تتعاظم حرب النفوذ بين فرعي تنظيمي داعش والقاعدة في مالي، وتحديداً في ولاية ميناكا شمالاً، تلك المنطقة التي تغيب عنها قوّات الجيش، وقد أصبحت تحت نفوذ الجماعات الإرهابية. النزاع المسلّح في مالي وحشي بطبيعة الحال، لكنّه أكثرَ قسوة بالنسبة للسكان. أثناء القتال، قد تكون أمام المدنيين أحياناً، دقائق معدودة فقط للتمكّن من الفرار.
من وقت إلى آخر، يشتبك تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في تلك الولاية، فكلّ طرف يتهم الطرف الآخر بقتل مدنيين، الذين هم في المحصّلة الضحايا الوحيدون، أو في الحقيقة هم ضحايا 3 أطراف:
جيهان هنري (jehanne henry)، وهي إحدى كبار مستشاري منظمة “هيومن رايتس ووتش” – قسم أفريقيا، تقول لبرنامج “بالعين المجردة“: “قطعاً القتلى بمئات الآلاف وهو رقم كبير في فترة زمنية قصيرة، وبالنسبة إلى مالي فذلك رقم كبير جدّاً ومقلق، إضافة إلى أنّ الناس خسروا سبل كسب عيشهم وحيواناتهم ومنازلهم ومدّخراتهم“.
في تلك الحلقة من “بالعين المجردة“، نكشف تفاصيل بلاد تجتمع فيها أزمات العالم، إرهاب التطرّف، إجرام فاغنر، وإليهما الفقر والجوع، ومع كلّ تلك العناصر لكم أن تتخيلوا الواقع كيف يبدو الواقع.
الشعب في مالي ضحية الجميع
تتحدّث إحدى الناجيات من الهجمات الإرهابية في مالي، لبرنامج “بالعين المجرّدة“، عن وقائع الهجوم الذي نفذته عناصر في تنظيم داعش الدولة على قريتها تالاتاي يوم الثلاثاء الواقع في 6 سبتمبر 2022. تقول: “لقد وصلوا بينما كنّا جالسين وبدأوا بإطلاق النار، فقتلوا مَن تمكنوا من قتله وعادوا في اليوم التالي ووجدونا أمام منازلنا، فهرب مَن تمكن من الهروب في صفوف المدنيين، ومَن لم يتمكن من الهروب قد تعرّض للضرب والقتل أمام أعيننا”.
وتابعت: “لقد قتلوا إخوتنا الكبار وأهلنا وأعمامنا وأطفالنا، وآخرون قد حُرقوا أحياء. لكنهم لم يكتفوا بذلك القدر، فراحوا يفتشون منازلنا منزلاً تلو الآخر ويأخذون أمتعتنا ويضعونها على متن دراجات نارية. عندما انتهوا من أخذ كلّ الأمتعة التي كانوا بحاجة إليها، بدأوا برش الوقود على أرضنا وإضرام النار فيها. وفي الليل عادوا مرّة أخرى وقتلوا أبناءنا المراهقين وجرّوا النساء أرضاً بالقوة لاصطحابهن إلى مكان ما وتعرضت نساء أخريات للإغتصاب أمام أعيننا”.
وأضافت شاهدة العيان: “لا يمكنكم تخيّل الألم الذي تسبّبوا به لنا. لم يبقَ لنا سوى أرواحنا. نحن النساء هنّ مَن دفنَّ الرجال الذي قتلوا على يد هؤلاء المهاجمين. كما قام هؤلاء بتكبيل أيدي رجال آخرين قبل قتلهم بإطلاق النار عليهم في رأسهم. كذلك قامت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بتشغيل رجال آخرين قبل أن يردوهم أمواتاً. لا أعرف ما أقوله لك… لقد تسبب لنا هؤلاء الرجال بألم كبير. هذا كل ما يسعني أن أقوله لك”.
“الجيش في مالي ينأى بنفسه”
منذ بداية مارس من العام الجاري، تكثّفت الهجمات والعمليات القتالية في منطقتي ميناكا وغاو، من جانب الجماعات الإرهابية من جهة، ومن قبل قوات الحكومة المدعومة من الروس. لنبدأ من داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين… برنامج “بالعين المجردة” رصد جانباً من إحدى المعارك التي دارت بين التنظيمين غرب ميناكا مطلع نوفمبر، وهنا سألنا المتحدث باسم الجيش في مالي سليمان ديمبيلي (Souleymane Dembélé) عمّا يجري، فقال: “نحن لا نتدخل بتاتاً.. هاتان منظمتان إرهابيتان تمزقان بعضهما البعض وبالتالي نحن لا نتدخل بينهما ولكن إن قامتا بالتعدي على أرضنا فسنردّ عليها”.
