ناقشت حلقة الأحد من برنامج “ستديو الآن”، مذبحة أورومتشي، والتي تُعد واحدة من المذابح وعمليات الاضطهاد التي دُوّنت في سجّل الصين، الحافل بالانتهاكات، ويعتبر الخامس من يوليو العام 2009 نقطة تحوّل في تاريخ عرق الإيغور.
وفي لمحة تاريخية سريعة، فإنّ تركستان الشرقية هي بوتقة تقع وسط آسيا، تحتلها الصين منذ عقود عديدة، ربّما منذ العام 1950 فعلياً، بعد مرحلة من الاضطراب لجأت بكين خلالها أحياناً إلى حليفتها روسيا، للمساعدة في تثبيت أقدامها في تلك المنطقة.
لم تتوقف حملة الصين على المسلمين الإيغور هناك، وقد مارست عليهم الترهيب وسلبتهم أراضيهم، واستقدمت إليها صينيين، لكن رغم ذلك، وطوال تلك العقود، كان الإيغور يعيشون في ظلّ الاحتلال الصيني راضين بواقعهم الأليم، ولو أنّ ذلك الواقع دفع الكثيرين إلى الهجرة والهروب خارج تركستان الشرقية، التي أصبحت أورومتشي لاحقاً.
في الفترة الماضية إذاً، لم تصل حملة القمع الصينية إلى ما بلغته في العام 2009، فذلك العام كان التاريخ الفاصل في تغيير النهج الصيني، فحينها كان قد حان موعد تنفيذ القرار السياسي لدى الإدارة الصينية في إحكام القبضة على المنطقة، التي كانت ومازالت تتمتع بأهمية تجارية عالمية كبرى حيث كان طريق الحرير يمرّ بها، كما أنّها تمتلك ثروات مهمّة يتم نقلها إلى داخل الصين… وهكذا عبّدت الصين الطريق للإبادة الجماعية بحقّ الإيغور.
وعلى الرغم من انقضاء أعوام على المذبحة، فإنّ الوقائع تعيد نفسها وسط صمت عالمي عن كلّ ما يتعرض له الإيغور على يد السلطات الصينية. فهؤلاء يتعرضون يومياً وبشكل نمطي ومنظم للتصفية والتعذيب والاستغلال غير الإنساني، وقمع الحقوق والحريات والترهيب، ومع ذلك ما من جهة تتدخل لوقف ذلك الاستنزاف الأخلاقي والإنساني لتلك الأقلية المستضعفة ضمن المجتمع الصيني.
بدأت أحداث أورومتشي في الـ26 من شهر يونيو على خلفيّة إشكال عنيف حصل بين عمال من الإيغور وآخرين من عرق الهان، وذلك في مصنع لألعاب الأطفال في مدينة شاوغوان، بعدما اتهم عامل صيني عدد من العمال الإيغور باغتصاب امرأتين من الهان، ليتبيّن فيما بعد أنّها مجرّد شائعة.
غير أنّ الحادثة أسفرت عن مقتل اثنين من الإيغور، وقد طرد المئات منهم أيضاً من المصنع على خلفية الحادثة، ما دفع بهم إلى الاحتجاج والتظاهر في أورومتشي. وكانت حصيلة التصادم الأوّل بين القوات الصينية والمتظاهرين 20 قتيلاً من الإيغور، إضافة إلى عشرات الجرحى.
غير أنّ القمع الوحشي للسلطات الصينية لم ينجح في ردع التظاهرات، إذ تشكّلت احتجاجات جديدة من قبل طلاب الجامعات الذين طالبوا الحكومة بعدم تجاهل ما يحصل، وتشكيل لجنة للتحقيق بالأحداث الأخيرة، لكن الشرطة فتحت النار بشكل عشوائي على الطلاب والمتظاهرين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 3000 من الإيغور.
وقد قامت السلطات الصينية بعد المذبحة بفرض رقابة مشدّدة على شبكة الإنترنت وشبكة الهواتف المحلية والدولية، لمنع تسريب أيّ معلومات تفضح وحشية ممارستها، وأعدمت بعد ذلك نحو 200 شخص من الإيغور رمياً بالرصاص، إذ اعتبرت أنّهم على صلة بأحداث الخامس من يوليو، كما اعتقلت أكثر من 4000 شخص بتهمة إثارة الشغب والقتل والسلب والنهب في مدن أوروميتشي وكاشغار وهوتن، بحسب ما أوردت منظمة حقوق الإنسان الدولية في تقاريرها آنذاك، وتراوحت أعمارهم بين 12 عاماً و 40 عاماً، ولا يعرف بعد مصير معظمهم.
