أواخر مارس العام 2015 وقّعت دولة أوغندا التي تقع شرق أفريقيا، اتفاقية مع الصين اقترضت بموجبها 200 مليون دولار أمريكي، وذلك من خلال “إكسيم بنك” الصيني، لتوسعة مطار عنتيبي الدولي الوحيد في البلاد، ويشمل ذلك محطة جديدة ومدارج موسّعة وشحنات جديدة ومراكز وقود في المطار. القرض الذي يدخل في إطار “مشروع الحزام والطريق” الصيني، تواجه أوغندا بسببه خطر فقدان السيادة على مطارها الدولي الوحيد. فماذا في تفاصيل الصفقة السرية، وما هي تداعياتها المحتملة؟
- عقد مشبوه بين الصين وأوغندا تواجه الأخيرة بسببه خطر فقدان مطارها الدولي وأصولها السيادية
- “أخبار الآن” تحصل على نسخة من العقد المبرم بين الصين وأوغندا وتكشف بنوده الغامضة والمثيرة للجدل
- أوغندا تستبعد احتمال سيطرة الصين على المطار بحجة عدم التخلّف عن السداد والأخيرة رفضت إعادة التفاوض
- النائب الأوغندي بولسن لوتاماغوزي: لا يمكن لنا الإطلاع على العقد بشفافية ولا يحق لنا إبقاء الأوراق بحوزتنا
- الخبيرة القانونية كريستينا أبي حيدر: كلّ ممتلكات الدولة الأوغندية ضمانة لتنفيد العقد مع الصين
- المتحدّث باسم هيئة الطيران الأوغندية فياني لوجيا: لن نتخلف عن سداد القرض للصين وملتزمون بالعقد
- الخبير الإقتصادي فريد موهومزا: في حال تخلّفت أوغندا عن القرض ستستولي الصين على أصول الدولة
- التأكّد من عدم استيلاء الصين على أصول الدولة الأوغندية يعني أنّ الأوغنديين سيدفعون أكثر من جيبوهم
وقّعت أوغندا اتفاقية مع الصين لتطوير مطارها الدولي الوحيد، لكنّ ذلك العقد يكتنفه الكثير من الريبة جرّاء البنود المبهمة التي تضع أصول الدولة الأوغندية بخطر كبير.. فما الحقيقة من ذلك؟
تستغلّ الصين فقر الدول النامية وحاجتها إلى المال لبناء المرافق والبنى التحتيّة، فتُقرضها مبالغ ضخمة من المال بموجب عقود ظالمة ومشبوهة تتيح للصين السيطرة على مرافق الدولة، وربّما حتى على قراراتها السياديّة في حال تعذّر عليها سداد الديون.
أوغندا هي إحدى الضحايا الجدد للنهم الصيني، إذ تفوح من العقد الموقّع بين الدولة الأوغندية وبنك إكسيم الصيني رائحة “صفقة مشبوهة”.
فبحسب المعلومات التي حصل عليها فريق “أخبار الآن” الإستقصائي، يبدو أنّ العقد وُقّع بسريّة مطلقة وبطريقة مبهمة وغامضة، فيما اطلعت عليه قلّة قليلة… كما لا يحق للنواب إبقاء الملف بحوزتهم للتدقيق فيه.
إنّ الحذر الذي يحيط بتوقيع العقد بالإضافة إلى السريّة التي رافقت توقيعه، يطرح العديد من علامات الإستفهام حول خطورته وأهدافه.
“أخبار الآن” تمكّنت من الحصول على نسخة من العقد الذي أبرمته الحكومة الأوغندية مع “إكسيم بنك” الصيني، ليكون ذلك العقد هو الثاني الذي تكشف عنه “أخبار الآن”، وتبرز تفاصيل بنوده التي اعتبر مشبوهة ومثيرة للجدل.
