أبطال “ذي مول” يروون قصة احتيالهم على النظام في بيونغ يانع ويفضحون اختراقها للعقوبات الدولية
أثار الفيلم الوثائقي «ذي مول» صدمة وضجة كبيرتين على مستوى العالم بعد أن كشف محاولات جمهورية كوريا الشمالية الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ العام ٢٠٠٦، بهدف خرقها، فهذا الفيلم يوثّق بأدلة دامغة وصور حقيقية لعملية بيع أسلحة عبر عقد صفقة إنشاء مصنع لها في أوغندا إضافة لنشاطات تتعلق بالاتجار بالمخدرات وبيع نفط.
ولذلك طلبت السويد والدنمارك من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أخذ محتوى الفيلم على محمل الجدّ لما يتضمن من معلومات واثباتات تدين بيونغ يانغ، وفعلاً، اتصلت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بكوريا الشمالية بأبطال الفيلم ومنفذيه لدراسة مضمونه والتأكد من المعلومات التي كشفها، وفيما يتعلق برجل الأعمال الذي تم تصويره وهو يوقّع على صفقة لتهريب الغاز الروسي إلى بيونغ يانغ عبر مرافئ في الشرق الأوسط والذي عرّف عنه بأنه أردني الجنسية ويدعى هشام الدسوقي، فقد نقل موقع NKNews عن «تقرير للأمم المتحدة صادر الاسبوع المنصرم»، أن هذا الرجل مجرد «مخادع ذي سمعة سيئة، وأن السلطات الأردنية تنفي ضلوعه في عملية تهريب النفط» ومن جهتها، نفت جمعية الصداقة الكورية ما أورده الفيلم وأكدت أنها هي من حاول خداع الفريق العامل فيه.
أما فكيف خرجت فكرة هذا الوثائقي؟ ومن شارك فيها؟ وكيف تم تطبيقها؟ وما هي نتائجها؟ وهل يمكن خداع دولة بأكملها؟ أم أن النظام الكوري قد خدع منفذو هذا الفيلم؟ أسئلة عديدة نجد أجوبة لها في هذه الحلقة الأولى من برنامجنا «بالعين المجردة».
الجدير ذكره أن غالبية لقطات «ذي مول» صوّرت بكاميرا خفية، وذلك طيلة عقد من الزمن، أما اللقطات الأخرى فقد صورت بطريقة مريحة بعد إيهام النظام بتصوير أفلام دعائية له.
شكوك حول واقعية الفيلم وأهدافه
عن شكوك الناس حيال واقعية الفيلم الوثائقي فيقول جيم لاطرش قفورتروب، الذي يلعب دور السيد جايمس وهو رجل أعمال ثري، إنه يتفهم تماماً «شكوك الناس حيال أسباب تنفيذ الوثائقي.. إذ أنه يصعب إقناع الناس به إذا كانت لديهم فكرة مسبقة عنه».
ويؤكد لارسن، أن «ذي مول» هو فيلم واقعي، الهدف منه فضح النظام الكوري، وإظهار «أننا نحتاج لإزالة هذا النظام والسبب أن كوريا الشمالية هي أكثر الأماكن شراً على الإطلاق».
الصعوبات التي واجهت تحقيق الوثائقي
يرى المخرج أن الإبقاء على سرية العمل هو تحدٍّ بحدّ نفسه، فكان جُلّ ما يخشى منه هو أن يفضح أحدهم العمل، لذلك بقي فريق العمل محصوراً ضمن دائرة ضيقة جداً، ويصف مادس ذلك بالتمرين المليء «بالارتياب»، أما خلال المرحلة النهائية فقد أصبح يتطلب العمل المزيد من المشاركين والمزيد من المصاريف، فما كان يطمح مادس ورفاقه إليه، حصلوا عليه، على وجه الخصوص حين «اقترح، فجأة، أليخاندرو كاو دي بينوس، رئيس جمعية الصداقة الكورية اتفاقية ثلاثية الأطراف مع رجل أعمال أردني فكان علينا مجاراته».
ويؤكد مادس بروجر، أنه لم يتم اعطاء المال بتاتاً للكوريين الشماليين فذلك «جريمة بكلّ ما للكلمة من معنى، لذا بقينا نجاريهم قدْر استطاعتنا وتوقفنا مباشرة قبل عقد الصفقة الحقيقية للأسلحة وقبل دفع ثمنها»، فمع هذا الأمر وصل مشروع الوثائقي إلى نهايته.
ماذا بعد نفي بيونغ يانغ وكاو دي بينوس لما ورد في الفيلم..
بعد أن نفت كوريا الشمالية كل الاتهامات التي وجهها الوثائقي إليها، وقالت إنه «خديعة واحتيال»، علّق مخرجه مستغرباً «كلام عبث، لأن «ذي مول» هو مجموعة من الوثائق الفاضحة، نجتمع مع تجّار الأسلحة الكوريين الشماليين وممثلي النظام في كوبنهاغن، وفي كمبالا، وفي بكين وكمبوديا، فكيف نستطيع إختلاق كلّ ذلك؟».
وأضاف مادس بروجر أنه من المتوقع أن ينكر نظام بيونغ يانغ كل ما تضمنه الفيلم، وتساءل «كيف استطاع « ذي مول» والسيد جايمس الذهاب إلى بيونغ يانغ، والالتقاء بمسؤولين كوريين شماليين، والحصول على لوائح الأسلحة وقوائم أسعارها، والتي اطّلع عليها وفحصها وتأكّد من أصالتها خبراء في صناعة الأسلحة الكورية الشمالية، كيف يمكن ذلك؟ أنا لا أعرف».
