محلل سياسي: من الغباء التعرض للمعارضين الروسيين، ومن بينهم نافالني في هذا الوقت
على بعد أسابيع من الانتخابات الرئاسية في روسيا، قُتل زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني في ظروف غامضة، ما أحدث موجة من الاستنكار والاستهجان في العالم.
ورغم أن وفاة نافالني الذي كان يمضي عقوبة بالسجن 19 عامًا بعد إدانته بتهمة “التطرف” لم تكن مفاجئة إلا أنها كانت صادمة، واستدعت ردود فعل عالمية أطلقها مختلف رؤساء الدول، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن والقادة الأوروبيين.
وكانت مصلحة السجون في منطقة يامالو-نينيتس الروسية قد أعلنت وفاة السياسي المعارض بعدما أفادت في بيان أنه “في 16 شباط/فبراير 2024، شعر السجين نافالني أ.أ. بوعكة بعد نزهة وغاب عن الوعي بشكل شبه فوري”، مشيرةً إلى أن “كل إجراءات الإنعاش اتخذت لكن لم تعط نتائج إيجابية”.
الوفاة أكّدتها المتحدثة باسم نافالني، كيرا يارميش، قائلةً عبر منشور على حسابها على منصة إكس إن “نافالني قُتل” مطالبةً السلطات بتسليم جثّته إلى العائلة فوراً.
من جهتها، هددت زوجة نافالني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظامه بـ”مواجهة العدالة”، وقالت يوليا نافالنايا: “أريدهم أن يعرفوا أنهم سيعاقبون على ما فعلوه ببلدنا، وبعائلتي، وبزوجي”.
وشكّل نافالني، بحياته أو بموته، خصماً بارزاً لبوتين، وكان بمثابة أمل، ولو بعيد للشعب الروسي بإمكانية التغيير والتخلص من نظام الاستبداد والقمع الذي يواجهه حالياً. فما مصير خط المعارضة في روسيا بعد تصفية نافالني؟ وماذا عن توقيت مقتله؟
هذه التفاصيل وسواها فصلّتها حلقة اليوم من برنامج “ستديو أخبار الآن“.
ما سر التوقيت؟
اعتبر المحلل السياسي والمستشار السابق بالبرلمان الأوروبي عبد الغني العيادي، أن توقيت وفاة نافالني دقيق جداً خصوصاً أن روسيا على بعد شهر من الانتخابات الرئاسية، معتبراً أن نافالني كان الوحيد القادر على منافسة بوتين.
وقال لـ”ستديو أخبار الآن”: هذا التوقيت يجعل المتابع أمام قراءة ألا وهي تجريم وتحميل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة لبوتين لأن المعتقل كان تحت مسؤولية الدولة، وأضاف: المعتقل يتم نزع الحرية منه لكن لا يتم نزع الكرامة أو الحياة منه، إلا إذا قررت المحكمة ذلك، لذلك موته في هذه الظروف الانتخابية موضوع مقلق جداً.
وتابع: هذا التوقيت يجعل من وفاة نافالني أمراً مقلقاً من جهة، ولكن إذا كان هناك أمر بتصفية نافالني فهو أمر غبي، لأنه ليس في هذه الظروف يتم خلق مثل هذه الأحداث.
وأشار العيادي من باريس أن الظروف السياسية دقيقة جداً، مؤكداً أن روسيا في حربها ضد أوكرانيا في موقع حرج.
واعتبر أن أوروبا بعدما اهتمت كثيراً بغزة، تريد العودة للاهتمام بالحرب الأوكرانية، لذا من الغباء التعرض للمعارضين الروسيين في هذا الوقت، ومن الغباء سحب مثل هذه الشخصيات من الخارطة السياسية، في إشارة إلى نافالني.
نمط الحكم “البوتيني” سيمهد إلى تململ في روسيا
من جهته، أكّد المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون الأوروبية منصف السليمي لـ”ستديو أخبار الآن” أن بوتين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر تخلّص من خصم عنيد وقوي وهو أليكسي نافالني، مشيراً إلى أن ذلك يبدو أنه على المدى القصير، أي في المحطة الانتخابية المرتقبة في شهر مارس.
وقال: بوتين يعتزم الاستمرار في الحكم حتى سنوات طويلة أخرى والتي يفترض أن تصل بحسب التعديلات الدستورية الأخيرة إلى العام 2034، أي أن يكون لديه الحق في ولاية أخرى بعد الولاية التي سيباشرها على إثر الانتخابات المقبلة في آذار والمرجح أن يفوز بها، لذلك فإن وفاة نافالني ستؤثر على بوتين على المدى المتوسط.
