عباس كريمي.. رحلة نحو كتابة قصة بطولة لسيناريو حياته
- عباس كريمي هرب من أفغانستان ليمثل فريق اللاجئين في البارالمبياد
- قصة رحلة عباس كريمي من الولاد بمشكلة خلقية لإتقان السباحة
- كيف تحولت حياة عباس كريمي كليا بين عشية وضحاها
“بكت أسرتي كثيرا.. كانوا غاضبين لأنني ولدت بهذه الطريقة، كانوا قلقين مما سيحدث لي في المستقبل”.. كانت تلك تعليقات عباس كريمي أحد الأبطال البارالمبيين الذين خطفوا الأضواء في بارالمبياد طوكيو عن ولادته بمشكلة خلقية في الأطراف.
صاحب الـ24 عاما ينافس في بارالمبياد طوكيو، مع فريق اللاجئين. ولفت إليه الأنظار بعزيمته الحديدة شأنه شأن كل أبطال البارالمبياد.
رغم القلق الكبير لدى عائلته، إلا أنهم قرروا أن ينضج ويكبر وسطهم بنفس طريقة تربيتهم، وحصل على كامل الحب منهما.
وصرح كريمي في حوار مع شبكة “سي إن إن”: “توقعت هذا من جميع أفراد عائلتي وهذا ما فعلوه. ربوني كما لو كنت طفلا عاديا”.
رغم هذا لم يتمكن والداه من حمايته من الاساءات القاسية التي تعرض لها من الأطفال في المدرسة، وكنتيجة على ذلك قرر التدرب على الفنون القتالية في عمر الـ12 لحماية نفسه من المتنمرين.
“الناس كانت تحكم علي في كل مرة أخرج من المنزل، الأطفال كانوا يقولون إنني (بلا أذرع) و(معاق)، كان ذلك يغضبني، لهذا السبب أردت تعلم الفنون القتالية أردت الدفاع عن نفسي”. -عباس كريمي.
رغم تعلم الفنون القتالية لكن عزاء كريمي لم يكن القتال، لكن المياه، أحب المياه كثيرا. منذ سن الثامنة كان يتغيب عن المدرسة لكي يخرج مع أصدقائه ويعوم في النهر.
حينما بلغ الـ13 من عمره، شيد شقيقه حوض سباحة يبلغ 25 مترا من أجل المنطقة التي يعيشون بها، ثم بدأ في ملاحظة القوة التي يتمتع بها في جسده من خلال السباحة.
قال كريمي: “كطفل، بدأت للذهاب إلى المدرسة، ثم بدأت وعائلتي في ملاحظة الأمر، ليس لدي أذرع.. حسنا، لكن لدي أقدام”.
وتابع “أعتقد أن تلك كانت بداية اهتمامي بالسباحة، كنت أشعر أنني بخير في المياه، لكنني لم أؤمن بنفسي حينما كنت طفلا، وأنه يمكنني تعلم السباحة بدون أذرع، حتى بنى شقيقي حوض سباحة”.
وأردف “كنت أضع سترة نجاة، وكان هناك أحد المُنقذين، كنت أقول له، هل يمكنني تعلم السباحة؟ كان يقول نعم، هناك سباحون بدون أذرع وأقدام ويعرفون كيف يسبحون، وأنت ليس لديك أذرع فقط، بالطبع يمكنك”.
في نهاية المطاف كانت المياه هي ما تُشعر كريمي بالحرية.
“هذه هي حريتي، أشعر وكأنني أولد من جديد كلما قفزت في المياه”. – عباس كريمي.
التغير الأكبر في حياة كريمي
في عمر الـ16 تغيرت حياة كريمي للأبد، إذ أن نشأته في أفغانستان البلد الذي تكبد عناء الحروب طيلة الوقت وطالبان والقوات الأجنبية، كان يسعى للخروج بأي شكل.
رحل عن دولته إلى إيران وبعد أسبوع دفع إلى مهربين لكي يقوم برحلة لمدة 3 أيام في جبال زاغروس قادته إلى تركيا.
وقال كريمي: “لم أعرف إلى أين سأصل في نهاية المطاف، هل كنا سنصل إلى تركيا؟ لم نعلم لأنه لم أكن أنا وحدي، كان هناك العديد من الناس”.
واستطرد “لقد كانت رحلة سيئة مخيفة، ممتلئة بالكثير والكثير من الخوف، كنت أدعو بشكل مستمر ألا يتم القبض علي وألا أقع في أي مشاكل”.
وأكمل “لكن بطريقة ما وصلنا إلى تركيا، وكل مرة أستعيد ما حدث، لقد كان مخيفا للغاية، لكنني تجرأت لفعل ذلك وفعلتها”.
وواصل “كان هناك العديد من الأماكن غير الآمنة التي عشت بها، أردت فقط الخروج.. لذا لن يخبرني أحد ما يجب علي فعله، أردت أن أكون مستقلا وأن أكون مثل الجميع”.
قضى كريمي 4 سنوات في تركيا وعاش في 4 مخيمات مختلفة للاجئين، في المخيم الثاني، والذي تواجد فيه عدد من ذوي الهمم، كان يعوم مرتين في اليوم للتدرب.
