عامٌ على وجود فاغنر في مالي، الدولة الأفريقية الفقيرة، حيث بالكاد تتوفر لدى السكان أساسيات الحياة. ذلك العام المصبوغ بالقتل والتنكيل والحرق والاغتصاب والسرقة، لا بدَّ أن يكون كافياً كي يستشرف المجتمع الدولي والعالم، مستقبل مالي أو مصير الكثير من سكان تلك البلاد التي ترزح اليوم تحت وطأة الجماعات الارهابية المتمثلة بتنظيمي القاعدة وداعش الارهابيين من جهة، بالاضافة الى فاغنر التي دخلت البلاد بين عامي 2016 و2017 عبر حملة ممنهجة طالت الجمعية غير الحكومية للترويج لروسيا وقدرتها على مواجهة الارهابين، في حين كانت النتيجة مختلفة تماما عن ذلك بعد الدخول الروسي عبر فاغنر إذ زاد القتل.
تقرير One Year of Wagner in Mali
في ذلك السياق، أصدرت منظمة “All Eyes on Wagner“، غير الحكومية، تقريراً مفصّلاً بعنوان “One Year of Wagner in Mali“، وثَّقت فيه بالأدلّة وبالبراهين مرحلة دخول فاغنر البلاد، ونتائج ذلك بعد عام واحد فقط. وبحسب التقرير، أوّل ظهور علني لمجموعة فاغنر في مالي، كان في ينانير العام 2022 وكان في سيغاو (Segou). وتقول الوثائق، إنَّ وصول فاغنر إلى مالي كان بداية إلى مطار العاصمة بماكو، إنَّما حضورهم بقي متخفياً دائما، ابتداء من مايو 2021، إلى يناير 2022.
مسؤول فاغنر في مالي بحسب ما كشفه التحقيق هو إيفان ماسلوف، (Ivan Maslov)، وهو رئيس وحدة فاغنر في البلاد. مكلّف من قبل كلّ من يفجيني بريغوجين وديمتري أوكتين (Dmitri Uktin) قائد مجموعة فاغنر. وقد اتخذت فاغنر من مطار غاو (Gao) قاعدة أساسية لها منذ دخولها البلاد يأتي لكونها قد زوّدت بطائرات من روسيا كما يكشف التقرير. وقد دخلوا الى المنطقة فور انتهاء عملية برخان الفرنسية (Operation Barkhan).
يُشير التقرير إلى أنَّ مصادر خاصة من داخل مالي أكَّدت أنَّ قدوم فاغنر وعملياتها زادت من تدهور الوضع الأمني في البلاد، ويقول إنَّ ذلك يرتقي لدرجة التعنيف الممنهج والهجوم المقصود على جماعة فولاني الاثنية التي تأتي من إقليم غورما في مالي.
يخلص التقرير أنَّ فاغنر نشرت ثقافة العنف في البلاد وجعلت من السلطة العسكرية أكثر بطشاً وقتلاً. ويقول إنّ تلك الثقافة انتشرت انطلاقاً من سياسة جمع المعلومات الاستخباراتية التي انتهجتها مجموعة فاغنر والقائمة على القتل والتعذيب والتنكيل بحجة معرفة من ينتمي لنصرة الإسلام والمسلمين وأخذ معلومات عنهم.
ويؤكّد التقرير أن ليس ثمة أيّ نتيجة ايجابية من تواجد فاغنر بل على العكس تماماً، فاقمت تلك المجموعة الوضع خطورة. وذلك ما تؤكّده الأرقام، إذ أنه في العام 2022 تمّ تسجيل أعلى عدد من القتلى منذ العام 2013 حينما اجتاحت الحركات الإرهابية البلاد. بالاضافة الى ذلك، رفع تواجد فاغنر منسوب التجنيد في صفوف كل من داعش والقاعدة.
ويشير التقرير إلى أن النجاح الوحيد الذي حققه تواجد فاغنر في مالي هو ازدياد سلطة نصرة الإسلام والمسلمين وداعش على الأراضي المالية، إذ أصبح التنظيمان يسيطران على 30% من مساحة البلاد، وقد تجلَّى ذلك مع دخول تنظيم القاعدة (نصرة الإسلام والمسلمين) إلى مناطق جديدة مثل ميناكا (Menaka) التي دخلتها القاعدة للمرة الأولى بتاريخها بعد فشل الطوارق في مواجهة تنظيم داعش، فكان ذلك فرصة للقاعدة للدخول إلى المنطقة. بالتالي تواجد فاغنر لم يخدم إلا الإرهابيين.
