تكشف هذه الحلقة من برنامج “بالعين المجردة”، بالأدلة والشهود، أبشع الممارسات التي تقوم بها السلطات في الصين بحق أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، شمال غرب البلاد.. سرقة أعضائهم للمتاجرة بها.
حقائق صادمة كشف عنها برنامج “بالعين المجردة” حول سرقة أعضاء رجال ونساء أقلية الإيغور وبيعها، إذ تجني السلطات الصينية أرباحاً طائلة من خلال هذه العملية، فيما تعتبر هذه الممارسات بحسب منظمات حقوقية جزءاً من سلسلة متواصلة من أعمال القمع والإضطهاد تمارسها بكين بحق الإقليات في إقليم شينجيانغ.
تحتجز السلطات الصينية ما لا يقل عن مليوني نسمة من الإيغور في نحو 380 معسكراً، وفقاً لدراسة قام بها “المعهد الإستراتيجي السياسي الأسترالي”، والذي أشار في الوقت ذاته إلى أنّ وتيرة احتجاز أقلية الإيغور تضاعفت، مضيفاً أنّ بكين تعمل على بناء 14 معسكراً جديداً.
ووفقاً لتقارير منظمات دولية، يعيش نحو 13 مليون شخص من الإيغور المعاناة، رغم نفي الصين المتكرر لوجود اضطهاد مباشر وقمع وظلم مستمر واحتجاز قسري، وصولاً إلى سرقة أعضائهم للتجارة بها.
في هذه الحلقة من برنامج “بالعين المجردة” أدلة وشهادات تدين السلطات الصينية باضطهاد الإيغوريين.. فمن هم الإيغور، وما الذي يحدث فعلاً في شينجيانغ؟ ما الذي سنتمكن من الكشف عنه، وما هي هذه الأدلة؟ كيف تبيع السلطات الصينية “الأعضاء الحلال” المنتزعة من أجسام الإيغوريين؟
معسكرات الايغور.. بنك كبير للأعضاء البشرية تتاجر به الصين
بدأت السلطات الصينية تطبيق مجموعة من القوانين منذ مطلع أبريل العام 2017 بحقّ أقلية الإيغور المسلمة في الإقليم، وشكلت عمليات الاعتقال في شينجيانغ قرابة 21 % من إجمالي عمليات الاعتقال في الصين خلال العام 2017، في حين أنّ نسبة عدد سكان الإقليم لا تتجاوز 1.5% من إجمالي سكان الصين.
وكانت الصين شرعت في بناء معسكرات خاصة لمعتقلي أقلية الإيغور العام 2016، ووصل عدد المحتجزين في هذه المعسكرات إلى ما يقارب مليوني شخص وفقاً للكاتب والباحث المتخصص في شؤون الصين والإيغور، إيثن غوتمن، الذي قال لبرنامج “بالعين المجردة“: “لا يوجد في تلك المعسكرات الإيغور فقط إنّما أيضاً الكازاخيون والقيرغيز، ولكن المكوّن الرئيسي هم الإيغور، هم ضعفاء للغاية، لقد تمّ قطع كلّ أشكال الإتصالات عنهم، فهم لا يعرفون موقعهم، كما لا يعرفون أين هم موجودون، لا يستطيعون إخبارك بمكان والديهم أو أختهم، هم لا يعرفون شيء”.
في أوائل القرن العشرين أعلن الإيغور استقلالهم لفترة وجيزة، ولكن الإقليم وقع تحت سيطرة الصين الشيوعية في العام 1949، ومنذ ذلك الحين، انتقل عدد كبير من عرقية الهان إلى الإقليم، فيما تخشى عرقية الإيغور من اندثار ثقافتها.
ومنذ العام 2017، تمنع السلطات الصينية أقلية الإيغور من ممارسة أبسط حقوقها، حيث أمرتهم بتسليم كلّ المصاحف وسجّادات الصلاة وغيرها من المتعلقات الدينية، كذلك تمّ منع إطلاق اللحى وارتداء النقاب في الأماكن العامة وإلا سيواجهون “عقوبات” وفقاً لتقارير منظمات حقوقية دولية.
وتحدثت تقارير أخرى عن إجبار السلطات الصينية نساء الإيغور على تناول حبوب منع الحمل وإخضاعهن لعمليات تعقيم قسرية لحرمانهن من الإنجاب نهائياً.
