داعش يستغل الفوضى في الشرق الأوسط لتحقيق المكاسب
تلقّت إيران، يوم الأربعاء المنصرم، ضربة أمنية موجعة بعد وقوع الانفجارين الداميين في منطقة كرمان بالقرب من مقبرة قاسم سليماني بالتزامن مع إحياء الذكرى الرابعة لمقتله.
وفي حين توجّهت أصابع الاتهام، في الساعات الأولى اللاحقة للانفجارين، إلى إسرائيل نظراً للخصومة القديمة بين البلدين وبسبب الحرب في غزة وتصاعد حدة التوترات في الشرق الأوسط على أثرها، أعلن تنظيم داعش الإرهابي تبنّيه للعملية التي أدت إلى سقوط أكثر من مئة قتيل وجرح العشرات، ما أثبت الترجيحات الأمريكية التي أطلقها مسؤولون أمنيون أميريكون بأن مسؤولية هذا الهجوم تقع على داعش.
وأثارت هذه الأحداث موجة من التساؤلات حول التوقيت الذي اختاره هذا التنظيم لتنفيذ عمليته، وازدادت المخاوف من إمكانية عودة الهجمات والعمليات الإرهابية، علماً أن أبرز قادة التنظيم دُحروا في السنوات الماضية من قبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
حول هذا الموضوع، أوضح د. ماهر فرغلي الخبير في شؤون الحركات الإسلامية والتنظيمات الجهادية لـ”أخبار الآن” أن داعش والقاعدة وكل التنظيمات الإرهابية تحاول استغلال أحداث الشرق الأوسط، وأحداث غزة تحديداً لإعادة إحياء نفسها.
وفسّر فرغلي أن تنظيم القاعدة، عبر نشرة “النفير” والإصدارات المتتالية التي تكتب باسم سيف العدل باستخدام اسم مستعار وهو سالم الشريف، يتحدث عن فلسطين وغزة بشكل مباشر داعياً للحرب والقتال. وكذلك الأمر بالنسبة لداعش الذي نشر أكثر من إصدار حول التطورات الأخيرة في القطاع، خصوصاً أن “النبأ” الأسبوعية لا تخلو من الحديث عن التصاعد في غزة.
واعتبر فرغلي أن التنظيم يسعى إلى إظهار كيانه ووجوده من خلال الأحداث المستجدة في الشرق الأوسط، “لأنه لو غاب عنها، حتى إعلاميًا ودعائيا، ستحدث تساؤلات كثيرة على المستوى الداخلي”.
وكشف لـ”أخبار الآن” أن هناك توقعاً بأن ينفذ بعض العمليات لإثبات نفسه و”هنا تكمن الخطورة”.
ما خلفيات توقيت عملية كرمان؟
تحدّث الخبير في شؤون الحركات الإسلامية عن التوقيت الذي اختاره داعش لتنفيذ العملية في إيران، معتبراً أنه مهم لأن قضية فلسطين بالنسبة للحركات الإسلامية والإسلام السياسي، قضية مركزية جداً، لا سيما مسألة القدس ومسجد الأقصى.
ورأى أن داعش يحاول إثبات وجوده ويقدّم نفسه على أنه الوحيد الذي يستطيع تحرير القدس، و”هذا ما كان واضحاً في كلام المتحدث الاعلامي باسم التنظيم”.
وقال فرغلي: داعش تحدّث في إصداراته عن أن كل التنظيمات الأخرى مرتبكة إيديولوجيًا ولا تسير على النهج الصحيح، واعتبر أن منهجياتها مخالفة لتعاليم الدين، وكذلك ركّز على مسألة الديمقراطية واضعاً إياها في خانة الكفر.
وأضاف فرغلي: داعش اعتبر أن كل الفصائل مرتدة، ملمحاً إلى حماس.
وأوضح بالتالي أن التنظيم يريد أن يثبت أنه الفصيل الوحيد أو الجماعة الوحيدة المنضبطة بالشرع.
وقد تحدّث فرغلي لـ”أخبار الآن” عن دلالات بيانات داعش مؤكداً أنها تحمل في طياتها هزيمة داخلية، “لأن حديث التنظيم عن المنهجية هذه تأتي نظراً للقلة التي يعاني منها في عدد عناصره، خصوصاً أن عملية التجنيد لم تعد كما كانت في الفترة الممتدة بين 2015 و2019 لذا هو يواجه مشكلة في تسرّب العناصر والانقسامات الداخلية، وسيطرة تيار متطرّف جداً على التنظيم، أشدّ تطرفًا من أبو بكر البغدادي نفسه.”
ولفت فرغلي إلى أنه لاحظ من خلال بيانات داعش والقاعدة أن هناك تقارباً في طريقة الدعاية والمنهج والدعوة للعمليات الارهابية.
وقال: يريدون أن يشعلوا المنطقة بحجة غزة، خصوصاً أن الأحداث في القطاع تخدم مصالح هذه التيارات للأسف.
وأشار فرغلي لـ”أخبار الآن”، إلى أن “عملية تفجيري كرمان أخذت صدًى كبيراً لأنها في إيران وهي ليست في الحقيقة من مناطق نفوذ داعش”.
الرسالة الحقيقية وراء تفجيري كرمان
أما بالنسبة لسبب اختيار داعش لإيران كمسرح لتنفيذ عملياته، فأعاد فرغلي السبب إلى المشاكل التي يعاني منها تنظيم القاعدة، ومحاولة داعش استغلال هذا الأمر لتسجيل نقطة لصالحه.
وأوضح فرغلي قائلاً: سيف العدل زعيم تنظيم القاعدة موجود في إيران، وكذلك القيادات، وقد دفع التنظيم الى التحالف مع الحوثيين في اليمن وبالتالي عدم استهداف هذه الميليشيا، واقتصار هجماته على عمليات ضد الغرب وأعداء إيران، وهذا ما أثار مشكلة داخل القاعدة، لذا خرج خالد باطرفي لينفي العلاقات مع إيران وينفي وجود اتفاق مع الحوثيين، مع ذلك فإن المشكلة تحدث جدلا وانقساما داخل التنظيم.
وأَضاف: “بضربته على إيران، يحاول داعش القول أنه التنظيم الأفضل الذي يطبق الشريعة ويستهدف إيران، وهذه هي الرسالة الحقيقية من العملية على حد وصفه.”
وكشف فرغلي عن توقعات كثيرة بعودة داعش، لافتاً إلى أن التنظيم الإرهابي ناشط جداً في غرب إفريقيا، وله وجود في شرق إفريقيا.
أما في ما يتعلق بفشل حركة طالبان بالقضاء على داعش – خراسان وبالتالي منع تمدد خطره في المنطقة، ذكر فرغلي أنه من الصعب إجمالاً السيطرة على حركة كداعش، متحدثاً عن خصوصية الحالة الأفغانية.
وقال: عوامل عدة تقف بوجه القضاء على داعش في أفغانستان، أولها أن طبيعة الأرض وعرة جداً، ثانياً تعدد التنظيمات في هذا البلد التي تتحول بسرعة من فكر إلى فكر آخر، ثالثاً وجود داعش في أفغانستان معقّد جداً”.
وأضاف: داعش دائم التوالد، وما يلبث أن يتم القضاء عليه حتى يعود مجدداً.