مالي تعيش أوضاعاً أمنية صعبة في ظل وجود فاغنر وتنافس الجماعات الإرهابية للسيطرة
- الحكومة المالية دعت مجموعة فاغنر للمساعدة في الأمن عام 2021
- هناك نحو 1000 من مرتزقة فاغنر في مالي أي أقل من عُشر حجم قوة الأمم المتحدة التي سيحلون محلها
- داعش حاول ترسيخ وجوده في شرقي مالي ويُحاول التمدد على نطاق أوسع
منذ مقتل زعيم مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوجين، انصب التركيز على التأثير الذي سيحدثه ذلك على البلدان التي تعتمد على مجموعة المرتزقة لتحقيق الأمن خاصة في أفريقيا.
وفي هذا الإطار، قاد مراسل بي بي سي فراس كيلاني، رحلة صعبة وخطرة عبر شمالي مالي، منذ أن أنهت القوات الفرنسية عملياتها العسكرية داخل البلاد قبل عام، ليرصد الظروف المعيشية لدى الأسر والعائلات، ممن يواجهون حياة صعبة، بينما تُحارب مالي الجماعات الإرهابية.
إرهاب داعش
وقد تم رصد – بحسب الفريق الصحافي – أوضاع خطرة في الجزء الشمالي من مالي، الذي يُعد خارج سيطرة الحكومة فيما تُسيطر عليه مجموعات من الإرهابيين، التابعين لتنظيم القاعدة.
أما في الجزء الشرقي، فقد رسّخ تنظيم داعش الإرهابي وجوده، كما يُحاول في التمدد وتوسيع نطاق سيطرته، في ظل محاصرة الكثير من المدنيين، وسط أعمال عنف متواصلة.
ويقول كيلاني: “قطعنا مسافة تزيد عن 1000 كيلومتر عبر الصحراء إلى مدينة كيدال شرقي مالي، ورأينا مخيمات يعيش بها آلاف اللاجئين بعد فرارهم من منازلهم”.
إلى ذلك، قال إحدى اللاجئات وتُدعى فاطمة لـ “بي بي سي”: “تنظيم داعش أجبرنا على المجيء إلى هُنا”، وقد جاءت الامرأة الستينية مع ابنتها و2 من أحفادها، بعدما قتل زوجها على يدِ داعش.
وأضافت: “لقد قتلوا جميع رجالنا وأحرقوا كل ما لدينا من طعام وحيوانات”.
وروى آخرون قصصاً مماثلة لـ “بي بي سي”، عن كيف تم تدمير مخزونهم من الحبوب والأغنام والإبل، ولم يبق لهم شيء.
ورغم أن كيدال أكثر أمانًا من المناطق التي تركوها، لكن هناك مخاوف من أن الوضع على وشك أن يزداد سوءًا.
بداية تدخل فاغنر
وفي عام 2012، قام الجيش بانقلاب، في حين سيطر المتمردون على الشمال، وأعلنوا دولة مستقلة في المنطقة.
وطلبت حكومة مؤقتة جديدة من القوات الفرنسية الحضور ومحاربة الجماعات الإرهابية، وبعد أشهر قليلة من وصولهم في عام 2013، أرسلت الأمم المتحدة قوة دولية تسمى مينوسما للحفاظ على السلام.
واستولى القادة العسكريون في البلاد على السلطة مرة أخرى في عام 2020.
وفي عام 2021، دعت الحكومة مجموعة فاغنر إلى مالي للمساعدة في الأمن، فيما طلبت الحكومة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة البالغ عددها 12 ألف جندي المغادرة، وهم الآن بصدد الانسحاب.
فاغنر.. أقل فعالية
وتشعر الجماعات المحلية بالقلق من أنه عندما تغادر قوات الأمم المتحدة هذه، فإنها ستترك فراغًا في السلطة مع تنظيم داعش الإرهابي والمسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة والانفصاليين الذين يقاتلون جميعًا من أجل السيطرة.
ويُعتقد أن هناك نحو 1000 جندي من مرتزقة فاغنر في مالي، أي أقل من عُشر حجم قوة الأمم المتحدة التي سيحلون محلها، وهناك مخاوف من أن يكونوا أقل فعالية في مواجهة الجماعات الإرهابية.
وفي وقت سابق من هذا العام، اتهمت الأمم المتحدة مجموعة فاغنر بارتكاب فظائع إلى جانب الجيش المالي، ووصفت “روايات مثيرة للقلق عن عمليات إعدام مروعة ومقابر جماعية وأعمال تعذيب واغتصاب وعنف جنسي” في منطقة موبتي.
