أولمبياد باريس يلبس عاصمة النور حلّة جديدة
بهدف ضمان أمن حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024 الصيفية على نهر السين، سخرت السلطات في فرنسا وسائل أمنية استثنائية بمشاركة عشرات الآلاف من قوات الأمن والجيش التزاما بمنع هجوم محتمل بطائرات بدون طيار مع إغلاق المجال الجوي لمسافة تصل إلى 150 كلم حول باريس.
لم يحدث من قبل أن تمّ حشد هذا العدد الكبير من قوات الشرطة كما سيحصل في 26 تموز/يوليو، للمشاركة في عرض الوفود المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الذي سيُقام على نهر السين والذي يمثّل بداية الأسبوعين الأولمبيين.
سيُضاف إلى أفراد الشرطة والدرك نحو ألفي عنصر أمن خاص وألف شرطي من البلديات التابعة لمدينة باريس، وستقوم فرقة قوامها 10 آلاف جندي بضمان دعم هذه الترسانة الأمنية.
سيتم نشر رماة “النقاط العالية” على أسطح باريس على طول نهر السين، لتحييد أي مسلّح يستهدف الحشود أو وفداً من الرياضيين على متن قارب أو رئيس دولة أو حكومة زائر.
مراقبة مشددة
في هذا السياق تواصلت أخبار الآن مع الصحفي التونسي المقيم في فرنسا أحمد المحروق والذي أكد أن “المراقبة كبيرة جداً، في باريس.. في كل محطة وكل شارع هناك أعوان أمن يقومون بتشديد الرقابة ويطالبون الشخص، طبعاً ليس لصاحب بشرة بيضاء، بمعنى صاحب بشرة قمحية، عربي أو إفريقي أو آسيوي بإظهار بالوثائق وإن كان لديك وثائق وكنت مهاجراً غير شرعي، يتم إيقافك وزجك في مراكز الإيقاف الخاصة وهي ليست السجون، وهناك تتم الإجراءات الروتينية، وأهمها إجراء الترحيل”.
وحول الإجراءات الأخرى، أشار المحروق إلى أن هناك “تكثيف لحملات المراقبة على المهاجرين غير الشرعيين في العاصمة باريس الذين يتواجدون بمئات الآلاف إن لم نقل بالملايين، وأيضاً المفارقة العجيبة هي أن المهاجرين غير الشرعيين الذين تقوم الحكومة الفرنسية حالياً بالتضييق عليهم في ضواحي باريس وفي وسط العاصمة باريس.. وتمنعهم من الدخول إليها، هم من ساهموا في تجهيز فرنسا للألعاب الأولمبية”.
وأكد أن “غالبية الملاعب والأشغال التي حصلت كانت بمساهمة من المهاجرين غير الشرعيين.. وخاصة المغاربة والأفارقة.. تقريباً 90% من العمال هم عمال بدون وثائق رسمية وتواجدهم غير قانوني في فرنسا لكن الحكومة الفرنسية كانت تعلم هذا واعتمدت عليهم لإكمال الأشغال لأنه في فرنسا لا يوجد يد عاملة، وهناك عدة مشاكل حصلت قبل عام وعامين”.
وأكمل الصحفي التونسي حديثه لأخبار الآن “حينها كان هناك خوف من قبل المقاولين الذين اعتبروا أن الأشغال مهددة بعدم الاكتمال نظراً لعدم توفر يد عاملة وطالبوا الحكومة الفرنسية بالسماح لهم بانتداب عمال مهاجرين غير شرعيين، بمعنى أن المواطنين الفرنسيين أو من يملك الجنسية الفرنسية لا يريدون العمل في هذه الأشغال التي تعتبر شاقة”.
وتابع: “أيضاً من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية في وسط العاصمة باريس هي عزل أحياء الضواحي الباريسية المعروفة مثل الضواحي 95, 94, 93 خاصة، المعروفة بأنها مقر للمغاربة والأفارقة والأتراك والهنود”.
تضاعف أسعار المواصلات
لم تنتهِ دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 من تغيير الحياة اليومية لسكان باريس، خاصة في وسائل النقل العام. فطوال فترة المنافسة، ستتضاعف أسعار تعريفة الركوب على الشبكة.
سيتعين على السياح اختيار بطاقة باريس 2024، والتي ستسمح لهم بالتنقل في جميع أنحاء المنطقة مقابل 16 يورو في اليوم و70 يورو في الأسبوع، وهو ما يعادل تقريبًا سعر بطاقة نافيغو الشهرية. وهو أمر بعيد كل البعد عن وسائل النقل العام المجانية التي كان من المقرر أن تكون متاحة أصلاً للألعاب.
وقال الصحفي أحمد المحروق إن “أسعار تذاكر النقل ارتفعت بنسبة 100% تقريباً.. سعر تذكرة المترو كانت 2 يورو وحالياً السعر 4 يورو”.
