روسيا تستخدم عدة منصات لترويج الأخبار الكاذبة منها منصة عربية
تمكن فريق الكشف عن المعلومات المضللة في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” من الكشف عن وجود شركة إعلامية مسجلة في المملكة المتحدة، تنشر معلومات مضللة روسية لملايين الأشخاص الناطقين باللغة العربية حول العالم.
وتدعي الشركة الإعلامية “يلّا نيوز” أنها تقدم أخبارًا محايدة، لكن عملية تحليل قام بها فريق بي بي سي، أظهرت أن معظم محتويات المنصة الإعلامية، ما هي إلا صورة مماثلة لقصص منشورة على المواقع الإعلامية الروسية، المدعومة من الدولة، وتبين أيضًا أنها تعمل بالفعل من خارج سوريا.
وتتمتع مجموعة (يلّا)، الشركة الأم لـ (يلّا نيوز)، بحضور اجتماعي قوي في الفضاء الإلكتروني، إذ تمتلك ما لا يقل عن عشرين صفحة على منصة فيسبوك، جميعها أنتجت وعُدّت بإتقان وحرفية.
وتحرص المنصة التي يتابعها حوالي ثلاثة ملايين شخص على تحميل مقاطع مصورة جذابة كل بضع ساعات على صفحاتها الإلكترونية، إذ تركز على نشر قصص ذات فائدة لمتابعيها مثل: مقابلات المشاهير، والأعمال الكوميدية، والسياسة العالمية.
وتتبنى قصصًا مؤيدة لروسيا، كما أن العديد من قصصها تطابق تقريبًا تلك التي نُشرت على وسائل الإعلام الحكومية الروسية في نفس اليوم.
وبدأت صفحات “يلّا” تكتسب زخماً وشهرةً بعد وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتزعم المنصة الإعلامية، أن أوكرانيا ترسل الطيور لنشر الأمراض باستخدام صورة لطائر القيق الأزرق التقطها مركز للحياة البرية في الولايات المتحدة.
وعلى سبيل المثال: في 10 مارس/ آذار 2022، بث التلفزيون الرسمي الروسي قصة غريبة وخيالية تمامًا، تدعي أن الولايات المتحدة كانت تستخدم الطيور كأسلحة بيولوجية من أجل نشر الأمراض الفتاكة أثناء تحليقها إلى روسيا.
وبعد ظهر ذلك اليوم، تمت ترجمة القصة ونشرها على الشبكات الروسية المدعومة من الدولة مثل سبوتنيك العربية وروسيا اليوم (RT) العربية. وبعد ساعتين لاحقاً، تم نشر نفس الفيديو مع بعض التعديلات المطابقة للأصل، باللغة العربية على صفحة يلّا نيوز على فيسبوك.
وقصة الطائر هذه، هي مجرد مثال واحد من قصص أخرى عديدة. فعلى مدار عام، ومن خلال العمل مع متخصصين في المعلومات المضللة، راقبت بي بي سي مقاطع الفيديو الأكثر مشاهدة على موقع يلّا نيوز، ووجدت أن جميع قصص الموقع تقريبًا يمكن إيجادها في مواقع إخبارية مملوكة للكرملين ومؤيدة له.
مذبحة بوتشا
ومن القصص المزيفة التي نشرها يلّا : قصة “مذبحة بوتشا” التي زعمت أنها كانت مدبرة، إضافة إلى أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي كان “مخمورًا” وهو يخاطب الشعب الأوكراني عبر نشر مقطع فيديو مزيف له، وأن الجنود الأوكرانيين هربوا من خط المواجهة. وتبين عبر المراقبة والتحليل أن جميع هذه القصص أُنتجت ونُشرت في وسائل الإعلام الحكومية الروسية، وبعد ساعات قليلة بدأ موقع يلّا نيوز بترجمتها وإعادة نشرها.
بوق للكرملين
بيلين كاراسكو رودريغيز، الباحثة في مركز مرونة المعلومات في المملكة المتحدة، والتي تدرس تأثير العمليات الروسية على الإعلام، تقول إن موقع يلّا نيوز يعمل “كبوق للكرملين” في الشرق الأوسط.
وتتابع رودريغيز بالقول، إن الإطار الزمني وأوجه التشابه بين قصص الإعلام الروسي الحكومي والموقع، تشير إلى أنه يمكن أن يكون منصة “غسيل معلومات” تابعة لروسيا؛ فضخ الدعاية الموالية من خلال طرف ثالث بحيث لا يبدو أنها من الكرملين، إنه أمر فعلته روسيا في الماضي وليس غريباً عليها.
وتُضيف: “بسبب شعبية المنصة لدى الجماهير العربية، ربما تستخدمها المصادر التابعة للكرملين لنشر اهتمامات روسيا بين العقول العربية”.
ما ثمن معارضة بوتين؟
يقول روارج ثورنتون، من مجموعة الحماية الدولية للأمن السيبراني، إن غسيل المعلومات أصبح شائعًا، وأصبح الناس أكثر وعيًا بوسائل الإعلام الروسية التي ترعاها الدولة.
ويتابع ثورنتون :” الفكرة من غسيل المعلومات، هي أن نجعل القصص تروي فكرة معينة، ويتم التعاقد مع شركة تسويق رقمي لإنتاج هذا النوع من المحتوى، بحيث تبدو المعلومات منفصلة تمامًا عن روسيا، ومن ثم يمكن نقلها بشكل طبيعي إلى العالم”.
