قصة طفولة محمد فرح تثير موجة غضب واسعة
- تصريحات مو فرح جاءت في فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
في عام 1992.. وتحت وطأة حرارة الطقس في جيبوتي، وقف طفلٌ صغير يبلغ من العمر 9 سنوات، وارتسمت على وجهه ابتسامة بريئة، وتسارعت دقات قلبه مع اقتراب موعد الرحلة التي ستنقله إلى لندن، من أجل لم شمله بأقاربه المقيمين هناك.
ومع سعادته الغامرة بالرحلة المرتقبة، لم يمنع نفسه من التفكير في والده الذي توفي منذ 5 سنوات بعدما أصابته رصاصات طائشة أثناء أحداث عنف وقعت في الصومال بلده الأم.
طال زمن الرحلة، وارتفعت آمال الطفل في حياة جديدة بعيدة عن الفقر والعنف والرصاصات الطائشة التي كانت تحصد أرواح من حوله.
استمتع الطفل الصغير بوقته على متن الطائرة التي كان يراها لأول مرة في حياته، وما إن وصل إلى لندن، حتى كانت المفاجأة التي لم تخطر له ببال.
عند دخوله إلى الأراضي البريطانية، لمح صورته في وثيقة سفره، ولكن وُضِع بجوارها اسم لم يعرفه من قبل، اسم صار ملاصقًا له طوال حياته.
مفاجأة كبرى كانت في انتظار محمد فرح
وبدلًا من أن يجمع شمله بأقاربه المقيمين في بريطانيا مثلما كان يتوهّم، صدمته السيدة التي رتّبت له أمر الرحلة بالكامل، وزوّرت له وثائق السفر، وفوجئ بها تتخلى عن لطافتها، وتأخذه إلى منزلها الواقع في ضاحية بغرب لندن، وتُمزِّق أمامه قصاصة صغيرة من الورق عليها تفاصيل الاتصال بأقاربه.. وهنا فقط.. تأكد الطفل الصغير أنه في ورطة كبرى.
كشفت السيدة البريطانية عن وجهها الحقيقي، وطلبت من الطفل أداء الأعمال المنزلية ورعاية بعض الأطفال. وقالت متوعدة: ”إذا أردت أن تأكل وتشرب، وإذا أردت رؤية أسرتك مرة أخرى، فلا تفتح فمك بكلمة واحدة“.
لم يكن أمام الطفل الصغير سوى الطاعة.. واستسلم لقدره المؤلم، بينما كانت اللحظات التي يقضيها في دورة المياة مُغلِقًا الباب هي المتنفس الوحيد أمامه، حيث كان يختلي بنفسه ويبكي بحرقة شديدة متشوقًا لرؤية وجه أمه مرة أخرى.
حاول الطفل تهوين الأمر على نفسه، وبعد مرور 3 سنوات، تم السماح له بدخول المدرسة، وهو الشي الذي خفف عنه آلام الواقع المؤلم والغربة الموحشة.
جانب من تصريحات مو فرح لهيئة الإذاعة البريطانية
كانت بطاقة تعريف الطفل تقول أنه ”لاجئ من الصومال“، ويحمل اسم محمد فرح، وهو الاسم الذي صار حديث الدنيا في غضون سنوات.
ومع إنكليزيته الضعيفة التي لم تسعفه إلا على قول بضع كلمات، وانعزاله الثقافي والاجتماعي، لم يتخيل أي من رفاقه في المدرسة أن هذا الطفل المنعزل قليل الكلام سيحصل يومًا على لقب ”سير“، بعد أن يحقق إنجازات فريدة عجز عنها أبناء لندن.
بارقة أمل بدّلت حياة محمد فرح
ومن قلب الأيام القاسية، برز أمل جديد التمع في عينيّ الطفل الصغير، تمثّل في ظهور مدرس تربية بدنية يُدعى آلان واتكينسون، ليحدث تحول هائل في مسار الصبي عندما نزل إلى مضمار ألعاب القوى.
بدأ محمد فرح في خوض منافسات ألعاب القوى، ونال إعجاب مدرس التربية البدنية وجميع من شاهده، والتقطته الأعين الخبيرة التي رأت فيه ”مشروع لبطل أولمبي قادم“.
وواصل واتكينسون مساهماته المؤثرة في تبديل حياة الصبي، وساعده في التقدم بطلب للحصول على الجنسية البريطانية تحت اسم محمد فرح، وتم الموافقة على الطلب ومنحه الجنسية في شهر يوليو من عام 2000، ليبدأ في خوض المنافسات الدولية تحت علم بريطانيا.
محمد فرح سطر مسيرة رياضية تاريخية
وبدأ محمد فرح مسيرته الرياضية.. والتي أسفرت عن التتويج بذهبيتين في سباقي 5 و10 آلاف متر في أولمبياد لندن 2012، وأولمبياد ريو 2016، و6 ألقاب عالمية، ما أهّله للحصول على لقب ”سير“.
كانت هذه القنبلة التي فجّرها البطل العالمي محمد فرح عن طفولته وعن طريقة وصوله إلى بريطانيا، لينسف تاريخًا مزيفًا كان يظهر به أمام العالم طوال السنوات الماضية، ويكشف عن اسمه الحقيقي الذي وُلد به في الصومال.. ليعرف العالم أن اسمه حسين عبدي كاهين.
كانت تصريحات ”مو فرح“ بمثابة صرخة للإنسانية، وإشارة إلى جرائم الاتجار بالبشر، ونداء إلى جميع الجهات الدولية المختصة بمكافحة مثل هذه الجرائم المُشينة.
وفي إشارة منه إلى طوق النجاة الذي أنقذه، والذي قد لا يتوافر لغيره من الأطفال الذين يتم جلبهم من إفريقيا إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، قال بطل ألعاب القوى العالمي: ”ما أنقذني حقًا، وما جعلني مختلفًا، هو أنني أستطيع أن أركض“.