وأضاف: “إذا أراد أي سائح أو أي شخص حجز اشتراك لوسائل النقل العمومي في فرنسا مثل الحافلات، فقد ارتفع ذلك بنسبة 200% تقريباً، لكن الحكومة الفرنسية حافظت على السعر القديم للاشتراك لمن يملك اشتراكاً قديماً، فالسعر لن يتغير بالطبع، سيظل كما هو أي في حدود 86 يورو”.
وبعد الإعلان عن هذه التسعيرة الخاصة، طلبت بلدية باريس من فاليري بيكريس التراجع عن قرارها، قائلةً إن هذا الإجراء”ضربة إضافية للباريسيين وإيل دو فرانس” من الناحية المالية، وكذلك للمتطوعين في باريس 2024. لذا، فإن سكان إيل دو فرانس الذين لا يملكون تذاكر نافيغو أو ليبرتيه +، ومع ذلك سيسافرون خلال هذه الفترة، مدعوون إلى شراء تذاكرهم المعتادة قبل 20 يوليو 2024 لتجنب هذا النظام الجديد للتسعيرة المؤقتة.
صحراء قاحلة وتذمر
أوضح الصحفي أحمد المحروق أن “فرنسا عبارة عن صحراء قاحلة إذ أن المواطنين الفرنسيين أنفسهم ليسوا متفائلين بالألعاب الأولمبية وكانوا رافضين وعبروا عن امتعاضهم من طول وقت الأشغال التي استمرت في السنوات الثلاث الأخيرة، ونتج عنها إغلاق عدة طرق وعدة محطات مترو، وهذا ما جعل سكان العاصمة الفرنسية باريس يتذمرون”.
وواصل حديثه: “حتى المشردين اهتمت بهم الحكومة الفرنسية، وقامت بتوفير مساكن وقتية لهم طوال فترة الألعاب الأولمبية وأبعدتهم عن العاصمة باريس”.
وبيـّن أنه “لا يمكن الولوج إلى أماكن معينة في باريس بدون إظهار جواز الهجرة الفرنسية.. وهو عبارة عن جواز سفر يمكن أن تطلبه عبر الانترنت.. وفي طبيعة الحال بالنسبة للمهاجر غير الشرعي لا يمكن القيام بهذا الشيء لأنه ليس لديه وثائق رسمية”.
وأردف: “أغلب المهاجرين غير الشرعيين هم بدون وثائق رسمية، وهي من من الإجراءات التي تطلبها أهم الدوائر في باريس، ولا يمكن أن تسمح لك السلطات بالدخول من غير هذه البطاقة الذكية أو كما يقال هي عبارة عن جواز سفر أو بطاقة تعريف أو بطاقة هوية.. وفي طبيعة الحال فإن المهاجر غير الشرعي لا يمكن أن يطلب هذه البطاقة لأنه أصلا لا يملك وثائق”.
باريس تستعد لاستقبال ملوك ورؤساء
تستعدّ فرنسا لاستقبال عشرات رؤساء الجمهورية والحكومات، وملوك وقادة، إضافة إلى السيدة الأولى للولايات المتحدة جيل بايدن، في حفل افتتاح غير مسبوق للألعاب الأولمبية الصيفية على نهر السين وسط تعزيزات أمنية استثنائية.
ولم تتم دعوة أي رسمي روسي لتمثيل الرئيس فلاديمير بوتين، على خلفية الحرب التي شنّتها روسيا على جارتها أوكرانيا، في حين عُززت الإجراءات الأمنية للوفد الإسرائيلي بعد تصاعد التوتر بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة بعد الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وعشية حفل افتتاح أكبر الأحداث الرياضية، ما زالت الشكوك تحوم حيال حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
أكد سامويل دوكروكيه السفير الفرنسي للرياضة على جاهزية بلاده، قائلاً “نحن مستعدّون لاستقبال العالم”.
أوروبيون ولكن ليس روس
ورداً على غزو بوتين لأوكرانيا وقرع طبول الحرب قبل ثلاث سنوات، حُظر الرياضيون الروس والبيلاروس من المشاركة في ألعاب باريس، في حين سمح لمجموعة صغيرة منهم بالمشاركة تحت علم محايد وبشروط صارمة.
في المقابل، لم تتضمّن قائمة الضيوف الذين سيحضرون حفل استقبال في قصر الإليزيه اسم زيلينسكي. في حين لم يصدر أي تعليق فوري من كييف.
وسيكون رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر، الحريص على تعزيز العلاقات مع فرنسا، حاضراً في المدرّجات المطلّة على نهر السين لمشاهدة العرض النهري المذهل.
دعوة لوقف إطلاق النار
ورغم الدعوات المتكررة لوقف اطلاق النار بين الدول المتحاربة، لن تتوقف أصوات المدافع في أوكرانيا وغزة والسودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية وأماكن أخرى، لكن الألعاب الأولمبية ستكون فرصة لنشاط دبلوماسي مكثف.
وسيحث الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريش على هامش حفل الافتتاح، الدول على “إلقاء أسلحتها”، كما دعا ماكرون أيضاً إلى “هدنة أولمبية”.