مذكرة اعتقال فرنسية بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر ومسؤولين كبار
أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد وقادة أمنيين آخرين، بناء على شكوى جنائية قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير والأرشيف السوري، ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح ومنظمة المدافعين عن الحقوق المدنية بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية على مدينة دوما في الغوطة الشرقية عام 2013.
وقد اعتبرها المركز السوري سابقة مهمة وخطيرة وتنصف الضحايا.
لكن ما الذي يمكن أن تغيره على أرض الواقع؟، هل هي ملزمة؟، هل سيتبعها تعميم عن طريق الإنتربول؟، ما الذي غيرته مذكرة الاعتقال من المحكمة العدل الدولية بحق الرئيس الروسي حتى تغيره مذكرة التوقيف الفرنسية بحق الأسد؟.. هذا ما ناقشناه في حلقة اليوم من برنامج “ستديو أخبار الآن“.
أدلة مذكرة توقيف الأسد
وحول هذا الموضوع، قال أمين عام الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، مازن درويش، خلال استضافته في برنامج “ستديو أخبار الآن“، إن: “المعلومات والأدلة، جُمعت من مكان وقوع الجريمة من (مركز سوريا للإعلام وحرية التعبير)، إذ كان لديه مكتبًا في دوما وكان يُديره مجموعة من الحقوقيين الذين قاموا بتوثيق الانتهاكات الخاصة باستخدام الأسلحة الكيماوية”.
وتابع: “هناك أيضًا مجموعة من الضحايا والأطباء كانوا بمكان الحادث، كما هناك تقارير طبية سُجلت بالمستشفيات ولدى مجموعة واسعة من الأطباء”.
كما لفت درويش إلى أدلة أخرى وهي: “وجود ارتباط بين مكتب الرئاسة والوحدات المقاتلة التي استخدمت هذه الصواريخ ومركز البحوث العلمية، الذي قام بدمج المواد الكيماوية كي تتحول إلى سلاح، وأقصد بذلك غاز السارين على وجه التحديد”.
كما أضاف أمين عام الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان لـ “ستديو أخبار الآن“، إلى أن: “قضاة التحقيق أنفسهم كذلك من بين الأدلة التي تم الاستناد عليها بالمذكرة، كما أنه في توقيت الحادث كانت هناك لجنة أممية في سوريا، أثناء وقوع ضربة خان العسل، وهذه اللجنة دخلت مسرح الجريمة وجمعت عينات والتقت مع المرضى والمصابين والمستشفيات والمراكز الطبية”.
قضائيًا وقانونيًا.. هل يُنفذ؟
وردًا على مدى قانونية هذه المذكرة وتنفيذها على أرض الواقع، قال درويش: “يجب تنفيذ هذه المذكرة، فإذا كانت هناك اتفاقيات بين الجمهورية الفرنسية وأي دولة أخرى، حول تسليم المجرمين فيجب أن تُنفذ”.
وواصل حديثه متسائلًا: “أما إلى أي مدى ستلتزم الدول بهذا القرار!، فهذا الأمر سيحتاج حقيقة إلى وقت وليس طويل، فنحن نتحدث عن أيامٍ أو أسابيع، حتى تأخذ هذه المذكرات الإجراءات القانونية اللازمة للتعميم وتبادلها مع الدول الأخرى”.
وأكد درويش: “أعتقد أن عملية إعادة إدماج الرئيس السوري بشار الأسد في المجتمع الدول ستكون صعبة، خاصة وأنه بات مطلوبًا للعدالة”.
وتابع: “ما حصل في سوريا مهول، ولم يسبق وقوعه منذ الحرب العالمية الثانية، وعلينا أن نجد حلولًا واقعية ومنطقية للانتقال السياسي في سوريا، ينجم عنه مسار وطني للعدالة الانتقالية، ومن ثم يُصبح نظامًا لا يسمح بانهيار الدولة السورية، ويضمن استمراريتها وبشكلٍ أساسي سلامة المجتمع السوري”.
ولفت: “المجتمع السوري مفكك وتعرض لأهوال، وعلينا أن نقدم بدائل تسمح برضا جميع الأطراف، كي يكون هناك انتقال سياسي سلس”.
رد فعل النظام السوري
وفيما يخص رد الفعل السوري المتوقع حول هذه المذكرة، قال أمين عام الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان لـ “ستديو أخبار الآن”: “تعودنا أن السلطات السورية تعتمد مبدأ الإنكار حول كل شئ، ورأينا ذلك أمام محكمة العدل الدولية، وكيف أن الحكومة السورية امتنعت ولم تحضر الجلسة الخاصة بقضية التعذيب التي أثارتها هولندا وكندا”.
وأوضح درويش: “الرئيس السوري أنكر حينها حقيقة وجود تعذيب خارج إطار القانون داخل سوريا”.
وأشار: “علمية التجاهل ليست جديدة، بل هي استراتيجية مستخدمة منذ اليوم الأول في سوريا، وهناك إنكار لما يحدث بشكل دائم”.
