حياة المئات من السوريين اللاجئين إلى الدنمارك مهددة بالخطر، بعد أن قررت حكومة تلك الدولة الاسكندنافية ترحيلهم إلى بلدهم وتحديدًا إلى دمشق وريفها بحجة أنها مناطق «آمنة».
ويبدو أن الدنمارك لم تعد مهتمة بتأمين الحماية لهؤلاء اللاجئين واندماجهم في مجتمعها بقدر اهتمامها بتقليص أعدادهم حتى يصل إلى « صفر طالب لجوء » كما أعلن وزير الهجرة والاندماج ماتياس تيسفاي الذي هو ابن لاجئ أثيوبي.
فريق “بالعين المجردة“ قام بتقرير استقصائي على مدار ثلاثة أشهر، التقى خلاله بعضًا من أولئك الذين ينتظرون ترحيلهم، فجمع شهاداتهم وتحدث إلى حقوقيين مدافعين عنهم.
مع حلول شهر آب/ اغسطس الماضي، وصل عدد السوريين الذين جرّدتهم الحكومة الدنماركية من حقهم باللجوء والإقامة المؤقتة إلى 474 لاجئًا، إنهم ينتظرون القرار النهائي الصادر عن مجلس طعون اللاجئين، لكنّ 94 فردًا منهم تلقوا هذا القرار النهائي وتم وضعهم في مراكز الاعتقال الإداري لترحيلهم إلى مناطق دمشق وريفها بحجة أنها « آمنة » وذلك عند إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين التي انقطعت إثر نشوء الأزمة السورية، وحتى ذلك الحين، يبقى مصيرهم العيش في مركز الاعتقال الاداري.
قرارات صادمة أدخلت السوريين في دوامة غامضة
هذه القرارات الصادمة أوقفت مسار حياة هؤلاء السوريين وأدخلتهم في دوامة جديدة نهايتها غامضة، فدفعت بهم ومعهم ناشطون مدافعون عن حقوق الانسان للنزول إلى الشوارع والتظاهر في العاصمة كوبنهاغن وفي أكثر من 25 مدينة أخرى.
ولأن عملية الترحيل لن تتم قبل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وكوبنهاغن، سيتعين على الذين سحبت منهم إقاماتهم بشكل نهائي البقاء في مراكز الاعتقال الإداري حيث سيمنع عليهم متابعة حياتهم العملية أو الدراسية كما لن يكونوا مؤهلين للاستفادة من التقديمات الحكومية.
عواطف محمد زكريا وزوجها، من بين أولئك المهددين بالترحيل إلى سوريا، لقد فرت منها بطريقة غير شرعية عبر البحر في العام 2015 «بعد أربع سنوات تمكنت من لم شمل زوجي والأسرة، وبعد سنتين من الإقامة حاليًا جاءنا رفض تجديد الإقامة فكان صدمة قوية جدًا لنا، بسببه نعيش كوابيس، ولا نستطيع النوم، ووضعي الصحي صعب جدًا».
العديد من أولئك الذين تنوي الحكومة الدنماركية إعادتهم هم من النساء والأطفال وكبار السن، لأن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عامًا معرضون لخطر التجنيد العسكري الإلزامي لدى وصولهم إلى سوريا، لذلك مُنحوا تصاريح إقامة دائمة وحماية مختلفة كما أن الكثير منهم بات يعمل في المؤسسات الدنماركية أو يكمل دراسته الجامعية.
إضراب عن الطعام تضامنًا مع مواطنيهم المهددين بالترحيل
للتضامن مع أولئك المهددين بالترحيل، أعلن مواطنون لهم غير معنيين بقرار إلغاء الإقامة، الإضراب عن الطعام حتى تتراجع الحكومة عن قرارها، ومن بين هؤلاء المضربين عن الطعام، تعرّفنا على سمير بركات الذي جاء إلى الدنمارك في العام 2014، وبعد عامين التحقت به عائلته.
ويتابع أولاد سمير بركات دراساتهم في المدارس والجامعات، ويقول “حاليًا أنا متقاعد وأعيش ضغطًا نفسيًا بسبب القرارات التي بدأت ضد السوريين، إنها قرارات صعبة لذلك تعبت نفسيتي، نحنا كجالية سورية لم نعد نعرف كيف نكمل حياتنا».
هدف الحكومة الدنماركية: «صفر طالب لجوء»
منذ تشكيلها في حزيران/ يونيو من العام 2019، سعت حكومة كوبنهاغن الحالية لتطبيق سياستها الهادفة للوصول إلى ما أسمته «صفر طالب لجوء»، لذلك أعادت فتح ملفات 900 لاجئ سوري من أجل دراستها بهدف ترحيلهم، ورغم أن هذه الحكومة هي من اليسار الوسط لكنها تطبق برنامج اليمين المتطرف والشعبوي المعادي للأجانب.