مع كلّ محطة من محطات إثبات النفوذ بين التنظيمين، يقف المدنيون بين ناريهما معاً… فهؤلاء يقتلون الأبرياء، وهؤلاء يقتلون الأبرياء أيضاً، يستولون على أرزاق السكان ويقطعون مصدر رزقهم، فيما لو يرفض أحدهم دفع الضرائب أو الزكاة بمسمى تلك الجماعات، قد ينتهي بك الأمر بالقتل.
يقول أحد الشبّان الصوماليين الذين كانوا شهود عيان على الهجمات وهو يعتبر ناجياً حتى الآن: “أتحدّر من منطقة ميناكا وهي منطقة عرفت انعدام استقرار وهجمات دموية بدأت منذ الثامن والتاسع من مارس الماضي، وتسببت بسقوط أكثر من 1500 ضحية بمن فيهم أقرباء لي. لجأ الناجون من تلك الهجمات إلى النيجر والجزائر وغيدا وتيزاواتان وغاو وميناكا. في الهجمات علينا لم يترك لنا هؤلاء الأعداء أي رأس ماشية علماً أنّنا نعتاش منها بشكل أساسي. لقد أخذوا منّا كل شيء وقد نهبوا الجميع تقريباً. لم يكن منفذو الهجمات من مالي فحسب، بل كان هناك أجانب وأشخاص من ليبيا وسوريا وأفغانستان والعراق والنيجر، وحتى لقد ضمت تلك المنظمة أقارب لنا”.
قصص انتهاكات حقوق الإنسان لا تُعد ولا تُحصى
تؤكّد هنري أنّ “ثمّة قصصاً لا تُعد ولا تُحصى عن أشخاص يخبرون كيف أتى رجال مسلّحون على دراجات نارية ودمروا منازلهم، وقد وصف أشخاص إعدام والدهم أو شقيقهم أمام أعينهم، وقد تحدثنا مع عدة نساء خسرن أزواجهن، وهناك مَنْ وصف الوضع، أحد الشهود الذي تحدثت معه شرح لي أنّ المعتدين لا يتعاملون معك ولا يسألونك أيّ سؤال”.
ليس فقط الجماعات الإرهابية تستهدف المدنيين، بل إنّ كلّ عمليات قوات الحكومة وغيرها من المجموعات المسلّحة لإخراج الجهاديين من مالي، كانت عمليات تعسفية جدّاً بحقّ المواطنين الأبرياء، وفق ما تقول مسؤولة منظمة هيومن رايتس ووتش لنا، وتؤكّد أنّ أعداد الضحايا أكبر بكثير من المعلن، “لغاية الآن لم يُجرَ أيّ تحقيق في الجرائم التي حصلت. زعماء المجتمعات المحلية في المناطق التي ذكرتها، أفادونا بأنّ أكثر من 900 شخص قد قُتلوا منذ شهر مارس، والعديد من الناس يعتقدون أنّ العدد أكثر من ذلك بكثير”.
بطبيعة الحال، تبقى المعلومات نوعاً ما شحيحة نظراً لصعوبة الوصول إلى تلك المناطق النائبة في في شمال شرق مالي، حيث تسيطر المجموعات الإرهابية، لكن ما تمّ الوصول إليه من معلومات مستقى من شهود عيان، عايشوا تلك الهجمات التي اتبع فيها المقاتلون نوعاً مختلفأً في الهجوم.
الإنقلاب يملأ الفراغ بالمرتزقة الروس (فاغنر)
تضيف جيهان هنري: “تحدثنا مع عدد كبير من الناس الذين شهدوا تلك الهجمات التي حصلت في المنطقتين، وقد أخبرونا عن اتباعهم نمطاً معيناً في الهجوم يتضمن رجالاً مدجّجين بالسلاح ودراجات نارية وغيرها من المركبات، وهم يقومون بمحاصرة القرية ويطلقون النار عشوائياً، ويستهدفون الرجال في الغالب، ثمّ يقومون بتدمير الممتلكات. تلك الهجمات دفعت ساكني تلك القرى إلى الفرار، ومعظم الناس هربوا إمّا إلى ميناكا وغاو أو إلى بعض المناطق في النيجر أو مناطق أخرى شمال مالي بحثاً عن الأمان”.
