قطر تستضيف كأس العالم 2022 الذي ينطلق بعد أيام
- في عام 1998.. عندما بدأ بلاتر رحلته أطلق مشروع “الهدف”
- بعد عامين من رئاسته الفيفا واجه بلات أزمات عدة وقضايا جنائية
- انتقم بلاتر من ميشيل زين روفينين على الفور بأن أقاله في نفس اللحظة
- جاك وارنر لعب دورًا مهمًا في تحديد الدولة المستضيفة لكأس العالم 2010
وفقًا لوكالة “رويترز”، قالت محكمة في لندن، الخميس، إنه أصبح من الممكن تسليم جاك وارنر، النائب السابق لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الموجود في بلاده ترينيداد، إلى السلطات الأمريكية لمحاكته بتهم فساد.
ودفع محامو الدفاع عن جاك وارنر قائلين إن تسليمه للسلطات الأمريكية غير قانوني، لكن أعلى محكمة استئناف في لندن، رفضت الطعن بالإجماع، وهو ما قد يفسح المجال أمام تسليمه للولايات المتحدة.
فلاش باك
“توقفوا عن القول إن هناك فسادًا في فيفا، فيفا ليس فاسدًا”.. بهذه الكلمات انتهى حديث رئيس فيفا السابق، سيب بلاتر، في الحلقة الأولى من الفيلم الذي يوثق فساد المنظمة الرياضية الأهم عالميًا، والتي تتحكم في عالم كرة القدم، وهي الحلقة التي سردت تاريخ فيفا، وقصة صعود سيب بلاتر؛ حتى وصل إلى نجاحه في انتخابات رئاسة الفيفا عام 1998، فقبل أن تقرأ هذه المقالة، يجب أن تقرأ الجزء الأول من هنا.
بدأت الحلقة الثانية من الفيلم الذي يُعرض على منصة “نتفليكس”، من حيث انتهت الحلقة الأولى في الثامن من يونيو من العام 1998، بتصفيق حار، وأحضان للرجل الذي سيتحكم في عالم كرة القدم لعقود مقبلة.
سيب بلاتر بدأ رحلته بهذه الكلمات: “بعدما أصبح لديكم رئيس جديد الآن، أمنيتي الكُبرى هي توحيد العائلة. كانت حملة انتخابية حيث كنا أحيانًا نلعب بخشونة مسموحة أو غير مسموحة، أحيانًا على أرض الملعب نركل أو نشد القميص، ولا أقول أننا نعرقل من الخلف، لأن هذا لم يعد مسموحًا، ولكن الأهم من ذلك، نحتاج الآن إلى الحفاظ على وحدة كرة القدم”.
بلاتر أضاف مؤكدًا: “عائلة كرة القدم الكبيرة (الفيفا)، ستتحد من الآن فصاعدًا، هذا هو هدفي”.
وبعد انتهاء الانتخابات بيومين، ظهر سيب بلاتر بجانب رئيسه السابق جواو هافيلانج، والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، في حفل انطلاق بطولة كأس العالم 1998، والتي فاز بها المنتخب الفرنسي.
يقول الصحافي ديفيد كون، ومؤلف كتاب “سقوط بيت الفيفا”: “الفيفا ذو سلطة قوية، بسبب امتلاكه كأس العالم، وتتهافت الدول لمحاولة استضافة البطولة، إنه يمنح بلادهم تكوين السمعة، والتي لا يمكن تحقيقها بأي طريقة أخرى”.
وأضاف “كون”: “بسبب سُلطة أكبر حدث كرة قدم حول العالم كل أربع سنوات، ذلك ما يمنح الفيفا ورئيسه سُلطة حقيقة، والكثير من النفوذ على بلدان فعلية. ولكن تلك السُلطة هي فخ الفساد”.
من ناحيته قال جيروم فالك الأمين العام السابق للفيفا (2007-2015): “كأس العالم هو الحدث الوحيد في العالم الذي يتم بثه في غالبية دول العالم، لا أظن أن يمكن تصور أي شيء آخر، يجعل مليون شخص ينزلون إلى الشوارع، وكأس العالم هو المصدر الأول لكسب الفيفا للمال”.
سيب بلاتر سار على نهج جواو هافيلانج، والتي بدأها الأخير محاولا نشر كرة القدم في العالم، “لأنها لا يجب الا تقتصر على أوروبا وأمريكا الجنوبية فقط حسب تعبيره”.
