بين إسرائيلي وفلسطينية.. علاقة صداقة تتحدى الحرب والاختلاف والتعصب
صحيح أن الحرب في غزة وسّعت الفجوة ما بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني وغذّت الفكر التعصبي والرغبة بالانتقام لدى الطرفين، إلا أن قصة باراك هيمان الإسرائيلي وأم أيان الفلسطينية تبقي بريق الأمل مضاءً، وتشي بإمكانية تعايش الشعبين جنباً إلى جنب.
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريرًا يسلط الضوء على علاقة الصداقة التي تجمع بين المخرج والناشط الإسرائيلي هيمان، والسيدة الفلسطينية من غزة أم أيان، وهو اسم مستعار طلبت استخدامه في التقرير خوفا على سلامة عائلتها.
في التفاصيل، نشأت هذه العلاقة عام 2019 بعد أن شارك هيمان في حملة تبرع على الإنترنت لعلاج والد السيدة من السرطان قبل سنوات.
وتطورت صداقتهما حتى من دون أن يلتقيا شخصيا؛ حيث يطمئنان على بعضهما البعض عبر الرسائل النصية ويتبادلان صور أسرتيهما، لكن منذ بدء الحرب في غزة لم يعد التواصل بينهما متاحا، ما جعل هيمان في حالة قلق دائمة حول مصير المرأة وأسرتها.
وبات مضطراً لانتظار بعض الإشارات من أجل الاطمئنان على حال الفلسطينية ومعرفة ما إذا كانت على قيد الحياة.
وغالباً ما يلجأ المخرج الإسرائيلي إلى الرسائل القصيرة عبر الهاتف لمحاولة معرفة مصير صديقته، حيث يرسل لها: “هل أنت بخير؟” ويخشى أن تكون المرة الأخيرة، وألا يتلقى رداً أبداً.
لكن ما أن تكتب أم أيان له “ما زلت على قيد الحياة لا تقلق” باللغة الإنكليزية، وهي اللغة التي يستخدمانها في التواصل، يتنفس هيمان الصعداء.
ورغم كل ما اقترفه الجيش الإسرائيلي وحماس ببعضهما البعض، والعزلة التي يشعر بها قسم كبير من الشعب الإسرائيلي من جهة والشعب الفلسطيني من جهة أخرى، إلا أن أهوال هجوم 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة كان لها تأثيراً مختلفاً على علاقة هيمان وأم أيان، وجعلت الإسرائيلي والفلسطينية أقرب، ووجد كل منهما في الآخر ملاذا من الحزن والعزلة.
هيمان يشعر بالوحدة بشكل متزايد في إسرائيل في زمن الحرب، ويعرف أن هناك من يفهمه في غزة. أما أم أيان، تحت الحصار والقصف، تعرف أن هناك من يفكر بها في إسرائيل، وفق الصحيفة.
يقول هيمان للصحيفة: “كلانا يشترك في هذا الشعور بنقص الإنسانية من حولنا”، “لذلك أعتقد أننا نجد الراحة في التواصل مع بعضنا البعض”.
وهذه الصداقة مع السيدة الفلسطينية نادرًا ما يتحدث عنها هيمان مع إسرائيليين آخرين، خصوصاً بعد هجوم السابع من أكتوبر، والذي طال عدداً من معارف هذا المخرج الإسرائيلي.
كان لدى هيمان زميلة في المدرسة الثانوية تم إطلاق النار عليها أمام أطفالها. واحتجزت حماس والد صديق مقرب كرهينة، وفق ما تنقل الصحيفة.
شعر العديد من الإسرائيليين، الذين أصيبوا بالصدمة أنه لا يمكن الوثوق بأحد من غزة. وكانت هناك دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي للانتقام وقتل الجميع في غزة. لكن هيمان كان قلقا بشأن أم أيان: “كانت أول شيء فكرت فيه”، يقول.
ويضيف: “هناك الكثير من الأسباب التي تجعل الشعب اليهودي الإسرائيلي خائفا على حياته الآن، وأن يكون مليئا بالكراهية والغضب والإحساس بالانتقام. إنه أمر طبيعي”.
ويضيف “أن نطلب أو نتمنى أو نطالب الناس في مثل هذه الحالة أيضا بالتعاطف والرحمة مع الشعب الفلسطيني في غزة … للأسف هو شيء كبير جدا الآن، وسأواصل القتال لتغيير رأيهم”.
ينشر هيمان في منزله الأعلام الفلسطينية، التي اعتاد أن يأخذها في مسيرات السلام. كان يلتقط صورا للمظاهرات ويرسلها إلى أم أيان.
من جهتها، تروي أم أيان التي هربت من غزة بعد اشتداد القصف، وأبقت تواصلها مه هيمان سرا، أنه “من الصعب أن تشرح للعرب هنا أنك تتحدث إلى إسرائيلي، قد يعتقدون أنك تخون بلدك وتشاركه الأخبار الأمنية”.
في الواقع، كانت ترسل لهيمان لتسأله إذا بإمكانه أن يرسل لها بعض المال، حتى تتمكن من شراء الدقيق، وخيمة، وبعض الأدوية. واطمئنت عن حاله، وعن صحة والدته وأطفاله.
وكتبت إلى هيمان في اليوم الذي عبرت فيه الحدود “أنا الآن بأمان. لقد نجوت من موت بالقصف الإسرائيلي”، “رائع” كان رده، “وأنا سعيد جدا لأنك غادرت”.