في إطار الحفاظ على الدقّة في معالجة الأمر، أطلعنا الخبيرة القانونية والمحامية كريستينا أبي حيدر على ذلك العقد لدرسه والتمحّص به، فقالت إنّ “ثمّة ما يثير الريبة في بنود ذلك العقد الموقّع ما بين الحكومة الأوغندية والهيئة الناظمة للطيران المدني من جهة، ومصرف التصدير والإستيراد الصيني من جهة أخرى، خصوصاً المادة 11 التي تقول إنّه يُمنع منعاً باتاً إقامة أيّ حصانة جديدة على ممتلكات الدائن، أي الدولة الأوغنديّة، أو المستفيد أي الهيئة الناظمة للطيران المدني، التي لم تكن تتمتع بحصانة قبل توقيع العقد. وبالتالي فإنّ العقد أعطى مجالاً لأن تكون كلّ الممتلكات التابعة للدولة الأوغندية هي ضمانة لتنفيذ ذلك العقد ما لم تكن تلك الممتلكات خاضعة لحصانة قبل التوقيع”.
وأضافت: “كما أنّ العقد أشار أيضاً إلى أنّه بعد توقيعه لا يجوز وضع حصانة على أيّ من تلك الممتلكات سواء كانت تابعة للحكومة الأوغندية أو لممتلكات الهيئة الناظمة، وذلك من أجل ضمان حفظ تسديد القرض، عندها يكون كلّ شيء قابل للحجز من أجل الوفاء بذلك الدين”.
وتابعت الخبرة القانونية: “يعتبر بحسب العقد أنّ التنازل عن الحصانة من قبل الفريقين أعلاه غير قابل للرجوع عنه، وتلك نقطة مهمة جدّاً ما يعني أنّ الحكومة والهيئة الناظمة لا يمكنهما التنازل أو القول نحن لا نريد أن نتنازل عن الحصانة، فذلك الأمر لا رجوع عنه، خصوصاً في حال صدور قرار تحكيمي عن غرفة التحكيم الصينية، وهنا ستكون الدولة والهيئة الناظمة ملزمتين بتطبيقه. وقد تمّ الإعتراف في العقد أيضاً بأنّه لا يمكن التذرع فيما بعد بأنّ الحكومة الأوغندية أو الهيئة الناظمة تصرفتا بأملاك لا يجوز لهما التصرّف بها… وإذاً المادة 11 تنصّ على أنّ كلّ ممتلكات الدولة من بعد توقيع العقد هي ضمانة لتنفيذ مندرجات هذا العقد”.
المخيف هو الصلاحيات الواسعة جدّاً التي تمنحها الحكومة الأوغندية للبنك الصيني بموجب ذلك العقد، والتي تمنحه الضمانة ليس بالإستيلاء فقط على المطار، وإنّما على كلّ أصول الدولة الأوغندية
الخبيرة القانونية كريستينا أبي حيدر
تصف أبي حيدر العقد بأنّه صارم للغاية وتقول إنّه “من الممكن أن نفهم تشدّد البنك الصيني في حماية حقوقه كدائن، لكن ما يخيف هو الصلاحيات الواسعة جدّاً التي تمنحها الحكومة الأوغندية للبنك الصيني بموجب ذلك العقد، والتي تمنحه الضمانة ليس بالإستيلاء فقط على المطار، وإنّما على كلّ أصول الدولة الأوغندية، وهنا تكمن الخطورة، ما يعني أنّ كلّ شيء مستباح”.
وأوضحت أبي حيدر في حديثها لـ “أخبار الآن“: يمكننا أن نقول إنّ ذلك أمر قد يجوز، ففي النهاية العقد هو شريعة المتعاقدين، ولدى توقيع عقد يمكن الإتفاق على أيّ بند، فمتى توافق الفريقان على توقيع العقد لا يمكننا أن نتذرّع فيما بعد أنّ تلك البنود صارمة أو هي مجحفة، لأنّ ذلك تمّ بملء الحريّة عند توقيع ذلك العقد. وعادةً ما تكون العقوبات قاسية عندما يكون هناك شك مسبق بعدم مقدرة المدين بأن يرد الدين عندها نرى أن تلك العقود هي أكثر صرامة وفيها توسّع أكثر من أجل الحفاظ على حقوق المدين كما في حالة هذا العقد”.