مشروع الهدف.. سلم بلاتر الذي صعد عليه
في عام 1998، عندما بدأ بلاتر رحلته أطلق مشروع “الهدف”، وهو المشروع الذي صُمم خصيصا ليصل إلى جذور الاتحادات الوطنية التي تحتاج إلى الدعم، وكانت الفكرة الأولى أن يكون لكل دولة مقر وطني، ومن ثم بناء الملاعب، وتركيب العشب الصناعي، وتوفير البرامج التعليمية”.
وتحدثت تقارير على أنه كان يتم توزيع الأموال على بعض الاتحادات، ولم يتم بناء الملاعب، ولا يتم صرف الأموال في الأوجه المخصصة لها.
في عام 2001، بعد 3 سنوات من تولي بلاتر رئاسة الفيفا، وقعت إحدى أكبر المشكلات التي واجهتها المنظمة- في ذلك التوقيت- حيث انهارت شركة “الرياضة والترفيه الدولية آيه إس إل”، وهي الشركة التي أسسها هورست داسلر، مالك شركة أديداس، لشراء حقوق التسويق، وحقوق البث التلفزيوني، وحقوق الرعاية، وبيعها في جميع أنحاء العالم.
وفي ظل هذه الأزمة المالية التي تواجه فيفا، كان بلاتر يواجه أزمة أخرى، حيث كشف ميشيل زين روفينين، المحامي السويسري، الذي عينه بلاتر أمينا عاما للفيفا، بعد فوزه بالانتخابات في عام 1998، الكثير من الأسرار والكواليس التي شهدتها المنظمة على مدار السنوات الماضية.
في عام 2002، جمّع روفينين وثيقة، والتي قال إنها “تثبت سوء الإدارة على نطاق واسع تحت رئاسة بلاتر”.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده روفينين -حينها – قال: “لقد حددنا الكثير من المشكلات، ممارسات محاسبية مضللة، وبعض تضارب المصالح، كما أنها تثبت احتمال وجود فساد داخل المنظمة”.
وبدأت مطالبات من أعضاء فيفا الذين انضموا إلى روفينين في مزاعمه، لرئيس المنظمة بتقديم استقالته لأنه “تجاوز سلطته”، بل قدموا شكوى جنائية، وجاء رد بلاتر عليها: “لم أرتكب أي شيء ينبغي أن تعتبره المحكمة جريمة، لم أفعل شيئًا يخالف قوانين الفيفا، ولم أفعل شيئًا يخالف ضميري”.
وفي عام 2002، وبعد أشهر من الحديث عن فساده وفشله في إدارة فيفا، وبيع المسابقات المستقبلية من أجل توفير الأموال التي من خلالها يُمكن أن يقنع الاتحادات الوطنية بأن الهجوم عليه “حملة سياسية لا أكثر”، واجه بلاتر تحديا آخر، حيث كان على موعد مع انتخابات أكثر شراسة، حيث تدعم الاتحادات الإفريقية الكاميروني عيسى حياتو، لكن فاز بلاتر مرة أخرى.
وبعد فوزه الجديد، انتقم بلاتر من ميشيل زين روفينين، على الفور بأن أقاله في نفس اللحظة، وهو ما جعل الأخير يقول: “بصدق، لنأمل خيرا للفيفا، لأن هذه الجمعية العمومية أثبتت أن هذه المنظمة في حالة يُرثى لها”.
اللجنة التنفيذية (الهيئة الحاكمة)
تتكون اللجنة التنفيذية من 24 عضوًا، ويتم انتخاب الأعضاء من كل الاتحادات، حيث إن لكل دولة اتحاد كرة قدم، وجميعها تنضم إلى اتحادات على مستوى القارة، والتي تسمى الاتحادات القارية، وكل اتحاد من هذه الاتحادات القارية ينتخب عددًا من الأعضاء للجلوس حول الطاولة المستديرة في الهيئة الحاكمة للفيفا.
وتلتقي هذه اللجنة عدة مرات كل عام، لاتخاذ قرارات رفيعة المستوى للفيفا، وثمة حدث سياسي رئيسي، وهو التصويت للدولة التي ستستضيف كأس العالم.
جاك وارنر.. رجل فيفا القوي
بالعودة إلى الفيلم الوثائقي، تطرقت الحلقة الثانية قضية فساد جاك وارنر، وسلطت الضوء على ممارساته، حيث صعدت بلاده ترينيداد إلى كأس العالم، نسخة 2006 في ألمانيا، وهو ما كان يحلم به مسؤول الفيفا الذي كان يرى لسنوات أن بلاده تستحق اللعب في نهائيات كأس العالم.