وعملت السلطات المحلية على إنشاء شبكة مراقبة كبيرة في أنحاء الإقليم عن طريق جمع عينات الحمض النووي وبصمات أصابع ومسح قزحية العين، وتحديد فصيلة الدم لسكان شينجيانغ ممن تتراوح أعمارهم من 12 إلى 65 عاماً.
هذا الإجراء جاء في سبيل خدمة مشروع ربحي كبير، تجارة الأعضاء البشرية، إذ تقول الصحافية الإيغورية غولشيرا هوجا لبرنامج “بالعين المجردة“: “الخبراء يقولون إنّه بمجرد وضع هؤلاء الأشخاص في معسكرات الاعتقال المغلقة، ستكون بمثابة بنك دم، بنك للأعضاء البشرية، في العديد من الحالات، اختفى أطفال الإيغور، حتى أن نظام المراقبة، لم يتمكن من العثور عليهم، وبعد بضعة أشهر، يجد بعض الناس هؤلاء الأطفال وأجسامهم مفتوحة، أعضاءهم قد سرقت”.
يشير غوتمن، مرشح سابق لجائزة نوبل للسلام بعد كشفه حقائق عن تجارة الصين بالأعضاء البشرية للإيغور، إلى أن الذين يتعرضون لعمليات استئصال الأعضاء البشرية من هذه الأقلية يزيد عددهم عن 60 ألف شخص سنوياً.
وكان غوتمن قد التقى بطبيب اعترف بأنه قام باستئصال كبد وكلى لرجل وهو على قيد الحياة في شاحنة متنقلة، وكانت العملية من ضمن سلسلة عمليات، سرقة الأعضاء البشرية من تابعي أقلية الإيغور.
وتؤكد الصحفية الإيغورية غولشيرا هوجا، التي تتهمها الصين بالإرهاب واللاجئة في الولايات المتحدة الأميركية، أن عمليات استئصال الأعضاء البشرية وبيعها بدأت منذ عام 2017، وتقول: “أنا من أول الصحفيين الذين تحدثوا إلى الناجين من المخيم، تحدثت مع 16 إلى 17 ناجي من المعسكر، أنا أجمع كل المعلومات لصناعة فيلم وثائقي، لقد علمنا أن عمليات استئصال الأعضاء البشرية قد تكون مرتبطًة بهذه المعسكرات، لأنه اعتباراً من عام 2017 بدأت الحكومة الصينية في جمع الحمض النووي من كل الإيغور، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتعرف على الصوت، وكل المعلومات المتعلقة بالإيغور”.
وتضيف: “إذا كان الشخص مريضاً، لا يتم فصله عن الآخرين، في المخيم لا يوجد علاج طبي، هناك الكثير مما يعاني من بعض الأمراض المنتشرة في المعسكر، إحدى الناجيات من مخيم غلبهار، جليلة، وهي في فرنسا الآن، كانت تعاني من نوع من أنواع العدوى الجلدية، المنتشرة في معسكرات الاعتقال، لم يتم علاجها أبداً رغم أن الخدش يسبب نزيف دموي، وقالت أنهم لا يستحمون، لا يسمح لهم بالاستحمام”.
الصين تحقق أرباحاً كبيرة من وراء بيع الأعضاء البشرية
مراراً وتكراراً، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها بعد ورود تقارير عن حملات اعتقال جماعية بحق أقلية الإيغور، ودعت السلطات الصينية إلى إطلاق سراح أولئك المحتجزين في تلك المعسكرات، لكن الصين تنفي هذه التهم وتعترف باحتجاز بعض “المتطرفين” لإعادة تثقيفهم.
لا تقتصر الانتهاكات على عمليات الاعتقال القسرية دون محاكمات إنما على ممارسات وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بجرائم ضد الإنسانية ترتكبها الصين بحق الإيغور وأقليات أخرى في إقليم شينجيانغ تصل إلى حد المتاجرة بالأعضاء البشرية وعمليات إعدام جماعية.
