بعد عام على الغزو الروسي لأوكرانيا من دفع الثمن؟
مر عام على دخول الغزو الروسي لأوكرانيا، عام كان شديد الضيق على العالم أجمع، حيث ارتفع التضخم لمستويات قياسية، وحدثت أزمة في الطاقة وتضاعفت أسعارها في أوروبا.
في الجانب الجنوبي من الكرة الأرضية، كانت الدول العربية الأكثر تأثرًا بهذه الحرب، حيث ساهم الغزو في تراجع العديد من الاقتصاديات والعملات العربية لمستويات قياسية.
وعلى المستوى الشعبي، شعر المواطنين العرب بالضيق بعد أن ارتفعت الأسعار لمستويات قياسية لم تكن معهودة من قبل، حتى إنها في بعض البلدان ارتفعت في اليوم الواحد أكثر من مرة، وكل هذا من تبعات الغزو الروسي.
فيما يلي عرضًا موجزًا لتأثير الغزو الروسي على بعض الدول العربية التي زاد من معاناتها خلال عام 2022، مما جعل الكثير من مواطني هذه الدول يعتبرونه عامًا أسودًا.
1- تونس:
تستورد تونس أكثر من 70٪ من واردات القمح اللين التونسي من أوكرانيا وروسيا، وتعتبر أوكرانيا المورد الرئيسي للذرة والشعير في البلاد، ومع توقف التوريد مع الحرب تعمقت الأزمة التونسية.
ارتفع معدل التضخم في تونس طوال العام، وسجل في ديسمبر 2022 أكثر من 10%، وهو معدل لم يشهده البلد منذ بداية التسعينيات، حيث سجلت زيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية والمشروبات والأثاث والخدمات المنزلية، ويتوقع المسؤولون التوانسة زيادة التضخم في العام الجاري أكثر من الماضي.
أدى الارتفاع الشديد في أسعار الغذاء والطاقة إلى اتساع إجمالي العجز التجاري بنسبة 57٪ في النصف الأول من العام، مع زيادة قيمة الواردات بأكثر من 31٪.
تم تسجيل نقص في السلع الأساسية مثل السكر والدقيق في الأشهر الأخيرة، ورفع البنك المركزي سعر الفائدة 3 مرات حتى 8%، وهو إجراء فشل في احتواء التضخم.
لذلك لجأت تونس لصندوق النقد الدولي، وتوصلا لاتفاق مبدئي على حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار، من أجل المساهمة في حل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
القرض يهدف إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والمساواة الضريبية، وقد تم تحديد مدة القرض بـ48 شهرا وهو مرهون بموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد، والذي أجله عدة مرات انتظارًا لميزانية الإصلاحات المطلوبة.
2- لبنان:
يواجه لبنان أزمات متعددة الجوانب تعمقت وتوسعت بشكل كبير بسبب السياسات الحكومية السيئة، نتيجة لذلك، ارتفع التضخم بشكل كبير منذ 2019.
لكن لبنان أصبح في وضع أسوأ مع انطلاق الحرب الروسية، وبلغ التضخم فيه مستويات قياسية عجزت العديد من الجهات الداخلية والخارجية عن احتسابها، وتراوحت التقديرات ما بين 145% إلى 300%، وبعض التقديرات تجاوزت ذلك، ويرجع ذلك لأن لبنان يستورد 95% من سلعه من خارج، وقد انهارت عملته حتى تجاوز الدولار الواحد قيمة 80 ألف ليرة.
المواطنون اللبنانيون يؤكدون أن أسعار بعض السلع تضاعفت 80 مرة، وأخرى تضاعفت 200 مرة، وانعدمت العديد من السلع من الأسواق، وأصبح أكثر من 80% من الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر وفقًا للأمم المتحدة، وهو ما يهدد 2 مليون ساكن للبنان بانعدام الغذاء، خصوصًا أن تجاوزت نسبة البطالة 30%.
قامت البنوك اللبنانية بتقييد سحب أموال المودعين، مما تسبب في حالات هجوم على البنوك لاسترداد الودائع، وقيام بعضهم برفع قضايا في الدول الغربية للإفراج عن أموالهم، ومع صدور أحكام من القضاء اللبناني ضد بعض المصارف تتهمها بتبييض الأموال والفساد، أضربت المصارف عن العمل، فتجدد الهجوم عليها من قبل المواطنين.
ونتيجة لتذبذب الأسعار واختفاء السلع، قررت الحكومة اللبنانية السماح بتسعير منتجات البقالة بالدولار، فعانى كل من الشركات والأسر بشكل كبير من التضخم غير المنضبط، ولم يعد للبنان أي أمل سوى الشروع في برنامج من صندوق النقد الدولي على الفور لإنقاذ البلاد من الانهيار التام الذي لا رجعة فيه.
لكن صندوق النقد الدولي ما زال يؤجل قراره بخصوص لبنان، انتظارًا لحدوث إصلاحات جوهرية في القطاع المالي والمصرفي.
3- مصر:
كانت العملة المصرية من ضمن العملات الأسوأ أداء في 2022، بحسب تصنيف ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز، حيث انخفض الجنيه المصري لأكثر من 30 جنيه مقابل الدولار مقارنة بـ15.7 جنيه مقابل الدولار قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وتوقعت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن تكون هناك مشاكل في التمويل في البلاد بسبب 6 مليارات دولار من آجال استحقاق الديون الخارجية المستحقة العام المقبل، و9 مليارات دولار أخرى في عام 2024.