تحقيق جنائي
ويأتي الإجراء القضائي الذي اتخذه قضاة التحقيق الفرنسيون في أعقاب تحقيق جنائي في هجومين بالأسلحة الكيماوية في أغسطس 2013، من قبل الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس.
وبالإضافة إلى شهادات مباشرة واسعة النطاق من العديد من الضحايا، فإن الشكوى الجنائية، التي تأخذ شكل طلب مدني، تحتوي على تحليل شامل لتسلسل القيادة العسكرية السورية، كما تضم تسلسل “برنامج الأسلحة الكيماوية التابع للحكومة السورية، ومئات العناصر من الأسلحة الكيماوية، وأدلة وثائقية، بما في ذلك صور ومقاطع فيديو”، حسب بيان “المركز السوري”.
جرائم مروعة
من جانبه، قال مؤسس “الأرشيف السوري”، هادي الخطيب “بإصدار مذكرات الاعتقال هذه تتخذ فرنسا موقفاً حازماً مفاده أن الجرائم المروعة التي وقعت قبل عشر سنوات لا يمكن أن تظل دون حساب، ونحن نرى فرنسا الآن، ونأمل أن تقوم بلدان أخرى قريبا بالأخذ بالأدلة القوية التي جمعناها على مدى سنوات، وأن تطالب بمحاسبة المسؤولين -رفيعي المستوى- عن ارتكاب هذه الجرائم جنائيا”.
وأشار كبير المحامين الإداريين في مبادرة عدالة المجتمع المفتوح، ستيف كوستاس، إلى أن “هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس دولة في منصبه لمذكرة اعتقال في دولة أخرى، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وأضاف أن هذه لحظة تاريخية، فلدى فرنسا فرصة لترسيخ مبدأ عدم وجود حصانة لمرتكبي الجرائم الدولية الأكثر خطورة، حتى على أعلى المستويات”.
قالت عايدة سماني، كبيرة المستشارين القانونيين في منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية “نأمل أن ترسل مذكرات الاعتقال رسالة عالية وواضحة إلى الناجين، وجميع المتضررين من الهجمات وغيرها من الجرائم الفظيعة في سوريا، مفادها أن العالم لم ينساهم وأن النضال من أجل العدالة سيستمر”.
ما هي تفاصيل المذكرة؟
وفي 21 أغسطس 2013، وقع هجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام (الغوطة الغربية)، أبرز معاقل الفصائل المعارضة آنذاك قرب العاصمة السورية، واتهمت المعارضة النظام السوري بتنفيذه.
وفي نهاية الشهر، أعلنت الولايات المتحدة أنها على “قناعة قوية” بأن النظام “مسؤول” عن الهجوم الذي أوقع 1429 قتيلا، بينهم 426 طفلا، كما نشرت الأمم المتحدة في 16 سبتمبر تقريرا لخبرائها الذين حققوا في الهجوم، تضمن حينها “أدلة واضحة” على استخدام غاز السارين.
وتم فتح التحقيق الفرنسي ردًا على شكوى جنائية بناءً على شهادة الناجين من هجمات أغسطس 2013، والتي قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وضحايا سوريون في مارس 2021، وتم دعم الشكوى من قبل الأرشيف السوري ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح، والتي انضمت إلى التحقيق مع المدافعين عن الحقوق المدنية كأطراف مدنية، بالإضافة إلى أعضاء رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية (AVCW).
مذكرة سابقة
ويمكن للمحاكم في فرنسا استخدام مبدأ الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية للتحقيق في الجرائم الفظيعة الدولية المرتكبة على أراض أجنبية، ومحاكمتها في ظل ظروف معينة.
وفي قضايا سورية أخرى، أصدرت الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس في وقت سابق، 7 أوامر اعتقال في قضايا مختلفة، بحق 7 مسؤولين كبار آخرين في النظام السوري، بما في ذلك الرئيس الحالي لمكتب الأمن القومي السوري في مارس الماضي، علي مملوك.
وفي 19 أكتوبر الماضي، أصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف دولية بحق 4 مسؤولين كبار سابقين في الجيش السوري يشتبه في مسؤوليتهم في قصف على درعا في عام 2017، والذي أدى إلى مقتل مدني فرنسي-سوري، ومن بين المسؤولين الذين استهدفتهم مذكرات التوقيف، وزير الدفاع السابق فهد جاسم الفريج، المتّهم بـ”التواطؤ في هجوم متعمد ضدّ السكان المدنيين والذي يُشكّل بحد ذاته جريمة حرب”.
وفي أكتوبر 2020، قدمت مبادرة عدالة المجتمع المفتوح والأرشيف السوري والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير شكوى مماثلة أمام مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني، بشأن هجمات السارين التي شنتها الحكومة السورية على الغوطة في عام 2013 وعلى خان شيخون في عام 2017.