جثث ودماء ومشاهد تحوّلت إلى كابوس
يستعيد الإيغوري إكرام حبيب الله (Ikram Habibulla) تفاصيل ليلة حصول المجزرة بالكثير من الحزن الممزوج بالألم، ألم الذاكرة التي تبكيه في كلّ مرّة يستعيد فيها التفاصيل وتحرمه النوم ليلاً، يقول لـ “أخبار الآن“: “لقد كنت عالقاً في منطقة البازار، وقد أتى صديقي لاصطحابي وكان يرتدي زيّ جيش التحرير الشعبي للتنكر. قررنا أن نرى المدينة بأكملها وما يجري هناك… وفيما كنّا نقود السيارة، ذهبنا إلى تشاندلر وهي جزء آخر من أورمتشي حيث شاهدنا الكثير من الجثث. كان الجيش يسحب الأولاد القتلى ويرميهم في شاحنة… لا يمكن لي أن أنسى أبداً تلك اللحظات، فمنذ ذلك اليوم وأنا أرى الكوابيس ولا أستطيع النوم، وفي كل مرّة أتذكر فيها تلك المشاهد أبكي”.
في صباح اليوم التالي كان حبيب الله مع صديقة أيضاً في السيارة، وأضاف: “أتينا إلى البازار وكانت هناك المئات من الجثث بجانب المسجد، ورأيت الدم يسيل على الأرض في كل مكان، لكن انتبهنا أن زيّ رفيقي مزيّف فلم نكن نريد الوقوع في المشاكل، فقررنا العودة. وتابع: “أراد صديق آخر لنا أن يأتي ليرى بنفسه، وقد جاء إلى مكان الحادث حول منطقة المسجد بالدراجة، كان جيش التحرير الشعبي يجمع الجثث وكانت بعض النساء الإيغوريّات ينظفن الدم على الأرض وكنّ يبكين بشدّة. إنه كابوس، لقد قتلوا الإيغور”.
ناجية وثّقت المشاهد بالصور
نجحت جولي محسوت (Guly Mahsut)، التي شاركت في التظاهرات بتضليل رجال الشرطة وإيهامهم بأنّها سائحة، فنجت من الاعتقال وقد التقطت بعد المشاهد المروّعة للتصادم العنيف بين القوات الصينية والمتظاهرين.
تقول محسوت: “كنت في أورومتشي في بداية التظاهرة وقد شهدت شجاعة المشاركين فيها من شباب وشابات الإيغور، الذين كانوا يهتفون إيغور. قبل ساعة أو ساعتين كان هناك عدد كبير من الشرطة والجيش، كما أنّ رجال الشرطة كانوا ينتشرون بثياب مدنية في كلّ مكان ضمن ساحة مدينة أورومتشي، ثم بدأوا يعتقلون الناس من دون أسباب منطقية، اعتقلوا الشبّان الصغار بعضهم كان في الـ15 أو الـ16 وقد حصل ذلك حتى قبل أن تبدأ التظاهرة”.
وأضافت: “مع انطلاق التظاهرة، شجعتني حماسة هؤلاء الشبان الذين كانوا يهتفون إيغور، وبما أنّني كنت أحمل آلة التصوير بدأت بالتقاط الصور، فقد كنت أتظاهر بأنّني سائحة وأنّني ألتقط صوراً لنفسي وللمنطقة المجاورة وللشرطة والجيش وبعض الطلاب الذين يسيرون في الساحة قبل بدء التظاهرة. أردت أن أحتفظ بذكريات عن تلك اللحظات المهمّة، لذلك كنت ألتقط الصور، فلفتّ ذلك انتباه أحد رجال الشرطة، ربّما هو من الحزب الشيوعي الصيني أو شرطي في ثياب مدنية لا أعلم، لكنه اقترب منّي وبدأ يسألني ماذا تفعلين؟ أجبته أنا سائحة أتيت إلى مدينة أورومتشي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، فطلب منّي أن أتوقف عن التقاط الصور والمغادرة لأنّ اليوم هو يوم غير عادي وعليّ العودة. مشيت والكاميرا تتدلى من يدي، وتابعت تصوير الاعتقالات وتسجيلها بطريقة سرية، كانت لحظة مخيفة جدّاً فقد خفت كثيراً على حياتي إذ كان يمكن أن أصبح واحدة من المعتقلين”.