منحت الناشطة الحقوقية الإيرانية نرجس محمدي جائزة نوبل للسلام للعام 2023، وذلك لدورها في الكفاح من أجل حقوقِ الإنسان والحريات في إيران. لكنّ أهمية تلك الجائزة مضاعفة بما أنّ نرجس تقضي حالياً عقوبة السجن لمدة واحد وثلاثين عاماً في إيران، كما تعرضت لعقوبة الجلد 154 جلدة. فكيف تلقت نرجس خبر فوزها بالجائزة؟ وكيف احتفلت خلف القضبان؟ وكيف ستوظف تلك الجائزة خدمةً للقضية التي تسجن نرجس من أجلها؟
“أخبار الآن” تمكّنت من التواصل مع تاغي رحماني (Taghi Rahmani) زوج نرجس، الذي قال إنّ “تلك الجائزة يمكن أن تشكل فرصةً للمجتمع المدني الإيراني وللمرأة الإيرانية لكي يسمع العالم بأسره صوتهم… فتلك الجائزة لم تمنح فقط لنرجس محمدي، بل لكلّ الناشطين المدنيين في إيران… من جهة أخرى، يمكن أن تشكل تلك الجائزة فرصة جيّدة لكي يُسمع صوت الشعب المطالب بالحرية والديمقراطية، والسبب هو أنّ الجمهورية الاسلامية الإيرانية تعارض حقوق المرأة وحقوقاً مدنية كثيرة، وتسجن أيّ فرد يرفع صوته”.
كيف احتفلت نرجس محمّدي بجائزة نوبل خلف القضبان؟
وأضاف: “نرجس محمدي موجودة اليوم في السجن لكنّها حتّى من السجن تدعم حركة المرأة والحياة والحرية، وقد حاولت أن تعرض عدّة مسائل بما فيها ممارسات وحشية كثيرة تمارسها إيران بحقّ النساء. نحن نعلم أنّ أعضاءً كثيرين في حركة المرأة والحياة والحرية قد قتلوا، وفقد البعض منهم نظره، والبعض الآخر يقبع في السجن الآن. ولكن بالرغم من ذلك، ما زال الشعب الإيراني يقاوم”.
وردّاً على سؤال حول كيفية تلقي نرجس خبر فوزها بجائزة نوب للسلام، قال رحماني: “كان يوم إعلان الجائزة يوم الجمعة، وفي الواقع، يوم اللقاء الهاتفي بين السجناء وزوجاتهم، أعلن رجل كانت زوجته مسجونة في القسم نفسه مع نرجس، أنّ نرجس قد فازت بالجائزة، لكن في البرنامج الخاص بإيران والذي يذاع على القناة الثانية التابعة لتلفزيون الجمهورية الإسلامية في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً، هاجمت إيران جائزة نوبل ونرجس محمدي معلنةً نوعاً ما أنّ نرجس قد فازت بالجائزة. في الحقيقة، عن طريق الجمهورية الإسلامية وتهجمها على جائزة نوبل، لقد علمت نرجس أنّها فازت بالجائزة وراحت تحتفل مع باقي السجينات ورحن يهتفن المرأة، الحياة، الحرية، ونحن نعرف أنّ هناك 42 سجينة في سجن إيفين.
ممنوع على نرجس التحدّث مع عائلتها
من المثير للاهتمام أن نعرف أنّ ما يزيد على 22 إمرأة قد أعلنت لاحقاً دعمها لنرجس بفوزها بتلك الجائزة وقدمت لها تهانيها. لقد هلّل كلّ الإيرانيين لتلك الجائزة التي جاءت بمثابة تكريم لجهود حركة إمرأة، حياة، حرية وجهود نرجس التي تعتبر أحد رموز هذه الحركة الكبيرة والفائزة بالجائزة”.
وعمّا إذا كانت العائلة قادرة على التواصل مع نرجس في الوقت الراهن، أجاب: “نرجس محرومة من التحدّث إليّ وإلى ولديها، ولا يمكنها إلّا الاتصال بشقيقها وشقيقتها في طهران. فنحن لم نسمع صوت نرجس لمدّة 10 أشهر، وذلك بعد أن أودعت السجن مجدّداً، لا يُسمح لها بالاتصال بي أو بالأولاد. وأردف رحماني أنّ “نرجس تردد دائماً جملة واحدة، وهي أنّ كلّ جائزة تفوز بها تعزز حماستي وتجعلني أكثر شجاعةً وجرأةً… وتلك الجائزة التي تعتبر أرقى جائزة سلام في العالم تعطي نرجس تلك الفرصة”.
