كون المرء من الإيغور في الصين يحول الحياة اليومية إلى “حركة سياسية”
خلال محادثة في وقت متأخر من الليل بين مجموعة أصدقاء من أقلية الإيغور المسلمة، يقول أحدهم فجأة: “أتمنى أن يغزو الصينيون العالم!”. بكل إندهاش، يسأل آخر: “لماذا تقول هذا؟” ليجيب عليه الرجل الأول “العالم لا يهتم بما يحدث لنا.. بما أننا لا نستطيع أن نحصل على الحرية بأي حال فلندع العالم كله يتذوق طعم القهر” مضيفاً: “سنكون جميعنا نفس الشيء، لن نكون وحدنا في معاناتنا”.
هذه فورة غضب مفهومة.. الإيغور هم أقلية مسلمة تعيش بشكل رئيسي في منطقة شينجيانغ شمال غرب الصين وعانوا لفترة طويلة من التمييز والاضطهاد.
منذ عام 2016 اشتد قمع السلطات الصينية بشكل كبير مع الاعتقالات الجماعية والتعقيم القسري والإجهاض القسري وفصل آلاف الأطفال عن آبائهم وهدم آلاف المساجد.
ومع ذلك فإن كتاب طاهر حموت إزجيل “في إنتظار القبض عليه في الليل” والذي يروي تلك المحادثة في البداية ليس كتاباً مريراً بل يغمره شعور عميق بالحزن واليأس حتى وسط الأمل.
ترثي إحدى قصائد إزجيل “ومع ذلك فإن كلماتنا لا يمكنها التراجع عن أي شيء هنا، حتى الأشياء التي أحضرناها لتكون”.
اشتهر إزجيل، الشاعر وصانع الأفلام، بإضفاء حساسية الحداثة على شعر الإيغور. ولم يخطط إزجيل لأن يكون ناشطاً سياسياً، ومع ذلك فإن حقيقة كونك من الإيغور في بلد يسعى إلى محو وجود الإيغور ثقافياً وجسدياً يحول الحياة اليومية إلى عمل سياسي. وبالنسبة للشاعر الذي يعيش في ثقافة “تنسج الآية في الحياة اليومية” فإن الكتابة هي بالضرورة فعل شهادة ومقاومة.
على الرغم من العنوان الفرعي للكتاب “مذكرات شاعر الإيغور عن الإبادة الجماعية في الصين” لا توجد هناك صور للإبادة الجماعية أو التعذيب أو حتى العنف.
نحن نعلم أن كل هذه الأشياء تحدث، ولكن خارج الصفحة. مذكرات إزجيل هي قصة حول كيفية البقاء والتفاوض في مجتمع أصبح فيه القمع أمراً روتينياً وسلطة الدولة غير مقيدة. إن ضبط النفس في الكتاب هو مصدر قوته أيضاً حيث ينبع التوتر في السرد من الرهبة المأخوذة في العنوان – الخوف من انتظار أن يتم القبض عليك، أن تختفي في الحجز، رهبة لا يستطيع الإيغور الهروب منها.
كانت استراتيجية بكين على مدار العقد الماضي هي فصل الإيغور عن بقية العالم وعن بعضهم البعض أيضاً. عندما جعلت الرقابة والمراقبة من المستحيل الاتصال بالإنترنت خارج جدار الحماية الصيني، لجأ العديد من الإيغور إلى البقاء على اتصال بالعالم الخارجي من خلال أجهزة الراديو ذات الموجات القصيرة. إلى أن حظرت الحكومة بيع مثل هذه الإذاعات ونظمت مداهمات جماعية لمنازل المواطنين لمصادرتها ليقول إزجيل: “وجدنا أنفسنا فجأة نعيش مثل الضفادع في قاع بئر”.
تسعى بكين إلى عزل الإيغور عن ماضيهم وتقاليدهم أيضاً حيث يتم مصادرة المصاحف وكتب التاريخ محظورة، بما في ذلك العديد من الكتب المصرح بها سابقاً من قبل الدولة.
حتى الأسماء الشخصية أصبحت جزءاً من الهجوم على ثقافة الإيغور، قائمة الأسماء المحظورة في بكين تخبر الإيغور بما لا يمكنهم تسمية أطفالهم حيث تعتبر بعض الأسماء “إسلامية” أكثر من اللازم مثل عائشة وفاطمة وسيف الدين بينما أسماء أخرى مثل عرفات تعتبر “سياسية” للغاية.
إن الرهبة الأكبر هي القمع الجسدي الذي يتعرض لها الإيغور: الاعتقالات الجماعية والتعذيب والعنف. نحصل على لمحة عن الرعب عندما يذهب إزجيل وزوجته مرحبة إلى مركز للشرطة لجمع التفاصيل الحيوية الخاصة بهم – بصمات الأصابع وعينات الدم ومسح الوجه. على طول ممر الطابق السفلي، يرون زنزانة مزودة بقيود حديدية و “كرسي نمر” سيء السمعة يستخدم لإجبار المعتقلين على اتخاذ أوضاع مؤلمة وعلى الأرض بقع دماء.
شاهد أيضًا: أين اختفى مسلمو الإيغور؟ وكيف أصبحت مساجدهم مهجورة؟
يبدأ الناس في الاختفاء أولاً بأعداد صغيرة ليصل في النهاية العدد إلى مليون شخص. يتم نقلهم إلى “مراكز الدراسة” – رمز معسكرات الاعتقال الجماعي – رغم أن لا أحد يعرف أيها ويكتب إزجيل: “لقد اختفوا ببساطة”.
تطرق الشرطة الباب عندما “يكون اسمك على القائمة” ومع ذلك لم تكن هناك طريقة لمعرفة ما إذا كان اسمك سيظهر في القائمة ومتى. وتابع إرجيل: “لقد عشنا جميعاً وسط حالة عدم اليقين المخيفة هذه، لقد ولّد مناخ يخشى فيه الناس بعضهم البعض بقدر ما يخشون السلطات”.
في النهاية أدرك طاهر ومرحبة أن خيارهما الوحيد هو مغادرة الصين لكن رغم هذا فإن الهجرة صعبة للغاية خاصة بالنسبة للإيغور الذين تحتجز السلطات جوازات سفرهم.
شاهد أيضًا: من هم مسلمو الإيغور؟
بطريقة ما تمكنوا من التغلب على العقبات لكن ذلك كان بعد رشوة الأطباء لإثبات أن إحدى بناتهم تعاني من أحد أشكال الصرع التي يجب معالجتها في الخارج ليهربوا إلى أمريكا لطلب اللجوء السياسي.
تتشابك راحة الهروب من الاستبداد مع ألم المنفى وذنب الناجي: “بينما نعرف فرحة أولئك القلائل المحظوظين الذين صعدوا إلى سفينة نوح، فإننا نعيش مع عار الجبن المخفي في تلك الكلمة: الهروب”.
وينفجر شعور الكآبة في قصيدة “ما هو؟” وهي أول قصيدة كتبها إزجيل بعد هروبه إلى أمريكا: “هذه الأيام مزدحمة بآفاق ممزقة، محطمة!” وهو ألم معرفته أن الكثيرين ما زالوا يسحقهم الطغيان.