- مقاطعة كالينينغراد تشكل القاعدة العسكرية الروسية الأهم بسبب موقعها الجيوسياسي المهم على بحر البلطيق
- قرار ليتوانيا منع مرور البضائع الروسية من روسيا إلى كالينينغراد استفز موسكو
- ليتوانيا تعتبر أن القرار ترجمة للحظر الاقتصادي الذي يفرضه الاتحاد الِأوروبي على البضائع الروسية
- المعاهدات الدولية واتفاقيات ما بعد الحرب العالمية الثانية قضت بالحكم الروسي على كالينينغراد غير المتصلة بسائر الأراضي الروسية
- 50% من البضائع التي تستوردها كالينينغراد من روسيا أصبحت اليوم بخطر بسبب العقوبات والحظر
- مخاوف من انطلاق الحرب الروسية على أوروبا من مقاطعة كالينينغراد بعد توعد بوتين برد قوي على القرارات الأوروبية المطبقة
كالينينغراد أو المقاطعة الروسية ذات البعد العسكري المتواجدة في قلب أوروبا تعود إلى الواجهة من جديد في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا، وتداعيات تلك الحرب على أوروبا والعالم على صعد مختلفة. في حلقة ستديو الآن، الأحد، فُتح النقاش حول هذه المقاطعة مع ارتفاع حدة التوترات المحاطة بها على خلفية حظر ليتوانيا عبور البضائع إليها وتهديد روسيا بتداعيات خطيرة لذلك.
تقع كالينينغراد بين ليتوانيا وبولندا على بعد أكثر من ثلاث مئة كيلومتر من بقية الاتحاد الروسي. ومؤخرا اضطرت ليتوانيا وضع بعض القيود على حركة مرور البضائع الروسية إلى كالينينغراد عبرها بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بحسب السفير الليتواني ليناس لينكيفيتشوس الذي أجرت معه أخبار الآن حوارا خاصا سألته فيه عن الوضع الأمني في ليتوانيا وما إذا كانت الحكومة تتجهز لأي عدوان روسي عليها بسبب تداعيات العقوبات الأوروبية التي تطال 50% من المواد التي تستوردها كالينينغراد من روسيا، وهو قال في سياق رده “حصلت هجمات سيبرانية حاشدة استهدفت المؤسسات العامة الليتوانية، وبالتالي علينا أن نبقى دائماً على أهبّة الإستعداد عندما يتعلق الأمر بالتهديدات العسكرية، لكن أشك أن تحاول روسيا استفزاز الائتلاف باعتبار أنّها تواجه ما يكفيها من المتاعب، وهي عالقة في الوحول الأوكرانية، وتعجز عن تحقيق أيّ نصر استراتيجي ملموس هناك، وهكذا فإنّ زيادة التحديات أمامها هو ضرب من الجنون”. وجدّد التأكيد أنّه يصعب التكهّن باي خطوة محتملة لأنّ روسيا جار لا يمكن أبداً التكهن بما قد تقدم عليه أو تفعله”.
لينكيفيتشوس عارض اعتبار أن ليتوانيا تحاصر كالينينغراد وتحدث عن الفرق الكبير بين الحظر الذي فرضته العقوبات والحصار الذي تفرضه روسيا على مرفأ أوديسا الأوكراني، الذي يعيق تصدير الحبوب، ما يؤثّر سلباً على العالم بأسره”. وقال “هناك فرق شاسع بين ما تفعله روسيا وما تتهم غيرها بالقيام به بسبب العقوبات”.