ووصفت أيضًا كيف قُتل جنود ماليون، تحت إشراف مقاتلي فاغنر، بينما نفت الحكومة المالية ارتكاب أي مخالفات.
مخاوف من تجدد القتال
وفي إحدى المجمعات في كيدال، التقى مُراسل بي بي سي، فراس كيلاني، ببعض المجموعات التي تشعر بقلق إزاء الحكومة العسكرية في مالي، التي تُسيطر على جنوبي البلاد، مؤكدين: “تُحاول الاستيلاء على ما تبقى من قاعدة الأمم المتحدة عندما تنسحب القوة الدولية، وهو ما يؤدي إلى تجددِ القتال”.
وقال زعيم الطوارق المحلي، بلال أغ شريف – نقلًا عن بي بي سي -: “إذا سلمت مينوسما هذه المعسكرات إلى الجيش المالي، فستكون مينوسما مسؤولة عما سيحدث بعد ذلك”.
وأضاف أن: “الحكومة المالية ستكون مسؤولة أيضا لأنها تطالب بشيء ليس من حقها ولن نقبله”، موضحاً أن جماعته لن تتخلى عن السيطرة على المنطقة دون كفاح.
الوظائف المُدعمة
وبجانبِ توفير الأمن، تدعم قواعد الأمم المتحدة الـ 12 المنتشرة في مالي، حوالي 10,000 فرصة عمل محلية، حيث يوظفون – وفقًا لبي بي سي – مترجمين وسائقين وأشخاصًا لتوزيع الطعام وتقديم الخدمات مثل إضاءة الشوارع وبعض الرعاية الصحية الأساسية.
وتعليقًا على ذلك، قال شريف: “سيُترك هؤلاء الناس دون أي عمل، ودون أي أمل، ودون أي مصدر دخل لإطعام أسرهم، ونحن قلقون من أن تتدخل الجماعات الإرهابية والاستفادة واستغلال هذا الوضع”.
كما لفت أيضًا إلى أن ذلك: “سيمنح الجماعات الإرهابية فرصة جديدة لتجنيد آخرين وضمهم إلى صفوفهم”.
المصلحة الروسية
ومع ذلك، فقد تم التشكيك في دوافع مجموعة فاغنر في المنطقة، واتهمتها الحكومة الأمريكية بإدارة مناجم الذهب والماس في دول أفريقية أخرى، قائلة إنها “قوة مزعزعة للاستقرار”، مُتهمة بشكل رئيسي بالتربح من الموارد الطبيعية.
وقبل أيام قليلة من تحطم الطائرة في روسيا، ظهر يفغيني بريغوجين في مقطع فيديو يوحي بأنه كان في أفريقيا.
The first video with Yevgeny Prigozhin appeared
“We are working. Temperature +50°. Everything we love. The Wagner Group conducts reconnaissance and search activities. Makes Russia even greater on all continents! And Africa even more free. Justice and happiness for the African… pic.twitter.com/OfJ3W5Xeth
— Cyprian, Is Nyakundi (@C_NyaKundiH) August 21, 2023
استغلال فاغنر للذهب في مالي
وقام فريق “بي بي سي”، بزيارة أحد مصانع معالجة الذهب العديدة في مالي.
ومع وجود مئات المواقع، تمكنت مالي من إنتاج أكثر من 60 طنًا من الذهب سنويًا، مما يجعلها واحدة من أكبر خمس مصدرين للمعدن الثمين في إفريقيا.
وتشعر مجموعات الطوارق بالقلق من أن مرتزقة فاغنر قد يحاولون السيطرة على صناعة الذهب المحلية، وإذا فعلوا ذلك، يحذر شريف من أنه سيكون هناك إراقة دماء.
التهديد الإقليمي
وحذرت الأمم المتحدة من تزايد التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو في العام الماضي.
وشهدت الدول الثلاث انقلابات عسكرية، حيث تم طرد الحكومات المدنية من السلطة في بوركينا فاسو في عام 2022 وفي النيجر في يوليو من هذا العام.
ومع عدم اليقين الآن بشأن مستقبل فاغنر، فمن غير الواضح إلى أي مدى يمكن لمالي الاعتماد على المرتزقة لتحقيق الأمن، في حال تدهور الوضع داخل البلاد بشكل أكبر.