دفعت الحرب الروسية مصر، أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، إلى أزمة مالية بسبب ارتفاع التضخم على أساس سنوي إلى 24.4% في ديسمبر، ورفع البنك المركزي المصري، أسعار الفائدة بنحو 8% خلال 2022، وهو أعلى زيادة سنوية لأسعار الفائدة على الإطلاق في مصر، مما تسبب في تراجع القوة الشرائية للمصريين خصوصًا مع انخفاض الجنيه، مما رفع أسعار السلع خلال العام عدة مرات.
نتيجة ذلك لجأت مصر لصندوق النقد الدولي، ونجحت في الوصول للاتفاق في 16 ديسمبر، وقرر الصندوق صرف 347 مليون دولار، ضمن اتفاق مدته 46 شهرًا بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة لتحفيز تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، من أجل توفير موارد دولارية لسد الفجوة التمويلية ومواجهة عجز ميزان المدفوعات الذي تأثر بارتفاع أسعار السلع منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع تكلفتها على مصر التي تعتمد بشكل كبير على استيراد الأساسيات.
4- سوريا:
لقد أثرت الحرب الروسية في أوكرانيا بشدة على سوريا، في وقت كان 60% من السكان (12.4 مليون سوري) في حالة من انعدام الأمن الغذائي، وخصوصًا بعد أن تسبب الغزو في قطع ما يصل من 30% من صادرات القمح العالمية، بالإضافة لزيادة أسعار السلع الغذائية.
تحسبًا للنقص الحتمي وارتفاع الأسعار، عقد مجلس الوزراء السوري اجتماعاً طارئاً في أواخر فبراير لتنفيذ المزيد من تدابير التقشف للتعامل مع التأثير المحلي للهجوم الروسي على أوكرانيا.
انخفضت قيمة الليرة، وانهارت القوة الشرائية للسوريين العاديين، كما عانت البلاد من نقص في السلع الأساسية، حيث كافحت الحكومة السورية التي تعاني من ضائقة مالية، لاستيراد ما يكفي من الوقود والقمح للحفاظ على حركة اقتصاد البلاد وإطعام الشعب السوري.
ارتفعت نسبة التضخم في سوريا لعام 2022 إلى أكثر من 139%، واحتلت مرتبة متقدمة ضمن قائمة أكثر اقتصادات العالم تضخماً، حيث جاءت بعد فنزويلا والسودان ولبنان، بحسب موقع الاقتصادي “تريندينغ إيكونوميك”.
كان 90% من سكان سوريا يعيشون في فقر، وكان ثلثاهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية. وتعرض برنامج الغذاء العالمي لضغوط بسبب فقدان الإمدادات، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة عدد الأشخاص المحتاجين في جميع أنحاء العالم، لذلك بداية من مايو 2022، خفض البرنامج المساعدات الغذائية المنقذة للحياة إلى حوالي 1.35 مليون شخص في شمال غرب سوريا.
تم الشعور بالآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا في جميع أنحاء سوريا، وشهدت المنتجات المختلفة المتعلقة بإنتاج القمح والدقيق بالفعل ارتفاعات سريعة في أسعار السوق.
5- اليمن
يعاني اليمن من كارثة إنسانية بسبب تداعيات الحرب المستمرة خلال العقد الماضي، وقد أدت الحرب إلى تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتعطيل الخدمات العامة.
التحدي الأكبر الذي يواجه اليمن هو انعدام الأمن الغذائي، والذي يتفاقم ويصل إلى مستويات كارثية في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الإمدادات الغذائية لليمن.
لسوء الحظ، أدت تداعيات الأزمة الأوكرانية إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن، حيث يستورد اليمن 40% من قمحه من أوكرانيا وروسيا.
أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى اختفاء إمدادات القمح في الأسواق اليمنية، مما أدى إلى عدم قدرة العائلات – والنازحين على وجه الخصوص – على شراء احتياجاتهم من القمح والحبوب، بعد أن فرضت الحرب على أوكرانيا قيودًا كبيرة على إمدادات الحبوب.
أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية تجاوزت في بعض التقديرات 45%، وارتفعت أسعار القمح بنسبة 35٪ مقارنة بأسعارها في بداية الحرب.
في 14 مارس، بعد ثلاثة أسابيع من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت اليونيسف أن “أزمة الجوع الشديدة بالفعل في اليمن تتأرجح على حافة كارثة صريحة”.
مع ارتفاع أسعار الغذاء في اليمن، أصبحت معظم العائلات تعيش على وجبة واحدة في اليوم، وحتى هذه الوجبة تحتاج كفاحًا شديدًا بسبب “ارتفاع الأسعار بشكل جنوني”، كما وصفته ياسمين فاروقي، كبيرة مستشاري السياسة في منظمة Mercy Corps الإنسانية.
توقع تحليل للأمم المتحدة معاناة ما يقرب من 2.2 مليون طفل يمني دون سن الخامسة، بما في ذلك 538000 من سوء التغذية الحاد، وحوالي 1.3 مليون امرأة حامل ومرضع من سوء التغذية الحاد على مدار عام 2022.
قال جوردان تيج، المدير المؤقت لتحليل السياسات وبناء التحالفات للمجموعة الخيرية Bread for the World، إن 80٪ من سكان اليمن يعتمدون بالفعل على المساعدات لتلبية احتياجاتهم الأساسية فقط من أجل البقاء على قيد الحياة.
وأضاف تيج إن آثار الحرب في أوكرانيا محسوسة بالفعل في اليمن، لأن البلاد تعتمد على الواردات في الغذاء والوقود، وتنتج أوكرانيا في الواقع ما يقرب من ثلث إمدادات القمح اليمني.
وأشار تيج إلى أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة اضطر إلى تقليل حصص الغذاء التي يوفرها لشعب اليمن، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع الأسعار الذي يجعل الوكالة تكافح من أجل تحمل الإمدادات اللازمة.