لماذا يخدم تواجد فاغنر التنظيمات الارهابية؟
بحسب التقرير، يعود السبب خلف توسّع الإرهابيين في حضرة فاغنر إلى 4 نقاط وهي: رفض حكومة السلطة العسكرية استمرار عملية برخان الفرنسية، اعتماد السلطة العسكرية على فاغنر كجسم عسكري موازٍ، ضعف الجيش المالي، وقدرات تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” وداعش.
وثَّق التقرير 4 انتهاكات لفاغنر، وهي قتل المدنيين، والاعتداء عليهم جسديا، والاعتداء عليهم جنسيا، ودفعهم للنزوح . وفي ذلك السياق، تبين أن فاغنر ارتكبت على الأقل أربع مجازر في كل من: هامبوري (Hambori)، وسوفارا (Sofora)، مورا (Moura)، ديبالي (Diabaly)، ودوجوفري(Dougoufie).
فقط في حادثتين، قتلت مجموعة فاغنر 330 مدنياً في دوجوفري في فبراير 2022 حيث قتل 30 مدنياً وفي مورا في مارس 2022 حيث قتل 300 مدني. تلك المذبحة بدأت على أنها عملية للسلطة العسكرية وفاغنر ضد نصرة الإسلام والمسلمين، لكنّها انتهت بمجزرة طالت المدنيين بحسب شهود عيان. وقد وثق التقرير شهادات المدنيين الذين هربوا وعاد إلى تصريح أمير نصرة الاسلام والمسلمين في ماسينا حمدون كوفا، وهو شقيق أمادو كوفا الذي قال إنّ 30 عنصراً من الجماعة قضوا أنذاك\ في حين بلغ العدد الإجمالي للضحايا 300. مجازر أخرى ارتكبت في قرية غوني هابي (Gouni – Habe) في 16 و17 سبتمبر 2022 و1 أوكتوبر 2022. حينها قالت السلطة العسكرية إنّها ستقوم بفتح تحقيق لكن لم يحصل شيء في ذلك الخصوص.
خلاصة التقرير تشير إلى أنّ فاغنر تلقت انتقادات من القيادة العسكرية في مالي بسبب بطشها، لكن ذلك لم ينجح بردعها بل على العكس، زاد من ثقافة الإجرام ومن مجازرهم، لاسيما بحقّ الأقليات.
بالإضافة إلى ذلك، وبحسب مصادر محلية، فإنّ الجماعات الإرهابية تتقدم الآن بالقرب من المدن وتزيد من انعدام الأمن في البلاد. يعتبر بعض ممثلي الطوارق (Tuarge) أيضًا أن مرتزقة فاغنر هم منافسين محتملين ويضغطون على فاغنر لمغادرة غاو و ميناكا خوفًا من رؤية مجموعة فاغنر تسيطر على مختلف أشكال الاتجار\ خصوصاً تجارة الذهب.
ويعتبر الكاتب أن مستقبل فاغنر في مالي غير مؤكّد. فقد فشل المجلس العسكري في الوفاء بالتزاماته في تمويل مشاركة فاغنر، وهناك عدم يقين يحيط بإعادة انتشار مشغلي فاغنر إلى أوكرانيا. وبغض النظر عن ذلك، فمن المرجح جدًا أن تظل فاغنر في مالي ومنطقة الساحل عمومًا لتقوية النفوذ الروسي في المنطقة وخطوط إمدادها بالموارد الطبيعية المربحة في منطقة الساحل.
