شبح كارثة فوكوشيما النووية يخيم على اليابان بعد زلزل مدمر
لم تكن بداية العام الجديد في اليابان مثالية ومبشرة إذ حملت الرعب والقلق ليس فقط لسكان البلاد، إنما للدول المجاورة
مع الساعات الأولى من العام الجديد ضربت سلسلة زلازل البلاد كان أعنفها في شبه جزيرة نوتو النائية أشارت التقارير الأولية إلى أن قوته 7.6 درجة مما دفع السلطات لإطلاق تحذير من موجات “تسونامي” عاتية، قد ترتفع إلى 3 أمتار.
وأظهرت فيديوهات انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، “لحظات الرعب” التي عاشها السكان في مناطق مختلفة من البلاد فيما أعلنت هيئة الأرصاد الجوية رصد أكثر من 155 هزة أرضية بعد الزلزال وحذرت من احتمال حدوث المزيد من الهزات القوية في الأيام المقبلة وموجات تسونامي.
شهود عيان يوثّقون اللحظات الأولى للزلزال الذي ضرب #اليابان في أول يوم من #العام_2024#أخبار_الآن pic.twitter.com/4isNnuC1nC
— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) January 1, 2024
كيف تحدث موجات تسونامي؟
تتألف كلمة “تسونامي” من الكلمات اليابانية “تسو” (بمعنى الميناء) و “نامي” (بمعنى موجة) . وتسونامي هو عبارة عن سلسلة من الموجات الضخمة التي أنشأتها اضطرابات تحت الماء ولها عادة علاقة مع الزلازل التي تحدث في الأسفل أو بالقرب من المحيط.
ويمكن أن تتسبب ثوران البراكين والانهيارات الأرضية، وتتساقط الصخور الساحلية أيضا في تولد تسونامي، كما يمكن لكويكب كبير أن يؤثر على المحيط. إنها تنشأ نتيجة الحركة العمودية في قاع البحر والتي تتسبب في نزوح الكتلة المائية.
وتظهر موجات تسونامي في كثير من الأحيان كجدران من الماء ويمكن أن تهاجم الشاطئ وتصبح خطرة لعدة ساعات، مع قدوم موجات كل 5 إلى 60 دقيقة.
قد لا تكون الموجة الأولى هي الأكبر، ولكن غالبا ما تكون الموجة الثانية أو الثالثة او الرابعة أو حتى الموجات اللاحقة هي الأكبر.
ما هي الأضرار التي خلفها زلزال اليابان الأخير؟
قتل 30 شخصا على الأقل حتى ساعة إعداد هذا التقرير حيث أعلن عن انتشال جثث من تحت الأنقاض، وأمرت الحكومة بإجلاء أكثر من 90 ألف شخص من 9 مقاطعات، وانقطعت الكهرباء عن حوالي 33 ألفا و500 منزل
🔴 زلزال بقوة 7.4 يضرب اليابان مع أولى ساعات 2024.. ومخاوف من موجات تسونامي
🔴 بعدما هزّت سلسلة من الزلازل القوية المناطق الغربية من البلاد، أصدرت السلطات اليابانية تحذيرات من حدوث موجات تسونامي.https://t.co/NHUwcJt8lT
— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) January 1, 2024
كما تسبب في موجات تسونامي -بارتفاع متر تقريبا- في مناطق على طول الساحل الغربي لليابان وكوريا الجنوبية المجاورة.
🔴 وحثت أيضاً الناس على الفرار إلى الأراضي المرتفعة أو أعلى مبنى مجاور في أسرع وقت ممكن.pic.twitter.com/WoYDXIkr4u
— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) January 1, 2024
ويأتي الزلزال في وقت حساس بالنسبة للصناعة النووية في اليابان التي واجهت معارضة شرسة من السكان منذ زلزال وتسونامي عام 2011 اللذين أديا إلى انهيار المفاعل النووي في فوكوشيما.
وأودت الكارثة حينذاك بحياة نحو 20 ألف شخص ودمرت بلدات بأكملها.
ماذا حدث في فوكوشيما؟
من أخطر الحوادث النووية الإشعاعية التي شهدها العالم، من بعد حادثة تشرنوبل في أوكرانيا في 26 أبريل عام 1986، تلك الكارثة التي وقعت في مفاعل فوكوشيما دايتشي على الساحل الشرقي لليابان في مارس عام 2011، نتيجة لزلزال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر ضرب شرق البلاد وتسبب بدوره في حدوث موجات تسونامي قوية
وشهدت محطة فوكوشيما عدداً من الانفجارات الكيميائية التي ألحقت أضراراً بالغة بالمباني.
وبدأت المواد المشعة تتسرب إلى الغلاف الجوي والمحيط الهادئ، مما دفع السلطات اليابانية إلى إقامة منطقة محظورة استمر توسيعها مع تسرب الإشعاع من المحطة، ما أجبر أكثر من 150 ألف شخص على إخلاء المنطقة.
