وجوه الثورة الإيرانية الجديدة تتعدد وتنتشر في بقاع الأرض بحجم الشتات الإيراني، وتلك أصوات تُشكّل أهمية كبرى بالنسبة للمحتجين داخل إيران، حيث يسطّر الإيرانيون جرأة لافتة في وجه النظام الصارم المتشدد والذي يردّ بقمعهم وقتل العديد منهم سعياً لوأد التحرّكات التي تهدد اليوم كيان نظام الملالي.
حتّى الآن، ليس من قائد واضح وظاهر لثورة الشباب الإيراني تلك، لكنَّ كلّ واحد منهم يشعر أنَّ ثمّة مسؤولية تقع على عاتقه أو عاتقها، بجعل تلك التظاهرات مستمرة بقدر ما يتوقون للحرية من النظام القابض على أنفاسهم منذ أكثر من اربعين عاماً. تخطّت جرأتهم كلّ حدود ولم تقتصر على النزول إلى الشارع فقط، بل تعدت ذلك إلى حرق مجسمات رموز النظام، مرددين “مارغ بار ديكتاتور”، أو الموت للديكتاتور، الشعار الذي انطلق من الداخل ليحط في أكثر من ثلاثين عاصمة حول العالم.
من بين تلك الوجوه، مسيح علي نجاد (Masih Alinejad)، الصحافية والناشطة الإيرانية التي تعيش اليوم في المنفى، وقد عُرفت منذ أكثر من عقدين بمواقفها المناهضة للنظام الإيراني. في العام 1994 اعتُقلت بسبب مواقفها، وفي العام 2005 فُصلت من عملها كصحافية في البرلمان بسبب مقالة كتبتها هاجمت فيها الوزراء. العام 2014، قادت صفحة على فيسبوك بعنوان حريتي الخفية رفضاً للقوانين التعسفية ضد النساء. ومؤخرا في العام 2021، تعرضت لمحاولة اغتيال من قبل رجال مخابرات إيرانيين في الولايات المتحدة.
ما سر استمرار انتفاضة إيران بالزخم نفسه منذ مقتل أميني؟
تقول مسيح في لقاء خاص مع “أخبار الآن” إنّها واثقة من أنّ تحرّك الإيرانيين اليوم مختلف عمّا شهدته إيران في السابق، ولا يجب أن نسمّي ما يجري إنتفاضة أو تظاهرة، إنّها ثورة لأنّها أوّلاً بدأت بسبب الطريقة الوحشية التي قُتلت بها الشابة مهسا أميني، ولذلك السبب انضمّ العديد من النساء إلى ذلك التحرّك… نحن لا نريد فقط التخلّص من شرطة الآداب والحجاب الإلزامي، بل هن يقلن بوضوح إنّهن يردن التخلص من ذلك النظام الجندري، وينادين بالموت للديكتاتور”.
وأضافت: “تشهد إيران اليوم أطول تظاهرة في التاريخ، وهي مستمرة منذ أكثر من 3 أشهر رغم كلّ القتل الذي حصل، فقد قُتل أكثر من 400 شخص، و15 ألف شخص قد تمّ اعتقالهم ووُضعوا في السجن، لكن ما الذي حصل؟ كلما زاد النظام الإيراني من القتل كلّما زاد إصرار الشعب على النزول إلى الشارع والمناداة بالموت للجمهورية الإسلامية”. وتحدّثت مسيح عن الوحدة في المجتمع الإيراني بين الأكراد والبلوش والنساء والرجال والعرب والترك، داخل وخارج إيران، ضدّ نظام الملالي، معتبرةً أنّ ذلك ما يُرعب النظام الإيراني، مضيفةً: “لأوّل مرّة أعضاء من الفريق الوطني يقولون نحن لسنا فخورين بتلك الجمهورية الديمقراطية، ولم نعد نريد أن نكون في عداد الفريق الوطني، كما أنّنا نرى ممثلات مشهورات يعبّرن عن رفضهن المشاركة في الحملات الترويجية للجمهورية الإسلامية بعد الآن، ونحن نؤمن أنّ تلك هي بداية النهاية”.
ماذا يريد الإيرانيون من المجتمع الدولي؟
وشرحت مسيح علي نجاد مطالب الإيرانين من المجتمع الدولي، وردّاً على سؤال حول الدور الذي يأمل الإيرانيون من ذلك المجتمع لعبه، قالت: “عاجلاً أم آجلاً سيتخلص الشعب الإيراني من الجمهورية الإسلامية، لكن بالطبع مع مساعدة المجتمع الدولي وقادة البلدان الديمقراطية، سيُقتل عدد أقل من الناس وأقل من الأطفال. حتى تاريخ إجراء تلك المقابلة، هناك أكثر من 50 طفلاً بريئاً قتلتهم القوّات العسكرية الإيرانية، أين منظمّة اليونيسف، نحن لا نرى أيّ ردّ فعل، هم صامتون تماماً لأنّهم لا يريدون أنّ يخسروا مكتبهم في إيران، ذلك أمر مؤسف جدّاً وغير مقبول”.