هذه السياسة لم تأتِ بلا أضرار على عائلة عمر وأسماء الناطور التي لم تشفع لها رحلة الموت التي قامت بها على متن قارب خشبي مدة ثلاثة أيام في البحر كي تصل إلى الدنمارك، إذ بات من غير المسموح لها البقاء على الأراضي الدنماركية لأن نصف العائلة من دمشق والنصف الآخر من درعا «تم استدعاؤنا إلى المحكمة، هناك بقى كلّ منا ثلاث ساعات ونصف الساعة، بعدها أصدرت المحكمة حكمها القاضي برفض بقائنا في الدنمارك حاليًا المحامي الذي يتولى قضيتنا طعن بالقرار وقدم لنا طعنًا ونحن ننتظر فتح ملفنا مرة ثانية».
الدنمارك استندت لأقوال “مجرم قاتل”
تجدر الإشارة إلى ان دائرة الهجرة الدنماركية، في تقريرها الصادر في شباط/ فبراير 2019، وصفت المناطق المذكورة بأنها “آمنة”، ولاقى هذا التقرير تنديدًا واسعًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وجميع المنظمات الحقوقية والانسانية العالمية التي ما تزال تعتبر أن الوضع في سوريا ما يزال خطيرًا للغاية.
أسماء الناطور تدحض أيضًا حجة الحكومة الدنماركية ما أورده هذا التقرير وتقول أن واضعيه «اعتمدوا على 12 مصدرًا، 11 فردًا منهم أكدوا أن دمشق غير آمنة، لكن المصدر الوحيد الذي أخذوا بأقواله هو ناجي النمر مدير الهجرة المجرم القاتل، لقد قال إن دمشق آمنة مستندًا إلى معلومات اللواء محمد رحمون الذي ارتكب المجازر والذي قال إن دمشق آمنة ولا توجد عمليات عسكرية فيها فبالتالي هي آمنة».
بدورها، قالت لنا سوزان جليلاتي المهددة بالترحيل مع عائلتها «بعد الرحلة الشاقة التي خرجنا معها من سوريا إلى الدنمارك، وبعد ست سنوات من الاندماج والذهاب إلى المدارس والعمل، وصلنا قرار توقيف إقامتنا وتم تحويلنا إلى محكمة اللاجئين، فهذه صدمة لي ولأولادي».
وكأي لاجئ سوري آخر فإن سوزان تؤكد على عدم عودتها إلى سوريا، والسبب أنه «لا توجد ضمانات كي نعود إلى سوريا، من يضمن لنا أننا نتعرض للقتل والاعتقال والاغتصاب وغيرها، لن أعود، فإن دمشق غير آمنة بالنسبة لنا».
دعم مادي للعودة الطوعية
تماشيًا مع هدفها وهو “صفر طالب لجوء”، أسرعت الحكومة الدنماركية بتطبيق قانون الترحيل الصادر عام 2002 والذي يشجع ويسرّع علمية الترحيل وذلك عبر تقديم دعم مالي لكل من يعود طواعية إلى بلاده، وتصل قيمة هذا الدعم المالي حتى 50 ألف كرونة ( 7600 دولار أميركي) للشخص الواحد و100 ألف كرونة (15250 دولار) للزوجين، هذا إذا كان اللاجىء لا يملك المال كما أورد الموقع الالكتروني للمجلس الدنماركي للجوء.
كما أشار الموقع الالكتروني الرسمي للحكومة الدنماركية، أن عدد الذين استفادوا من هذا الدعم المادي مقابل عودتهم طوعًا إلى سوريا وصل إلى 100 خلال العام 2019، و64 آخرين خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني/ يناير وأيار/ مايو من العام 2020.
لكنّ تقارير تابعة لمنظمات حقوقية وانسانية عالمية ودولية تشير إلى أن غالبية اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا باتوا في عداد المفقودين، وهذا ما أفادنا به فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان الذي أكد أن المناطق السورية غير آمنة، وقد ساهم بتزويد الحكومة الدنماركية بتقارير توثّق الانتهاكات التي ترتكب بحق العائدين إلى سوريا.
“انتهاكات” بحق السوريين العائدين إلى وطنهم
ويقول عبد الغني «تؤكد هذه التقارير أن دمشق وريف دمشق و غيرها من المناطق بشكل عام حتى حمص ومختلف المناطق التي يعود إليها اللاجئ خاصة في مناطق سيطرة النظام هي مناطق غير آمنة يتعرض فيها العائدون لأنواع متعددة من الانتهاكات».
ويفنّد فضل عبد الغني هذه الانتهاكات «اعتقال تعسفي و الذي هو أقرب للخطف لأنه لا يوجد مذكرة قضائية ولا يتم إعلام الفرد بالتهم التي ارتكبها أو يتم أخذه من قبل عناصر مدنيين عن طريق الحواجز أو اقتحام بالقوة ولا يعلم أنهم تابعون للنظام السوري، و بالتالي هي أقرب لعملية خطف يتعرض لاختفاء قسري».