تقييمات وهمية
يلّا نيوز هي جزء من مجموعة يلّا التي تصف نفسها بأنها “شركة تعمل في مجال الإنتاج المرئي على مواقع التواصل الاجتماعي”.
لكن الموقع الإلكتروني للمجموعة لا يبدو أنيقًا مثل صفحاته عبر المنصات الاجتماعية، إذ يتكون من نصوص وصور وهمية، كما أن معظم تقييماته ذات النجوم الخمس على فيسبوك “مزيفة”، مكتوبة في نفس التواريخ بواسطة نفس الحسابات من جنوب شرق آسيا، إذ أن اعتماد سياسة التقييمات المدفوعة تعدّ رائجة.
ويصف تقييمان نموذجيان موقع يلًا نيوز بأنه “محايد وموضوعي ومهني” و”منصة إخبارية رائعة وصادقة وشفافة وهادفة”.
مصطفى عياد، من معهد الحوار الاستراتيجي، لا يوافق الرأي أن (يلاّ) منصة رائعة: “سلوك الصفحة منسق بشكل واضح، أعتقد أنها تنشر الكثير من مقاطع الفيديو- المكلفة مادياً- التي تروج لنفس الفكرة كل يوم”.
ورغم أن شركة (يلاّ)، المسجلة في المملكة المتحدة تحت عنوان “بلومزبري وسط لندن” لا تمتلك موظفين أو مكاتب فعلية، إلا أن أكثر من 65000 شركة أخرى، بينها 12000 شركة نشطة تتشارك عنوان (يلّا).
وباستخدام تقنيات تحديد الموقع الجغرافي المتطورة، استطاعت (بي بي سي) الحصول على صور تُظهر فريق العمل ومكاتبه في إحدى ضواحي العاصمة دمشق. كما أكد موظف سابق لدى المجموعة أنها تعمل من هناك.
ومن بين عملاء (يلّا)، مشاهير وصحفيون سوريون موالون للنظام. وتظهر الصورة في الأعلى، مراسل التلفزيون الحكومي شادي حلوة، أحد عملاء مجموعة يلاّ، يقف مع رجال الأعمال السوريين المشمولين بالعقوبات الغربية، الأخوين القاطرجي. ويمتلك شادي حلوة محطة إذاعية تمولها عائلة القاطرجي.
وتعدّ “شام إف إم” جزءا من عمليات يلّا نيوز، وهي محطة إذاعية موالية للنظام تبُث برامج سبوتنيك العربية – وهي جزء من شبكة الإذاعة الروسية الحكومية.
ويقول المتخصصون في الشأن السوري ممن يعملون في قسم المتابعة الإعلامية في (بي بي سي) إن وسائل الإعلام الموالية للنظام وكذلك الخاصة “غالباً ما تكون مملوكة لرجال أعمال لهم صلات وثيقة بالمؤسسة السياسية والعسكرية”.
ويقول الخبراء إن تسجيل المجموعة في المملكة المتحدة، قد يكون لتجنب اعتبار أنها تدار من بلد خاضع للعقوبات، الأمر الذي يسمح لها ببناء علاقات تجارية مع منصات مثل شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك.
ونشر مؤخرًا، صاحب إحدى صفحات مجموعة (يلّا) على فيسبوك خبرًا مفاده أن الموقع أصبح “شريكًا تجاريًا” رسميًا في (ميتا)، ما يعني أن خدمات التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي توصي بتصفح المجموعة لدى القراء.
وعندما تواصلت (بي بي سي) مع شركة ميتا، أنكر العاملون تلك الشراكة.
من يقف وراء المنصة؟
تقول (بي بي سي): “لقد تعقبنا الرئيس التنفيذي للشركة أحمد مؤمنة وهو رجل أعمال سوري”.
وقال مؤمنة لـ (بي بي سي) إن “مجموعة يلّا هي شركة مقرها المملكة المتحدة. لدينا أكثر من 500 عميل بما في ذلك شخصيات عامة وفنانين وأصحاب مواهب. ليس لدينا موظفون في لندن حتى الآن، ولكن يمكننا في المستقبل القريب أن نبدأ بالتوظيف هناك”.
كما سألته (بي بي سي) عن مقاطع الفيديو والقصص الموالية للكرملين على موقع يلّا نيوز، وقال: “محتوى يلّا نيوز غير متحيز. سواء لـ سوريا أو روسيا أو أي شيء آخر، نحن نحترم الحيادية”.
وكذلك سأل فريق (بي بي سي) مؤمنة، إذا كانت شركته تتلقى تمويلًا من الحكومتين الروسية أو السورية؟ وأجاب: “أنا الممول والمؤسس الوحيد لشركة يلّا ولا أحد يستطيع التأثير عليّ”.
وسألت (بي بي سي) وكالة تسجيل الشركات التابعة لوزارة الأعمال والتجارة في المملكة المتحدة عن صحة تسجيل الشركة لديهم، وقال المتحدث باسهم إنهم “لا يعلقون على الشركات الفردية” وليس لديهم “صلاحيات قانونية للتحقق من صحة المعلومات التي يتم تسليمها”.
وقال متحدث باسم شركة ميتا التي تمتلك فيسبوك، إن الشركة تعمل مع مدققي الحقائق التابعين لجهات خارجية من أجل مكافحة انتشار المعلومات المضللة على منصاتها.