في هذا السياق، قال الباحث السياسي ماجد كيالي الذي حلّا ضيفا في الحلقة: “لا أحد يعرف إلى أين ممكن أن تتجه الحرب الروسية على أوكرانيا، إنما كل الأفرقاء تؤكد ضرورة عدم خروج الحرب عن حدود السيطرة، إنما القرار في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”. كيالي ذكَّر بمرحلة ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا حيث أعطى بوتين تطمينات بحل الأزمة إلا أنه أخذ قرار غزو أوكرانيا بعد ذلك بوقت قليل. كيالي أكّد الموقع الاستراتيجي لمقاطعة كالينينغراد بالنسبة لروسيا وقال أن الاتفاقيات الدولية قضت أن تكون هذه المقاطعة اليوم ضمن الدولة الروسية، وقال “إن هذه المنطقة ليست ضمن التراب الروسي، هي إقليم شاءت الظروف والمعاهدات أن يكون اليوم لروسيا انطلاقا من تحولات ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما دخل الإقليم ضمن المنظومة الاشتراكية وصار قاعدة بحرية لروسيا في بحر البلطيق، لا تزال إلى اليوم الأهم بالنسبة لموسكو بسبب موقعها علما أن مساحتها لا تتخطى الـ240 كيلو متر مربع”.
وعلى هذا الخط، اعتبر كيالي أن” قرار الاتحاد الأوروبي حظر البضائع الذي أدى إلى رفع التشنج بين ليتوانيا وروسيا يعود لكون الإتحاد الأوروبي ومعه الغرب قد أخذ خيار التصدي للحرب الروسية من باب سلاح العقوبات كي لا تتوسع هذه الحرب التي تستنزف كل الأطراف وتضطر بالشعبين الأوكراني والروسي” بحسب قوله. لكنه إعتبر إعاقة وصول البضائع من روسيا إلى كالينينغراد أمرا يعطي بوتين ذريعة لتوسيع عملياته. وقد قال في الإطار “إن احتمال حصول حرب شاملة في أوروبا موجود دائما سيما وأن الرئيس الروسي يقرر لوحده من جانبه ولا أحد يعرف إلى أين سيأخذ غزوه وبأي اتجاه”.
لماذا تمتلك روسيا كالينينغراد؟
كالينينغراد هي الجزءُ الوحيد من روسيا المنفصل عنها جغرافياً، حتى الرابع من يوليو العام 1946، كان اسم تلك المقاطعة كونيغسبيرغ، أي جبل الملك، عندما كانت عاصمةً لمقاطعة بروسيا الشرقية الألمانية. بعد الحرب العالمية الأولى، تمّ فصل كالينينغراد عن بقية ألمانيا، بموجب معاهدة فرساي.
ومع ذلك، تغيّرَ كلُ شيءٍ العام 1945، فبعد نهاية الحربِ العالمية الثانية، تمّ ضمّ المدينة من قبل الاتحاد السوفيتي، بمُوجِبِ مقرراتِ مؤتمر بوتسدام، لتتحولَ المنطقة من السيادة الألمانية إلى سيطرة الاتحاد السوفيتي، الذي غيّر اسمها إلى كالينينغراد العام 1946، بعد طرد الألمان ومجيء الروس.
بعد نهايةِ الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي العام 1991، وجدت كالينينغراد نفسَها معزولة جغرافياً عن روسيا، وقد تراجعَ التواجدُ الروسي العسكري فيها، لكن مع وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم، أعاد ضخَ الدمِ العسكري فيها من جديد نظراً لموقعِها الاستراتيجي بالنسبة لروسيا، إذ أنّها تعتبر مقرّاً لأسطولِها على بحر البلطيق، وفي قلب أوروبا، حيث باتت تعرف بخاصرة القارة العجوز الرخوة، ومن المحتمل أن يقدم بوتين على توجيه ضربته الأولى إلى أوروبا، انطلاقا من تلك المنطقة، حيث تستعرض موسكو ما نشرته من أسلحة ومنظومات صواريخ.
تلك الورقة تلوح بها موسكو تزامناً مع غزوها لأوكرانيا، وتصاعد التشنج مع الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إبّان فرض عقوبات غير مسبوقة على النظام الروسي. وقد حظي الجيبُ الروسي باهتمامٍ دولي في يونيو 2022، عندما فرضت الحكومة الليتوانية قيوداً جديدة صارمة فرضها الاتحادُ الأوروبي، على عبور أراضيها إلى كالينينغراد. ذلك الموقف أثار ردَ فعل غاضباً من قبل موسكو، التي تعهّدت بالإنتقام واتخاذ إجراءات قد يكون لها تأثير ليس فقط على ليتوانيا، إنّما على أوروبا بأكملها.