تزايد النفوذ الروسي في أفريقيا.. ماذا تريد موسكو من القارة السمراء؟
تداول عدد من الصحفيين والنشطاء مقطع فيديو انتشر بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصا “إكس” ويظهر فيه مجموعة من الأطفال وهم يرتدون قبعات سوفيتية وشرائط القديس جورج في مالي.
In #Mali, children were put on Soviet caps and St. George ribbons. While standing under Soviet banners, they sang Soviet songs at the Russian diplomatic school. The video capturing this was shared by the Russian Embassy in Mali and Niger. This is what #Russia's diplomatic… pic.twitter.com/oKiGFTEC8S
— Hanna Liubakova (@HannaLiubakova) May 11, 2024
الفيديو الذي تم تصويره على الأغلب بواسطة السفارة الروسية في مالي والنيجر شوهد فيه الأطفال أثناء وقوفهم تحت الرايات السوفيتية، كما رددوا كلمات بعض الأغاني السوفيتية، في مشهد يسلط الضوء على الغزو الروسي أو يمكن القول الاستعمار من قبل موسكو للعديد من الدول الإفريقية التي تغلغلت فيها روسيا دبلوماسيا وعسكريا بشكل متزايد.
تزايد النفوذ الروسي في أفريقيا
منذ الغزو الروسي الأولي لأوكرانيا في عام 2014، زادت موسكو بشكل كبير من وجودها في أفريقيا كجزء من حيلتها لإعادة هيكلة النظام الدولي لصالحها، إلى جانب الحملات الطويلة الأمد للحصول على قواعد جوية وبحرية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وما حولهما، حيث يسعى الكرملين إلى إقامة قواعد عسكرية شبه دائمة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وبحسب تقارير فإن الهدف الرئيسي لموسكو هو منطقة الساحل حيث تكثفت عمليات النفوذ الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد في السنوات الأخيرة. وتتزامن هذه الجهود مع خطط تأمين القواعد البحرية والجوية في ليبيا والقرن الأفريقي.
ويعتزم الكرملين وفق مراقبين، إنشاء كتل موالية لموسكو في مختلف أنحاء أفريقيا لتقويض المنظمات الأمنية الإقليمية القائمة، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS)، والتنافس مع النفوذ الغربي. وقد انسحبت كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بزعم أنها فشلت في التعامل بفعالية مع الإرهابيين.
فاغنر في أفريقيا
وفي منتصف العام الماض، أظهرت دراسة نشرها “مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية” أن روسيا تحاول تقويض الديمقراطية في أكثر من عشرين دولة أفريقية من خلال التدخل السياسي وحملات تضليل معلوماتية ونشر مرتزقة من مجموعة “فاغنر” الروسية سيئة الصيت.
وقد تجلى ذلك خلال إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في فبراير / شباط الماضي، قرار يدعو إلى “سلام شامل وعادل ودائم” في أوكرانيا مع مطالبة روسيا مجددا بسحب قواتها “فورا” ووقف القتال.
فخلال الجلسة، صوتت دول مثل بوتسوانا وزامبيا وتونس لصالح القرار فيما صوتت دول أفريقية أخرى مثل مالي وإريتريا ضد القرار مع امتناع 15 دولة أفريقية أخرى عن التصويت مما يشير إلى تزايد النفوذ الروسي في القارة السمراء.
ويُضاف إلى ذلك الانخراط العسكري الروسي في أفريقيا في ضوء انتشار مرتزقة مجموعة “فاغنر” في دول أفريقية عديدة مثل مالي وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وفي مقابل دعمها للحكومات، تحصل فاغنر على مواد خام لا سيما الذهب فيما تعمل أيضا على تقوية النفوذ الروسي في أفريقيا.
وتستند روسيا في الترويج لسياستها في وسائل الإعلام الأفريقية على حقيقة مفادها أن روسيا لم تكن أبدا قوة استعمارية في القارة السمراء ولم يكن لها طموحات إمبريالية. كما تولى العديد من الأفارقة الذين درسوا في بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، مناصب قيادية في بلدانهم مثل جنوب إفريقيا وأنغولا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
“فيلق أفريقيا”.. الوجه الآخر لفاغنر
في مطلع عام 2024 تم الكشف عن تشكيل عسكري روسي تحت اسم “فيلق أفريقيا“، ليكون بديلا عن مجموعة “فاغنر” الروسية الخاصة، ويعكس هذا البرنامج سعي روسيا لتوسيع نفوذها العسكري في القارة الأفريقية، ومنحه شرعية الوجود الرسمي والعلني في مواجهة الحضور الأوروبي والأمريكي.
