تفاصيل شهادات معتقلين سابقين وروايات مخبرين إسرائيليين عملوا داخل معسكر سدي تيمان
بالتوازي مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أنه “من المعقول تقييم” أن القوات الإسرائيلية استخدمت أسلحة أمريكية في غزة بطرق “تتعارض” مع القانون الإنساني الدولي، فجّر تقرير صحافي أمريكي معلومات مقلقة عن معسكر سدي تيمان الإسرائيلي الواقع في صحراء النقب الذي يشهد على سوء معاملة السجناء الفلسطينيين واعتقالكم بظروف تنتهك حقوق الإنسان.
يكشف تقرير شبكة CNN أن إسرائيلياً يعمل في المنشأة التقط صورتين لمشهد يقول إنه لا يزال يطارده، حيث شُوهدت صفوف من الرجال يرتدون بذّات رياضية رمادية يجلسون على مراتب رقيقة مثل الورق، يحيطها سياج شائك ويبدو الجميع معصوبي الأعين، ورؤوسهم معلقة بثقل تحت وهج الأضواء الكاشفة.
وقال الإسرائيلي الذي كان في المنشأة لشبكة CNN إن الرائحة الكريهة ملأت الهواء، وكانت الغرفة تضج بأصوات الرجال. تم منعهم من التحدث مع بعضهم البعض. وروى قائلاً: “قيل لنا إنه لا يُسمح لهم بالتحرك. يجب أن يجلسوا في وضع مستقيم. لا يسمح لهم بالتحدث. ولا يُسمح لهم بإلقاء نظرة خاطفة من تحت العُصبات على أعينهم”.
وأردف أنه تم توجيه الحراس “بأن يصرخوا”- بالصمت باللغة العربية- وطُلب منهم “اختيار الأشخاص الذين يُثيرون المشكلات ومعاقبتهم”.
وقال مبلغ عن المخالفات: “(الضرب) لم يكن بهدف جمع المعلومات الاستخبارية، لقد حدث ذلك بدافع الانتقام، لقد كان عقابا على ما فعلوه (الفلسطينيون) في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعقابا على السلوك في المخيم”.
ونقل التقرير شهادة ثلاثة إسرائيليين بلّغوا عما حدث وكانوا يعملون في مخيم “سدي تيمان” الصحراوي، الذي يُعتقل فيه الفلسطينيون المحتجزون خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. وقد تحدثوا جميعا عن خطر التداعيات القانونية والأعمال الانتقامية من جانب الجماعات الداعمة لسياسات إسرائيل المتشددة في غزة.
وبحسب الروايات، يتم تقسيم المنشأة التي تقع على بعد حوالي 18 ميلا (حوالي 30 كيلومترا) من حدود غزة إلى قسمين: حاويات حيث يتم وضع حوالي 70 معتقلا فلسطينيا من غزة تحت ضبط النفس الجسدي الشديد، ومستشفى ميداني حيث يتم ربط المعتقلين الجرحى بأسرتهم، ويرتدون حفاضات.
قصص من خرجوا من الجحيم
تعمل معسكرات الاعتقال العسكرية – حيث لا يُعرف عدد السجناء بها – كنقطة ترشيح خلال فترة الاعتقال. وبعد اعتقالهم في المعسكرات، يتم نقل الذين يُشتبه في صلتهم بحماس إلى مصلحة السجون (IPS)، بينما يتم إطلاق سراح الذين جرى استبعاد علاقاتهم بمسلحين إلى غزة.
وأجرت شبكة CNN مقابلات مع أكثر من عشرة معتقلين سابقين من غزة يبدو أنه تم إطلاق سراحهم من تلك المعسكرات، قالوا إنهم لا يستطيعون تحديد مكان احتجازهم لأنهم كانوا معصوبي الأعين خلال معظم فترة احتجازهم ومنعزلين عن العالم الخارجي.
وقال الطبيب محمد الران: “كنا نتطلع إلى الليل حتى نتمكن من النوم” وأضاف أن الفترة الليلية كانت تحمل درجات حرارة الصحراء، التي تتأرجح من الحر نهارا إلى البرودة ليلا، موضحا: “ثم ننتظر الصباح على أمل أن يتغير وضعنا”.
وكان الطبيب محمد الران، وهو فلسطيني يحمل الجنسية البوسنية، يرأس وحدة الجراحة في المستشفى الإندونيسي بشمال غزة، وقد تم اعتقاله في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، خارج المستشفى الأهلي المعمداني وقد تم تجريده من ملابسه باستثناء ملابسه الداخلية، وتعصيب عينيه وتقييد معصميه، ثم تم إلقاؤه في شاحنة من الخلف، حيث قال إن المعتقلين شبه العراة كانوا مكدسين فوق بعضهم البعض أثناء نقلهم إلى معسكر اعتقال بوسط الصحراء.
وقال الطبيب محمد الران لشبكة CNN إنه تم احتجازه في مركز اعتقال عسكري لمدة 44 يوما، وأضاف: “امتلأت أيامنا بالصلاة والدموع والتضرع، وهو ما خفف من عذابنا”.
وأردف مضيفا: “بكينا وبكينا وبكينا. بكينا على أنفسنا، وبكينا على أمتنا، وبكينا على مجتمعنا، وبكينا على أحبائنا. وبكينا على كل ما يخطر ببالنا”.
