من المقرر أن تزور المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باتشيليت منطقة شينجيانغ في مايو، وذلك بعدما دفعت الأمم المتحدة الصين منذ فترة طويلة لـ “وصول غير مقيد ومفيد”، مع حرية مقابلة مجموعات المجتمع المدني والإيغور من دون إشراف صيني. تلك الزيارة يتمّ التفاوض عليها بين مكتب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والحكومة الصينية منذ العام 2018، فماذا في تفاصيلها؟
- زيارة مرتقبة للمفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت إلى الصين في مايو
- مخاوف من أن تصب زيارة ميشيل باشليت في إطار تبيض سجل بكين الحافل بالإنتهاكات
- مسؤولة ملف الصين في HRW: التحدّي يكمن في سماح الصين لنا بتقصي الحقائق
- ريتشاردسن: موقع باشليت يحتّم عليها إحقاق الحق للضحايا لا إقامة علاقات جيدة مع الحكومات
- تحديات عديدة تواجه الزيارة للصين منها الوباء الذي يمكن أن يعيق لقاء الجهات الفاعلة والضحايا
- ريتشاردسن: التحضير للزيارة يعطي الصين فرصة لتفهم بوضوح ما الذي يريد أن يقوم به مسؤول رسمي
التحضير للزيارة يمكّن الصين من وضع آلية لتسيير تلك الزيارة بما يتوافق مع أهدافها
صوفي ريتشاردسن
الأمم المتحدة أرسلت إلى الصين فريقاً مكوناً من 5 أعضاء بدعوة من الحكومة الصينية وفق المتحدثة باسم حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ليز ثروسيل، وذلك استعداداً للتفتيش الذي طال انتظاره من قبل المنظمة الأممية.
وفي الوقت الحالي، يخضع أعضاء الوفد للحجر الصحي في قوانغتشو قبل التوجه إلى الإقليم، الذي تسيطر السلطات الصينية عليه بشكل كامل وصارم، وتمنع بالتالي أيّ محاولة من قبل وسائل الإعلام للوصل إلى تلك المنطقة، ودائماً ما كانت ترفض طلبات الهيئات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة لزيارتها.
أوّل تحدي أمام الزيارة.. ما هو؟
في ذلك السياق تقول مسؤولة ملف الصين في منظمة “هويمن رايتس ووتش” صوفي ريتشاردسن لـ “أخبار الآن“، إنّ “التحدّي الأوّل هو أنّ تلك الزيارة تتم خلال وجود وباء كورونا، وفي ظل وجود قيود كثيرة على السفر والتنقل والخصوصية”. وتتابع: “ما يقلقنا أيضاً هو أنّه إذا بقيت القيود صارمة على السفر بسبب كوفيد عندما يحين موعد زياراتها، فمن المحتمل أن تقابل الناس عبر الفيديو حتى لو كانت موجودة في الصين، وذلك سيضع الناس الذين يتواصلون معها في خطر كبير لأنّه سيكون هناك توثيق مسجل لتلك المقابلات، وهو من ناحية ما لا يقل خطورة عن مقابلة الناس وجهاً لوجه”.
كما عبّرت ريتشارسن عن قلق منظمة “هيومن رايتس ووتش” من عدم قدرت باشليت على زيارة “الأماكن الحساسة، كمناطق الإيغور والتيبيت، وقلقون أيضاً من أنّها لو تمكّنت من الوصول إلى تلك المناطق، فهل سيكون بوسعها التحدث مع السكان بحرية، وهل سيرغبون هم بالتحدّث معها لتتمكن من توثيق الإنتهاكات التي تحصل، وذلك كلّه قبل أن نصل إلى السؤال ما إذا كانت الحكومة الصينية مستعدة للأخذ بالتوصيات التي ستقترحها في ما خص الإنتهاكات الصارخة التي تحدث، وفي الواقع هناك تخوّف من أن تبيّض تلك الزيارة سجل الصين الحافل بالإنتهاكات لحقوق الانسان عوضاً عن تقديم الدعم لمن تعرضوا للأذى بشكل مروّع”.