وعمن سيتسلّم الجائزة نيابةً عن نرجس، قال: “نحاول مع ولدينا أن نسافر إلى فيينا لتسلّم جائزة نرجس، ونودّ أن يقرأ الولدان علي وكيانا رسالتها في العاشر من ديسمبر في اوسلو، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لكن بالطبع سيكون من الرائع لو يُطلق سراح نرجس وتتلقى جائزتها بنفسها، هذا هو كل أملنا ونعمل على تحقيقه”.
نرجس محمّدي تمضي حالياً عقوبة سجن لمدة 10 سنوات
وعن كيفية توظيف الجائزة في سبيل القضية التي تُسجن نرجس من أجلها، قال رحماني لـ”أخبار الآن” إنّ “أيّ فائز بجائزة نوبل للسلام يحصل على اعتراف دولي، وتكون مواقفه مؤثّرة في المجتمع الدولي، وذلك هو أكبر تقدير له. فمن جهة، يحصد الفائز بجائزة نوبل للسلام مصداقية كبيرة يمكنها في حال استثمارها بشكل صحيح أن تشكل قاعدةً للحوار والوحدة بين القوى السياسية والإجتماعية في إيران، بهدف الوصول إلى الديمقراطية في البلاد، ومن جهة أخرى، تملك تلك الجائزة القدرة على أن توحي للنساء في إيران بأن تتوحدن بقوّة أكبر من أجل الوصول إلى المساواة بين الرجل والمرأة. وبما أن نرجس من الناشطين في المجتمع المدني ولطالما دعمت أفراد المجتمع المدني الإيراني، فيمكن لذلك أن يشكل وحياً لذلك المجتمع في إيران، ولكن لا بدّ من بذل جهود في ذلك الصدد”.
وأشار إلى أنّ “تلك الجائزة لم تُمنح لفرد واحد بل مُنحت لنرجس محمّدي كونها رمز يمثل حركة المرأة والحياة والحرية والأحداث التي جرت في إيران، وهي تجسّد بعض أبعاد تلك الجائزة كونها تمثل طاقة لتعزيز المجتمع المدني والدفع باتجاه تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة”.
وحول الجهود التي تبذل من أجل إطلاق سراح نرجس، قال رحماني إن زوجته “تمضي حالياً عقوبة سجن لمدة 10 سنوات. وهناك دعاوى كثيرة يجب على إيران النظر فيها بحقّها. نحن نبذل قصارى جهدنا لإطلاق سراحها، وعلى غرارنا، يجب على الشعب الإيراني والأسرة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان العمل على أن تحصل نرجس على حريتها”. وأوضح أنّ “ردّة فعل إيران إزاء جائزة نوبل كانت سلبية للغاية وحتى أنّها وجهت تهديدات لنرجس في صحيفة كيهان، فإيران تعتبر تلك الجائزة سلبية للغاية وتنظر إليها على أنّها غيمة سياسية هدفها ممارسة الضغط على النظام الإيراني ستخلق حتماً عراقيل أمام إطلاق سراح نرجس من السجن. لكن المشكلة الأكبر لا تكمن في ردة فعل الجمهورية الإسلامية على تلك الجائزة، بل تكمن المشكلة الرئيسية بكيف سيستثمر المجتمع المدني والناشطون الحقوقيون جائزة نوبل هذه لتعزيز الديمقراطية والحرية في إيران”.
رحماني: على العالم الضغط على حكومة إيران لوقف ممارساتها
وختم رحماني حديثه لـ”أخبار الآن” بالقول: “نحن بحاجة إلى حملات مختلفة لإطلاق سراح نرجس وسجناء آخرين، ولا بدّ أن تتمكن تلك الحملات من الاستمرار لمدّة طويلة. فأوّلاً على الشعب الإيراني أن يطالب بقوّة بحرية نرجس، وعلى منظمات حقوق الإنسان الدولية والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان الدولي أن يحثوا إيران من دون توقف لحل هذه المسألة، وأن يضغطوا على الحكومة الإيرانية باستمرار لإطلاق سراح نرجس وسجناء سياسيين آخرين، ولكن الأهم من الحرية هو السماح لهم بعد إطلاق سراحهم بالعمل في المجتمع الإيراني”. وتابع: “ذلك يعني أنّه علينا أن نبذل جهوداً على جبهتين: الأولى من أجل الحرية والثانية من أجل المحافظة على تلك الحرية والقدرة على العمل داخل إيران. لكن الوضع سيكون أصعب بكثير إنْ تمّ إطلاق سراح أي ناشط من المجتمع المدني لكنّه وجد نفسه مسجوناً في مجتمعه. وبالتالي بفضل تلك الجهود يمكننا أن نحقق ذلك الهدف ولكن علينا العمل جاهدين”.