بيير دي كوبيرتان أو بيير دي فريدي، مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة ومصمم رموزها، كان في الـ29 من عمره، حينما ورد بباله فكرة لجمع الأمم وربطها معا.
الفكرة كانت حول إحياء الألعاب الأولمبية القديمة التي أطلقها “إيفينوس” ملك ليديا، عام 776 ق.م، في أولمبيا على مشارف أثنيا، ووفقا للأسطورة حينها، فإنه استشار الآلهة، وأصبحت هذه الألعاب بمثابة هدنة للحروب المستمرة في بلاد الإغريق.
يوم 25 نوفمبر عام 1892 تعلم بيير دي كوبيرتان بالطريقة الصعبة أن هذه الخطوة لن تكون سهلة وأن خطابه الرائع لن يحظى بالعرفان المنتظر سوى بعد أعوام عديدة.
بيير خطط ليومه الكبير بشكل رائع، بعد أعوام عديدة من الأبحاث، فكرته كانت تتمحور حول إحياء ألعاب “إيفينوس” مرة أخرى لكن بطريقة حديثة، واختار السوربون في باريس خلال الاحتفال بمرور 5 أعوام على إنشاء اتحاد فرنسا للرياضيين ليلقي خطبته.
كان يتمحور حول فكرة كبيرة، منافسة رياضية تقرب الأمم من بعضها البعض وتعرفهم كذلك ببعضهم البعض، لكي تعزز القومية والسلام العالمي، وليس أقل من ذلك.. لكن رد الفعل كان صادما.
يقول ديفيد والكينسكي العضو المؤسس للمجتمع الدولي للمؤرخين الأولمبيين لشبكة “سي إن إن”: “الجماهير لم تكن سلبية، لكنها لم تدعمه كذلك، كانت خطبته جيدة لكن أمام الجمهور الخطأ”.
وواصل “الجماهير لم تتعاطف بشكل كاف مع الفكرة أو لنقل، إنها لم تكن منفتحة كفاية على مثل هذه الفكرة”.
واستطرد “كوبيرتان أدرك أنه لم ينجح، لكنه كان مصرا على فكرته، لاحظ أن المثالية لم تكن كافية، كان عليه أن يتنازل قليلا عنها وينجز العمل بشكل أفضل وأكثر واقعية”.
الخطاب الذي تم تبجيله مستقبلا، والمكون من 14 صفحة، بيع عام 2019 بمبلغ 8.8 مليون دولار، ليصبح من أغلى القطع التذكارية الرياضية التي بيعت في مزاد علني، لتصبح شاهدة على ما حدث بعد ذلك من خطوات.
ستيفان فاسونغ الخبير في حياة كوبيرتان ورئيس معهد تاريخ الرياضة في جامعة كولن بألمانيا: “في عام 1982 لم تكن فرنسا حريصة حينها على الاهتمام بالرياضة وتنظيمها”.
وواصل “كان النشاط البدني والرياضات المنظمة جزء من البرنامج العسكري، وليس المناهج الدراسية عكس الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في ذلك الوقت”.
يتابع فاسونغ: “كوبيرتان، كان مدافعا قويا عن القيمة التعليمية للرياضة، وكان يرى أنها مفيدة للعقل وأن العقل والجسم يمكنهما العمل معا، ويساعد كل منهما الآخر”.
واسترسل “سافر إلى إنكلترا، وقتها كانت الرياضة جزء من الحياة اليومية للطلاب في المدارس الداخلية، والأحداث المحلية مثل ألعاب وينلوك الأولمبية التي وجدت منذ عام 1850 وغيرها جمعت عدد من المنافسين في تخصصات مختلفة”.
كوبيرتان انخرط في حركة السلام العالمي منذ عام 1878 ووقتها كانت الحركة متمركزة في باريس، مثل حركات أخرى.
يقول فاسونغ: “كوبيرتان شاهد هودجسون برات يتقدم بطلب لزيادة الوعي حول برنامج تبادل الطلبة دوليا، خلال عام 1891، في مؤتمر السلام العالمي في روما، حينها استلهم فكرته، وربطها بالرياضة”.
