أخرى وهي أن المسؤول عن ما حدث ويحدث في البلدين هو طرف واحد يعبث بأقدار الأبرياء، وهو روسيا.
ورغم أن روسيا تروج لفكرة أن تدخلها في سوريا وتدميرها لبنيتها التحتية ليس إلا مجرد دعم عسكري لحليف، تصف منظمات إنسانية وحقوقية سورية التدخل الروسي في سوريا بأنه عدوان على البلاد وتدميرا لبنيتها ومحاولة لإجهاض مشروع التغيير فيها”وفق ما قال “الدفاع المدني السوري” تعليقا على الذكرى السابقة للتدخل الروسي في سوريا.
وكذلك الأمر بالنسبة لغزو أوكرانيا الذي يروج له الجانب الروسي على أنه عملية عسكرية خاصة في حين تتفق أغلب دول العالم على أنه احتلال لأراض ليست من حق روسيا واعتداء على المدنيين والأبرياء في حين وصفه فولوديمير زيلسنكي بأنه إرهاب تمارسه روسيا على أوكرانيا
وشعبها وبأنه “عدوان على أوروبا كاملة”، وفق إحدى خطاباته السابقة.
أزمة السوريين والأوكرانيين والشيشان.. معاناة واحدة
تشهد العديد من المدن الأوكرانية قصفاً مكثفاً من قبل القوات الروسية ما يعيد للأذهان غروزني الشيشانية وحلب السورية: هاتان المدينتان الرمزيتان اللتان حولهما القصف الروسي في 1999 و2016 إلى رماد، تعودان إلى الذاكرة، رغم اختلاف السياق.
بعد التوغل الأول في شهر فبراير 2022 نُشرت الكثير من التقارير الإعلامية، التي ربطت في معظمها بين الساحات، ساحة الحرب في سوريا وأوكرانيا والشيشان.
أولا من زاوية الحرب التي شنها الروس، وثانيا من حيث الانتهاكات وطبيعة القصف الذي تتعرض لها المدن الأوكرانية، والذي يشابه إلى حد كبير ما عاشته المدن السورية والشيشانية.
في عام 2016، كان الروس قد دمروا حلب في خطوات استباقية للسيطرة عليها في أولى تجاربهم الدموية بعد التدخل، وهو سيناريو عاشته عدة مدن في أوكرانيا، كان أبرزها ماريوبول الساحلية.
المدينة ذات الموقع الاستراتيجي التي أعلنت أوكرانيا السنة الماضية أنها دمرت بشكل شبه كامل. وأوضحت وزارة الدفاع الأوكرانية في بيان سابق لها أن هجمات القوات الروسية دمرت 90 بالمئة من ماريوبول، وتسببت في مقتل آلاف السكان فيها كما اتهمت الروس باحتجاز السكان رهائن من خلال إغلاق الممرات الإنسانية.
قال أيضا حاكم منطقة دونيتسك الأوكرانية إن القوات الأوكرانية أن ماريوبول “قد مُحيت من على وجه الأرض” من قبل الروس.
ليست ماريوبول المدينة الوحيدة التي دمرتها القوات الروسية، بوتشا التي تقارير المسؤولين إلى العثور على 458 جثة منها 419 تحمل علامات إطلاق نار أو عليها آثار تعذيب وضرب بالهروات حتى الموت.
آثار القتال في المدينة تركتها خلفها القوات الروسية، على السيارات المسحوقة من قبل الدبابات، والمباني، وحتى أرضية الشوارع.
قالت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في تلك الفترة إنها وثقت عدة حالات أخرى من جرائم الحرب ارتكبها الجيش الروسي في مناطق تشيرنيهيف وخاركيف وكييف المحتلة بين 27 فبراير و14 مارس.