“علمت أن السباحة ستصنع شخصية رائعة بالنسبة لي، وهذا ما حدث”.
“أردت أن أغدو شيئا هاما، أن أكون أفضل من الجميع، لكن الفكرة هي أنه ليس عليك أن تكون أفضل من الآخرين، عليك أن تكون نفسك وهذا كل ما في الأمر”. -عباس كريمي.
الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية
خلال فترة تواجد كريمي في تركيا، فاز بـ15 ميدالية منها بطولتين وطنيتين في تركيا، لكنه لم يتمكن من المنافسة على صعيد دولي بسبب عدم تواجد أوراق كافية لذلك.
تغير حظه كليا في سبتمبر 2015، حينما شاهد مايك إيفز مدرب المصارعة السابقة مقطع فيديو لكريمي وهو يعوم، وتواصل مع الحكومة الأفغانية لمساعدته لكي ينافس في بارالمبياد ريو 2016.
منذ تقاعد إيفز، أصبح يهتم بمساندة الرياضيين اللاجئين، وبعد تواصله مع كريمي وكذلك تسهيل الأمور مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ساعد كريمي على الانتقال إلى بولندا في 2016.
وصرح كريمي لموقع اللجنة البارالمبية الدولية: “إنه أشبه بوالدي الأمريكي، اعتقدت أن الأمر ليس ممكنا أن أتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الطريقة، لكنه جعل الأمر يحدث، الذهاب إلى أمريكا منحني فرصة ثانية لمطاردة أحلامي”.
الطريق إلى طوكيو
منذ ذلك الحين توالت النجاحات بالنسبة لـ”كريمي”، من ضمنها فضية بطولة العالم للسباحة في المكسيك عام 2017، وتأهل لأول دورة ألعاب بارالمبية في طوكيو، ممثلا لفريق اللاجئين.
قال عباس كريمي: “علمت أنه سيتم اختياري قبل إعلان المشاركين، لأنني فعلت كل ما بوسعي من أجل ذلك، لكن بالطبع كان الأمر منوطا لاختيار أفضل الرياضيين من اللاجئين”.
وواصل “قبل تقاعدي، يجب علي أن أفوز بميدالية بارالمبية، بهذه الطريقة سأترك إرثا، قد يحدث هذا العام ربما أو في الأعوام الثلاث المقبلة، لكنه سيحدث، وأعدكم بذلك”.
يدين كريمي بنجاحه إلى مدربه الأفغاني قاسم حميدي والأمريكي إيفز.
“حميدي شاهدني ولاحظ أن بإمكاني السباحة، حينها علمني بعض الأساليب، وقال لي إنه سيجعلني بطلا كبيرا، حينها بدأت أثق بنفسي”.
“ظللت أسبح وأسبح، هذا ما منحني إيمانا بأنه لا يهم إن كنت خسرت بعض الإمكانيات، لازلت صغيرا ولدي العزيمة وأعرف أن لدي حافز، ويوما ما يمكنني أن أصبح بطلا”. – عباس كريمي.
كريمي يدين بعرفان كبير لوالده الذي وافته المنية في 2019 بل وشعر بأنه ينهار بعد وفاته.
وصرح قائلا: “شعرت وكأنني كنت في السماء وهبطت إلى الأرض، حتى والدي لم يعلم أنني سأصبح سباحا وبطلا يوما ما”.
وواصل “فعلت كل تلك الأشياء لأنها كانت جيدة بالنسبة لي، وجعلت والدي فخورا”.
رسالة إلى العالم
كريمي يحمل في رحلته رسالة بأنه يسعى لتمثيل كل ذوي الهمم وكذلك اللاجئين في كل مكان.
وصرح عباس كريمي: “أعرف كل شخص صاحب همة في العالم.. لا يهم إن كان هناك جزءا غير موجود من ذراعك أو قدمك، لديك عقلك وقلبك، وعليك أن تقف وتقاتل، وأنا واحد منهم”.
واستطرد “سأفعل كل ما بوسعي لإثبات أنه لا يهم إن لم يكن لدي أذرع، فأنا شأني شأن الشخص الطبيعي الذي لديه ذراع وأقدام”.
وأكمل “والدي كان شخصا متدينا للغاية، وعلمني كل شيء حول ديني ولدي رابط خاص مع الله”.
وواصل “قدمت الكثير من التضحيات في كل خطوة، والله كان معي وشعرت بذلك”.
طيلة حياته.. واجه كريمي العديد من المشقات التي يصعب حصرها، لكنه دائم الشعور بالتفاؤل والامتنان يفوق أي ألم مر به طيلة مسيرته.
“كل ما فعلته في السنوات الـ9 الماضية، كان لأنني لم أرغب في أن أحيا بالندم طيلة حياتي”.
“أعرف أنه بإمكاني فعل العديد من الأشياء ولدي الكثير من المهارات، لكن السباحة هي الشيء الوحيد الذي كان يجعلني سعيدا”.
“لا يهم ما نمر به ولا يهم صعوبة الحياة، تعلمت أن الحياة جميلة وتستحق أن تخاطر بكل شيء لكي تحقق أهدافك وأحلامك وأن تكون الشخص الذي أنت عليه”. – عباس كريمي.