وبالنسبة لأولئك الذين انتهكوا مرارا وتكرارا حظر الكلام والحركة داخل المعتقل، فكانت العقوبة أشد. ففي بعض الأحيان، كان الحراس الإسرائيليون يأخذون السجين إلى منطقة خارج السياج ويضربونه بقوة، وفقا لاثنين من المبلغين عن المخالفات والطبيب الران. وقال أحد المبلغين الذي كان يعمل حارسا إنه رأى رجلا يتعرض للضرب على أسنانه، وبعض العظام مكسورة على ما يبدو.
كما وصف هذا المُبلغ والطبيب محمد الران، عملية التفتيش الروتيني الذي كان يقوم خلاله الحراس بإطلاق العنان لكلاب كبيرة على المحتجزين النائمين، وإلقاء قنبلة صوتية على السياج أثناء اقتحام القوات. ووصف الران هذا بأنه “التعذيب الليلي”.
وقال “الران”: “بينما نكون مقيدين، يطلقون العنان للكلاب التي كانت تتحرك بيننا وتدوس علينا، إي أنك تكون مستلقيا على بطنك، ووجهك ملتصق بالأرض. لا يمكنك التحرك، وهم يتحركون فوقك”.
وروى نفس المبلغ عن المخالفات عملية البحث بنفس التفاصيل المروعة. وقال: “لقد كانت وحدة خاصة من الشرطة العسكرية هي التي تقوم بما يسمى بالتفتيش، ولكن في الحقيقة كان ذلك ذريعة لضربهم. لقد كان الوضع مرعبا، كان هناك الكثير من الصراخ فيما كانت الكلاب تنبح”.
في المقابل، قال إبراهيم ياسين (27 عاما) في يوم إطلاق سراحه من معسكر اعتقال عسكري :”كنت هناك لمدة 23 يوما، ثلاثة وعشرون يوما شعرت وكأنها 100 عام”.
وكان يرقد في غرفة مزدحمة مع أكثر من 10 رجال تم إطلاق سراحهم مؤخرا، وكانوا لا يزالون يرتدون زي السجن الرياضي الرمادي. وكان لدى بعضهم جروح عميقة في اللحم من مكان إزالة الأصفاد.
وقال رجل آخر يُدعى، سفيان أبو صلاح، 43 عاما: “كنا مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، اليوم هو أول يوم أستطيع أن أرى فيه”.
وبالنسبة للدكتور الران، لم يكن لم شمله مع أصدقائه ممتعًا. وقال إن التجربة جعلته صامتًا لمدة شهر بينما كان يعاني من “الموت العاطفي”.
مقيّدون على الأسرة ويرتدون حفاضات
صوّرت روايات المبلغين عن المخالفات نوعا مختلفا من الرعب في مستشفى سدي تيمان الميداني، حيث قال أحد المسعفين: “ما شعرت به عندما كنت أتعامل مع هؤلاء المرضى هو فكرة الضعف التام”.
وأضاف: “إذا تخيلت نفسك أنك غير قادر على الحركة، وغير قادر على رؤية ما يحدث، وكونك عاريا تماما، فهذا يجعلك مكشوفا كليا، أعتقد أن هذا شيء يقترب من التعذيب النفسي، إن لم يكن يتجاوزه”.
وكشف مبلغ آخر أنه أُمر بالقيام بإجراءات طبية على المعتقلين الفلسطينيين وهو غير مؤهل للقيام بها. وقال: “لقد طُلب مني أن أتعلم كيفية القيام بالأشياء على المرضى، وإجراء إجراءات طبية بسيطة خارج نطاق خبرتي تماما”، موضحا أن هذا كان يتم في كثير من الأحيان دون مخدر. وأردف: “إذا اشتكوا من الألم، سيتم إعطاؤهم الباراسيتامول”.
وشدد على أنه “بمجرد تواجدي هناك شعرت بالتواطؤ في الإساءة”.
وقال المبلغ أيضا إنه شهد إجراء عملية بتر لرجل أُصيب بجروح ناجمة عن الربط المستمر لمعصميه. وتتوافق الرواية مع تفاصيل رسالة كتبها طبيب يعمل في سدي تيمان ونشرتها صحيفة “هآرتس” في أبريل/نيسان.
أكبر عدد من المعتقلين
ويكتنف معسكر سدي تيمان ومعسكرات الاعتقال العسكرية الأخرى السرية منذ إنشائها. وقد رفضت إسرائيل مرارا طلبات الكشف عن عدد المعتقلين المحتجزين في تلك المنشآت، أو الكشف عن مكان وجود السجناء من غزة.
وتوفر صور الأقمار الصناعية نظرة ثاقبة على الأنشطة في سدي تيمان، وتكشف أنه في الأشهر التي تلت بدء حرب إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر، تم بناء أكثر من 100 مبنى جديد، بما في ذلك الخيام الكبيرة وحظائر الطائرات، في المخيم الصحراوي. كما أظهرت مقارنة للصور الجوية في 10 سبتمبر/أيلول 2023، والأول من مارس/آذار الماضي، من هذا العام، زيادة كبيرة في عدد المركبات في المنشأة، مما يشير إلى زيادة طفيفة في النشاط. وأظهرت صور الأقمار الصناعية لتاريخين في أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن العمل في الإنشاءات جار.
وقامت CNN بمراجعة صور الأقمار الصناعية من معسكري اعتقال عسكريين آخرين- قاعدتي عوفر وعناتوت في الضفة الغربية المحتلة- ولم ترصد أي توسع في الأراضي منذ 7 أكتوبر الماضي. وتقول العديد من منظمات حقوق الإنسان والخبراء القانونيين إنهم يعتقدون أن سدي تيمان، وهي الأقرب إلى غزة، من المرجح أنها تستضيف أكبر عدد من المعتقلين في معسكرات الاحتجاز العسكرية الثلاثة.