وتابعت: “لسنوات وسنوات، انتشرت أخبار مغلوطة على وسائل الإعلام الدولية من قبل اللوبي في الجمهورية الإسلامية، وكانوا يقولون لا تدعموا الإنتفاضة الإيرانية، لا تدعموا ولا تساعدوا الشعب الإيراني الذي ينزل إلى الشارع ويهزّ الجمهورية الإسلامية، وذلك خطأ، الأمر الوحيد الذي قلناه للعالم هو أنّه عليكم أن تتحركوا لأنّ الإيرانيين لا يناضلون من أجل أنفسهم فقط، بل هم يقاتلون واحداً من أخطر أسياد الحرب في المنطقة، إذاً عندما نحارب الجمهورية الإسلامية، فنحن نحاول إنقاذ الديمقراطية في كلّ العالم، الآن إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان… إيران تُرسل طائرات مسيرة إلى بوتين لقتل الأوكرانيين الأبرياء”.
من ذلك المنطلق، حدَّدت مسيح الخطوات التي على الدول أن تتخذها، وهي استدعاء السفراء وقطع العلاقات الديبلوماسية مع النظام الإيراني، طرد كلّ الديبلوماسيين والمسؤولين إلى حين التأكّد أنَّ النظام الإيراني توقف عن قتل الأبرياء. وقالت: “هناك مواطنون أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون وسويديون متواجدون في السجن الإيراني، يتمّ استخدامهم كورقة مساومة للوصول إلى إتفاقية نووية، لذلك نحن نطلب من قادة الدول الأوروبية وقف المفاوضات حول الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية، وخفض مستوى تمثيلهم الديبلوماسي، وعليها أن تأمر الجمهورية الإسلامية بإطلاق سراح كلّ المعتقلين السياسيين الأبرياء”.
وأردفت: “لا نريدهم أن يدفنوا حقوق الأنسان من أجل الوصول إلى إتفاق نووي، الديكتاتوريون من روسيا إلى الصين إلى فنزويلا موحّدون أكثر من قادة الدول الديمقراطية، وذلك أمر غير مقبول. لذلك نحن الشعب الإيراني نطالب الغرب بالوقوف مع الحق ودعم الشعب الإيراني”.
مسيح إلتقت ماكرون: فماذا قال لها؟
مسيح التقت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (Emmanuel Macron) في باريس منتصف شهر نوفمبر 2022 بعدما طلبت لقاءً خاصاً. “أخبار الآن” سألت مسيح عن سبب اللقاء وتفاصيله فقالت: “أوّلاً عليّ أن أقول إنّني عندما رأيت صورة ماكرون يصافح إبراهيم رئيسي، جزّار إيران، غضبت جدّاً وطلبت اجتماعاً.. كنت غاضبة جدّاً وأردته أن يتعرف على الشعب الإيراني الذي يناضل ضدّ الجمهورية الإسلامية، وفي الاجتماع ذكرت موضوع المصافحة وقد شرح لي ماكرون أنّ فرنسا تتَّبع السياسة الديبلوماسية ولذلك نحن نريد أن نتفاوض مع الجمهورية الإسلامية، هنا ذكّرته بدوري أنّ فرنسا قامت على الثورة، وفرنسا تحترم الأفكار الثورية، لذلك دعوت النساء اللواتي برأيي يُمثلن وجه الثورة الإيرانية، والتي يدعمها الرجال… إحدى هؤلاء النساء كانت ابنة مينو مجيدي (Minoo Majidi) التي قُتلت مؤخّراً بعد مقتل مهسا أميني في مدينة كرمانشاه (Kermanshah)، وقد حضرت ابنتها وهي تحمل صورة والدتها ونظرت في عيون ماكرون وقالت له، يجب أن لا تصافح من قتل والدتي، يجب أن تعترف بثورة إيران، ويجب أن تصافح يد أولئك الذين يقاتلون من أجل الديمقراطية والكرامة والحرية”.
وأكملت: “ماكرون هو أوّل رئيس اعترف بتلك الثورة، وقد وعدني بأنّه سيُقنع قادة مجموعة السبعة بعقد لقاء مع قادة المعارضة الإيرانيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، ووعد بأنّه هو شخصياً ومع قادة مجموعة الدول السبعة والإتحاد الأوروبي سيعترفون بالشعب الإيراني الذي يحارب من أجل الديمقراطية”.