حملات توقيع لمنع ترحيل للاجئين السوريين
تزامنًا مع تلك المظاهرات، خرجت حملات توقيع عديدة من بينها حملة «لا تعيدوا اللاجئين إلى سوريا» على الموقع الإلكتروني لمنظمة العفو الدولية تطالب وزير الهجرة والاندماج ماتياس تيسفاي بمراجعة التدابير التي اتخذت بحق السوريين وإعادة منحهم صفة اللاجئين لما سيواجهونه من مخاطر الاضطهاد في حال عودتهم إلى سوريا وذلك بسبب قناعاتهم السياسة.
وقد أوضحت هذه العريضة التي جاء عنوانها « لا ترسلوا اللاجئين إلى سوريا » أنه بحلول تموز/ يوليو من العام 2021، ألغت وزارة الهجرة إقامات أو تم رفض تجديدها لـ 474 لاجئًا منهم، كما أبدت هذه العريضة تخوفها من تحويل هؤلاء اللاجئين إلى مراكز الاعتقال الاداري ومن الخطر الذي يهددهم في حال عودتهم إلى سوريا.
وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقّع 53 ألف شخص على عريضة أخرى تطالب مجلس النواب بالعمل على بتعديل القانون الذي يسمح بسحب الإقامات المؤقتة وعدم تجديدها للاجئين، وحسب قانون ذلك البلد الاسكندنافي، فإن عدد الموقعين كافٍ كي ينظر المجلس النيابي في المطالب التي تتضمنها العريضة.
جوهانسون لا تتوقع ترحيل اللاجئين السوريين قسريًا
منذ بداية الازمة في سوريا وصل إلى أوروبا ما يقارب مليون و50 ألف لاجئ سوري، 35 ألف منهم يعيشون في الدنمارك، وفي ظاهرة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، تتسابق عدة دول أوروبية للتخلص من فائض حصتها من اللاجئين السوريين الذين تدفقوا إلى أوروبا، ويحاول بعضها الالتفاف على القوانين المتعلقة باللجوء لتبرير الترحيل، وتباينت مواقف هذه الدول في اتخاذ قراراتها بين سحب حق الإقامة المشروعة في البلد المضيف، كهولندا والدنمارك، وبين قرارات تقر بأمر الترحيل لأصحاب الجرائم كألمانيا.
هذا وأعربت إيلفا جوهانسون مفوضة الهجرة في الاتحاد الأوروبي عن قلقها إزاء وضع اللاجئين السوريين في مراكز الاعتقال الإداري وعدم امكانية وصولهم إلى سوق العمل والتعليم وتحديدًا تعلم اللغة، كما أنها لا تتوقع أن تتم عملية ترحيلهم قسريًا في الوقت الراهن.
وختمت جوهانسون قائلة إن «الدنمارك اختارت الانسحاب من قوانين اللجوء الخاصة بالاتحاد الأوروبي وليست ملزمة باتباع قواعد الاتحاد الأوروبي في هذا المجال».
تدابير حكومية معادية للمهاجرين واللاجئين
ومن ضمن سياستها المعادية للاجئين والأجانب قدمت الحكومة اليسارية التي تطبق مطالب اليمين الشعبوي المتطرف، قدمت 15 كيلومترًا من الاسلاك الشائكة لحكومة ليتوانيا بهدف حماية حدودها من تدفق المهاجرين واللاجئين، كما وضعت قانونًا يقضي بارسال اللاجئين إلى خارج أراضي الاتحاد الأوروبي، وقد صادق البرلمان الدنماركي عليه، هذا إضافة لقرار إجبار المهاجرين واللاجئين على العمل مدة 37 ساعة أسبوعيًا خاصة أولئك الذين يستفيدون من المساعدات الاجتماعية منذ ثلاث سنوات.
Denmark passed a law enabling it to process asylum seekers outside Europe, drawing anger from human rights advocates, the United Nations and the European Commission https://t.co/CWDnAYcTSb pic.twitter.com/gW1sjhnyKn
— Reuters (@Reuters) June 4, 2021
ويبدو أن معاداة للاجانب واللاجئين ليست حكرًا على الحكومة اليسارية الحالية وانما أيضًا الحكومة اليمينية السابقة فكلاهما يسعيان لاستمالة اليمين المتطرف الشعبوي الذي ازداد نفوذه، إذ حاولت الحكومة السابقة، في العام 2015، أن تضع يدها على ممتلكات المهاجرين واللاجئين خاصة تلك التي لها قيمة كبيرة، كما سعت لاحباط عزيمة المهاجرين لعدم اللجوء إلى أراضيها عبر نشر إعلانات في صحف لبنانية.
Denmark trying to scare off would-be migrants with these ads in #Lebanon media: pic.twitter.com/8uQasJJBF6
— Sara Hussein (@sarahussein) September 7, 2015