على خلفية تفجير 1994.. الأرجنتين تسعى إلى اعتقال أربعة لبنانيين
- رئيسة الأرجنتين السابقة متهمة بالتستر على دور إيران وحزب الله بتفجير المركز اليهودي في بوينس آيرس
في تمام الساعة 9:53 صباحًا يوم 18 يوليو/ تموز من كل عام، يسمع جميع سكان حي بالفانيرا بالأرجنتين صافرات الإنذار، وهي اللحظة التي انفجرت فيها سيارة مفخخة أمام مركز يهودي في بوينس آيرس (AMIA) في عام 1994، وهو الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في تاريخ الأرجنتين.
بعد تسعة وعشرين عامًا من التفجير الذي أسفر عن 85 قتيلا و300 جريح، يتطلع الكونجرس في الأرجنتين الآن إلى إصدار قانون لجعل 18 يوليو يوم حداد وطني.
وإذا تم تمرير مشروع القانون في مجلس الشيوخ، فسيتم رفع العلم الأرجنتيني في 18 يوليو من كل عام في جميع المباني العامة. كما يشجع القانون المدارس على القيام بأنشطة طلابية لزيادة الوعي بهذه المسألة.
وصوت على مشروع القانون 178 نائبًا من ضمن 180 نائبًا حضروا جلسة 6 يوليو 2023، وكان اثنان فقط من الذين صوتوا ضد مشروع القانون، وحاول أحدهم لاحقاً تغيير صوته، وفقاً لموقع صحيفة بوينس آيرس هيرالد. كما أقر النواب مشروع قانون لتكريم الضحايا.
مذكرة توقيف دولية
وفي شهر يونيو الماضي سعت الأرجنتين، إلى إصدار مذكرة توقيف دولية بحق أربعة مواطنين لبنانيين يشتبه في تورطهم بتفجير، عام 1994.
ووافق قاض على طلب المدعي العام الاستحصال على مذكرة من الإنتربول بدعوى الاشتباه في أن الأربعة “موظفون أو عملاء عمليات” لدى حزب الله.
والأربعة هم حسين منير مزنر، علي حسين عبد الله، فاروق عبد الحي عميري وعبد الله سلمان. ويعتقد أنهم مقيمون في باراغواي أو البرازيل أو بيروت، بحسب وكالة فرانس برس.
ويشتبه في أن سلمان “نسق وصول ومغادرة مجموعة العمليات” التي نفذت الهجوم.
الهجوم على المركز اليهودي في العاصمة الأرجنتينية يعد هو الأسوأ في تاريخ البلاد، وأعقب تفجيرا وقع قبله بعامين استهدف السفارة الإسرائيلية وأسفر عن 29 قتيلا.
لم يكشف عن منفذ هجوم 1994 ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه، لكن الأرجنتين وإسرائيل تشتبهان في أن “حزب الله” اللبناني نفذه بناء على طلب إيران التي تنفي من جهتها أي تورط لها.
محاسبة إيران
والعام الماضي بالتزامن مع الذكرى الـ28 لانفجار المركز اليهودي، أكد بعض المسؤولين الحاليين والسابقين في الأرجنتين وإسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدد من النشطاء السياسيين والمدنيين، على ضرورة محاسبة مسؤولي النظام الإيراني، بحسب إيران اينترنشنال.
وبعد تحقيق مفصل، ورد ذكر النظام الإيراني وجماعة حزب الله اللبناني كمخططي ومرتكبي هذا العمل الإرهابي.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية حينها، نيد برايس، في بيان بمناسبة ذكرى تفجير “آميا” الـ28 أن الهجوم نفذه حزب الله وبدعم من النظام الإيراني.
وشدد برايس حينها على أن “مسئولين كبار في النظام الإيراني متورطون بشكل مباشر في هذا الهجوم، وأن حزب الله نفذه تحت إشراف النظام الإيراني”.
وجاء في البيان: “من حق الشعب الأرجنتيني تقديم المسؤولين عن هذا الهجوم إلى العدالة”.
ويذكر أنه بناءً على طلب الأرجنتين، أصدرت الشرطة الدولية مذكرة توقيف دولية بحق ستة مسؤولين إيرانيين متهمين بالتورط في هذا الهجوم الدموي.
ومن بين هؤلاء بحسب إيران اينترنشنال، علي فلاحيان وزير المخابرات الإيراني في ذلك الوقت، ومحسن رضائي، قائد الحرس الثوري الإيراني في ذلك الوقت، وأحمد وحيدي، القائد السابق لفيلق القدس ووزير الداخلية الحالي، وأحمد رضا أصغري، السكرتير السابق لسفارة إيران في بوينس آيرس، ومحسن رباني، المستشار الثقافي السابق في هذه السفارة، وعماد مغنية، رئيس مقر عمليات حزب الله آنذاك.
وتواجه الحكومة الأرجنتينية اتهام بالتستر على هذه القضية مقابل تلقي رشوة نفطية من إيران، بحسب إيران اينترنشنال، ومقتل ألبرتو نيسمان الذي وجه هذا الاتهام، حول قضية “آميا” إلى إحدى القضايا المعقدة في هذا البلد.
ونسبت الأرجنتين الهجوم إلى مسؤولين إيرانيين كبار سابقين، بينهم الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، وحزب الله اللبناني.
وتضم الأرجنتين أكبر جالية يهودية في أميركا اللاتينية، مع حوالي 300 ألف شخص.