ولفتت أبي حيدر إلى أنّ “ضمانة الدّين ليست محدّدة داخل العقد، وذلك أمر مخيف، وهنا تكمن الخطورة، ولا أعتقد أنّ الحكومة الأوغندية أُجبرت على ذلك الموضوع، فهي قامت بملء إرادتها بالتنازل عن تلك الحقوق، وذلك ما يعتبر خطيراً.
وأضافت: “يحصل ذلك عادة مع الدول التي لا ثقة بها من قبل الطرف الآخر بأنّها قادرة على سداد الدين إلى الصين، لذلك تقوم عادةً تلك الدول بتقديم ما يعرف بالضمانات السياديّة من أموال، لكن عندما تكون تلك الدول عاجزة عن تقديم ضمانات سياديّة لن يكون أمامها من حلٍّ إلّا أن تقدّم كلّ ما لديها من أجل الإستحصال على القروض، فتكون هنا في حالة من اليأس لأنّها تكون غير قادرة على الإستحصال على أيّ قرض إلّا إذا قدّمت كلّ ما لديها من ضمانات… لكن طبعاً ذلك لا يبرر كون العقد صارم وخطر وليس سهل أبداً، لأنّه لا يضع المطار فقط كضمانة بل كلّ أصول الدولة، وهنا تكمن الخطورة”.
عقد سرّي ومبهم!
العديد من المسؤوليين الحكوميين الرفيعي المستوى في أوغندا أكّدوا أنّ الحكومة ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في العقد
المتحدّث باسم هيئة الطيران الأوغندية فياني لوجيا
رغم كل ذلك الجدل الذي أثير حول العقد يرفض المتحدّث باسم هيئة تنظيم الطيران الأوغندية فياني لوجيا حتّى التفكير باحتمالات سيئة. بالنسبة له، العقد جيّد ومناسب للدولة الأوغندية.
وفيما ينفي احتمال استيلاء المقرض الصيني على المطار، يشير المسؤول الأوغندي إلى أنّ حكومة بلاده لا يمكنها التخلّي عن مثل تلك الأصول الوطنية. وقال في حديث خاص لـ “أخبار الآن“: “أكّد ذلك العديد من المسؤوليين الحكوميين الرفيعي المستوى في أوغندا مراراً وتكراراً، وكان آخرهم المدعي العام وهو رئيس الفريق القانوني الحكومي المسؤول عن العقود بين حكومة أوغندا ودول أخرى، وقد أكّد بكلّ وضوح أمام البرلمان أنّنا أولاً ما زلنا في فترة السماح، بمعنى آخر أنّنا لم نتخلف بعد عن تسديد أيّ دفعة، وأنّه حتّى بعد انتهاء فترة السماح، فإنّ الحكومة ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في القرض”.
لا يكتفي لوجيا بالتأكيد على أنّ اتفاق القرض جيّد جدّاً بالدرجة الأولى، فهو يعتبر أنّ شروطه مميّزة إذ يوفر لأوغندا مبلغ 200 مليون دولار مع إمكانية تسديده على فترة تمتد على 20 عاماً بمعدل فائدة تبلغ 2 %، إضافةً إلى فترة سماح تمتد على 7 سنوات.
وردّاً على سؤال حول ما إذا كان لوجيا قد اطّلع على عقد المطار بين أوغندا والصين فعلياً، كرّر الأمر نفسه قائلاً: “لم أرَ قط مؤسسة مالية في العالم تعطي تلك الشروط، برأيي فإنّ الشروط جيّدة جدّاً، وعلى البلد أن يكون ممتناً لحصوله على ذلك القرض الذي سيساعدنا على تطوير مطارنا والنهوض به ليبلغ المستوى الذي نتمناه له”.