ويؤكد غوتمن حصوله على أدلة قوية تؤكد حدوث عمليات استئصال أعضاء بشرية من تابعي أقلية الإيغور، منها شهود كانوا في تلك المعسكرات، أكدوا حدوث تلك العمليات واختفاء الكثير من الأشخاص المستهدفين بعد إجراء فحوصات الأعضاء والدم عليهم، وقال غوتمن: “العمر المثالي لاستئصال الأعضاء هو من 28 إلى 29 عاماً، نحن نعلم أن هذا من الأدبيات الطبية الصينية، هذه أعمار مفضّلة لديهم حيث يتوقف الجسم عن النمو، لكن تبقى الأعضاء في ذروة صحتها، وقد تمكنت من حساب عدد الأشخاص الذين يختفون في السنة وهي أرقام متشابهة جداً من معسكر إلى آخر حيث أن كل شاهد يأتي من معسكر مختلف، لكن الأرقام كانت متطابقة تقريباً 2.5 إلى 5 % من الإيغور أو الكازاخ، ، وهذا يعني حوالي 25 ألف إلى 50 ألف شخص خلال عام، أي حوالي 68 شخصاً في اليوم وهو أقل عدد، أما أعلى رقم فيصل إلى 130 شخص”.
أما الأدلة الأخرى فتتعلق بموضوعي الوقت والمشافي، فوفقاً لغوتمن تعطي المشافي السياح الأجانب أسبوعين للحصول على العضو البشري، وهذا أمر مستحيل لأنه من غير المعروف موعد وفاة “المتبرع”، والدليل الآخر الذي قدمه غوتمن يتعلق بالاتصالات الهاتفية التي كانت ترد للمشافي حول هذا الأمر وتقديم الأخيرة تلك الخدمات، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية للمعسكرات.
ويشير غوتمن إلى أن هذه التجارة تستهدف السياح الأجانب فهم من يدفع “المال الوفير”، فتكلفة بيع الرئتين تبلغ حوالي 150 ألف دولار أميركي لكل منهما، وكذلك سعر القلب أما سعر الكبد فيبلغ 120 ألفاً، وتتراوح أسعار الكلى من 60 إلى 80 ألف دولار أميركي، بالإضافة إلى بيع القرنيات والشعر.
محارق جثث خاصة للإيغور بعد سرقة أعضاءهم
عمليات استئصال الأعضاء البشرية وإعادة زراعتها التي تقوم بها السلطات الصينية في إقليم شينجيانغ تقوم على عملية معقدة، فمن الضروري وجود منشآت متخصصة كمشافي ووسائل نقل ومراكز حرق جثث لإتمام العملية.
يستند الباحث الأميركي إيثن غوتمن على صور الأقمار الصناعية في تحليل ماتضمه تلك المعسكرات من منشآت في الإقليم الصيني، فيشير إلى وجود مستشفى بجانب المعسكرات أو بالأحرى يتوسطها، وعلى بعد كيلومتير واحد في الشمال تقع محرقة للجثث وفقاً لغوتمن: “هي محرقة جثث كبيرة جداً، لكن إذا نظرت بعناية إلى الصور، سترى شيئاً يمكن أن يكون جدراناً، لكنني أعتقد أنها أنابيب، يبدو أنها أنابيب تصل نهر أكسو، السبب الرئيسي وراء أهمية ذلك هو نظام حرق الجثث الذي يعتمد على تسخين الماء، ويتم وضع الجثث فيه فتذوب الدهون، والشعر، وحتى العظام، ويمكن بعد ذلك إعادة شطفها إلى النهر أو في قطعة أرض شاغرة”.
ويضيف: “مطار أكسو، يبعد 20 دقيقة عن تلك المواقع، يضم ممر خاص لمرور تلك الأعضاء، ويتم استخدام هذا المنفذ الجوي من أجل عملية إعادة التصدير إلى المناطق التي يرتداها المرضى السياح، وبالأخص الساحل الشرقي للصين”.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، رصد الباحث المتخصص في شؤون الإيغور والتجارة بالأعضاء البشرية شراء تلك المستشفيات لأجهزة ECMO المحمولة من ألمانيا، وهي أجهزة تحافظ على بقاء الأعضاء البشرية حية بعد موت صاحبها، ويضيف غوتمن “مشكلتك في شينجيانغ هي لوجستية، إنهم على بعد 4 ساعات من الساحل، لذا عليك الحفاظ على هذه الأعضاء بشكل جيد، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي قتل الشخص، والمحافظة على أعضائه على قيد الحياة من خلال هذا الجهاز ECMO، ومن بعدها تقوم بتحميلها على متن طائرة، ثم يجرون الجراحة الكبرى في شنغهاي مثلا في مستشفى Wuxi People’s أو يسافرون إلى مستشفى Tianjin Jianjun People في بكين، وعليك أن تبقي الأعضاء على قيد الحياة لما يقرب من 20 ساعة أو 18 ساعة، والطريقة المثالية للقيام بذلك من خلال جهاز ECMO”.