الاستماع إلى شهود العيان يبرز فكرة أنّ تأثير العمليات العنيفة جدّاً، مدمّر للغاية بالنسبة للسكان في تلك المنطقة بمالي، حيث تخلّت الحكومة عن دورها، وانكفأت البعثة الفرنسية، ليحاول كلّ من داعش ونصرة الإسلام ملء الفراغ، مستخدمين مالي كقاعدة للعملياتهما. وهنا تقول هنري: “توجد مجموعات إسلامية أخرى مسلّحة غير تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، لكنها ناشطة في مالي وفي مناطق أخرى من البلاد، هناك مجموعات تابعة للقاعدة متواجدة في وسط البلاد، وقد قامت بشنّ هجمات عنيفة كما تصادمت مع الحكومة، وذلك أدّى إلى وقوع ضحايا من المدنيين”. لكن ذلك الفراغ ومع الإنقلاب الأخير تمّ ملؤه ايضاً بوجود عامل خارجي آخر، المرتزقة الروس.
داعش والقاعدة.. وفاغنر على المدنيين في مالي
ناج ثالت يبلغ 46 عاماً من العمر، يعمل كمزارع، يقول لبرنامج “بالعين المجردة“: وصلت دورية لقوات فاما أي القوات المسلحة المالية بمؤازرة شركائهم من مرتزقة فاغنر ومجموعة من الصيادين التقليديين المنتمين إلى عرقية الدونزو إلى بلدة نيا- وورو (Nia Ouro) \ وسط مالي يوم الخميس 25 أغسطس. وصلت القوات المسلحة المالية وشركائها من مرتزقة فاغنر تقريباً في الساعة الثالثة من بعد الظهر واعتقلت شخصين هما أمادو باراي دياغاييت وعيسى ألي دياغاييت”.
ويتابع: “يوم الأربعاء 31 أغسطس وصلوا في الساعة السادسة صباحاً واعتقلوا شخصين آخرين هما بول وبابا. يوم الأحد 4 سبتمير أتى رجال مسلحون على متن 12 دراجة نارية و3 شاحنات صغيرة نحو الساعة الخامسة أو السادسة صباحاً ولدى وصولهم ضربوا طوقاً حول البلدة وتوجهوا إلى المسجد ولكن قبل وصولهم كانت غالبية الرجال قد غادرت البلدة. جمعوا كل النساء وبعض الرجال في أماكن مختلفة مثل مدرسة البلدة والمستوصف. كما اعتقلوا 9 من رجال البلدة بمن فيهم طبيب البلدة”.
ويضيف: “نحو الساعة الرابعة جرى تبديل للجنود وأحضروا الرجال التسعة كسجناء. في الساعة التاسعة مساءً جرى تبديل آخر للجنود. في اليوم التالي نحو الساعة الساعة الثامنة صباحاً وصلت قوات الدعم ولدى وصولهم راحوا يدخلون المنازل وينهبون منها المجوهرات والمال والأدوات والمواد الغذائية ويغتصبون النساء. لقد نهبوا كل المقتنيات التي يمكن أن تخطر في بالكم، 52 دراجة نارية، حيوانات، أبواب منازلنا، فراش الأسرة وأغطيتها إلى ما هنالك.
ويختم بالقول: “أصبحت البلدة فارغة بالكامل. لم يعد بامكاننا حصاد محاصيلنا وضاعت حيواناتنا. لقد اقتات الجنود من خرافنا وما لدينا من مواد غذائية طوال فترة وجودهم هنا. وما زالوا يتواجدون في نيا منذ الأحد 4 نوفمبر حتى يومنا هذا”.
بعد الانقلاب الثاني الذي قام به رئيس المجلس العسكري في مالي عاصمي غوتا في مايو العام 2021، كان بعض ضباطه مقربين من الكرملين، ومنهم من كان موجوداً في تشكيلات عسكرية في روسيا سابقاً، وقد تقرر وضع المرتزقة الروس في صلب اللعبة بحجة محاربة الإرهاب، لكن في العمق، فالمخطط كان يتمثل بطرد كل من ينتمي إلى عملية برخان، العملية الفرنسية التي تستهدف الارهابيين في الساحل الافريقي، والتي بدأت العام 2014. ومن هذه القناة عمز المتحدث باسم الجيش المالي في حديثه لبرنامج “بالعين المجردة“، عندما قال إنّ كل الجهود على مدى السنوات الماضية لم تكن مجدية.