لوجيا تفادى مراراً الإجابة على سؤال “أخبار الآن” يتعلق بما إذا كان اطلع على تفاصيل العقد وكان يجيب بأنّ أوغندا لن تتخلف عن السداد
إنّ تفادي لوجيا الجواب على السؤال يعني أنّه لم يطّلع على العقد، والجميع يستند إلى ما يقوله رئيس الفريق القانوني الحكومي المسؤول عن العقود بين حكومة أوغندا والدول أخرى، ما يعني أنّ “العقد سري” للغاية.
عندما سألناه ما إذا كان قد اطلع على بعض البنود المثيرة للجدل في العقد، ردّ بالقول: “ربما لا أتذكر ذلك في تلك اللحظة، ربما عليّ أن أراجع الإتفاق مجدّداً لكن أؤكّد أنّ أوغندا ليس لديها النية في التخلّف عن الدفع، لا أحد يطلب قرضاً بينما تكون لديه النية في التخلف عن تسديده”.
إعتراض نيابي وتبرير صيني
تشير المادة الـ17 من العقد إلى وجوب معالجة أيّ خلل أو مشكلة بين الطرفين بسريّة تامّة، وبالتالي يُمنع على أيّ طرف ثالث الإطلاع على العقد أو أن يناقشه في العلن، ما يثير الريبة أكثر ويؤكّد كلّ تلك المخاوف.
تقول السلطات الأوغنديّة إنّه توخّياً للشفافية، قامت الحكومة بإتاحة اتفاقية القرض لأعضاء مجلس النواب، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّه يحقّ فقط للنواب الإطلاع على عقد الإتفاقية في البرلمان من دون أن يسمح لهم بإبقاء العقد بحوزتهم خوفاً من تسريبه، وهو أمر يثير كذلك الشكوك والريبة.
غير أنّ النائب الأوغندي بولسن لوتاماغوزي يقول لـ “أخبار الآن” إنّ “على الأوغنديين أن يعرفوا أنّ مستوى الشفافية في معظم المشاريع الحكومية محدود للغاية، فمعظم تلك الإتفاقات يتمّ بصورة مبهمة ولا يسمح لأحد بالإطلاع على ما يجري، حتى نحن النواب في بعض العقود لا يحقّ لنا أن نأخذ المستندات إلى منزلنا ونقرأها بصورة معمّقة، بل يحق لنا فقط أن نقرأها في المجلس، ومن ثمّ نسلّمها بعد ذلك”.
وسأل: “أيّ نوع من مجالس النواب ذلك؟ وأيّ نوع من البلدان هو بلدنا؟ كما أفهم الأمور، في أيّ اتفاق يتمّ التوقيع عليه ضمن عقد معين يفترض بالشعب أن يعلم إنْ كانت أحكامه مناسبة أم لا حتى يتمكنوا من إعطاء الضوء الأخضر للمباشرة فيه، أو من القول إنه لا بد من التوقف وإعادة التفاوض على عقد آخر”.
إذاً، اعتبرت اتفاقيّة القرض تلك غير ودّية. ومن البنود الأكثر إثارة للقلق الذي كان المسؤولون الأوغنديون يسعون لتعديله في الإتفاقية، يتعلق بضرورة أن تسعى هيئة تنظيم الطيران الأوغندية للحصول على موافقة من المقرض الصيني لميزانيتها وخططها الإستراتيجية.
وكانت لجنة برلمانية بقيادة سياسيين معارضين كشفت في وقت سابق أنّ الإتفاق ينصّ على أنّ كلّ الإيرادات والنفقات التي تتكبّدها أو تحصل عليها هيئة الطيران المدني الأوغندية، ستمرّ عبر حسابات يسيطر عليها مصرف التصدير والإستيراد في فرع كمبالا، وذلك يعني منح سلطة الرقابة المالية التي تُمنح عادةً لخزانة البلاد والبرلمان لبنك صيني، كما يحدّ الإتفاق من قدرة الحكومة الأوغندية على الإستفادة من عائدات السياحة والصادرات الأخرى.
والقاعدة الأخرى المثيرة للجدل هي التفويض الممنوح للجنة التحكيم الإقتصادي والتجاري الدولي الصينية في بكين، لحلّ أيّ خلافات محتملة قد تنشأ بين الحكومة الأوغندية وبنك الصين (إكسيم بنك).