وكشفت غولتشيهرا هوجا أنّ السلطات الصينية قامت ببناء 9 محارق جثث في شينجيانغ أو تركستان الشرقية، وقامت بتوظيف 50 حارس أمن فيها، وهذا الرقم كبير جداً لحراسة محرقة جثث وفقا لغوتمن، مشيراً إلى أنه يتم حرق 130 جثة في اليوم الواحد، واصفاً ما يحدث بخطة لإخلاء شينجيانغ من السكان.
“الأعضاء الحلال” ترويج صيني للخليج العربي!
تعمل الصين على ترويج عمليات زرع الأعضاء البشرية لجلب السياح المرضى من جميع أنحاء العالم، وذلك عبر صناعة إعلانات تستهدف مثلا مجتمعات عربية وإسلامية من خلال إظهار غرف صلاة بداخل المشافي، لكن الزائر لا يعلم أن أعضاء “الحلال” التي يحصل عليها في جسمه ماهي إلا أعضاء بشرية مستئصلة من إيغوريين تم إعدامهم من أجل هذا الهدف.
ويعلق غوتمن حول هذا الأمر: “هناك الكثير من يأتي من دول الخليج للحصول على الأعضاء البشرية في الصين، هناك مقاطع فيديو خرجت من الصين، كانت تروج للمستشفيات من بينها مستشفى خاصة لعمليات زرع أعضاء بشرية، أنهم يسلطون الضوء على نقطة محددة في الفيلم الترويجي وهي إظهار وجود غرفة للصلاة للمسلمين وبجوار غرفة الصلاة توجد غرفة لطيفة للغاية لتناول الطعام وشرب عصير البرتقال مع أصدقائك والتحدث بهدوء ثم يظهر لك المقصف الذي يقدم الطعام الحلال”.
يجري مستشفى تيانجين المركزي الصيني، أكبر مستشفى زرع في العالم، حوالي 5000 عملية وفقا لغوتمن، نسبة كبيرة من زواره هم من دول الخليج وألمانيا، إذ أن مراسل صحيفة واشنطن بوست الأميركية اكتشف حين قيامة بهذا التحقيق وجود سياح مرضى من دول الخليج العربي.
يتراوح عدد عمليات زرع الأعضاء في الصين من 60 ألف إلى 100 ألف سنوياً وفقاً لأرقام رسمية صينية، من جانبه شكك غوتمن في هذه الأرقام معتبراً أن الأرقام أكثر من ذلك بكثير، مستنداً على التقارير الشهرية للمشافي الصينية وتفاخر الأطباء الصينيين بعدد عمليات الزرع التي يجروها، إلا أن هذا التفاخر والإفصاح تلاشي مؤخراً مع توخي السلطات الصينية الحذر لمنع انتشار هذه المعلومات.
وأمام كلّ هذه الممارسات القمعية والجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها السلطات الصينية ضدّ الإقليات الدينية في البلاد، تصف غولشيرا هوجا الشعب الإيغوري بالشعب المقاوم الذي ضحى كثيراً مطالبة المجتمع الدولي بالمساعدة من أجل إيقاف هذه الممارسات، قائلة: “في الوقت الحالي، تعد الحكومة الصينية أكبر مزود للهاتف في العالم، لكن ملايين الإيغور مثلي لا يمكنهم حتى التحدث إلى والديهم وأقاربهم، لذلك يجب أن يكون هناك تضحية، فنحن نضحي كثيراً، ربما نطلب المساعدة من العالم وقادتنا لاتخاذ إجراءات فعالة ضد الحكومة الصينية لإنهاء هذه الإبادة الجماعية”.
خيوط كثيرة لا يمكن نفيها ولا معارضتها، خيوط ترتبط فيها ليس فقط حياة عدد من الإيغوريين تستهدفهم السلطات الصينية، وإنّما ملايين الأشخاص الذين تمارس بحقهم عملية تطهير عرقي وثقافي وانساني، فهذا لم يعد تعدياً على أقليات إنّما تصرف يعادي الإنسانية.