قطاع الخدمات هو أكثر القطاعات المتأثرة بنقص العمالة الماهرة في ألمانيا
تعاني ألمانيا من نقص العمالة الماهرة منذ أعوام، حيث طبَّقت في العام 2020 قانوناً خاصاً بهجرة العمالة الماهرة لتعزيز استقدام العمال المؤهلين من الخارج، وجاءت بعدها تسهيلات للحصول على “البطاقة الزرقاء للاتحاد الأوروبي” وبطاقة الفرصة أيضاً.
وفي النصف الأول من العام الجاري، أصدرت وزارة الخارجية الألمانية أكثر من 80 ألف تأشيرة دخول للراغبين في العمل بألمانيا، وخصوصاً لأصحاب المهن التي تعاني الدولة من نقص العمالة الماهرة فيها، ونصف هؤلاء الأشخاص تقريباً – أكثر من 40 ألف شخص – من العمال المَهَرَة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية..
فيما كانت وزارة الخارجية الألمانية قد أصدرت أكثر من 157 ألف تأشيرة لأغراض العمل في العام الماضي 2023 بأكمله، منها 79 ألف تأشيرة ذهبت إلى عمال مَهَرَة.
ما أسباب وتداعيات نقص العمالة الماهرة؟
تشير تقديرات خبراء سوق العمل في ألمانيا إلى أن هناك 1.7 مليون وظيفة شاغرة في الدولة، وتواجه الشركات مشاكل متزايدة في عملها، ومن أهم أسباب نقص العمالة الماهرة في ألمانيا هو قانون الهجرة الذي دخل حيّز التنفيذ في مارس 2020.
القانون الذي كان من المفترض أن يُسهّل هجرة الأشخاص المؤهلين مهنياً لألمانيا لولا الشروط التي وضعتها الدولة والتي تُعيق جلب هؤلاء العمال المختصين، حيث يتعيَّن عليهم قبل المجيئ إلى ألمانيا والعمل فيها إثبات أن مؤهلاتهم قابلة للمقارنة مع المؤهلات المهنية المطلوبة في الدولة، والذي يستغرق بدوره وقتاً طويلاً نتيجة وجود عدد كبير من السلطات المختصة الألمانية التي يصعب فهمها للأطراف المهتمة من الخارج، عدا عن الكلفة المادية التي يتحمَّلها الموظف أو العامل المؤهل.
لذا يعتبر الاعتراف بالمؤهلات المهنية عقبة أساسية خاصة عندما يتعلق الأمر بتشجيع هجرة العمالة الماهرة، ووفقًا لمكتب الإحصاء الاتحادي، فإن الجهات المختصة في ألمانيا عالجت في العام 2020 حوالي 59,000 إجراء اعتراف، وتم الاعتراف بالكامل بـ44,800 مؤهلاً مهنياً تم الحصول عليها في الخارج، وذلك حسب إحصائيات غرفة التجارة والصناعة الألمانية.
كما يستمر الجيل الجديد في التأثير على سوق العمل، وهو سبب مهم لنقص العمالة الماهرة في ألمانيا، حيث وصل العديد من العمال المَهَرَة اليوم إلى سن التقاعد، مما يؤدي إلى زيادة التقلبات في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويزيد الأمر صعوبة بالنسبة للشركات التي تبحث عن العمال المختصين والمؤهلين، فقد أصبح من الواجب عليها الآن أن تعثر على العامل المناسب من جيل الشباب الصاعد وتحاول سد الفجوات المعرفية وتُدير التغيير بين الأجيال كذلك.
وحول هذا الأمر، شدَّد رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية، بيتر أدريان على ضرورة أن تُعوّض ألمانيا الخسائر الناجمة عن العوامل الديموغرافية التي ستؤدي لخروج 4 إلى 5 ملايين عامل من سوق العمل على مدى السنوات العشر المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر مسح اقتصادي قدَّمه اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية في نهاية مايو الماضي، أن أكثر من نصف الشركات في ألمانيا حالياً تشير إلى نقص العمال المهرة باعتباره خطراً على أعمالها، ومن بين الآثار التي سيسببها والتي تم ذكرها كثيراً هي “ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام وضعف الطلب المحلي”.
“بطاقة الفرصة”
بدأت ألمانيا في الأول من يونيو 2024 تطبيق المرحلة الثالثة من قانون هجرة العمال المَهَرَة الذي جرى إصلاحه العام الماضي 2023.
وتتعلق المرحلة الثالثة بما يسمى بـ”بطاقة الفرصة”، التي تستهدف العمال المَهَرَة من خارج الاتحاد الأوروبي، وتهدف هذه البطاقة إلى تسهيل انتقال العمال المؤهلين لألمانيا، دون اشتراط وجود عقد توظيف مع رب عمل، ومع ذلك فإن الشرط الأساسي للحصول على بطاقة الفرصة هو تلقي المهاجر تدريباً مهنياً لمدة عامين -على الأقل- أو حصوله على شهادة جامعية في بلده، بالإضافة إلى تمتعه بمهارات لغوية، في اللغة الألمانية أو الإنكليزية.
معدل البطالة في تزايد
ذكرت وكالة الأنباء الألمانية، أن معدل البطالة في ألمانيا ارتفع خلال شهر يونيو الماضي إلى 6% عُقب استقراره خلال الشهور القليلة الماضية عند مستوى 5.9 %، وهو أعلى مستوى يسجله منذ مايو 2021، حيث كان يتوقع المحللون استقرار المعدل خلال الشهر.