وتطالب عائلات ضحايا هجوم مبنى “الجمعية التعاضدية الإسرائيلية الأرجنتينية” (آميا) بتطبيق العدالة إزاء الأفعال التي مرت دون عقاب.
التستر على إيران وحزب الله
سلطت قضية إصدار قاض أرجنتيني أمراً بإلقاء القبض على الرئيسة السابقة للبلاد كريستينا فرنانديز، عام 2017 لاتهامها بالتستر على دور إيران وحزب الله بتفجيرات المركز اليهودي الضوء على علاقاتها بنظام طهران والصفقات التي أبرمتها مع هذا النظام.
ومنذ عام 2004 حتى 2015، سعى ألبرتو نيسمان لكشف الحقيقة وراء هذه الهجوم وقد خلص من التحقيق الذي أجراه إلى أن إيران تولت التخطيط له.
ويصر نيسمان على أن كريستينا فرنانديز تقف خلف عملية تعتيم هدفت إلى التغطية على الدور الإيراني، بسبب صفقات اقتصادية عملاقة وعلاقات حكومتها بروابط شعبوية بإيران وتكتل الدول البوليفارية بقيادة فنزويلا.
في 18 كانون الثاني/يناير 2015 وُجد ممثل الادعاء العام، القاضي ألبرتو نيسمان، مقتولاً في شقته، وهو الذي كان قد بادر بتوجيه تلك الاتهامات لفرنانديز، حيث قال إنها عملت في الخفاء لتبرئة إيران وتطبيع العلاقات معها، لإبرام صفقات نفط مع طهران، وكان مقتولاً بالرصاص في شقته في بوينس آيرس، وتم تصنيف وفاته على أنها انتحار على الرغم من أن مسؤولاً يحقق في القضية قال بعد ذلك إن إطلاق النار عليه يبدو جريمة قتل.
وعثر على جثة نيسمان قبل ساعات من تقديمه إفادة للكونغرس بشأن اتهامات لفرنانديز بمحاولة التستر على دور إيران في تفجير شاحنة في مركز (إيه.إم.آي.إيه) اليهودي في بوينس آيرس، وذلك بالرغم من تعيين فريق حراسة مؤلف من عشرة أفراد لحمايته.
وفي ديسمبر 2017، دعا القاضي كلاوديو بوناديو مجلس الشيوخ الأرجنتيني إلى رفع الحصانة عن فرنانديز، حيث يجب أن يصوت ثلثا أعضاء المجلس لهذا القرار ليتسنى محاكمتها بقضية التفجيرات الدامية التي نفذها عناصر من ميليشيات حزب الله اللبنانية بأوامر مباشرة من إيران، وفق القضاء الأرجنتيني.
ويشير تقرير نيسمان إلى أن فيرنانديز ووزير خارجيتها، ومسؤولين رسميين آخرين أعادوا فتح قناة محادثات مع إيران لعقد صفقة يتم بموجبها تبادل الحبوب بالنفط الإيراني الذي تحتاج إليه بوينس آيرس بشدة، وذلك بعد تراجع إنتاج الأرجنتين النفطي ما أجبرها على البدء في استيراد الطاقة في عام 2010 وجعلها منذ ذلك الحين تنفق 50 مليار دولار على سد العجز في الطاقة.
وكتب نيسمان في تقريره: “كانت الصفقة الإيرانية المقترحة تحمل ختم الموافقة من الرئيسة الأرجنتينية. كل شيء تمت الموافقة عليه، وكانت قضية المركز اليهودي ستستخدم بيدقاً لإرضاء مصالح جيوسياسية. بدون الالتفات إلى الدلائل، كان سيجري إخراج الحقائق، أو المسؤولية الحقيقية عن الهجوم والمواطنين الإيرانيين وغسل أيادي إيران من القضية، وقد تم اتخاذ قرارات بهذا الشأن من قبل أعلى المستويات في البلدين”.
تفجير حافلة بلغاريا 2012
تنفيذ ميليشيا حزب الله لعمليات إرهابية على المستوى الدولي، تستهدف إسرائيليين لم يكن منحصراً في تفجير 1994 بالأرجنتين.
فبعد 18 عاماً وفي نفس يوم التفجير الأكثر دموية في تاريخ الأرجنتين، حدثت جريمة أخرى، ولكن في بلغاريا، اعتبُرت حينها الاعتداء الأكثر دموية ضد إسرائيليين في الخارج منذ العام 2004.
ففي 18 تموز/يوليو عام 2012 تم الاعتداء على حافلة في مطار بورغاس وأسفر الحادث مقتل خمسة إسرائيليين بينهم امرأة حامل وسائق حافلتهم البلغاري.
إضافة إلى الشخص الذي كانت المتفجرات بحوزته، وتم تحديد هويته بعد ذلك، بفضل الحمض النووي، وهو لبناني فرنسي.
وألقت السلطات البلغارية باللوم على حزب الله في الهجوم الذي أسفر كذلك عن إصابة 35 شخصاً بجروح.
وفي سبتمبر عام 2020 قضت محكمة بلغارية بسجن رجلين مدى الحياة في القضية، هما لبناني أسترالي، كان يبلغ من العمر 31 عاما عند وقوع الهجوم، ولبناني كندي. بعد إدانتهما بالإرهاب والقتل غير العمد.
ليسدل الستار على جريمة أخرى من جرائم حزب الله وإيران.