أعمال عنف هي الأخطر في كاليدونيا الجديدة بفرنسا.. كيف تحرّكت السلطات؟
بدأت فرنسا “عملية كبيرة” في كاليدونيا الجديدة بمشاركة المئات من عناصر الدرك، لتأمين طريق رئيسي يربط بين نوميا ومطارها الدولي، بعد ستة ليالٍ من أعمال شغب قتل خلالها ستة أشخاص، واندلعت على خلفية إصلاح انتخابي مثير للجدل.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان ليل السبت على منصة إكس “يجري في هذه الأثناء إطلاق عملية كبيرة تضم أكثر من 600 من رجال الدرك… في كاليدونيا الجديدة تهدف إلى استعادة السيطرة الكاملة على الطريق الرئيسي البالغ طوله 60 كيلومترا بين نوميا والمطار”.
Une grande opération de plus de 600 gendarmes, dont une centaine du GIGN, est lancée en ce moment même en Nouvelle-Caledonie visant à reprendre totalement la maîtrise de la route principale de 60 km entre Nouméa et l’aéroport. Courage et fermeté à nos gendarmes pour rétablir…
— Gérald DARMANIN (@GDarmanin) May 18, 2024
ويعدّ الإمساك بهذا الطريق أمراً ملحاً بالنسبة الى باريس، خصوصاً مع إعلان نيوزيلندا الأحد أنها طلبت من فرنسا الاذن لإرسال طائرات لإجلاء مواطنيها.
وقال وزير الخارجية النيوزيلندي ونستون بيترز إن الطائرات “جاهزة للإقلاع وننتظر إذن السلطات الفرنسية لمعرفة متى يمكن إجراء هذه الرحلات بأمان”.
وفي ظل تعليق الرحلات من نوميا وإليها منذ الثلاثاء، تقدّر السلطات المحلية بأن نحو 3200 سائح ومسافر تقطّعت بهم السبل في الأرخبيل وخارجه.
وبعد الإعلان عن العملية لتأمين طريق المطار، تحرّك من نوميا موكب يضم عربات مدرّعة وآليات لورش البناء متجّهاً الى إحدى ضواحيها بايتا في الإقليم الذي يعتبر من الأراضي الفرنسية.
وشاهد صحافيون في وكالة فرانس برس الأحد أن محتجين من المطالبين بالاستقلال في نوميا وجوارها ما زالوا يقومون بتقييد حركة المرور على الطرق من خلال العديد من الحواجز المنصوبة باستخدام حجارة وعوائق أخرى.
وقال أحد المحتجين عند حاجز في تاموا لفرانس برس “نحن مستعدون للذهاب الى أقصى حد، وإلا ما النفع؟”.
وارتفعت الى ستة حصيلة قتلى التوتر في الأرخبيل الواقع في المحيط الهادئ، بحسب ما أعلنت السلطات السبت في يوم سادس من اضطرابات تعدّ الأخطر في كاليدونيا الجديدة منذ الثمانينات.
وقتل أحد السكان وهو من أصل أوروبي وأصيب شخصان آخران في منطقة كالا-غومين في شمال الإقليم بإطلاق نار عند حاجز أقامه منفذو أعمال شغب. والقتلى الخمسة الآخرون الذين قضوا سابقا، هم ثلاثة مدنيين من “الكاناك” السكان الأصليين، إضافة الى عنصرين من الدرك قضى أحدهما عرضاً برصاص زميل له أثناء مهمة أمنية.
وأكد المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في كاليدونيا الجديدة لوي لو فران في بيان صباح الأحد أن الليلة الماضية كانت “أكثر هدوءاً”، وأن الدولة تتحرك لضبط الوضع الأمني.
وأضاف “تمّ توقيف ما مجموعه 230 مثيراً للشغب” في زهاء أسبوع.
ويتوقع أن تكون إعادة فرض الهدوء بالقوة مهمة شاقّة لقوات إنفاذ القانون، اذ أن أعمال الشغب في بعض الأحياء خلال الليل تظهر تصميم المحتجين على التعبير عن غضبهم.
