مع كأس العالم…أخيرًا , منح الشرق الأوسط مباركته ودعمه لبلدان المغرب العربي!
حقًا لا أتذكر متى كانت آخر مرة رأيت فيها شعوب الشرق الأوسط تتكاتف بحماس لتشجيع أي شيء له صلة بشمال إفريقيا.
ربما أكون قاسية فيما سأقول، لكنه ليس سوى الحقيقة من وجهة نظري كسورية. فأنا فتاة كبرت في فرنسا، وكنت محاطة هناك بمزيج رائع من أصدقائي الجزائريين والتونسيين والمغاربة. كانوا يتحدثون بلهجة مألوفة لي وثقافتهم بمثابة موطني الثالث. رغم هذا، كنت ألاحظ دومًا تهميش مقصود وتجاهل من أهل الشام لشعب المغربي، حتى أولئك المغاربة الذين قضوا كل حياتهم في فرنسا. ففي أحسن الأحوال، تنظر ثقافتنا العربية للمغاربة كعضو معزول من “العائلة العربية الكبيرة”، وفي أسوأها، تستنكر ثقافتنا العربية لهجتهم الغريبة وثقافتهم.
أستطيع من مكاني هذا سماع أصوات الاعتراضات والهتافات الغاضبة للمنادين بالوحدة العربية والعروبة مع اتهاماتهم اللاذعة لي بتقسيم العرب والتفريق بينهم. رغم كل هذا، سأخاطر للنهاية وسأفرغ كل ما في جعبتي، فالأحسن من طلب الإذن طلب العفو. خلال سنوات خبرتي مع صناعة الإعلام، لا يُمكنني تذكر كم مرة شهدت فيها على العنصرية تجاه لهجة أو ثقافات شمال إفريقيا، حتى من جانب الزملاء المثقفين والمتعلمين. “عذرًا، لا أفهم هذه اللهجة”، ” هؤلاء يتحدثون بعربية خاطئة”، أو “رجاء تكلم بعربية واضحة”.
سمعت كل تلك العبارات تُقال لهم، وكان معظمها بنبرة غير لطيفة. الكثير يظن أن المتحدثين المشرقيين لا يفهمون لهجة شمال إفريقيا بسبب صعوبة تعلمها والتحدث بها، وليس بسبب تركيز الإعلام العربي على لهجات الشرق الأوسط دون غيرها. فعلى الصعيد الشخصي، أنا لم أترعرع محاطة بالمصريين والخليجيين، لذا كان علي أن أجعل أذني تعتاد على سماع لهجاتهم وبالفعل اشتغلت على هذا الهدف.
ليس من المقبول البتة الادعاء بأن لهجات شمال إفريقيا يصعب فهمها في حين أن جزء مهم من العرب يعرفون التحدث باللغة الإنجليزية والفرنسية، وهي ليست باللغات القريبة من العربية بتاتًا. الآن أصبح على شعوب شمال إفريقيا التوقف عن تسهيل الأمر علينا بتغيير لهجتهم عند التحدث معنا حتى نتمكن من فهمهم.
لا داعي لمحو هويتكم وترك لهجتكم، صدقوني إن لم تتحدث بلهجة سوى لهجتك، سنفهمك (أو سنحاول بالتأكيد)، لأنه ببساطة ليس لدينا خيار آخر.
ولسوء الحظ، لم نكتفِ بعنصرية اللهجات تلك اتجاه شعوب شمال إفريقيا، بل كانت تلك مجرد أحد الأسباب التي دفعتني إلى إطلاق بوداكاست “مجهول”. هدفت من خلاله إلى منح التاريخ الأمازيغي وثقافاته، وهو أصل بلدان المغرب العربي، حق الصوت والوصول لآفاق الآذان.
هذا البودكاست أيضًا بمثابة تذكير بمدى ثرائهم اللغوي وقدرتهم على التحدث بأكثر من لهجة ولغة بطلاقة شديدة: الأمازيغية، والفرنسية، والإنجليزية، والشامية، والمغربية… فلا توجد دولة عربية واحدة يمتلك سكانها كل تلك المهارات اللغوية التي يمتلكها سكان الدول المغاربية. هذا كله لن يغنينا عن ذكر الأفكار النمطية الجنسية والعنصرية التي تشحنها ثقافتنا السائدة ضد النساء المغربيات.
فمن ينكر أن ما قدمه المنتخب المغربي من أداء مشرف في كأس العالم أعاد له هويته وانتماءه العربي في لمح البصر! لن نكتفي بمظاهر الفخر والفرح على وسائل التواصل الاجتماعي (والتي بالطبع ستتلاشى وتختفي بمجرد انتهاء كأس العالم): حان الوقت الآن لنسأل أنفسنا بصدق، عن موقفنا نحو شعوب شمال إفريقيا وعلاقتنا بهم. فنحن بوسعنا تحقيق أفضل من هذا.