هنا يقول ديمبيلي: “من الصحيح أن كلّ تلك القوات صبّت جهودها في مالي، لكن يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة تلو الأخرى، كنا نرى امتداد الإرهاب والعنف وتصاعده بدلاً من تقهقره…. فالإرهاب هو أشبه بغمامة وبينما كانت القوات الأجنبية موجودة على الأرض لمدة 10 سنوات لم يتحقق أي تقدم”.
إذاً، من الواضح أنّ النظام الجديد لم يعد يريد الفرنسيين، وبالتالي البديل هو الروسي الذي لا تُخفى على أحد مطامعهم في ثروات مالي، حتى على النظام المالي نفسه، لكنّ مصلحة السلطة تعلو على أيّ شيء، وحتى تتقدّم على مصلحة الشعب.
وتقول جيهان هنري: “ما نودّ الإشارة إليه هنا هو أنّ الدولة المالية بدلاً من أن تعتمد على مجموعات المتمردين السابقين في ميناكا وغاو، قامت بالإستعانة بالمرتزقة الروس المعروفين باسم مجموعة فاغنر، وفقاً للمعلومات المتوافرة، لكن الحكومة المالية نفت ذلك الأمر وأكّدت أنّها لا تتلق أيّ مساعدة من المرتزقة، وأنّ هؤلاء يتدربون فقط في البلاد”.
سورخا ماكليود: في الواقع المدنيون هم دائماً الضحية
من جهتها، تقول رئيسة مجموعة العمل الأممي حول المرتزقة الروس سورخا ماكليود (Sorcha MacLeod) لبرنامج “بالعين المجردة“: “في الواقع المدنيون هم دائماً الضحية، ومن الواضح أنّ هناك أطرافاً عدة تنتهك حقوق الإنسان وترتكب جرائم الحرب، ذلك الأمر ليس محصوراً بمجموعات المرتزقة فحسب، نحن نرى في الإشتباكات المسلحة أنّ القوات العسكرية العادية تنتهك حقوق الإنسان، كذلك المتمردين والإرهابيين، ونحن لا يمكننا تصنيفهم، كذلك المرتزقة يرتكبون المجازر، ودائماً الضحايا هم الذين يتعذبون في هكذا ظروف… لأنّ هؤلاء الضحايا تمّ التخلي عنهم وغير قادرين على الوصول إلى العدالة، وأنا أرى أن المرتزقة يتصرفون بغموض”.
في معلومات خاصة لبرنامج “بالعين المجردة“، نتحفظ عن ذكر المصدر حفاظاً على سلامته، فإنّه بعد الفضائح التي طالت مرتزقة فاغنر، والتي باتت معروفة بجرائمها بحق المدنيين، والمجازر التي ارتكبتها في الشمال وسرقة ثروات البلاد المعدنية، فإنّ روسيا قررت جعل تواجد هؤلاء المرتزقة نظامياً الى حد ما\ وقرّرت تسوية اوضاعهم، وحتى انها قلَّصت عددهم الى 1200 عنصر بحسب المصدر، الذي كشف أيضاً كونه شاهد عيَّان، أنَّ المرتزقة بدأوا مؤخراً بالتحرك بجوازات سفر ديبلوماسية وألقاب روسية رسمية، كما قاموا بتغيير تقنياتهم في غسيل الأموال وتهريب النقود والذهب لتصبح أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً.
وتضيف ماكليود: “لا يمكنني أن أتحدث عن تفاصيل ذلك الوضع، لكن يمكنني القول إنّنا ندق ناقوس الخطر منذ فترة حول الأسلوب الذي يُعتمد في البلاد التي تواجه مشاكل وتمرّداً، خصوصاً مع الحكومة الروسية، فنرى ترتيبات ثنائية تقضي بأن تُرسل روسيا مدربين أو معلمين إلى البلد المعني، لكن في الواقع كما رأينا ما حصل في جمهورية أفريقيا الوسطى مثلاً حيث تمّ نشر المرتزقة وهم لا يقومون بأيّ تدريبات ولا يعلمون القوات المسلّحة، بل هم يشاركون بشكل مباشر بالإشتباكات المسلحة ويرتكبون المجازر وجرائم الحرب”.