وكشفت مسيح في السياق حدود دعم قادة العالم لإيران، فقالت: “العديد من السياسيين والمسؤولين الذين التقيتهم خصوصاً القادة في الولايات المتحدة الأمريكية، قالوا لي إنَّهم لا يستطيعون تغيير النظام من أجلنا، وماكرون قال الأمر عينه، لكن نحن واضحون ولم نطلب منهم تغيير النظام أو تطبيق الديمقراطية من أجلنا، نحن نقوم بذلك بأنفسنا، الشعب الإيراني يُخاطر بحياته بشجاعة وهو يواجه الأسلحة والرصاص ليُغير النظام، هو يريد وضع نهاية للجمهورية الإسلامية… ما نطلبه من الدول الغربية واضح، لا تساعدوا الجمهورية الإسلامية ولا تعترفوا بمن يقتلنا، عليهم الآن أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون مصافحة القتلة والجزّارين، أم أن يقفوا إلى جانب الحق ويدعموا الشعب الإيراني الذي يريد إنهاء ذلك النظام الظالم”.
هل ستتوحد المعارضة في إيران؟
الإيرانيون المنتفضون ضدّ نظامهم يتحدّثون عن ضرورة توحيد صفوف الشخصيات المعارضة البارزة للقيام بشيء يشبه القيادة للثورة التي دخلت أسبوعها السابع. وفي السياق تقول مسيح لـ”أخبار الآن“: “كلّنا نعمل على ذلك، وهذه أوّل مرة في التاريخ نرى المعارضة موحّدة خارج إيران، نحن نوصل صوت القادة في الداخل، لكن كما ذكرت في اجتماعي مع ماكرون، يجب أن نجتمع، يجب أن يعترف قادة الدول الديمقراطية بقادة المعارضة وبالمحادثات التي تحصل في الكواليس. نريد أن يعرف العالم حقيقة ما يجري في الجمهورية الإسلامية، هم يقتلون المعارضين ويسجنون قادة المعارضة، كذلك هم يغتالون قادة المعارضة الموجودين خارج إيران منذ سنوات طويلة، ثمّ يُخبرون العالم أنّكم إذا ساعدتم المعارضة أو أولئك الذين يُقاتلون ضدّ الجمهورية الإسلامية، إذا ساعدتم المعارضة في تغيير النظام، فإيران ستصبح مثل سوريا وليبيا، وذلك غير صحيح، يجب أن يُقارنوا إيران بتاريخنا نحن، أنظروا إلى ما قبل الثورة الإسلامية”.
وأضافت: “يجب أن نٌقارن بوضعنا السابق، كنّا نتمتع بالحرية الإجتماعية، كانت النساء تذهب إلى الملاعب وكن يخترن ثيابهن، كان لدينا قضاة ووزراء من النساء، الثورة الإسلامية أصبحت ثورة ضدّ النساء، ضدّ الأقلية، ولذلك المعارضة في الداخل والخارج موحّدة، ولديها مطلب واحد فقط إنهاء الجمهورية الإسلامية، ومن ثمّ إجراء انتخابات عادلة وحرة لاختيار الحكومة التي ستدير البلاد بعد الجمهورية الإسلامية… لدينا العديد من المفكّرين والمثقّفين في صفوف قادة المعارضة داخل وخارج إيران، يمكنهم إدارة البلاد أفضل بكثير من رجال الدين المتخلفين”.
كيف تحمين نفسك من محاولات النظام لاغتيالك؟
في صيف العام 2021، تعرّضت مسيح لمحاولة اغتيال أمام شقتها في مدينة نيويورك، وقد كشفت الحقيقات الأمريكية أنّ رجال مخابرات إيرانيين خطّطوا لذلك. وهنا سألت “أخبار الآن” مسيح عن كيفية حماية نفسها وحماية الإيرانيين لأنفسهم من بطش النظام داخلياً وخارجياً، خصوصاً أنَّ النظام يستخدم مبررات مختلفة لردع العالم من دعم المنتفضين وإبقاء سطوته على الإيرانيين.
وقالت: “تعاني إيران الآن من أزمات داخلية وأزمات اقتصادية، الشعب الإيراني يعاني لأنّه محروم من حقوقه الأساسية، ذلك الواقع تفرضه الجمهورية الإسلامية، نحن نعاني بسبب العقوبات التي فرضتها علينا حكومتنا، هم دائماً يصنّفون الأكراد قائلين إنّهم انفصاليون ويتهمون الغرب بأنّه يريد مهاجمة إيران، تلك روايات الجمهورية الإسلامية، عدوّنا الأكبر هو الملالي إنّهم يخدعون الناس ويطلقون النار على الأبرياء في الشوارع، وفي الوقت نفسه يقولون عنّا إنّنا مروّجي حرب. شقيقاي أُصيبا خلال الحرب الإيرانية العراقية، طبعاً أنا ضدّ الحرب، لكن من أبرز الأنظمة المروّجة للحرب هو نظام الجمهورية الإسلامية، فهم يحاولون تصنيف الغرب”.