قلقون من أن تبيّض تلك الزيارة سجل الصين الحافل بالإنتهاكات لحقوق الانسان عوضاً عن تقديم الدعم لمن تعرضوا للأذى بشكل مروّع
صوفي ريتشاردسن
تلك الزيارة، إنْ حصلت، ستكون الأولى لمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى الصين منذ العام 2005، وذلك يعود إلى أنّ الحكومة الصينية كانت تعرقل هكذا زيارات، إمّا بعدم إعطاء المسؤولين الأمميين دعوة للقيام بالزيارة، أو عبر محاولاتها التحكّم بتلك الزيارات.
وتقول ريتشاردسن: “كي تكون تلك الزيارة ذات مصداقية، يجب أن تتمكن المفوضة السامية من الذهاب إلى الأماكن التي تحدث فيها انتهاكات لحقوق الإنسان، ويجب أن يُسمح لها الوصول لتلك الأماكن، والتحدّث مع الناس الذين ترغب بالتواصل معهم، وأن يكون بوسعها التحدّث معهم من دون أن يخافوا من إمكانية تعرّضهم للتعذيب أو الإضطهاد”.
وتتابع أنّ “التحدي يكمن هنا في أنّه ليس لدينا أدلّة توحي بأنّ الحكومة الصينية ستسمح لنا بالقيام بذلك، لذا الوضع صعب ونحن طالبنا بتحقيق دولي لكنّ المفوضة السامية قلقلة من أن تكون الحكومة الصينية قد وافقت على زيارة قد لا تخدم الهدف الأساسي من التحقيق، وتقدم بطريقة ما مبرّرات لتلك الجرائم ضدّ الإنسانية”.
وكانت ميشيل باشليت قالت في مارس الماضي إنّ المفوضية السامية لحقوق الإنسان توصلت إلى اتفاق مع الحكومة الصينية لزيارتها في مايو، وأضافت أنّ المفاوضات أسفرت عن “اتفاق حول المعايير التي تحترم منهجيتنا، بما في ذلك الوصول غير المقيّد إلى مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك المجتمع المدني”. وتجدر الإشارة إلى أنّ أيّ مفوض لحقوق الإنسان لم يقم بزيارة الصين منذ العام 2005.
في المقابل، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وصول الفريق الأممي الإثنين الفائت، وقال: “ما أريد إعلانه أنّ الغرض من زيارة المفوضة السامية لحقوق الإنسان هو تعزيز التبادلات والتعاون بين الجانبين، وبكين لطالما عارضت استخدام تلك المسألة تجنّباً للتلاعب السياسي”.
في ظلّ حكم الرئيس الصيني شي جين بينغ، شنّت السلطات الصينية في منطقة شينجيانغ، منذ العام 2017 حملة من الإعتقال الجماعي والقمع الديني والثقافي للأقلية الإيغور وغيرهم من المسلمين التراك. كما اتهموا بتنفيذ برامج السخرة والتعقيم القسري للنساء. وقد وصفت الجماعات الحقوقية والحكومات الأجنبية السياسات بأنّها جرائم ضدّ الإنسانية أو إبادة جماعية.
وترفض حكومة الحزب الشيوعي الصيني كلّ الإتهامات بسوء المعاملة وسوء التصرف، وتقول إنّ السياسات جزء من حملات مكافحة الإرهاب ومكافحة الفقر. ونفت في البداية وجود مراكز اعتقال، حيث تمّ اعتقال أكثر من مليون شخص. وزعمت لاحقاً أنّها كانت مراكز تدريب مهني.
تقرير أممي عن الإيغور لم ينشر حتى اليوم.. ماذا جاء فيه؟
في ظل ذلك، يتعرض مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان لانتقادات لعدم إصدار تقرير “تأخّر طويلاً” بشأن حقوق الإنسان في شينجيانغ، وسط تقارير أفادت في وقت سابق من ذلك العام، بأنّ بكين أصرت على عدم نشر ذلك التقرير قبل الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير الفائت.