أما فيما يتعلق بأليخاندرو كاو دي بينوس، رئيس جمعية الصداقة الكورية الشمالية، وبإعلانه أنه كان يقوم بتمثيل دور في الفيلم وأن هذا الفيلم مغرض ومدبر وتم التلاعب به، فقد قال إنه استخف، لفترة طويلة، باحتمال تعامل سلطات بيونغ يانغ بجدية معه، كما استبعد قدرته على تنظيم وتحقيق ما كان يعد به، وقال «لكن سرعان ما اكتشفنا أن كل ما وعد به أليخاندرو كاو دي بينوس تحقق، لذا في ذهني، هو شخص خضير ويجب أن يجد نفسه قريباً في المحكمة، أنا في حيرة، لماذا لم تستجوب السلطات الإسبانية بعد؟ أو حتى لماذا لم تعتقله حتى الآن؟ لكنني أعتقد أن ذلك سيحدث عاجلاً أم آجلاً».
ضرب من الجنون.. أم صفقة حقيقية
يروي أولريخ لارسن أنه لم يتلق تهديدات، لكنّ بعد اطلاق الفيلم، حاول مسؤولون في السفارة الكورية الشمالية في كوبنهاغن الاتصال به مرات عدة وتركوا له رسائل، ثم أعلنوا أنهم لا يعرفونه «لكنّ التسجيلات تظهر أن أحدهم سلّمني أوراقاً، إنهم اليوم تحت الضغط».
هذا ووصلت للارسن رسائل عديدة عبر تويتر خاصة من أعضاء في جمعية الصداقة الكورية الشمالية تصفه بالرجل السيء، لكن جهاز الأمن الدنماركي اتصل به وأعلمه بامكانية تعرضه لخطر حقيقي، لذلك تغيرت حياته كلياً، وأضحى التعرف عليه سهلاً خاصة بعد أن ذاع خبر الفيلم وتم عرضه، كل ذلك أثار في نفسه الخوف فأصبح أكثر حرصاً «لأنني الشخص الذي كشف كوريا الشمالية، لقد وثقوا بي لدرجة يمكن معها أن أتعرض لخطر حقيقي».
ويؤكد لارسن أن الصفقة الحقيقية بالنسبة له هي اتصال لجنة الأمم المتحدة لكوريا الشمالية به للتفاوض معه حول ما يجب القيام به مع هذا الفيلم الوثائقي وما يملك من أوراق وتسجيلات والتي يقول عنها «إنها عشر سنوات من التوثيق».
هذا وقد حصل على عدة عروض مستقبلية من بينها توقيع إتفاقية نشر كتاب مع دار للنشر دولية في خريف العام الجاري، هذا إضافة لعقد اجتماعات وندوات سيقدم فيها كل ما لم يتم ذكره في الفيلم «إنها عشر سنوات من الجنون».
نشأة فكرة «ذي مول»
بدأت فكرة «ذي مول» الوثائقي بعد أن شاهد أولريخ لارسن فيلم «ذي ريد شابيل» الصادر عام 2009، للمخرج مادس بروجر وقد صوّره بأكمله بكاميرا خفية خلال زيارته لذلك البلد الآسيوي بحجة تقديم عروض مسرحية، لكن الفيلم جاء كصفعة لنظام بيونغ يانغ لما يتضمن من انتقادات له.
ويشرح المخرج «منذ صدور هذا الفيلم، محظور عليّ دخول أراضي كوريا الشمالية، لقد منعني من ذلك نظام بيونغ يانغ، لذلك اقترح أولريخ أن يعمل كمندس لي وأن يختِرق جمعية الصداقة الكورية الشمالية الدنماركية».
وهكذا تمكن أولريخ لارسن من اختراق الجمعية الكورية الشمالية، وأوّل من أقام معه علاقة جيدة كان رئيس الجمعية أليخاندرو كاو دي بينوس، وهو اسباني يتباهى بعلاقته بنظام كيم جونغ أون، ويؤكد لارسن «نعم، لقد كذبت على الكوريين الشماليين، ربما أكثر مما كذبوا هم على شعبهم».
جيم وأولريخ بنظر مادس
يعرّف مخرج الفيلم عن نفسه، ويقول إنه صحفي منذ عشرين عاماً ولديه حدس قوي جداً تجاه الآخرين والقدرة على استشفاف طباعهم وشخصياتهم، فحين تعرّف على أولريخ لارسن، وهو طاه متقاعد يعيش في ضواحي كوبنهاغن، ترك لديه انطباعاً بأنه مخلص وصادق «ما جعلني معجباً به هي الشجاعة التي أظهرها لاحقاً والقدرة على التحمل حتى عندما أصبح العمل محفوفاً بالمخاطر ولم يقل في وقت من الأوقات «أنا استسلم وهذا يوفق قدرتي، فهو الجاسوس المثالي».
أما جيم لاطرش قفورتروب، الذي يلعب دور رجل أعمال ثري يحمل اسم السيد جايمس، فقد التقاه بروجر في ملهى ليلي في كوبنهاغن «سرعان ما اكتشفت أنه الشخص الذي كنت أبحث عنه ولم يخذلني مرة واحدة خلال العملية برمّتها، لقد أظهر شجاعة مميزة».
وجيم هو جندي سابق في الفيلق الأجنبي للجيش الفرنسي، وقد أدين بتهمة تجارة المخدرات فأمضى فترة عقوبته في السجن وعن ذلك يؤكد مخرج «ذي مول» أنه عندما يسجن الفرد ويمضي فترة عقوبته فيحق له بصفحة بيضاء جديدة، وأضاف «كنت بحاجة إلى ممثل غير معروف، إلى شخص مغرم بالمخاطر، بارع في المواقف الخطرة، ومثل هؤلاء الأشخاص يصعب العثور عليهم».