استهداف فاغنر للمدنيين في مالي يمثل نسبة 71 %
إذاً قارنت سورخا، وهي التي تعمل على ملف قوّات المرتزقة الروس حول العالم بدّقة، جرائم فاغنر في مالي، بما يجري في جمهورية أفريقيا الوسطى، جرائم تلك القوات تتشابه في دول عديدة بأفريقيا وغير أفريقيا. في السياق، تحدّثت جيهان عن أدلّة ووقائع تثبت أنّ تقوم به قوات فاغنر، ينطوي على مجازر مروّعة للغاية بغطاء من القوات الحكومية، مئات الأشخاص تم قتلهم من دون مقاومة، وفق ما تقول المسؤولة في منظمة هيومن رايتس ووتش لبرنامج بالعين المجردة.
تقول هنري: “العمل الذي أنجزته منظمة هيومن رايتس ووتش عن مالي ووُثق في شهر مارس يتحدث عن هجوم مروّع حصل على مدينة تقع في وسط مالي اسمها مورا، وفي تلك المدينة قامت القوات الحكومية المالية وما يُفترض أن يكونوا من المرتزقة الروس، لأنّ الشهود قالوا إنّهم سمعوهم يتحدثون باللغة الروسية فاستنتجنا أنّهم فاغنر، هاتان المجموعتان نفّذتا الكثير من الأعمال الوحشية في تلك القرية، فقد أعدمتا أكثر من 300 شخصاً، لم نسمع عن أيّ قتال حصل في تلك الحادثة تحديداً، لكن سمعنا عن قتال في أماكن أخرى، عند حصول تلك العمليات التي تسميها الدولة عمليات لمكافحة الإرهاب أو للتصدّي للإرهاب، فإنّ تلك العمليات تعسفية للغاية”.
إذاً ما توفّر الآن بين يدينا، يشير إلى أن المشهد في مالي معقّد للغاية، داعش تنشط، القاعدة تنشط، وفاغنر بغطاء من الحكومة المالية أيضاً تنشط. لكن ما نسبة نشاط كل طرف؟ وفقاً لموقع تتبع النزاعات المسلحة في كل أنحاء العالم (ACLED) فإنّ نشر مجموعة فاغنر في مالي ينطوي على فظائع جماعية وتعذيب وإعدامات، ونهب وإدخال المتفجرات كتكتيك لمكافحة التمرّد. ويركّز تقرير حول مشاركة المرتزقة الروس في العنف في السنوات الأخيرة، على الاستهداف المدني من قبل فاغنر في كلّ من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث عملوا جنباً إلى جنب مع القوات الحكومية منذ العام 2018 والعام 2021 على التوالي.
ووفق للبيانات، فإنّ مجموعة فاغنر تشارك في مستويات عالية من استهداف المدنيين في كلّ من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي. في جمهورية أفريقيا الوسطى، يمثل استهداف فاغنر للمدنيين نسبة 52 %، وفي مالي يمثل اشتهداف فاغنر للمدنيين نسبة 71 %. وإلى تلك النسب المرتفعة، هناك استهداف كل من داعش ونصرة الإسلام للمدنيين، ليكون بذلك الضحية الوحيد الفقراء الأبرياء.
الجيش المالي ينكر وجود فاغنر ويؤكد العلاقة الوثيقة مع روسيا
برنامج “بالعين المجردة” سأل المتحدث باسم الجيش في مالي عن فاغنر، هو لم يرفض الإجابة، لكنّه أنكر وجودهم في مالي، قائلاً: “نحن لا نعرف مجموعة فاغنر. نعرف أنّ مالي تربطه بالإتحاد الروسي منذ سنوات الإستقلال علاقات تعاون جيدة. صحيح أنّه في وقت معين من تاريخ بلدنا وجيشنا حصل تباعد مع تفكك الإتحاد السوفياتي السابق، حينها كانت هناك صعوبات في الحصول على تجهيزات من الجمهورية الروسية الجديدة، لكن اليوم تمّ استئناف ذلك التعاون مع روسيا وتلك مسألة ليست بجديدة برأيي. صحيح أنّه في فترة معينة برزت صعوبة في التعاون ولكننا اليوم استأنفنا تعاوننا مع روسيا ما يعني أنّ روسيا بمؤازرة المدربين الروس تساعد حقاً القوات المسلحة المالية في مجال التدريب.