التقرير الذي أعدّه مكتب باشليت يتضمن شهادات من الضحايا والناجين يتحدثون فيها عن تجاربهم الشخصية حول ما تعرّضوا له من انتهاكات لحقوقهم
صوفي ريتشاردسن
ذلك تقرير عمل عليه مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان منذ أكثر من سنتين. ووفق المعلومات، فهو يتضمن شهادات من الضحايا والناجين يتحدثون فيها عن تجاربهم الشخصية حول ما تعرّضوا له من انتهاكات لحقوقهم. وهنا تشير ريتشاردسن إلى أنّ ما يتضمنه التقرير “مشابه في فحواه لما وثّقته منظمة هيومن رايتس ووتش من معلومات حول التعذيب والمجازر والتوقيف والإضطهاد، وملاحقة الناس بسبب عقائدهم”.
وانتقدت في تعليقها على الأمر الأمم المتحدة على عدم نشرها التقرير حتى الآن، قائلةً: “لا نعلم لماذا لم تنشر باشليت التقرير بعد مع أنّها كانت وعدت بأنّها ستنشره منذ عدّة شهور منذ أيلول السنة الماضية، وفي كانون الأوّل 2021 المتحدث باسمها قال إنّه سينشر في غضون أسابيع… نحن قد رأينا أنّ عدّة حكومات طالبتها بنشره كما العديد من مجموعات المجتمع المدني، وما يؤثّر كثيراً هو أنّ عدداً كبيراً من الجالية الإيغورية حول العالم القلقون جدّاً حول مصير عائلاتهم، اتصلوا بها وطالبوها بنشر التقرير، وفي الواقع اتصلوا بها وطلبوا منها أن تجد طريقة ليقابلوا عائلاتهم بينما تقوم بزيارتها”.
وأردفت :”نحن نقدّر أنّ هدفها هو عدم إزعاج الحكومة الصينية، وربّما ستنشره بعد الزيارة أو ربّما ستنشره إذا لم تحصل تلك الزيارة، لكن ذلك ليس إشارة مشجعة أن ترى شخصاً في ذلك الموقع، إنّها الديبلوماسي الأوّل المسؤول عن حقوق الإنسان في العالم لا يضع الضحايا وحاجاتهم ضمن أولويات عمله”.
التقرير لن ينشر قبل الزيارة
لا يبدو أنّ الأمم المتحدة تنوي نشر التقرير قبل الزيارة، وذلك “أمر خاطىء” وفق ريتشاردسن، التي قالت: “إذا لم تنشر التقرير وسافرت وكانت الزيارة مقيّدة للغاية ولم تتحدث عن طرق تقييد الزيارة، فعندها لن تكون تلك مجرد ضربة كارثية للمجتمع الإيغوري وغيرهم ممن تعرضوا للتعذيب من قبل الحكومة الصينية، بل ضربة كارثية لنظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لأنّه يعطي انطباعاً أنّ الحكومة القوية قادرة على التلاعب بتلك المؤسسة، وذلك سيؤثّر على الناس في كل أنحاء العالم. فكلّ الحكومات قلقة بشأن المواضيع المتعلقة بالإضطهاد الجماعي أو كراهية الإسلام أو التعذيب وقمع حرية الهوية الثقافية والدين والمعتقد والكلام سمها ما شئت، لدينا الكثير من الأسباب للإهتمام بأين وكيف ستعتبر الحكومة الصينية مسؤولة عمّا فعلت من خلال تلك المؤسسات”.
إحجام ميشيل باشليت عن إصدار التقرير الأممي يثير القلق فعلياً لأنّه يشير لعدم استعدادها لأن تكون صارمة في التعامل مع حكومة الصين، كما يجب وكما توجب الحقائق
صوفي ريتشاردسن
لا بدّ من القول إنّه من المهم للغاية أن تُظهر المفوضة السامية لحقوق الإنسان مدى جدية تلك الزيارة من خلال نشر تقرير أعدّه مكتبها، بناءً على تعليماتها حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تستهدف الإيغور وغيرهم من مسلمي الترك، فيما إحجامها عن إصدار ذلك التقرير يثير القلق فعلياً لأنّه يشير إلى عدم استعدادها لأن تكون صارمة في التعامل مع حكومة الصين، كما يجب وكما توجب الحقائق.