واستخدمت المياه لتبريد قضبان الوقود في المحطة النووية.ولكن في الأيام التي تلت، ارتفعت درجة حرارة الوقود النووي في ثلاثة من المفاعلات وأذابت النواة جزئياً – وهو ما يعرف باسم الانصهار النووي.
لم تكن هناك وفيات على الفور خلال الكارثة النووية، لكن أصيب ما لا يقل عن 16 عاملاً في الانفجارات، وتعرّض عشرات آخرون للإشعاع أثناء عملهم على تبريد المفاعلات وتحقيق الاستقرار في المحطة.
وتعد الآثار طويلة الأمد للإشعاع محل نقاش حتى الآن رغم تطمينات منظمة الصحة العالمية والعلماء داخل وخارج اليابان.
واليوم، وبعد مرور 13 عاما على الحادثة، لا تزال مساحات كبيرة من أراضي فوكوشيما ملوثة بالنشاط الإشعاعي.
كيف تم التعامل مع الكارثة؟
بعد فوكوشيما قررت اليابان وقف مفاعلاتها خوفًا من تكرار الكارثة، لكن أزمة الطاقة العالمية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، أعادت بريق الطاقة النووية إلى عيون طوكيو؛ أملًا في توفير مصدر كهرباء نظيف وموثوق بعيدًا عن الانبعاثات الكربونية التي يطلقها الوقود الأحفوري، وتحقيقًا لهدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وفي 31 مايو 2023، وافق البرلمان الياباني على قانون يسمح بتمديد عمر المفاعلات النووية لأكثر من 60 عامًا، مع الامتثال لقواعد السلامة الجديدة، وبناء وحدات جديدة لتحل بدلًا من القديمة.
وبدأت اليابان منتصف العام المنصرم تصريف المياه المعالجة من محطة الطاقة النووية المتضررة في فوكوشيما في البحر في عملية مثيرة للجدل لكن طوكيو تصر على أنها آمنة.
فهل تشكل مياه فوكوشيما خطراً على البيئة والإنسان؟
تمت معالجة المياه مسبقا لتطهيرها من المواد المشعة، باستثناء التريتيوم الذي ستكون مستوياته في المياه ضمن الحدود الآمنة، وفق شركة طوكيو للطاقة الكهربائية.
لذلك تؤكد اليابان أن هذه العملية لا تشكل أي تهديد للبيئة البحرية وصحة الإنسان، وتؤيدها في هذا الرأي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تشرف على المشروع والتي أعطت الضوء الأخضر في يوليو من العام الماضي.
ويشرف مراقبون تابعون للوكالة الأممية على بدء عملية التصريف التي يُتوقع أن تستمر عدة عقود.
ومع نحو ألف حاوية فولاذية تحتجز المياه في الموقع، أشارت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية إلى أنها تحتاج إلى إفساح المجال للمرحلة التالية من العملية الطويلة والمكلفة والخطرة لإيقاف تشغيل المحطة.
وتتطلب هذه العملية إزالة الوقود النووي الذائب والأنقاض المشعة من المفاعلات المدمرة، وهي عملية خطيرة جدا لدرجة أن شركة طوكيو للطاقة الكهربائية ستحتاج إلى استخدام روبوتات عوضا عن البشر لإنجازها.
وبعد الزلزال الجديد مع بداية العام الحالي يبرز تساؤل مهم يقلق اليابانيين والدول المجاورة لهم…
هل من خطر على المحطات النووية ؟
بحسب هيئة تنظيم الأنشطة النووية في اليابان فإن المفاعلات في محطتين للطاقة النووية شمال موقع الزلزال الرئيسي في محافظة إيشيكاوا، لم تتأثر بالزلازل.
وذكرت الهيئة أن محطة شيكا النووية التابعة لشركة هوكوريكو للطاقة الكهربائية، والتي تحتوي على وحدتين وتقع على بعد حوالي 250 كم شمال أوهي وأقرب إلى مركز الزلزال الأقوى، كانت خارج الخدمة منذ كارثة فوكوشيما في عام 2011 ولم تتأثر بالزلزال.
وأضافت الهيئة أنه “لا يوجد خطر من تسرب الإشعاع من محطات الطاقة النووية” في المناطق المتأثرة بالزلازل وتسونامي.
ومما لاشك فيه أن جاهزية الدولة اليابانية وإمكاناتها المتطورة تساعد كثيرا في التخفيف من أي آثار محتملة للضرر المتعلق بالمفاعلات، حيث سبق وأخليت مساحة 1100 كيلومتر مربع من سكانها مع نقل أكثر من 100 ألف مواطن إلى أماكن آمنة بنجاح عام 2011.
غير أن المسألة لم تنته عند هذا الحد، لأن الكارثة أدت إلى ارتفاع الأصوات ضد بناء المحطات النووية للتزود بالكهرباء من جهة، وضد الحكومة لفشلها في تأمين محطة فوكوشيما بصورة جيدة من جهة أخرى.