يتوزع الفيلق بين 5 دول أفريقية هي ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر. وحسب بعض المراقبين والمحللين فإن الفيلق يضم من 40 إلى 45 ألف مقاتل. وقد بدأت عمليات الانتداب والتجنيد في ديسمبر/كانون الأول 2023 في عدد من الدول الأفريقية وفي روسيا، ونُشرت إعلانات التجنيد منذ الأيام العشرة الأولى من الشهر نفسه في القنوات العسكرية على تطبيق تليغرام.
غزو ثقافي روسي
ووفق الخبراء، فإن موسكو تعمل على بناء كوادر إفريقية، لديها عاطفة خاصة تجاه روسيا، من خلال التوسع في المنح الدراسية لأبناء القارة، والتي بلغت عام 2022، حوالَيْ 34.000.
وركزت برامج المنح على أن يدرس معظم الطلاب من إفريقيا باللغة الروسية، لتعلمها وخلق جيل من المتخصصين القادرين على التحدث بها، حيث تهدف روسيا، للوصول بهذا الرقم إلى مئة ألف، خلال السنوات الخمس القادمة.
كما تم توقيع أكثر من 70 اتفاقية بشأن الاعتراف المتبادل بالدبلومات والدرجات العلمية بين روسيا والدول الإفريقية، وجعل اللغة الروسية إحدى اللغات الأجنبية لتدريسها في البلدان الإفريقية، وتدريس أربع لغات إفريقية محلية في المدارس والجامعات الروسية.
هذا وشهدت الفترة الماضية أيضا، عقد عدة مهرجانات سنوية، للثقافة والسينما، بين روسيا وإفريقيا، لعل أشهرها المهرجان الثقافي والتعليمي «إفريقيا… معاً نحو المستقبل»، وبناء شراكة مع دور السينما والإنتاج الإفريقية، وعلى رأسها العملاق النيجيري «نوليوود»، لزيادة حضور السينما الروسية في إفريقيا.
كيف ترى روسيا مصالحها في القارة؟
يقول مجلس العلاقات الخارجية (CFR) وهو منظمة مستقلة، إن موسكو تسعى إلى تحقيق مزيج من المصالح العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية في أفريقيا.
وعلى المستوى العسكري، تركز روسيا في الغالب على تجارة الأسلحة، ولكنها تسعى أيضًا إلى توسيع نطاق عملياتها، بما في ذلك من خلال التوقيع على اتفاقيات لقواعد عسكرية جديدة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، يتلخص الهدف الأسمى لروسيا في اكتساب المزيد من الدعم لرؤيتها لنظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على النفوذ الغربي الضعيف.
وفي الأمم المتحدة، تمارس ضغوطا على الحلفاء الأفارقة للحصول على أصوات مؤيدة بشأن قضايا مثل الصراع في أوكرانيا، وتعمل على زرع بذور عدم الثقة في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وغيرها من الجهود المتعددة الأطراف.
ويقول الخبراء إن موسكو تتطلع إلى أفريقيا لتظهر أن روسيا ليست منبوذة دوليا، على الرغم من العقوبات الغربية المستمرة ضدها.
من الناحية الاقتصادية، لا تعد روسيا قوة دافعة في أفريقيا: أقل من 1% من الاستثمار الأجنبي المباشر للبلاد يذهب إلى القارة الأفريقية، وتتخلف تجارتها البالغة 18 مليار دولار مع الدول الأفريقية كثيرًا عن تجارات الولايات المتحدة البالغة 64 مليار دولار والصين البالغة 254 مليار دولار. مليار دولار، بحسب خدمة أبحاث الكونجرس.
ومع ذلك، فإن الوصول إلى الموارد الطبيعية القيمة، مثل الذهب والماس واليورانيوم والنفط، يظل يمثل أولوية. ووسط الطلب العالمي المتزايد على المدخلات اللازمة للطاقة البديلة والتكنولوجيات المتقدمة، فإن احتياطيات أفريقيا الهائلة من المعادن المهمة تحفز جهود موسكو أيضا.
ولتحقيق هذه الأهداف، يقول المحللون إن روسيا تستخدم استراتيجيتها المفضلة للعمل من خلال وسطاء منخفضي التكلفة، بما في ذلك الشركات العسكرية الخاصة أو الحلفاء السياسيين المحليين.
ويعتمد خطابها على ما يسمى بدبلوماسية الذاكرة للاستفادة من المشاعر المتبقية المناهضة للاستعمار، وغالباً ما تستخدم حملات التضليل لتشويه سمعة القوى الموالية للغرب وتصوير نفسها كشريك أفضل من الغرب.