وأردفت مسيح قائلةً، “يجب أن أذكّر أنّنا الآن لا نسمع أيّ شعارات في الشارع تقول الموت لأمريكا أو الموت لإسرائيل أو الموت لأيّ دولة، لا نسمع في الشارع شعارات ضدّ أيّ حكومة ما عدا الحكومة الإسلامية لأنّنا مؤمنون أنّ الجمهورية الإسلامية هي عدو الديمقراطية والكرامة والحرية، ليس فقط في إيران بل في العالم كلّه، ولذلك هم يلاحقون الإيرانيين الذين يحملون جنسيات أخرى وحتى غير الإيرانيين، كذلك المنشقين الموجودين خارج إيران”.
وتابعت: “الإغتيال والقتل والتعذيب في جينات الجمهورية الإسلامية. لقد وضعت الجمهورية الإسلامية إسمي على لائحة الإغتيالات والخطف، وأنا موجودة على الأراضي الأمريكية، لكنّني لا أخاف على حياتي، ما يخيفني هو أنّ العالم بأسره يشاهد واحداً من أكثر الأنظمة همجية، وواحداً من أخطر الأنظمة التي تقتل الأبرياء في الداخل والخارج. المخيف أنّ الدول الديمقراطية عاجزة عن اتخاذ موقف موحّد للتخلص من أولئك الإرهابيين، ذلك ما يخيفني، أنا مستعدة للتضحية بحياتي من أجل معتقداتي، ولا أخاف من أن أُقتل أو يتم اغتيالي من قبل الجمهورية الإيرانية على الإطلاق”.
ماذا يحصل داخل النظام الإيراني؟
في سياق متَّصل، تحدَّثت مسيح عن اهتزاز أركان نظام الملالي خصوصاً مع الأنباء الخارجة من إيران بشأن استقالات وانتقادات من وجوه بارزة جدّاً، كان آخرها ما صدر عن ابنة شقيقة خامني فريدة مرادخاني (Farida Muradkhani) التي دعت في مقطع فيديو نُشر لها الإثنين 28 نوفمبر 2022، العالم لمقاطعة نظام خامنئي.
وفي السياق قالت مسيح: “حالياً النظام الإيراني ليس حتى واثقاً من نفسه لاستدعاء الجيش والطلب منه قتل الناس في الشوارع، لكنّهم يستخدمون الحرس الثوري، ومن المفارقات أنّ عدداً كبيراً من أولاد هؤلاء الذين يطلقون النار على الناس في الشوارع يعيشون حياة الرفاهية في الولايات المتحدة، العديد من أقارب وأولاد آية الله كانوا يردّدون الموت لأمريكا، حتّى أولئك الذين قاموا بخطف الديبلوماسيين الأمريكيين، أولادهم يعيشون اليوم حياة الترف في الولايات المتحدة”.
وأضافت: “نحن نطالب الدول الغربية بمخاطبة المسؤولين الإيرانيين وأقاربهم بالطريقة نفسها التي يخاطبون بها فلاديمر بوتين، فبوتين وأقاربه كذلك أقارب الموجودين في الكرملين يواجهون عقوبات ويتمّ عزلهم، نحن نطالب بالأمر عينه، لأنّ بوتين وخامنئي يساعدان بعضهما البعض، وتلك هي الطريقة الوحيدة التي على الدول الغربية أن تأخذ قراراً موحّداً بشأنها لناحية عزل بوتين وخامنئي، ودعم الناس الذين يناضلون من أجل الديمقراطية”.
ما سر الزهرة الموجودة على شعر مسيح؟
في ختام حديثنا مع مسيح علي نجاد، سألناها عن الزهرة الموجودة على شعرها دائماً وإنْ كان لها من رمزية معينة. وقد قالت: “تلك الزهرة هي خاتم زفافي، لا توجد أيّ قصة خلفها، إنّها رمز الحب، ذلك كلّ ما يمكنني قوله، ومع الحب والقوّة سنربح تلك المعركة وسننهي الجمهورية الإسلامية التي تُمثل واحدأ من أكثر الأنظمة المعادية للمرأة في المنطقة وفي العالم، والعالم بأسره سيكون أكثر أماناً للعيش فيه من دون وجود الجمهورية الإسلامية في إيران”.
شاهدوا أيضاً: النجمة الإيرانية نازنين بنيادي تفتح النار على نظام خامنئي موّل الإرهاب وصدّره