هدم ضريح الولي الصوفي بابا حجي روزبيه في إطار برنامج “للتنمية” في دلهي
على مدى تسعة قرون، قصد الهنود ضريح بابا حجي روزبيه للصلاة داخل غابة غير كثيفة في العاصمة دلهي وكان قبر الولي الصوفي أحد أقدم المواقع الإسلامية في العاصمة الهندية، حتى حولته هيئة التنمية إلى أنقاض.
في أوائل شباط/فبراير، صار الضريح أحدث ضحايا “برنامج الهدم” الذي تنفذه هيئة تنمية دلهي لإزالة “المباني الدينية غير القانونية” وشمل إزالة مسجد ومقابر وأضرحة ومعابد هندوسية.
وقد خلف تدمير الضريح شعورًا بالحسرة لدى السكان وتحذيرات قلقة من المؤرخين بشأن فقدان تراث لا يقدر بثمن.
وقالت المؤرخة والمؤلفة رنا صفوي: “إنها ضربة… للتاريخ الذي جعل الهند ما هي عليه اليوم”.
تأتي عمليات الهدم في وقت حساس مع تزايد جرأة القوميين الهندوس للمطالبة بمواقع أثرية إسلامية قديمة باعتبارها تابعة للديانة الهندوسية التي تمثل الأغلبية في البلاد.
وافتتح رئيس الوزراء ناريندرا مودي في كانون الثاني/يناير معبدا لـ”رام” في مدينة أيوديا في ولاية أوتار برادش، تم بناؤه على موقع مسجد عمره قرون دمره متعصبون هندوس في عام 1992 وهو ما أدى إلى إثارة مواجهات طائفية في مختلف أنحاء البلاد، أسفرت عن مقتل 2000 شخص معظمهم من المسلمين.
ومن المتوقع أن يفوز في الانتخابات العامة المقررة هذا العام في نيسان/أبريل حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي يتزعمه مودي.
تتعلق حملة الهدم التي تنفذ في دلهي رسميًا بالتنمية، وقد استهدفت مباني هندوسية بالإضافة إلى مبان إسلامية. لكن هيئة التنمية لم تفصح عما سيحل محل المباني المدمرة التي بُني الكثير منها قبل مئات السنين من وضع قواعد التنظيم المدني الحالية.
قالت صفوي “كان الضريح لولي صوفي وكان من أوائل – إن لم يكن أول – الذين جاءوا إلى دلهي. لقد رأيت أشخاصًا من جميع الأديان يزورونه ويوقرونه”.
متاهة التنمية الحديثة
يعود تاريخ ضريح بابا حجي روزبيه إلى أواخر القرن الثاني عشر، عندما كانت مدينة تشيتشن إيتزا العظيمة التي أسستها حضارة المايا في أوجها في المكسيك.
وكان قد مر عليه 500 عام عندما بُني ضريح تاج محل في الهند.
لكن ضريح بابا حجي روزبيه أكثر تواضعًا بكثير فهو عبارة عن مبنى بسيط منخفض الجدران يقع في عمق منتزه غابة سانجاي فان المترامي الأطراف، بعيدًا عن أي طرق أو مبانٍ ويصعب على أي كان العثور عليه باستثناء المصلين المترددين عليه.
لكن خسارة الضريح جعلت أولئك الذين زاروه يشعرون بالمرارة.
وقال رجل طلب عدم ذكر اسمه خوفا من ردود الفعل “لقد أمضيت ليالي هنا في الصلاة، وها قد زال كل شيء. إذا لم نحمِ تاريخنا فمن سيفعل ذلك؟”.
هيئة تنمية دلهي هي وكالة اتحادية تتمثل مهمتها في ضمان عدم ضياع “الطابع التاريخي الفريد لدلهي وتقاليدها وروحها في متاهة التنمية الحديثة”.
وقالت الهيئة إن عمليات الإزالة تمت الموافقة عليها من قبل لجنة دينية، وإن “برنامج الهدم بأكمله (تم) بنجاح من دون أي عائق أو احتجاج”.
وأضافت الهيئة في بيان أن المناطق “المستصلحة” أضافت مساحة ملعب كرة قدم (5000 متر مربع)، من دون تقديم مزيد من التوضيح.
وذكرت صحيفة هندوستان تايمز أنه إلى جانب المسجد والضريح، قامت هيئة التنمية بإزالة أربعة معابد هندوسية و77 قبرًا.
التراث مشترك
في الشهر الماضي، هدمت الجرافات في غابة مهرولي في دلهي مسجد أخونجي الذي قال القائمون على رعايته إن عمره حوالي 600 عام.
وقال إمام المسجد ذاكر حسين (40 عاما) متحدثا عن وصول العمال قبل الفجر لهدم المبنى “تنظر إلى جدران المبنى وتدرك كم من الوقت مضى عليه. لقد فقدنا ذلك. لا يمكننا إعادة بنائه، مهما حاولنا”.
ورأت صفوي أن خسارة المسجد خسارة للجميع. وقالت: “التراث مشترك. لذلك لا يمكن القول إن (هدم) هذا المسجد ليس سوى ضربة لمجتمع معين أو للمسلمين لأنهم صلوا هناك”.
وقالت هيئة المسح الأثري الهندية التي أدرجت ضريح بابا حجي روزبيه على قائمة التراث عام 1922، إن الصوفي الزاهد الذي عاش في كهف كان “يحظى بالتبجيل باعتباره أحد أقدم الأولياء في دلهي”.
وورد في قائمة هيئة المسح الأثري أن “التقاليد المحلية” أفادت بوجود قبر ثانٍ في الضريح يخص ابنة قائد دلهي الهندوسي راي بيثورا في القرن الثاني عشر والذي “اعتنق الإسلام على يديه”.
وذكر تقرير الهيئة أن “الكثير من الهندوس اعتنقوا الإسلام بتوجيه منه، وهو ما اعتبره المنجمون نذير شؤم ينذر بقدوم” إمبراطورية المغول الإسلامية في القرن السادس عشر. بعد ذلك بقرون، بدأت عمليات الهدم.
شاهد أيضًا: شُيد على أنقاض مسجد.. الرواية الكاملة لمعبد رام في الهند