وقالت المنظمة إن من بين هذه الأدلة أدلة على الاغتصاب المتكرر والإعدام لستة رجال، فضلا عن نهب ممتلكات مدنية.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تعليقه على المجزرة التي قامت بها روسيا في بوتشا في وقت سابق إنه “مصدوم بشدة” من الصور الواردة من بوتشا. وقال إنه “من الضروري أن يؤدي تحقيق مستقل إلى مساءلة فعالة”.
وأعرب العديد من المسؤولين الأوروبيين الآخرين عن قلقهم إزاء الصور الواردة من بوتشا.
وقالت روبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبي، على تويتر إن الصور كانت “حقيقة باردة لجرائم الحرب التي ارتكبها بوتين”، مضيفة أن العالم “يجب أن يكون على دراية بما يحدث”.
قال زيلينسكي في وصفه للعدوان الروسي أن روسيا إرهابية وتتلذذ بقتل الأبرياء وفي الجانب الآخر من العالم، في ريف دمشق وداريا وإدلب ارتكبت الكثير من المجازر أيضا وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين دون أي رادع لروسيا.
واليوم يعاد المشهد من جديد بالقرب من أوروبا، كصيغة استكمالية، سبق وأن أشار حقوقيون سوريون إلى أن سببها “الحصانة الروسية” التي منحت لموسكو في سبتمبر 2015.
تقول ناشطة حقوق الإنسان السورية، آمنة الخولاني، إن السوريين يشعرون بمعاناة الأوكرانيين أكثر من أي شعب آخر.
هم بحسب تعبيرها “ذاقوا مرّ القصف الجوي والحصار والتهجير، بالأسلحة والتكتيكات نفسها التي تُستخدم اليوم في أوكرانيا.” تتناول بحزن ما تراه وتتابعه
من تطوّرات الحرب هناك، وتقول: “الشعور نفسه… بين الفيتو الروسي في إدانة الغزو على أوكرانيا، والفيتو الروسي – الصيني قبل سنوات ضد إدانة الأسد باستخدام السلاح الكيميائي. الشعور نفسه”.
ذات الأهوال عاشها الشيشانيون في أواخر التسعينات وبداية الألفيات حيث زرع الروس قي مدينة غروزني الرعب وخلفوا الدمار.
غروزني..المدينة التي سحقتها روسيا دون رحمة
تعرّضت غروزني، عاصمة الشيشان، وهي جمهورية صغيرة في القوقاز الروسي حيث شن الانفصاليون حربيْن ضد موسكو، للتدمير حرفيًا خلال شتاء 1999-2000 بواسطة المدفعية الروسية والغارات الجوية.
وساهم الهجوم على الشيشان الذي قرره رئيس الحكومة الروسي آنذاك فلاديمير بوتين بجعله الخليفة بلا منازع للرئيس الروسي بوريس يلتسين الذي أعلن استقالته بشكل مفاجئ ليلة رأس السنة في 31 كانون الأول/ديسمبر 1999.
وفي مطلع كانون الثاني/يناير 2000، سيطرت القوات الفدرالية على محطة غروزني المحاصرة، فيما كثّف المقاتلون الشيشان هجماتهم الليلية بقاذفات الصواريخ وقاذفات القنابل على المواقع الروسية.
أدت الغارات المدفعية والجوية إلى تحويل وسط غروزني، والتي كانت مدينة تهيمن عليها المباني المصنوعة من الصلب والخرسانة كباقي المدن السوفيتية، إلى مجرد أنقاض.
وكان أغلب المدنيين يحتمون في الأقبية في ذلك الوقت، وكانوا يخاطرون بحياتهم في كل مرة يخرجون فيها للعثور على المياه أو الطعام.
وفي ميدان مينوتكا، لقي المقاتلون الشيشان حتفهم بالقنابل العنقودية، وأضرمت النيران في المباني، تعرض الطريق الرئيسي بالمدينة بالكامل للقصف الصاروخي، وغطته ألسنة النار والدخان.