وشرح السليمي أن بوتين سيتأثر بثلاث معطيات أساسية، أولا التضييق الشديد على المعارضين، وحتى على عملاء المخابرات وأشخاص مرتطبين بفاغنر، وبممارسات تتم عن طريق التصفيات، وهذا النمط من الحكم هو نمط “بوتيني” صرف، قائم على تجربته في المخابرات، مشدداً على أن هذا النمط سيمهد إلى تململ أوسع في روسيا.
وقال: إذا كانت المعارضة في السابق في روسيا نخبوية فربما تتحول إلى نطاق أوسع على مستوى الطبقات المتوسطة والفئات الأوسع من المجتمع الروسي.
أما المعطى الثاني الاستراتيجي والحاسم في التأثير على الأوضاع في داخل روسيا وعلى حكم بوتين هو حرب أوكرانيا، بحسب السليمي.
وقال: لحد الآن يقول بوتين إن روسيا لا يمكن أن تخسر في أوكرانيا، لكنها في الحقيقة تخسر الكثير بحسب أحدث التقارير الغربية، وربما فقد الجيش الروسي حوالي 300 ألف من عناصره في هذه الحرب ناهيك عن الخسائر الكبيرة الأخرى.
وأشار إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بليكن الذي يقول فيه إن روسيا أضعف بكثير مما كانت عليه قبل حرب أوكرانيا.
وأضاف: لا أعتقد أن الأوضاع في روسيا في السنوات المقبلة ستتطور لصالح بوتين، الروس سيرثون دولة مهلهلة بعد بوتين سواء طال حكمه إلى عام 20234 أو توقف حكمه لسبب ما.
أما بالنسبة للمعطى الثالث، قال السليمي إن “الغرب في الفترة السابقة كثيراً ما راهن على المعارضات والقوى الديمقراطية التي تتحرك في الدول التي فيها أنظمة استبدادية لكن أعتقد أن ما يحدث الآن يرشح أن يذهب الاتجاه نحو التعامل مع قوى من داخل الدولة الروسية أو النظام الروسي.
الرأي رأيكم
في الفقرة الثابتة “الرأي رأيكم” ضمن برنامج “ستديو أخبار الآن”، سُئل المتابعون عن رأيهم حول كيفية تأثير وفاة أليكسي نافالني على شكل الحياة السياسية في روسيا.
وجاءت الإجابات على الشكل التالي:
- 12 % صوتوا لاحتمال “تعزيز الاحتجاجات والمطالبة بالتغيير”
- 67 % صوتوا لاحتمال “تقويض حركة المعارضة”
- 21 % صوتوا لاحتمال “زيادة القمع السياسي”
وعلّق العيادي على نتيجة التصويت قائلاً: لا يمكن الحديث عن تقويض الحركة السياسية المعارضة، فهذا يأتي بمعنى أننا لا نثق بقدرات الشعب الروسي، وأننا نعطي الأهمية الكبرى لبوتين والكرملين، ونجعل أنفسنا في موقع الهزيمة النفسية.
وأضاف: لو كان التخويف وتقويض الحياة السياسية هو سيد الموقف لما عاد نافالني إلى روسيا، ولما عاد معارضون آخرون للعمل من داخلها ورفع علم المعارضة.
وشدد على أن الشعب الروسي قادر على خلق المفاجئة وهو يتحرك ومجتمه المدني قوي وغني جداً.
ولفت إلى أنه في السنوات المقبلة سيشهد المجتمع الروسي تحولاً كبيراً، خاصة أن الروسيين الموجودين خارج روسيا متشبعون بروح الديمقراطية وروح حقوق الانسان.
عن أليكسي نافالني
وكان نافالني البالغ 47 عاما مسجونًا منذ كانون الثاني/يناير 2021. وقد صدر في حقه في آب/اغسطس الماضي حكم إضافي بالسجن 19 عاما بعد إدانته بتهمة “التطرف”.
فقد نقل في نهاية العام 2023 إلى سجن ناء في منطقة قطبية في الشمال الروسي في ظروف بالغة الصعوبة أعلنت سلطاته وفاته الجمعة.
واعتبرت محاكماته الكثيرة ذات دوافع سياسية ووسيلة لمعاقبته لمعارضته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقد تركت عملية التسميم التي تعرض لها العام 2020 ونجا منها بإعجوبة وإضرابه عن الطعام وفترات طويلة في الحبس الانفرادي تداعيات وخيمة على صحته.
إلا أن إدخاله السجن لم ينل من عزيمته.
فخلال جلسات المحاكمة ورسائل بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة محاميه استمر بالتنديد ببوتين واصفا إياه بأنه “مسن مختبئ في ملجأ محصن” لأن الرئيس الروسي نادرا ما يظهر للعلن.
وخلال محاكمة بتهمة “التطرف” اعتبر الغزو الروسي لأوكرانيا “الحرب الأكثر جنونية في القرن الحادي والعشرين”.