تجدر الإشارة إلى أنّ البند الأكثر أهمية وجدلاً في الإتفاقية، والذي يقول إنّه في حال تخلّفت أوغندا عن سداد القرض تُضطر أوغندا للتخلّي عن مطارها الدولي الوحيد، مشابه لما ورد في عقد الطريق السريع الذي أبرمته مونتينيغرو مع الصين، وكانت أخبار الآن قد نشرته في وقت سابق.
والمحلل الإقتصادي فريد موهومزا، أحد أهم الخبراء الإقتصاديين في أوغندا وقد عمل في وقت سابق كمستشار إقتصادي لوزارة المالية، علّق في حديث خاص لـ “أخبار الآن“، على الإتفاقية قائلاً: “لم يحدث ذلك على حدّ علمنا في أيّ من الإتفاقات الأخرى التي حصلت الحكومة بموجبها على قروض من دول أو كيانات أخرى، لأنّه بما أنّ أوغندا بلد سيّد، افترضنا أنّ ذلك الدين هو دين سيادي وأن عمليات الإقتراض التي تتم بين الدول لا يجب أن تحذو حذو القطاع الخاص، الذي يضع يده على الأصول التي يتخلّف المرء عن سداد قروضها، وذلك هو الجزء الأكثر إثارة للجدل، وهو أنّه في حال تخلّفت الحكومة الأوغندية عن سداد القرض، ستستولي السلطات الصينية على المطار أو على أيّ من أصول الدولة”.
كما يمكن لبنك الصين للتصدير والإستيراد الإطلاع على دفاتر الحسابات الخاصة بهيئة الطيران المدني الأوغندية وكذلك الحكومة كما أن أي مشكلة قد تنشأ بين الطرفين، أيّ البنك والدولة الأوغندية، تتكلف بحلّه لجنة التحكيم الاقتصادي والتجاري الدولية الصينية. سارعت الحكومة الأوغندية إلى نفي كلّ تلك المعلومات فور خروجها إلى العلن لكنّها في الوقت عينه تسعى لتعديل اتفاقية القرض الصيني لضمان عدم فقدان السيطرة على المطار، فيما ترفض الصين تعديل أيّ بند في الإتفاق.
أوغندا أرسلت وفداً إلى بكين لإعادة التفاوض على بنود العقد، لكن المصرف رفض إدخال أيّ تعديلات على الإتفاقية
وتفيد المعلومات بأنّ أوغندا أرسلت وفداً ضمّ 11 عضواً إلى بكين لمناشدة بنك الصين للتصدير والإستيراد بإعادة التفاوض على البنود، لكن المصرف رفض إدخال أيّ تعديلات على الإتفاقية، وأبلغ الوفد الأوغندي أنّ أيّ محاولة في ذلك الصدد ستشكّل سابقة سيئة، عدا عن أنّه لا يرى سبباً يبرّر التعديل.
سأل مراسل “أخبار الآن” في أوغندا مدير عام إدارة الشؤون الافريقية في وزارة الخارجية الصينية السابق، والسفير الصيني الحالي في أوغندا، تشان ليسن عن الشبهات التي تثار حول العقد، فردّ بدحض المعلومات وقد بدا التوتّر عليه بشكل لافت كونه كان مضطراً لتبرير الغموض في الإتفاق والبنود المثيرة للجدل.
وقال إنّ “هناك سوء قراءة للسياسات الصينية، ففي حالات التخلّف عن دفع الديون القصوى تلجأ الحكومة الصينية دائماً إلى مشاورات وديّة مع خفض الديون وإعادة هيكلتها، ولا تقوم قطعاً بمصادرة أيّ من الأصول بحجة التخلّف عن سداد الديون”، مشيراً إلى أنه “لم يحصل شيء من هذا القبيل في إفريقيا في حالات مماثلة”.