وتقدّر منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية والمنظمة الروسية للدفاع عن حقوق الإنسان “ميموريال” عدد المدنيين الذين قتلوا خلال الحصار بنحو 10 آلاف. واشار مدافعون عن حقوق الإنسان إلى انتهاكات ارتكبها الجنود الروس.
الأهوال التي عايشها الشيشانيون لا تقل بشاعة عن ما عايشه ويعيشه السوريون حاليا في سوريا.
الصمت أمام الانتهاكات الروسية في سوريا شجع بوتين على ارتكاب جرائم أوكرانيا
لم تخفِ روسيا أنّها جرّبت عدداً كبيراً من أسلحتها في سوريا. عام 2017 وفق تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة في جيشها فاليري غيراسيموف.
وكشف أن الجيش الروسي جرّب 200 سلاح جديد خلال سنتين من حرب سوريا. وكرّر التصريح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 2019 و2021،
ذاكراً عدداً أكبر من الأسلحة إضافة إلى إرسال طيّارين من روسيا للقتال في سوريا. هذه التجارب سمحت لروسيا برفع مبيعاتها من السلاح الروسي إلى دول عدة بعدما رأت فاعليته في سوريا
يتطرّق الدكتور زياد ماجد إلى تجارب أخرى بعيدة عن السلاح: ردّ فعل الغرب. يقول في هذا السياق: “نجح الرئيس فلاديمير بوتين خلال مشاركته في الحرب السورية في تحدّي الغرب.
وتابع: “هو لم يتلقّ أي ردّ فعل حقيقي عندما قصف سوريا من الجوّ أو حين استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية أو حين قصف المستشفيات وحاصر مدناً كلّ ما تعرّض له بوتين كان مجرّد استنكارات وتنديدات.”
يعتبر ماجد أن كلّ ذلك أمّن للرئيس الروسي نوعاً من الحصانة يستخدمها في صراعات أخرى.”
أودت أيضا المعركة للسيطرة على محافظة إدلب، التي لا تزال حتى يومنا هذا آخر معقل للمعارضة في سوريا، بحياة أكثر من 1600 مدني بين عامي 2019 و 2020، وفقا لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش.
كما نزح أكثر من 1.4 مليون شخص عن المنطقة في تلك الفترة.
وقد تبنت روسيا في إطار دعمها لقوات الحكومة السورية تكتيكات مماثلة لتلك التي ظهرت الآن في غزوها لأوكرانيا.
وما يحدث اليوم يعيد إلى ذهن الدكتور القراط ما حدث في مدينته: “لقد كانت حربا سيئة للغاية”.
يتذكر الدكتور القراط: “كانوا يقصفونا باستمرار. لم يكن هناك كهرباء ولا ماء ولا طعام”.والآن روسيا تفعل الشيء نفسه مع الأوكرانيين.
ووثّق تقرير نشرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وهي منظمة حقوقية مقتل 6943 مدنيا بينهم 2044 طفلا و1243 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد القوات الروسية، منذ سبتمبر 2015.
وطبقا للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري حتى 30 يوليو من عام 2022 وفق أخر تقرير في ما لا يقل عن 1243 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 223 مدرسة، و207 منشأة طبية، و60 سوق.
كما سجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوما بذخائر عنقودية، إضافة إلى ما لا يقل عن 125 هجوما بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30 سبتمبر 2015.
ووسط تعقيدات المشهد في سوريا بعد 11 عاما من الحرب لا تبدو أي ملامح حل سياسي أو عسكري تلوح في الأفق، وذلك ما يطرح تساؤلات بخصوص ما تهدف إليه موسكو وتحاول فرضه لصالحها.
وكذلك الأمر بالنسبة لأوكرانيا، والتي لا يرى فيها مراقبون أي بادرة لانتهاء الحرب فيها على المدى المنظور.
للمزيد عن التدخل الروسي في سوريا وأوكرانيا: