سكان طرابلس يعيشون حالة من الخوف على وقع زلزال الـ 6 من فبراير
إنّها طرابلس عاصمةُ لبنان الثانية، المدينةُ الأكثرُ فقراً على المتوسط. فهنا تحديداً يبتسِمُ الفقر ويضحك.. في الحقيقة، عندما قصدَ فريقُ “أخبار الآن” الأحياءَ الفقيرة في المدينة القديمة، كان الهدف رصد واقع الأبنية المتصدّعة فيها والآيلة للسقوط. لم نتفاجأ بما شهدناه خصوصاً وأنّها ليست المرة الأولى التي ندخل إلى تلك الأحياء لنقل الصورة المؤلمة، لكنّ تلك المشاهد ربّما هي الأكثرُ تعبيراً عن الحياةِ على هامشِ الحياة، والعيشِ خارج خط الزمن.
طرابلس.. مبان آيلة للسقوط
حتى اليوم ما زال سكان طرابلس يعيشون حالةً من الخوف الكبير، لا سيما بعد زلزال الـ6 من فبراير المدمّر الذي ضرب كلّاً من تركيا وسوريا. تصدّع الأبنية القديمة وفق الصور التي نشاهدُها لا يحتاج إلى خبراء لتحديد حجم المخاطرِ الجسيمة، وما تشكلُه من تهديد لحياة القاطنين هناك. فإنْ كان بعض الأبنية يحتاج إلى ترميم، إلّا أنّ الكثير منها لم يعد يصلح إطلاقاً، إذ لابدّ من هدمه وإعادة بنائه.
لكلِّ جهة إحصائياتُها في ما يخص عدد الأبنية التي لا يصلح العيشُ فيها، لكن ما تمَّ نشرُه من أرقام يتشيرُ إلى وجودِ أكثر من 400 مبنى مهدّد بالسقوط ويحتاجُ لمعالجة سريعة، لتجنيب قاطنيها خطرِ انهيارها على رؤوسهم.
في الواقع، الجهات التي تقوم بالدراسات والإحصاءات متعددة، وبين دار الإفتاء في المدينة ونقابة المهندسين وبلدية طرابلس، فلا أرقام واضحة وصريحة. لكن بغض النظر، تفيد التقديرات بأنّ عدد المباني المتصدّعة في طرابلس ومحيطها هو بالآلاف، لأنّ الكثيرين لا يبلغون عن تصدع المنازل خوفاً من إنذار البلدية بالإخلاء.
تحذيرات بإخلاء المباني
إذاً تحذيرات عديدة أصدرتها بلديةُ طرابلس تفيدُ بوجوب إخلاءِ المباني بداعي أنّها معرّضة للسقوط، لكنّ دائماً ما تبقى الحلول العملية قاصرة وغير فعّالة، لدوافعَ عديدة أبرزُها النقص في التمويل وفق ما يقال. ولأنّ الكثيرين لا حول لهم ولا قوّة فهم يرفضون ترك منازلِهم، إذ لا إمكانيةَ لديهم على استئجارِ منزل آخر، خصوصاً مع الدولرة الحاصلة في لبنان. وذلك ما عبّر عنه الطرابلسيون لـ”أخبار الآن”. بالنسبة لهم لا خيار سوى البقاء في تلك المنازل، فالموت تحت سقف أفضل من الموت على أرصفة الطرقات وفي العراء.
تلك الأزمة لم تقتصر فقط على الأبنية السكنية والخاصة في المدينة، إنمّا أيضاً ثمّة خطر على عدد من المدارس، وقد كانت هناك تجربة مريرة إثر سقوط سقف إحدى المدارس، وأسفر عن حالة وفاة في صفوف الطلاب.
كالعادة كلُّ شيء في لبنان يغرق في زواريب الجدلِ العقيم… من المسؤول؟ من يرمم: المالك أم المستأجر؟ ماذا عن الخلافات بينهما؟ ماذا عن دور الدولة ومؤسساتها في تحمّل مسؤولية الترميم؟ ذلك نموذج بسيط عن أسئلةٍ كثيرة لا فائدة منها ربّما في ظل وضعٍ إنساني مأساوي، فالجميع مسؤول نظرياً، لكن عملياً الجميع لا مسؤول والجميع يتنصل.. معادلة لا تجدُها إلّا في لبنان.
تقصير الدولة اللبنانية
في سياق السؤال عن الحل لأزمة المباني المتصدعة في طرابلس، تحدّثنا إلى نائب طرابلس اللواء أشرف ريفي، الذي وإنْ لفت إلى تقصيرٍ من قبل الدولة اللبنانية والمسؤولين لناحية إهمال طرابلس على مرّ العقود، إلا أنّه أشار إلى مبادرة يقومُ بها وفريقُه ترتكزُ على خيار استراتيجي، يضمن حلّاً جذرياً لتأمين سلامة القاطنين في المباني المهددة بالانهيار.
زلزال تركيا وسوريا ساهم في جعلِ أزمة الأبنية المتصدّعة في طرابلس تكشرُ عن أنيابها أكثر، وفق ما يقول الشيخ فراس بلوط، وهو رئيس القسم الديني في دائرة أوقاف طرابلس، وهو اعترف أنّ لجنة الطوارئ التي تمّ تأليفها بمبادرة من دار الإفتاء في المدينة، لم تؤتِ بالنتيجة المطلوبة.
أيضاً من جهتها، قالت نقابة المهندسين في طرابلس إنّها تقوم بإعداد الكشوفات اللازمة، لكن لا إمكانية لديها للقيام بأكثر من ذلك. وقد أشار المهندس فادي عبيد في حديثه لـ”أخبار الآن”، إلى قرار حكومي بإعطاء بدل سكن للذين عليهم إخلاء المنازل، لكن مكانك راوح كالعادة.
النائب السابق رامي تحدّث لأخبار الآن فقال إن المشكلة في طرابلس كبيرة جداً، ولا بد لجهاز دولة أن يقود الحل بالنظر إلى ضخامة الأزمة، متحدثاً عن حل بديل.
في كلّ الأحوال، واقع الحال في المدينة مرير للغاية، ومؤلم للغاية بدليل ما رصدته كاميرا “أخبار الآن” وما صرّح به الأهالي. وحتّى عندما كانت الدولة اللبنانية حاضرة، فتلك المدينة تعتبر مهملة ومهمّشة منذ عقود.