منفعة متبادلة بين القاعدة والحوثيين
في ظل التجاذبات التي تحدث في صفوف القاعدة، خاصة بعد تصفية زعيمها قاسم الريمي مطلع عام 2020، وانشقاق أحد أبرز قيادييها، الشرعي والقائد الميداني أبو عمر النهدي عن التنظيم عقب خلاف مع أمير القاعدة الحالي في اليمن خالد باطرفي، برزت معلومات وحقائق استخباراتية تثبت وجود تعاون وثيق ومستمر بين القاعدة وجماعة الحوثي.
هذه المعلومات التي قدمتها الحكومة الشرعية اليمنية في آذار / مارس عام 2021 في تقرير إلى الأمم المتحدة سردت لعدد من الوقائع، لعل تلخيصها يمكن في أن الحوثيين يقدمون الملاذ الآمن لمسلحي القاعدة وتمكينها من تحصين معاقلها، كما إطلاق سراح أفرادها من السجون التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، مقابل قتال مسلحي القاعدة إلى جانب الحوثيين وكذلك تسليمها لمناطق سيطرتها لجماعة الحوثي لتساهم في تمكن الأخيرة من الالتفاف على الجيش الوطني اليمني ومحاصرته.
هذا الأمر يطرح أسئلة كثيرة. ما هي أسباب هذا التعاون والتنسيق بين طرفين من المفترض وفق إيدلوجية كل منهما أنهما خصمين وعلى طرفي الننقيض؟ وما الذي ستستفيده القاعدة من تعاونها مع الحوثيين؟ وفي المقابل، ما هي المكاسب التي حصلت وتحصل عليها جماعة الحوثي بفضل هذه العلاقة؟
تحشيد مقابل الملاذ الآمن وتسريح السجناء
للإجابة عن هذه الأسئلة، التقت أخبار الآن الصحفي والمحلل السياسي اليمني أحمد عفيف المختص في الشؤون السياسية في اليمن، وهو أكد، “أن الحوثيين استفادوا من القوة البشرية لتنظيم القاعدة وأيضًا من الإمكانات الحربية التي يمتلكها التنظيم، كما استفادوا من المساحات “المعاقل” التي كانت تسيطر عليها القاعدة، وهو الأمر الذي وسع من رقعة المساحات التي يسيطر عليها الحوثيون”.
وأضاف أحمد عفيف أنه، “من ضمن الأمور التي استفاد منها الحوثيون من القاعدة، هو قدرة هذا التنظيم الإرهابي على التحشيد، فضلًا عن الدعم اللوجستي والعمليات المشتركة التي يقوم بها الطرفان معًا في الجبهات. وهو أمر كشفت عنه الكثير من الأحداث والوقائع، وأفاد به أيضًا شهود عيان متورطون ومجندون لدى القاعدة، فالقاعدة تقوم بتجنيد العناصر وتسلمهم إلى مشرفين حوثيين”.
وأشار عفيف إلى أنه، “في المقابل، استفادت القاعدة من تعاونها مع الحوثيين، فبعد الضربات التي تلقاها التنظيم جرّاء التنسيق الأمني بين اليمن والولايات المتحدة قبل عام 2014، إذ تمكن هذا التنسيق من اختراق القاعدة والحصول على معلومات هامة وسرّية أسفرت عن تصفية واعتقال مئات العناصر، وجدت القاعدة في سيطرة الحوثيين على صنعاء وغيرها من المحافظات فرصة”.
وتابع المحلل السياسي اليمني، “فقد منحتها هذه السيطرة مرونة كبيرة للتحرك وإنشاء معسكرات جديدة، سواء معسكرات تدريبية أو معسكرات تعبوّية، وكذلك تبادلت القاعدة مع ميلشيا الحوثي الدعم اللوجستي والتدريب والسلاح، وأعاد تنظيم القاعدة مرونته بشكل كبير بعد أن سيطرت الميليشيا الحوثية على صنعاء وما جاورها”.
صفقات ذكية وتعاون في جبهة مأرب
في الوقت الحالي، فقدت القاعدة قدراتها وسيطرتها في المناطق المحررة خاصة بعد قتل زعيمها قاسم الريمي وغيره من القيادات الفاعلة في التنظيم، لكنها في المقابل استعادت قوتها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
أكد المحلل السياسي أحمد عفيف أن “تهريب عناصر القاعدة من سجون الأمن المركزي في صنعاء يُعد حدثًا مفصليًا أسس لما يعرف اليوم بالتعاون بين الحوثيين والقاعدة”، موضحًا أن، ” الحوثيين أطلقوا سراح عناصر القاعدة المسجونين واستفادوا منهم. فعناصر القاعدة الذين كانوا مسجونين في صنعاء، يتم الافراج عنهم عندما يتم الاحتياج لهم”.
وأعطى عفيف مثالًا عن ذلك في جبهة مأرب، فقال، “في هجمات متعددة على مأرب، أخرجت ميلشيا الحوثي عناصر من القاعدة وزجت بهم في جبهات القتال. وخلال ثلاث سنوات متتالية كان الحوثيون يخرجون عناصر القاعدة من السجون ويزجون بهم في المعارك”.