استيلاء الصين على المطار قد لا يتم في الوقت الراهن بل يحصل بشكل تدريجي، تماماً كما فعلت الصين مع بعض الدول مثل زامبيا
النائب في البرلمان الأوغندي بولسن لوتاماغوزي
غير أنّ النائب في البرلمان الأوغندي بولسن لوتاماغوزي خالفه مشدّداً على أنّ “ما قاله المسؤول الصيني ليس صحيحاً، فبكين رفضت إعادة التفاوض”. وأكّد أن الصين “ترفض إعادة التفاوض، وقد علمت وزارة المالية بذلك بعد البرلمان عن طريق بعض المخبرين لأنّه لا يمكن الإطلاع على العقد. فعندما تجلس وتقرأ عقداً، أحياناً لا يفهمه البعض إطلاقاً لكن نحن كنواب نهتم بالعقد، وعلينا أن نرفع الصوت عندما نعرف بوجود بعض الأحكام التي لا تصبّ في مصلحة الأوغنديين، خصوصاً أجيال المستقبل، لأنّ استيلاء الحكومة الصينية على المطار قد لا يتم في الوقت الراهن بل يحصل بشكل تدريجي، تماماً كما فعلت الصين مع بعض الدول مثل زامبيا، فما يفعله هؤلاء هو أن يحرصوا على ألّا تسمح الحكومة لبعض النواب بنشر تلك الإتفاقات بسبب وجود بعض الأحكام التي لا تصب في مصلحة أوغندا”.
قرض أم إصدار خدمات؟
ثمّة مشكلة أخرى متعلقة بذلك العقد تدور تحديداً حول ما إذا كان ذلك العقد قرضاً أم إصدارَ خدمات، فالبعض يعتقد أنّ القروض المموّلة من مصرف إكسيم الصيني ليست بالضرورة قروضاً مثل القروض الأخرى الممولة من مصارف أخرى، ما يصعّب عملية إعادة التفاوض.
ويقول موهوموزا: “هناك بعض الأفكار والطروحات التي تقول إنّ أيّ قرض يقدمه مصرف إكسيم الصيني ليس قرضاً، بل هو إصدار خدمات كما لو كانت الحكومة الصينية قامت بتصدير الخدمات التي كانت أوغندا بحاجة إليها من أجل النهوض بالتصدير الأوغندي، كما في حال المطار”.
وأضاف: “لذلك لا يتم النظر إلى العقد كقرض لا بدّ من إعادة التفاوض عليه، بل هو إصدار للسلع والخدمات التي صبّت في تحسين الخدمات التي يقدمها المطار. وبالتالي تلك هي المدرسة التي تطرح هذه الأفكار الأخرى التي تقول إنّ إعادة التفاوض ستكون صعبة لأنه لا يمكن النظر إلى القرض كقرض تقليدي، بمعنى أنّه يمكن إعادة النظر بالبنود، بل كإصدار قدمته السلطات الصينية للسلطات الأوغندية. باختصار هذه هي برأيي المدرسة الفكرية التي تفسّر السبب الذي يجعل إعادة التفاوض على ذلك البند بالتحديد صعبة للغاية”.
بغض النظر عما إذا كانت الصين تعتمد فخ الديون أم لا، يمكن القول إنّ على البلد المقترض أن يكون بالدرجة الأولى مدركاً لحجم المخاطر جرّاء أي عقد سيء. وعدا عن أنّ الأمر يتعلّق بجودة ذلك العقد أو عدمها يتحدّث بولسن عن الفساد لدى بعض المستفيدين من العقد مع الحكومة الصينية.
يقول النائب الأوغندي: “تكون كلّ العقود إمّا جيدة وإمّا سيئة بناءً على أحكامها، فإنْ كانت تلك الأخيرة أيضاً قابلة للتطبيق يكون العقد جيّداً، وإنْ كانت غير قابلة للتطبيق يكون العقد سيئاً. كما يتعلق الأمر ببعض النفوذ، أنتم تدركون أن بعض وزرائنا خصوصاً بعض الوزراء الحاليين في الحكومة يخضعون للنفوذ الصيني، لأنّ الصين تعتبر نفسها القوّة الإستعمارية الجديدة لأفريقيا خصوصاً أوغندا، وبالتالي هناك بعض الوزراء في الحكومة الذين يتعاملون معهم، وهنا لا تعتبر صلاحية العقد أم عدم صلاحيته مهمّة طالما أنّ بعض الوزراء يستفيدون بصفة فرديّة من تلك العقود”.
