أبعاد تأثير حرب أوكرانيا على الاقتصاد الروسي
- يواجه الاقتصاد الروسي تحديات غير مسبوقة على خلفية تداعيات الحرب في أوكرانيا
- العديد من دول العالم فرضت عقوبات على روسيا عقب غزوها لأوكرانيا
- تراجع النمو في الناتج المحلي الإجمالي والواردات والصادرات في روسيا منذ غزوها لأوكرانيا
منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية و عقب التدخل الروسي في أوكرانيا في نهاية شهر فبراير الماضي، قامت العديد من دول العالم في شرقه وغربه بفرض عقوبات على روسيا، كردٍ على العمليات العسكرية التي أعلنت القيام بها في أوكرانيا و تعرَّض الاقتصاد الروسي لاختبار حقيقي؛ إذ يواجه تحديات غير مسبوقة على خلفية تداعيات الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية القاسية وغير المسبوقة ضد موسكو, وقد اشتملت القيود على إجراءات لعزل البنك المركزي الروسي عن النظام المالي الدولي، ومنع وصوله إلى مليارات الدولارات من الأصول الخارجية.
وهي القيود التي كانت لها تداعياتها شبه الفورية والسريعة على الاقتصاد الروسي، غير أن روسيا لم تقف مكتوفة الأيدي، بل انتهجت – في المقابل – عدَّة آليات داخلية وخارجية واجهت بها تلك العقوبات وحاولت تخفيف وطأتها على الاقتصاد الروسي، ليثير ذلك التساؤلات حول مقدار تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الروسي بعد مرور عام تقريباً على الحرب الروسية، ومدى نجاح روسيا في تفادي الآثار السلبية للعقوبات الغربية، ومدى فاعليتها، وكذلك حول التحديات القائمة أمام الاقتصاد الروسي في ظل استمرار الحرب.
وهل عرقلت العقوبات على روسيا من اقتصادها؟ أم أن الاقتصاد الروسي استوعب هذه العقوبات دون تأثير كبير؟
مؤشرات متباينة لمشهد الاقتصاد الروسي
ثمة مؤشرات تستقرئ مشهد الاقتصاد الروسي بعد نحو عام من اندلاع الحرب الأوكرانية، وبعض هذه المؤشرات تعكس تأثُّر الاقتصاد بالعقوبات الأجنبية. وبوجه عام، يمكن تناول أبرز مؤشرات الاقتصاد الروسي على النحو التالي:
1– تراجع النمو في الناتج المحلي الإجمالي: انكمش الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 3.7% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2022، انخفاضاً عن التقديرات الأولية التي تنبأت بانكماش بنسبة 4%؛ حيث استمر الاقتصاد الروسي في التعرُّض لضغوط العقوبات المفروضة من الدول الغربية رداً على التدخل العسكري في أوكرانيا في فبراير 2022.
ووفقاً لتحليل مستقل أجراه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن عام 2022 كان عاماً سيئاً للاقتصاد الروسي. ومن المرجح أن يستمر الاقتصاد الروسي في الانكماش في عام 2023؛ حيث تشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينكمش بنسبة 2.2% على أساس سنوي في أفضل الأحوال، وبنسبة 5.6% على أسوأ تقدير.
2– تراجُع الواردات والصادرات: علَّقت العديد من العلامات التجارية العالمية والشركات الكبرى من قطاعات مختلفة تتنوع بين التكنولوجيا والسيارات والطاقة، أعمالها في روسيا، رداً على التدخل الروسي في أوكرانيا. وردَّت روسيا من جانبها على العقوبات الغربية بفرض حظر على تصدير أكثر من 200 منتج، بما في ذلك الاتصالات والسيارات والمعدات الزراعية والكهربائية، حتى نهاية عام 2022.
في المقابل، انخفضت حصة الغاز الروسي في الواردات الأوروبية من 40–45% إلى 7–8%، كما انخفضت الصادرات الروسية من الغاز في عام 2022، من 185.1 مليار متر مكعب إلى 100.9 مليار متر مكعب بانخفاض 45%، وهو أدنى مستوى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ذلك التراجع يعود في الأصل إلى توقف شحنات الغاز الروسي إلى الدول التي رفضت شراءه بالروبل، كما يعود إلى إغلاق خط أنابيب يامال–أوروبا، وجهود أوروبا لشراء الغاز الطبيعي المسال، واستهداف خطَّي نورد ستريم 1 و2. ويُقدِّر كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أنه في عام 2023، ستستمر الصادرات في الانخفاض، بينما من المتوقع أن تكون الواردات أعلى مما كانت عليه في عام 2022.