وقال نائب رئيس المحافظة الجنوبية في كاليدونيا الجديدة فيليب بليز لقناة “بي اف ام تي في” الفرنسية، “الواقع هو أن ثمة مناطق يغيب فيها القانون… تسيطر عليها عصابات مسلحة، عصابات استقلالية”، مضيفا “في هذه الأماكن، يقومون بتدمير كلّ شيء”.
ووجه بليز أصابع الاتهام الى “خلية تنسيق العمل الميداني”، وهي المجموعة الأكثر تطرّفاً في “جبهة تحرير شعب الكاناك الاشتراكية”. ووضع عدد من قادة الخلية قيد الإقامة الجبرية بعد اندلاع أعمال العنف.
“الوضع لا يتحسّن”
واندلع العنف في الأراضي الفرنسية بعدما تصاعدت المعارضة ضدّ إصلاح دستوري يهدف إلى توسيع عدد من يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية ليشمل كلّ المولودين في كاليدونيا والمقيمين فيها منذ ما لا يقل عن عشر سنوات. ويرى المنادون بالاستقلال أنّ ذلك “سيجعل شعب كاناك الأصلي أقلية بشكل أكبر”.
وفي مثال جديد على الاضطرابات ليل السبت الأحد، أفادت قناة “لا بروميير” عن إضرام النيران في مكتبة متعددة الوسائط بحي ريفيير ساليه في نوميا.
وأكدت بلدية نوميا لفرانس برس أنها غير قادرة على التحقق من هذه الأنباء “لأن دخول هذا الحي غير ممكن”.
وكانت رئيسة بلدية نوميا سونيا لاغارد قالت لقناة “بي اف ام تي في” السبت إن “الوضع لا يتحسن، بل على العكس تماما، رغم كل الدعوات إلى التهدئة”. وتابعت “هل يمكننا أن نقول إننا في مدينة محاصرة؟ نعم، أعتقد أننا نستطيع أن نقول ذلك”.
وفرضت السلطات حال الطوارئ، بما يشمل حظر التجول بين السادسة مساء والسادسة صباحا، ومنع التجمعات وحمل الأسلحة وبيع المشروبات الكحولية، إضافة الى حظر تطبيق “تيك توك”.
وفي مؤشر الى الخشية من أن يطول أمد الاضطرابات، ألغت باريس مرور الشعلة الأولمبية عبر كاليدونيا الجديدة والذي كان مقررا في 11 حزيران/يونيو.
في غضون ذلك، تصبح يوميات سكان كاليدونيا الجديدة أصعب يوماً بعد يوم، لجهة التنقل وشراء المواد الغذائية وتلقّي الرعاية الطبية، مع انخفاض عدد المتاجر القادرة على فتح أبوابها، وتزايد العوائق أمام حركة المرور خصوصا في الأحياء الفقيرة أو التي تشهد أعمال شغب أكثر من غيرها.
وصباح الأحد، أعلنت سلطات المحافظة الجنوبية التي يقيم فيها قرابة ثلثي عدد سكان الأرخبيل، أن كل المدارس ستبقى مقفلة طوال الأسبوع المقبل.
وتأمل السلطات الفرنسية بأن تؤدي حال الطوارئ السارية منذ الخميس إلى الحد من أعمال العنف التي بدأت الاثنين.
ومن دون ذكر صلة مباشرة بأعمال العنف، اتهم وزير الداخلية الفرنسي الخميس أذربيجان بالتدخّل في الأرخبيل، وهو ما نفته باكو بشدة.
ومن جهته رأى السيناتور الفرنسي كلود مالوريه أنه “إذا كانت هناك تدخلات غير مرئية بشكل أكبر ويجب الخوف منها، فهي تدخلات الصين”.
وكاليدونيا الجديدة هي مستعمرة فرنسية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
ويدور الجدل السياسي في الأرخبيل حول ما إذا كان ينبغي أن يكون جزءا من فرنسا أو يتمتع بحكم ذاتي أو استقلال، مع انقسام الآراء على أساس عرقي.