ما المنتظر من المؤتمر الدولي حول لبنان؟
تنطلق اليوم الخميس أعمال المؤتمر الدولي حول لبنان الذي تستضيفه باريس وسط استمرار القصف الإسرائيلي على عدة مناطق في هذا البلد، لا سيما تلك الواقعة في الجنوب.
ويأتي هذا المؤتمر كاستجابة للنداء الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل جمع 400 مليون دولار على الأقل لمساعدة النازحين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم هربًا من القصف ومن العنف اليومي المتزايد في ظل الحرب بين إسرائيل وحزب الله.
وقد أعلنت الرئاسة الفرنسية إن “الأولوية هي… الاستجابة لهذا النداء”.
وأضافت “عملنا على محاولة الحصول على أقصى قدر ممكن من المساهمات”، موضحة أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيعلن عن المساعدة التي ستقدمها فرنسا.
من جهته، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لإذاعة “آر تي إل” أن باريس تقف إلى جانب لبنان و”لن تخذله”.
وأوضح أن “الهدف أولًا إعادة تأكيد ضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل دبلوماسي وإنهاء الأعمال العدائية، وحشد المساعدات الإنسانية من أكبر عدد ممكن من البلدان ودعم المؤسسات اللبنانية، وفي مقدمتها الجيش”.
وأشار إلى أن المؤتمر “سيشهد مشاركة 70 دولة و15 منظمة دولية”، موضحًا أن “كل من دعوناهم سيحضرون”. لكن الوزير لم يحدد مستوى التمثيل، بينما يغيب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي يقوم بجولة في الشرق الأوسط هذا الأسبوع.
وعن هذا الموضوع، نقلت صحيفة “النهار” اللبنانية عن مصدر رئاسي فرنسي تحديده لأهداف طموحة للمؤتمر، أولاً بتوفير المساعدات الإنسانية للنازحين الذين يتخطون المليون والقطاعات المتضررة كالتعليم والصحة، وثانياً دعم القوى المسلحة التي تحتاج إلى كل شيء من مال وعتاد وهي إحدى المفاتيح لتنفيذ القرار الدولي 1701 الذي يشكل الحل وأساس سيادة لبنان، وثالثاً الدفع باتجاه حل دبلوماسي للصراع القائم بين إسرائيل و”حزب الله” وتاكيد قواعد تسوية النزاع على طول الخط الأزرق، ورابعاً دعم السيادة والدفع لتفعيل وتعزيز دورالدولة وملء الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة فاعلة.
ووفق المصدر فإن قراءة باريس للوضع اللبناني قلقة للغاية وهناك مخاوف من انزلاقه نحو حرب أهلية حذّر منها وزير الدفاع الفرنسي سيبستيان لوكورنو.
الدبلوماسية الفرنسية تتعثر
تحاول فرنسا إيجاد حلّ دبلوماسي للحرب بين إسرائيل وحزب الله من دون أن تنجح في ذلك بعد، كما لم تؤد مساعيها منذ عامين إلى إخراج البلاد من مأزق الشغور في منصب رئيس للجمهورية.
وقال مبعوث الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان الذي سيشارك في مؤتمر دولي حول لبنان الخميس في باريس، لوكالة فرانس برس، “لبنان يواجه خطر الموت والتفكّك”.
ولم تتمكّن فرنسا، السلطة الانتدابية السابقة في لبنان، من تحقيق أي اختراق على خط أزمات البلد الذي يعاني من انقسامات سياسية وطائفية عميقة حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من شغور المنصب منذ سنتين.
وبدأ الشغور إثر انتهاء عهد الرئيس ميشال عون في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2022، تزامنا مع غرق البلاد بأزمة اقتصادية غير مسبوقة أثرت بنحو كبير على السكان الذين ثاروا على فساد الطبقة السياسية. لكن شيئا لم يتغير في المشهد السياسي.
ومنذ عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حزيران/يونيو 2023 مبعوثا خاصا الى لبنان، سافر لودريان الذي شغل سابقا منصبي وزيري الدفاع والخارجية، إلى بيروت، من دون أن تثمر جهوده في إقناع القوى السياسية بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية.
“المهمة المستحيلة”
ويشدّد الدبلوماسيون الفرنسيون على أن لبنان يحتاج “أكثر من أي وقت مضى” إلى رئيس يتحدّث باسمه.
ويرى الباحث كريم بيطار، مدير منظمة “كلنا إرادة” المدنية للإصلاح السياسي، أن جهود جان إيف لودريان تشبه “المهمة (…) المستحيلة في ظل الاستقطاب السائد في لبنان والشرق الأوسط”.
ويشيد بيطار، وهو أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت، بالمبعوث الفرنسي لقدرته على “التحدث مع الجميع”، بما في ذلك الجناح السياسي لحزب الله، مضيفا “إنه الوحيد القادر على جمع دول الخليج وتشجيعها على الالتزام من جديد بلبنان”.
ويعتبر أن مهمته “ربما مكّنت من لمّ شمل الدول الخمس التي تتعاون بشأن الأزمة الرئاسية اللبنانية: فرنسا والولايات المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية ومصر”.
وأكد مصدران دبلوماسيان فرنسيان أن المبعوث الفرنسي اقترب من تحقيق أهدافه مؤخرا قبل أن تعيد الحرب بين إسرائيل وحزب الله خلط الأوراق.
ويخلص بيطار إلى أن “حزب الله والأطراف الأخرى سوف ترغب على الأرجح بالانتظار لمعرفة توازن القوى الجديد الذي سيظهر في المنطقة وفي لبنان”، ما من شأنه أن يزيد تأخير انتخاب رئيس.