نعم نحن قلقون بهذا الخصوص، إذا لم يكن لديها الحرية لتسافر إلى مناطق الإيغور وإذا لم تتمكن من التحدث مع السكان من دون الخوف من التعرض للعقوبات وأيضاً حقيقة أنّها لم تصدر تقريراً حتى الآن حول التجاوزات في تلك المنطقة لعرض الوقائع المتعلّقة بذلك الجزء من الزيارة على الأقل،
وتقول ريتشارديسن: “كانت باشليت متردّدة جدّاً في التحدّث عن موضوع التيبيت والقضايا التي تؤثر على الناس هناك، وكانت لديها اتصالات قليلة بالمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحافيين والفنانين والمناصرين لقضايا المرأة المتواجدين في مناطق أخرى في البلد، لكن ليس لديها سجل واضح حول زياراتها، والقضية التي تمكن طاقمها من تكريس بعض الوقت لها، كما أنّه لم تتم مشاركة نتائج ذلك العمل بطريقة تعزز موقفها ومهمتها، والهدف من موقعها هو التوثيق وإحقاق العدل تجاه ضحايا الإنتهاكات الإنسانية، وليس إنشاء علاقات جيّدة مع الحكومات. الهيكل الدولي لحقوق الإنسان موجود لأنّ الحكومات إمّا تسيء معاملة الناس أو تفشل في حمايتهم من سوء المعاملة، فولاؤها يجب أن يكون لا يمكنني ان اقول ولاءها دورها يجب ان يدور حول حماية اولئك الذين يتعرضون لانتهاكات لحقوقهم”.
التحضير للزيارة يفسدها.. فما قيمة مهمّة تقصي الحقائق؟
يعتبر إرسال فريق للتحضير للزيارة إجراء معتمداً في هكذا زيارات، “لكنّ ذلك سيف ذو حدين”، تقول ريتشاردسن لـ”أخبار الآن“، وتضيف: “من جهة يمكن أن يعطي الحكومة فرصة لتفهم بشكل أوضح ما الذي يريد أن يقوم به مسؤول رسمي أممي، وعندها ستضع آلية لتسيير تلك الزيارة بما يتوافق مع أهدافها”.
الحكومة الصينية تتهرب من تحمّل أيّ مسؤولية عن ارتكابها لأكثر الجرائم وحشية بالنسبة للقانون الدولي
صوفي ريتشاردسن
وتقول ريتشاردسن لـ”أخبار الآن” إنّ “بعثة تقصي الحقائق عندما تعمل بشكل إحترافي تكون حاسمة في تجميع الأدلّة، وفي تلك الحالة من وجهة نظرنا، أهم أدلّة هي تلك المتعلقة بالجرائم ضدّ الإنسانية عندما تنشر منظمة مثل منظمتي تقييماً، يكون الأمر مختلفاً تماماً، عندما تنشر هيئة حكومية دولية مثل الأمم المتحدة ذلك النوع من التقييم ولنفترض أنّ المفوضة السامية نشرت تقريراً عن انتهاكات الحكومة الصينية بحق الإيغور والترك المسلمين، ويكون الأمر حاسماً، عندما يتطابق مع رأينا حول الجرائم ضدّ الإنسانية مثلاً، ذلك النوع من التقارير يثير الجدل ويمكن أن يؤدّي إلى إجراءات المساءلة. لنكن واضحين، لو قامت أيّ دولة أخرى بالعالم بقتل ملايين المسلمين، لكنّا الآن نجري حديثاً مختلفاً تماماً عن ردّ فعل العالم على تلك التصرّفات، لكن لأنّها الحكومة الصينية، فهي تتهرب من تحمّل أيّ مسؤولية عن ارتكابها لأكثر الجرائم وحشية بالنسبة للقانون الدولي، ولذلك دور الأمم المتحدة دقيق جدّاً، عليها أن تجمع الأدلّة وتنشرها وتتيح إجراء نقاش حول كيفية الردّ على تلك الجرائم. أنا أعتقد أنّنا نرى ذلك النظام يتزعزع تحت ضغط الحكومة الصينية، تلك ليست القواعد التي من المفترض أن تساوم عليها الأمم المتحدة، ولا أعتقد أنّ ذلك هو العالم الذي يريد أن يعيش فيه المؤمنون بحرية الرأي والمعتقد والدين”.