عاش الفريق سعادة غامرة، جعلت بعضهم يتساءل عن الخطوة المقبلة، وعن مصير مكافأة التأهل، وغيرها من المكافآت، وهو ما دفعهم للاجتماع بصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كرة القدم في بلادهم، وعرضوا عليه مطالبهم، بعد نقاش على النسب قرر وارنر الموافقة، لكن وفي في أثناء مباريات كأس العالم، صدمهم بخصم تكاليف سفرهم وإقامتهم، حتى بات لكلٍ منهم 800 دولار، ليس هذا فحسب، بل تم إبعاد كل اللاعبين الذين تحدثوا عن حقوقهم المادية.
بعد 8 سنوات قامت الحكومة في ترينيداد بتسوية الأزمة، ودفعت 1.3 مليون دولار أمريكي إلى اللاعبين، واختفت 15 مليون دولار أمريكي أخرى، ولا أحد يجرؤ أن يسال جاك وارنر عن مصيرها.
وارنر لعب أيضا دورا مهما في تحديد الدولة المستضيفة لكأس العالم 2010، والتي كانت تتنافس للحصول على حق تنظيمها جنوب إفريقيا، والمغرب، ومصر، الدولة الأولى كان يرأسها -آنذاك- الزعيم نيلسون مانديلا، رمز السلام، ومكافحة التعصب.
مانديلا ومعه أعضاء من الفيفا استقلوا طائرة لمدة 22 ساعة إلى ترينيداد، حيث معقل وارنر، وكان في استقبالهم مع سيب بلاتر رئيس الفيفا، وهي الرسالة التي أراد وانر إيصالها بأنه “الزعيم” في هذه اللعبة، ويمكن لأي سياسي مهما ارتفعت مرتبته أن يذهب إليه. ليس هذا فحسب، بل اشترت جنوب إفريقيا ثلاثة أصوات يتحكم بها وارنر، لاستضافة المونديال بـ10 ملايين دولار. وهو ما نفته جنوب إفريقيا لاحقا.
وبعد هذه الرحلة، تم الإعلان عن الدولة المستضيفة لكأس العالم 2010، وهي بالطبع جنوب إفريقيا، بلاتر لحظة الإعلان قال: “نعم، نحن فخورون بإفريقيا”.
قرار “غريب” يحدث لأول مرة
وفي الجمعية العامة للفيفا التي عقدت بأستراليا في 2008، تم اتخاذ إجراء لأول مرة، وهو التصويت على بطولتي كأس العالم 2018، 2022، وذلك القرار -وفق خبراء- كان مبنيًا على سوق حقوق البث التلفزيوني، لأنه عند الترتيب لإصدار قرار حول بطولتين، فإنه يمكن بيع حقوق كلتا البطولتين دفعة واحدة، وهو ما يدر دخلا أكبر للفيفا.
وقبل شهرين من التصويت، في أكتوبر 2010، كان يوجد 22 عضوا باللجنة التنفيذية بدلا من 24، وذلك بعد إيقاف المندوبين النيجيري والتاهيتي، بعدما حاولا بيع صوتيهما.
قبل هذا الوقت بكثير، رتبت كلا من إنجلترا وروسيا ملفين لاستضافة كأس العالم 2018، وملفين آخرين من الولايات المتحدة الأمريكية وقطر لاستضافة كأس العالم 2022. وكانت كل التوقعات والمؤشرات تشير إلى أن إنجلترا ستفوز “بلا شك” باستضافة النسخة الأولى، وتتبعها الولايات المتحدة في استضافة نسخة 2022، وجاءت اللحظة الحاسمة التي أعلن فيها بلاتر بفوز روسيا لاستضافة نسخة 2018، وقطر لاستضافة نسخة العام الحالي 2022.
بلاتر نفسه أعلن قبل أيام أن قرار منح قطر، حق استضافة كأس العالم كان “خطأً”، ليثبت ما كان طول الوقت ينفيه، عن أن هناك أمر ما خاطئ في الفيفا. ويطرح أسئلة عدة عن كيفية حصول روسيا وقطر على حق تنظيم البطولتين.
انتهت الحلقة الثانية من الفيلم الوثائقي، وكشفت كيف تحول بلاتر إلى إمبراطور يقود إمبراطورية، وسلطت الضوء على فساد النائب الأول، وتطرقت إلى حصول قطر وروسيا على حق تنظيم بطولتي 2018 و2022.. لكن ماذا بعد؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال المقبل.