وأعلنت وكالة التوظيف الاتحادية في نورنبرج، أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع خلال شهر يونيو الماضي بواقع 19 ألف عاطل على أساس سنوي، بعد ارتفاعه بمقدار 25 ألف عاطل خلال الشهر الماضي، حيث كان يتوقع المحللون ارتفاع العدد خلال شهر يونيو بمقدار 15 ألف عاطل فقط.
وعلى أساس شهري ارتفع عدد العاطلين بمقدار 4 آلاف عاطل إلى 2.272 مليون عاطل مقارنة بمايو الماضي له، وبواقع 172 ألف عاطل على أساس سنوي.
القطاعات المتضررة
وأظهر مؤشر العمال المَهَرَة، الذي طوَّره بنك التنمية الألماني (كيه إف دبليو)، بالتعاون مع معهد (إيفو) للبحوث الاقتصادية، أن 35% من الشركات ترى أن نقص العمالة المناسبة حالياً يتسبب في عرقلة أنشطتها التجارية بتراجع 1%، وذلك مقارنة بشهر يناير الماضي، فيما بلغت النسبة قبل عامين 55%.
وتتفاقم المشكلة في قطاع الخدمات بشكل أكبر مقارنةً بمعظم القطاعات الأخرى، إذ أن مستوى الضرر بلغ أعلى من المتوسط (42%)، وثمة نقص حاد في العمال المهرة بمكاتب المحامين ومستشاري الضرائب ومدققي الحسابات، وهذا أثَّر سلباً على 71% من الشركات العاملة في هذه المجالات.
وفي القطاع الصناعي تتضرر 25% فقط من الشركات بنقص العمال المَهَرَة، وهذا أقل بكثير مما هو عليه الحال بالنسبة لقطاع الخدمات، لكنه لا يزال 3 أضعاف المتوسط على المدى الطويل، وفي قطاع التجزئة بلغت النسبة 28%، وفي قطاع البناء 27%.
“ثقافة الترحيب”.. هل هي الحل؟
أما حول الحلول الممكنة لأزمة نقص العمالة الماهرة، فقد أكدت اتحادات اقتصادية رائدة على ضرورة تبني “ثقافة الترحيب”، حيث قال رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية في تصريحاتٍ لوكالة الأنباء الألمانية “يجب أن تكون الرسالة: نحن نتطلع إلى الترحيب بكم هنا في ألمانيا، وهناك طرق عديدة لذلك، يبدأ ذلك بإصدار التأشيرة إذا أراد شخص ما السفر إلى ألمانيا، وينتهي بتوفير السكن ومراكز رعاية الأطفال، لدينا قصور في العديد من المجالات هنا”.
وأكد أدريان أن ما نحتاجه على وجه الخصوص هو ثقافة ترحيب أفضل، مشيراً إلى أنه يمكن تقييم قانون هجرة العمال المَهَرَة الجديد بصورة إيجابية على نحو مبدئي، لكن لا تزال العملية معقدة للغاية، وأضاف قائلاً “نحن متخلفون في التطبيق العملي، تهدف بطاقة الفرصة إلى منح الأشخاص فرصة البحث عن عمل في ألمانيا لمدة عام واحد، ومع ذلك، فإن متطلبات الحصول على بطاقة الفرصة معقدة للغاية، لا أعتقد أنه يمكنك جذب العديد من العمال المهرة إلينا بهذا الخيار”.
وطالب رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية بتفعيل وتحسين إجراءات هجرة العمال المهرة إلى ألمانيا، وذلك عبر تفعيل البعثات الدبلوماسية العاملة ومكاتب التأشيرات وسلطات الهجرة، وأضاف قائلاً “من غير المقبول أن يتعين عليك كصاحب عمل أولاً أن تلاحق الموظف في مكتب الهجرة المسؤول عن تصريح جلب العمال المَهَرَة”، داعياً بدوره صُنَّاع القرار السياسي لخلق الظروف الإطارية المناسبة.
فيما يرى رئيس اتحاد الصناعات الألمانية، سيغفريد روسفورم، أن هناك حاجة إلى تحسين تنفيذ قانون هجرة العمالة الماهرة، وأكد خلال قوله أن المهام تبدأ من السفارات والقنصليات، حيث أن الجميع يعرف الملصق الأمريكي “نحن نريدك!، وبهذه الطريقة يجب التفكير والتصرف حسب قوله، مع ضرورة أن تمتد ثقافة الترحيب هذه إلى السلطات المحلية المعنية بشؤون الهجرة في المدينة أو الولاية.
وذكر روسفورم أيضاً أن هذا يجب أن يحوي أسئلة عملية للغاية، وقال “مثالي المفضل: هل يمكنني الحصول على ترخيص سيارة من المكتب الإداري في الولاية إذا كنت لا أتحدث الألمانية؟ هل هناك شخص يتعامل مع هذه العملية المعيارية باللغة الإنجليزية؟ هذه تفاهات، ولكنها تساعد بشكل كبير الأشخاص الذين بدأوا العمل في بلد جديد، وربما حصلوا على أول دورة لتعلم اللغة، لكنهم لا زالوا غير متمكنين”.