المتحدث باسم الجيش المالي إذاً لا يعرف فاغنر، لكنّه يؤكّد أنّ علاقات مالي مع روسيا اليوم وطيدة للغاية. نحن لم نقل ذلك بل سورخا التي تحقق بعمق في الملف، تقول إنّ ليس فقط فاغنر وداعش والقاعدة في مالي يقتلون المدنيين، بل أيضاً القوات الحكومية.
يعرف المسؤول العسكري أنّ تأثير هجمات الإرهابيين كبير على المدنيين، وذلك صحيح، لكنّه لا يعرف أنّ جرائم فاغنر التي ترتكب في مالي بحق المدنيين، تمثل 71 % وفق تقرير… بكل الأحوال، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المساحة التي تتواجد عليها القوات الحكومية ضئيلة نظراً لمساحة البلاد، وبالتالي العجز كبير.
بالحديث عن نسبة مئوية معينة لتقدير التغطية الأمنية، يقول المتحدث باسم الجيش إنّها “ضئيلة لأن مساحة البلاد شاسعة جداً بالنسبة إلى عديد الجيش. لهذا السبب تبرح الدول في تنفيذ عملية تجنيد كثيفة لتغطية هذه الفجوة ولكن تحديد النسبة المئوية لتواجد السلطات القوات المسلحة المالية على الأرض أمر لا يسعني إطلاق تكهنات بشأنه. ولكن ما هو مؤكّد ومعروف أن المساحة شاسعة جداً وأن عديد الجيش منخفض للغاية بالنسبة إلى كبر مساحة البلاد وأن هناك فجوة لا بدّ من رأبها وهذا ما كان يحصل خلال السنتين الماضيتين”.
غياب الدولة في مالي يصعّب الأمور
في أحدث مجزرة ارتكبها الروس بحقّ الأبرياء في مالي، فقد قتل ما لا يقل عن 13 مدنياً يوم الثلاثين من أوكتوبر الماضي، في منطقة موبتي على يد القوات المالية المدعومة من قبل جنود بيض، بحسب ما قاله مسؤولون محليون لأخبار الآن نتحفّظ عن كشف عن هويتهم. تلك المجزرة حصلت خلال عملية جوية واسعة النطاق، أعقبها هجوم بري شنته القوات المالية ومقاتلون فاغنر، قرب بلدة تينينكو. يفترض أن تكون تلك العمليات في مواجهة التنظيمات الإرهابية، لكنّها للاسف تستهدف الأبرياء. مصدر محلي أكّد لأخبار الآن أنّ بين القتلى إمرأة وابنتها وحفيدتها. وقال أحد السكان إنّ القرية تعرضت للهجوم من قبل قوات مالي الحكومية وفاغنر، لكن لا يوجد فيها أيّ إرهاب متطرف.
وتوضح جيهان هنري: “الصعوبة التي نواجهها في حماية المدنيين من تلك الهجمات هي غياب الدولة المالية، الدولة لديها مراكز في غاو وميناكا لكن لا يمكنها القيام بدوريات في الخارج، وذلك ينطبق أيضاً على بعثة الأمم المتحدة في مالي، بعثة حفظ السلام، هي متواجدة لدعم الحكومة، لكن تواجد أعضاء تلك البعثة والقوات الحكومية ضعيف جدّاً على الأرض، وهم عاجزون عن دخول المناطق النائية لحماية المدنيين قبل حدوث تلك الهجمات في معظم الأراضي، وذلك أمر مقلق”.
بعد كلّ ما تقدّم، يمكن اختصار المشهد في مالي بما يأتي: جماعة نصرة الإسلام وداعش يتصراف تماماً مثل المرتزقة الروس، ما يفعلونه على الأرض يشبه تماماً سلوك فاغنر الوحشي في سوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وأكرانيا، والآن في مالي.
ومن اللافت، أنّ كل تلك المجموعات، تهاجم الأماكن نفسها، وتستهدف المسلمين والمدنيين. الصورة باختصار وحشية، سرقة أموال وماشية، حرق منازل، اغتصاب… واللائحة تطول. وهنا السؤال، مَنْ هو العدو الأول للإسلام والمسلمين في مالي؟ القاعدة في المغرب الإسلامي، داعش أم المرتزقة الروس؟ أم أنّ الجميع بالقدر نفسه من السوء؟