من هنا التقط والكينسكي طرف الحديث مع شبكة “سي إن إن” وقال: “لم تكن تلك فكرة رائجة حينها، خاصة بين القادة في عصر المستعمرات والمنافسة بين الأمم الأوروبية وطموحاتها التوسعية، لكن كوبيرتان آمن بالفكرة”.
حينما حلت ليلة السوروبون، كان خطابه يتعلق أكثر بالإحياء الشعبي لكل الألعاب اليونانية القديمة، واستخدم سمعة الألعاب الأولمبية القديمة لدعم فكرته، كوبيرتان أثنى على التقدم في مجال الرياضة من ألمانيا إلى السويد ومن بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأبدى أسفا كبيرا لبداية فرنسا البطيئة، ووصف الرياضة بأنها ستكون “التجارة الحرة في المستقبل”.
“الرياضة كانت ضمن قاعدة الابتكارات العلمية والهندسية في ذلك الوقت، فالتلغراف والسكك الحديدية والهاتف والبحوث في العلوم والمؤتمرات والمعارض ساهمت في السلام أكثر من المعاهدات حينها”. – كوبيرتان.
“آمل أن تفعل ألعاب القوى أكثر من ذلك، أولئك الذين شاهدوا 30 ألف شخص يركضون خلال المطر لحضور مباراة كرة قدم لن يظنوا أنني أبالغ”. – كوبيرتان.
ويحلل فاسونغ الخطاب لشبكة “سي إن إن” قائلا: “الخطاب ارتكز بوضوح على الأسس التعليمية للفكرة الأولمبية، واهتم ببناء عالم أفضل من خلال الرياضة”.
برغم أن الخطاب لم يلق رفضا في تلك الليلة، ولم يجد قبولا كذلك، كوبيرتان كان لديه ما يكفي من إرادة وموارد، وشن حملة في مختلف أنحاء أوروبا من أجل فكرته لدورة الألعاب الأولمبية الحديثة في أوروبا.
بعد عامين، عاد إلى السوربون، في نفس القاعة، ووضع الخطط الرسمية للألعاب الأولى، بعدما وصلت رسالته للجميع، وفي 1896 تم إحياء الأولمبياد من جديد في أثنيا باليونان.
واجتمعت اللجنة الأولمبية الدولية لأول مرة لتنظيم الدورة في 1896 ليكون أول أولمبياد في التاريخ، بوجود كل من فيلابالد غيبهارت من ألمانيا والبارون بيير دي كوبيرتان من فرنسا وجيري غوث من بوهيميا وديميتروس فيكيلا رئيس اليونان وفيرينك كيمي من المجر وأليكسي بوتوفسكي من روسيا وفيكتور بالك من السويد.
لم يخل كوبيرتان من بعض العيوب الكبيرة مع هذه الخطوة الرائعة، إذ أنه لم يعتقد في البداية أن النساء يجب أن يشاركن في الدورة، إلى أن دخلت النساء للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية لأول مرة عام 1900. البعض انتقد هذا الأمر ووجده عنصري إلى أن شاركت النساء في الدورة.
في عام 1896 شاركت 12 دولة في أول أولمبياد في التاريخ، في أولمبياد طوكيو 2020، أرسلت دعوات لـ200 دولة وإقليم للمشاركة، بل والبعض قد ينسى بعض الألعاب بسبب تنوعها الكبير وكذلك درجة البراعة الرياضية والتنافسية الكبيرة حاليا.
هناك ما يقرب من 11 ألف رياضيا في طوكيو، وما يقرب من 80% منهم قد لا يحظى بفرصة الفوز بميدالية، يعرفون ذلك لكنهم يشاركون بهدف كتابة أسمائهم في التاريخ بشكل خاص أو تحقيق رقم وطني، وبالطبع لبذل قصارى جهدهم دون أي تقصير.