حصل ذلك الأمر بصورة لم تكن في حسبان الكثيرين في أوغندا سواء في الحكومة أو خارجها
الخبير الإقتصادي فريد موهوموزا
لكنّ موهوموزا يقول “ليس الأمر كنايةً عن عملية إخفاء للمعلومات بل يتعلق أكثر بطبيعة عقد تلك الصفقة التي تشرك بالعادة عدداً قليلاً من الأشخاص. فوثيقة مشروع القرض تكون من تصميم الوزارة المستفيدة إلى حدّ معين بصورة مشتركة مع وزارة المالية، لأنّ وزير المالية هو المقترض وبالتالي هم المخولون تحديد الإتفاق الذي يجب أن يلبّي حاجات الإقتصاد ولذلك كان مشروع المطار مفيداً جدّاً. إذاً تلك هي طبيعة عقد تلك القروض التي تُطرح على البرلمان ليعيد دراستها، لكن غالباً ما لا تُقدّم الوثيقة القانونية المفصّلة لأنّ البرلمان يطّلع على المشروع ويقبض المال، لكن تفاصيل الوثيقة القانونية الملزمة تكون بيد وزارة المالية والمدعي العام، وربما كيانات قليلة أخرى. لم نعتد يوماً على إخفاء الأمور بل كما أشرت سابقاً حصل ذلك الأمر بصورة لم تكن في حسبان الكثيرين في أوغندا سواء في الحكومة أو خارجها”.
تشكّل أزمة المطار واحدة من أزمات كثيرة ومتعددة في أوغندا، لكنّها قد تكون الأخطر بما أنّ أصول البلاد في خطر في حال عدم القدرة على السداد. الجدير بالذكر أنّ الأمر لا يتوقف عند خسارة الحكومة الأوغندية لمطارها الدولي الوحيد فحسب، بل ثمّة ايضاً اتفاقيات أخرى مع الصين في قطاعات أخرى والسؤال: ماذا سيحل بها في وقت لا يمكن فيه إعادة النظر بأي من العقود المبرمة.
يقول بولسون “هذه هي إفريقيا، فلو قيلت الحقيقة يتمكن الشعب من أن يعرف أين الفعلة وبالتالي لا بدّ من إيجاد سبل لضمان تنفيذ أي برنامج بعيداً عن المشاكل لأن الكثير من الأوغنديين يُكثرون في طرح الأسئلة. إن خسرنا المطار تدريجياً وبصورة منهجية بناءً على معادلة علمية، فماذا يحل بالعقود الأخرى التي ما زالت الصين توقّع عليها مع الحكومة الأوغندية، مثل عقود النفط والإتصالات السلكية واللاسلكية وإلى ما هنالك”؟
وأضاف: “هو العقد نفسه المبرم مع الحكومة الأوغندية لكن الحكومة مؤخراً أرادت ألّا يعرف الأوغنديون موعد الإعلان عن العقد ومضمونه لأنّ الأوغنديين كانوا ليقوموا ربما بانتفاضة وبالتالي يشكل ذلك دليلاً آخر على أن تلك العقود ربما تحتاج لإعادة النظر مع الحكومة الصينية لأنّ 99% تقريباً من كل العقود المنفذة في أوغندا هي بإدارة صينية. ما السبب في ذلك؟ السبب هو أنّ الصينيين بارعون في منح رشاوى، بعكس الأميركيين الذين يركزون على النوعية لكنّ الصينيين لا يهتمون إلّا بجني المال وليس بالنوعية. كما أنّ الصينيين لا يأبهون بمصلحة الأوغنديين بل كل ما يأبهون به هو مصلحتهم. كما أنّ الأشخاص الذين يموّلون معظم تلك المشاريع ويلزّمون معظم تلك العقود يفعلون ذلك طمعاً بالمال، وذلك ما لا يمكن إخباره للشعب صراحةً بسبب المضاعفات التي قد تنجم عن ذلك”.