3– إنفاق مبالغ ضخمة على الجانب العسكري: خصصت روسيا مبالغ ضخمة للإنفاق العسكري في ميزانية عام 2022، قُدِّرت بثلث إجمالي النفقات العامة لصالح قطاع الأمن؛ وذلك وفقاً لتحليل حديث أجرته مُؤسَّسة كارنيجي للسلام الدولي. ووفقاً لمنشور الأعمال RBC، فإن من المُتوقَّع أن يقفز الإنفاق العسكري الروسي بنحو 5 تريليونات روبل؛ أي ما يعادل 71 مليار دولار في عام 2023، مع توقُّع زيادة الإنفاق على الأمن الداخلي وإنفاذ القانون بالمبلغ نفسه تقريباً. في ذلك السياق، أعلنت موسكو عن نيتها توسيع حجم جيشها من مليون جندي إلى 1.5 مليون، وهو ما يُعَدُّ تأكيداً لرغبتها في زيادة الإنفاق على قطاع الدفاع في الدولة.
4– احتمالات باستمرار الركود في الصناعة الروسية: من المُرجَّح أن يستمر الركود في الصناعة الروسية بما في ذلك القطاع العسكري، التي تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد السلع العالية التقنية من الغرب؛ حيث تراجعت واردات التكنولوجيا من العديد من البلدان إلى روسيا، وهو ما تسبَّب في خفض الإنتاج وجعله أكثر بدائيةً، حتَّى أضحى استبدال الواردات مطلوبًا في جميع القطاعات تقريباً، لكنه بات يتم بخيارات أقل تقدُّماً.
وفي حين انخفض الإنفاق على مختلف البرامج المحلية بخلاف البرنامج العسكري بمقدار الربع تقريباً، وتكبَّدت صناعات معينة خسائر فادحة؛ فإن التباطؤ في تصنيع السيارات مثَّل واحدةً من أكثر العلامات الملموسة لتأثيرات العقوبات الغربية على الصناعة الروسية.
5- إيرادات روسيا من النفط والغاز: تقلصت بنسبة 46 بالمئة لتصل إلى 6 مليار دولار حسب وزارة المالية الروسية، التي أنحت باللائمة على انخفاض سعر النفط الروسي،
روسيا تضررت
من جهة أخرى، وجد تحليل لجامعة ييل الأمريكية، أن الاقتصاد الروسي قد “تضرر بقوة كبيرة” جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، فضلًا عن انسحاب العديد من الشركات من الاقتصاد الروسي عقب الأزمة في أوكرانيا.
وتأتي نتيجة الدراسة التي أجرتها الجامعة، في وقت يظهر في الاقتصاد الروسي أنه صامد في وجه العقوبات، إذ توضح الدراسة أن إصدارات الحكومة الروسية حول الاقتصاد في البلاد “منتقاة وغير كاملة”.
وأشارت الدراسة إلى أن روسيا تمتلك تاريخًا من عمليات التغيير بالاحصاءات الاقتصادية، حتى من قبل الأزمة.
وأوضحت أن العقوبات الاقتصادية وانسحاب الشركات الغربية من روسيا “تعرقل” الاقتصاد الروسي بشكل كارثي لا تستطيع موسكو إخفاؤه رغم محاولاتها.
إذ تراجعت عائدات روسيا من النفط والغاز بنحو النصف في شهر مايو، مقارنة بشهر أبريل.، وفقًا للدراسة، والتي أوضحت أن صادرات روسيا من مواد الطاقة، كالنفط والغاز وغيرها، تشكل نحو 60 بالمئة من إجمالي إيرادات الحكومة الروسية.
كما أوضحت الدراسة أن روسيا تعتمد بشكل كبير على عائدات صادراتها من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وبشكل “أكبر بكثير” من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
إذ تجني روسيا نحو 83 بالمئة من عائدات صادرتها من الغاز عن طريق الاتحاد الأوروبي، بينما تمثل عائدتها من صادرات الغاز إلى الصين نحو 2 بالمئة فقط، وتحصل على نحو 12 بالمئة من دول الاتحاد السوفيتي السابقة.
الدراسة، والتي صدرت بنهاية شهر يوليو، أوضحت أن الشركات التي تخارجت من الاقتصاد الروسي عكست الجهود التي قامت بها موسكو خلال نحو 30 عامًا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ تساهم هذه الشركات، بحسب الدراسة، في نحو 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.