هيومن رايتس ووتش تؤكد ارتفاع العنف في مالي في حضرة فاغنر
وإلى جانب جرائم فاغنر، سردت جيهان هنري (jehanne henry) كبيرة مستشاري هيومن رايتس وتش في أفريقيا سردت لـ”أخبار الآن“، حادثة حصلت في يناير وقد أسفرت عن سقوط عدد من القتلى. وقالت: “رأينا حادثة مقلقة في شهر يناير حيث هاجمت إحدى تلك المجموعات كتيبة ماسينا 3 قرى وقتلت بوحشية ما بين 127 و132 شخصاً بحسب ما أفادت الحكومة، وهم زعموا أنّ ذلك حصل لأنّ أفراد المجتمع المحلي قرّروا مخالفة اتفاق عُقد سابقاً مع كتيبة ماسينا قبلوا فيه الإلتزام بالقوانين التي تفرضها تلك المجموعة مقابل عدم تدخل الحكومة، لكنهم خالفوا ذلك الإتفاق وقاموا بالتواصل مع الحكومة، ما دفع بكتيبة ماسينا إلى الإنتقام بتلك الطريقة”.
وأضافت: “ذلك مثال على الصراعات المحلية التي تحدث بسبب اتفاقيات مبرمة سابقاً، وشهدنا هجوماً ثأرياً أدّى إلى قتل أكثر من 132 شخصاً وذلك أمر محزن جدّاً، وسمعنا قصصاً عن جر الضحايا إلى الغابات وتقسيمهم إلى مجموعات ثمّ تصفيتهم”.
هنري أردفت، “ليس لدينا دليلاً ملموساً لكنّنا تحدثنا مع بعض الذين تمكّنوا من الفرار، لذا لدينا بعض الأدلة عمّا حدث فعلاً، وكانت حادثة صادمة جدّاً بسبب العدد المرتفع للضحايا، وهي توضح مدى تشابك الوضع الأمني في مالي اليوم حيث تتواجد مجموعات متعددة، وكلّها تحاول السيطرة على المجتمعات المتواجدة في المناطق المختلفة، ومحاولة التحكّم بطريقة عيش تلك المجتمعات، وفرض بعض الضرائب كالزكاة”.
وفي ختام حديثها قالت هنري: “لقد تواصلت مع بعض الأفراد في ميناكا وغاو وقالوا إنّ ذلك تماماً ما حصل معهم، هم حاولوا مرّات عديدة التفاوض مع تلك المجموعات الإسلامية لأنّهم كانوا يطالبون بمبالغ كبيرة للزكاة، تلك مجتمعات إسلامية أساساً وهم لا يتحولون إلى دين جديد، لكن هناك نوع من السلطة تُفرض عليهم من قبل هؤلاء المسلحين. إذاً في الجزء الشمالي الشرقي وفي ميناكا يقول الناس إنّهم وافقوا على دفع الزكاة لبعض الوقت، لكن فجأة تغير شيء ما وتمّ استهدافنا جميعاً، بالتالي الدينامية هنا مختلفة عن تلك التي اتبعتها القاعدة والتي وصفتها سابقاً، لأنّها ليست عملية إنتقامية محددة ضدّ أشخاص محددين، إنّما نوع من العقاب الجماعي ضدّ داوساهاك في غاو وميناكا”.
القوى الكبرى تتنافس في مالي
في ذلك السياق، أجرت أخبار الآن حواراً مع أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس خطَّار أبو ذياب (Khattar Abou Diab)، الذي قال “إن المنطقة متعرضة لمخاطر انتشار الارهاب ومنافسة دولية حامية، ولكن يجب أن أذكر أنَّ أيام الحرب الباردة كان عدد من العسكريين الانقلابيين في مالي يدرسون في الاتحاد السوفياتي”. وأضاف، “حتى الصين موجودة في مالي فهي تقوم بتدريب الشرطة، إنَّما أسلوب الصين مختلف عن روسيا فهي تعتمد أساليب القوة الناعمة، فليس هناك من انتشار عسكري بل استثمار وديون تُعطى إلى تلك الدول”.
أبو ذياب أضاف، “فرنسا انطقلت من مالي إلى النيجر ومع قيام المظاهرات تحت عنوان أن الاستثمار الفرنسي عليه أن يرحل، تسعى لدعم القوى المحلية في مكافحة الإرهاب لمن يرغب، ولكنّها لن تنسحب من الساحل وكذلك ألمانيا وأنكلترا”. وختم بالقول: “لن يكون هناك اخلاء في المنطقة بشكل كامل، ولكن هناك منافسة دولية ومع وجود الارهاب فهناك تهديد حقيقي في تفكك الدول في الساحل الأفريقي”.