يجب أن نفعل أقصى ما نستطيع لمنع استيلاء الصين على أصولنا، وذلك يعني أنّ الأوغنديين يجب أن يدفعوا أكثر في جيوبهم
رئيس لجنة المفوضيات والسلطات القانونية ومؤسسات الدولة جويل سينيوني
من جهته، قال رئيس لجنة المفوضيات والسلطات القانونية ومؤسسات الدولة جويل سينيوني: “بالطبع إذا لم نفِ بالتزاماتنا ستكون هناك تبعات وتداعيات كما يحصل مع كلِّ مقرض، فعندما تذهب إلى المصرف وتأخذ قرضاً ولا تسدده، يأخذون أرضك أو سيارتك بحسب كلّ حالة، لكن الفارق هنا أنّ الشروط قاسية جدّاً ومتشدّدة”.
وتابع: “بالطبع ذلك سيكلّفنا الكثير كدولة للتأكّد من أنّنا لا نتخلّف عن ذلك نظراً لأنّ الشروط سيئة، والمبلغ كبير، فهو يصل إلى حدود 700 مليار شيلينغ. يجب أن نفعل ما بوسعنا كي لا نتخلف عن السداد، وخلاف ذلك سيكلّفنا الكثير، هذا أملنا الوحيد إذا تخلفنا فستكون هناك تداعيات، فالصين يمكنها أن تستولي على مطارنا، لكن يجب أن نفعل أقصى ما نستطيع لمنع حدوث ذلك، وللوصول إلى ذلك، ذلك يعني أنّنا يجب أن ندفع أكثر في جيوبنا، لكن أيضاً الناس سيتحملون المسؤولية لأنّ الذين يدفعون الضرائب سيتوجب عليهم دفع مبالغ أكبر بكثير لحلّ مشكلة ليسوا طرفاً فيها. يجب أن تتدحرج رؤوس في تلك المسألة، يجب أن يتحمل الناس مسؤولياتهم ومن هناك يجب أن نسير قدماً، وعلينا أن ندقق جيّداً في كلّ شيء”.
الخبيرة القانونية ترجح وجود تخلّف عن السداد: من المفيد أن نراقب مجريات تنفيذ الإتفاقية لناحية ما إذا كان سيتمّ الإكتفاء بالمطار أم سيتمّ التوسّع لأصول أخرى
من جانبها تختم الخبيرة القانونية كريستينا أبي حيدر تعليقها على العقد لـ”أخبار الآن“، بالقول إنّ “العقد وُقّع في العام 2015 واليوم بُتنا في العام 2022، فمن المفيد أن نراقب مجريات تنفيذ تلك الإتفاقية، لناحية ما إذا كان سيتمّ الإكتفاء بالمطار أم سيتمّ التوسّع إلى أصول أخرى في الدولة الأوغندية”، مرجّحة أن يكون هناك تخلّف عن السداد.
في المحصّلة، إنّ الطبيعة غير المتوازنة للعلاقات الصينية – الأفريقية تشكل نقطة خلاف رئيسية. وقد أعرب قادة من كلّ أنحاء القارة السمراء عن الرغبة في شراكة أكثر إنصافاً وفوزاً للجميع. ومن هنا، فإنّ الطبيعة غير الشفافة لتعاملات الصين وبنود عدم الإفصاح والسرية، ونقص المشاورات مع منظمات المجتمع المدني المحلية وميلها إلى إنشاء تبعيات استراتيجية وتجارية ورقمية، هي حقيقة واقعة باعتراف مسؤولين من الدول التي تقع تحت مقصلة الصين ولا يمكن تجاهل كلّ تلك التفاصيل أثناء التعامل مع الصين.