كما أشار عفيف إلى أن “هناك آلية ذكية جدًا يتبعها الحوثيون في إطلاق سراح سجناء القاعدة، وذلك باستخدام ما يمكن تسميته بمنظمات المجتمع المدني، منها منظمة “مواطنة” القائمة عليها الشابة اليمنية رضية المتوكل، فبحجة حقوق الإنسان والحق في لم الشمل مع العائلة، تم الإفراج عن العديد من عناصر القاعدة، لكنهم لم يعودوا إلى ذويهم، بل ذهبوا إلى جبهات القتال”.
هناك كثير من عناصر القاعدة، أفراد وقيادات، انضموا بالفعل إلى راية جماعة الحوثي،. تم رصد الكثير من الدلائل على هذا التعاون، فقوات الجيش اليمني أسرت الكثير منهم، ممن كانوا يقاتلون إلى جانب جماعة الحوثي، من بينهم قيادين أعلنت وزارة الداخلية عنهم في قائمة تضم 23 اسمًا، أحدهم عارف مجلي المكنى بأبي الليث الصنعاني الذي كرمته ميلشيا الحوثي مؤخرًا وسمّته وكيلًا لمحافظة صنعاء.
عفيف: لن يستطيع الحوثيون تبييض صفحة القاعدة
وبسؤالنا حول ما إذا كان هناك توّجهًا لدى الحوثيين لتبييض صفحة عناصر القاعدة عن طريق إتلاف جميع الدلائل التي تشير إلى انتمائهم لها والوثائق التي توّثق جرائمهم، استبعد عفيف ذلك قائلًا، “باعتقادي أن تنظيم القاعدة لا يستطيع طمس جرائمه أو تضليل المعلومات المتواجدة في صنعاء، لأن هناك غرفة عمليات مشتركة يمنية – أمريكية في جيبوتي، كانت تُرفع إليها التقارير بشكل آلي حول كل ما يخص تنظيم القاعدة، وبالتالي فهناك نسخ لكل التقارير والمعلومات المتعلقة بهم”.
وأضاف، “لن تؤثر محاولات الحوثيين من طمس الحقائق والمعلومات المتواجدة في صنعاء والتي جمعت على مدى سنوات عن عناصر القاعدة النشطة في اليمن. فالمعلومات المتعلقة بالقاعدة وعناصرها محفوظة كاملة في نسخة لدى قاعدة العمليات المشتركة في جيبوتي”.
هل يهرب “أبو عمر النهدي” من القاعدة عبر بوابة الحوثيين؟
حول أسباب الخلاف بين أبو عمر النهدي والقاعدة ومآلاتها حاضرًا ومستقبلًا، عاد بنا الصحفي أحمد عفيف إلى بداية الخلاف بين النهدي وجماعته، والتي “تمثلت شرارته الأولى في إبداء النهدي إعجابه بتنظيم داعش الإرهابي ورغبته في الانضمام إليه والقتال تحت رايته”
وأضاف، “هذا الأمر قوبل برفض شديد من قبل تنظيم القاعدة، الذي ضغط عليه بكل الوسائل للعدول عن هذا القرار، حتى أن عناصر من القاعدة انتزعوا اعترافات من أتباع النهدي بالقوّة وسجنوهم، لأنهم لا يريدون لهم الانضمام لتنظيم داعش وفقًا لتوجيهات صارمة صدرت عن أمير القاعدة الأم أيمن الظواهري في حينها”.
عفيف: النهدي صندوق أسود تتخوف منه القاعدة
وتابع، “كان هذا الصدام، بالإضافة لاتهام النهدي بأنه مسؤول عن تسريب معلومات للولايات المتحدة الأمريكية تسببت في مقتل القيادي الريمي، ما دفع النهدي للاستقلال بجماعته عن القاعدة، لكن وفق تفاهمات، فهو لا يؤذي القاعدة ولا التنظيم يؤذيه”.
لكن هل يمكن أن يأخذ أبو عمر النهدي مجازفة وينضم إلى جماعة الحوثي؟ ردًا على سؤالنا هذا، أجاب عفيف، “ربما، في رأيي، فهو لديه جماعة مستقلة، كما أن تراتبيته السابقة في التنظيم أهّلته لأن يكون من ضمن النخبة المرشحة لمناصب قيادية،و بالتالي الاطلاع على الكثير من الأمور، ولذلك فالنهدي يعتبر خطيرًا بالنسبة للقاعدة لأنه “صندوق أسود” بالنسبة إليهم”.
وختم أحمد عفيف بالقول، “في المقابل، ونظرًا لاطلاعه الكبير وتاريخ الصدام مع القاعدة، يتخوّف النهدي بدوره من غدر تنظيمه السابق به، وقد يؤدي به هذا الخوف إلى طلب اللجوء إلى المناطق التي تقع سيطرة الحوثيين”.