سوريا.. أبو أنس يواصل شغفه في صيانة السّاعات في الستين من عمره
- يعيش أبو أنس في مدينة كفر تخاريم في شمال غرب سوريا
- يعمل أبو أنس في هذه المهنة منذ ستين عامًا
زاوية صغيرة في محلّ لبيع المحروقات في مدينة كفر تخاريم في شمال غرب سوريا، هي المكان الذي يواصل فيه أبو أنس شغفه في صيانة السّاعات القديمة، قضى ستين سنة من عمره بين السّاعات والعُدد المختلفة في وقت كانت السّاعات التي تعتمد على نظام الربط متوفرة، وكانت الخيار الوحيد للناس.
بدأ أبو أنس شغفه لهذه المهنة منذ أن كان في الرابعة عشر من عمره، وكان والده آنذاك يعمل في صيانة ” الحاكي“، وهو جهاز الموسيقى المؤلف من صندوق وبوق وقرص دائري، وقد تعلّم على يده تلك المهنة التي لم تكن تروي شغفه إلى أن انتقل إلى عالم السّاعات.
وفي مقابلة شخصية مع مراسل عيش الآن، يقول أبو أنس: “بدأت في صيانة السّاعات في سن الرابعة عشر، كنت أجلس بجوار والدي أثناء صيانته للحاكي في ذلك الوقت، وبعد وفاته واصلت العمل على صيانة تلك الأجهزة إلى أن انتقلت إلى صيانة السّاعات”.
وأضاف: “أول ساعة قمت بإصلاحها هي الساعة التي كانت بحوزتي، وبعد هذا الإنجاز بدأت تعلّم صيانة السّاعات، وقطعت أشواطاً فيها، حتى أصبح الناس يقصدونني من مناطق مختلفة وبعيدة من أجل أن أصلح لهم ساعاتهم المستعصية”.
لم يكن هدف أبو أنس الأول من صيانة السّاعات هو المال، بل ممارسة عمل يحبّه، فهو يعشق التعامل مع المسننات والقطع الميكانيكية الدقيقة، ويخوض التحديات مع نفسه في عملية الصيانة دون يأس. ولا يذكر خلال مسيرته الطويلة أنّه عجز عن إصلاح أيّة ساعة قديمة تعتمد على نظام الربط مهما كانت مشكلتها.
ويضيف: “عندما بدأت العمل في صيانة السّاعات، لم أفكر بالمال أبداً، وكان لديّ وظيفة أعيش من خلالها، لكنّي أحب العمل في هذه الأشياء الدقيقة وأحب الحركة والقطع الصغيرة وأجد المتعة الكبيرة عندما أقوم بإصلاح ساعة مستعصية، وقد تطول عملية الإصلاح هذه لعدة أيام، ولكن في النّهاية يجب أن يستلم الزبون منّي ساعته وهي تعمل، ومن خلال سنوات عملي إلى اليوم لم أستلم ساعة من زبون إلا وأصلحتها”.
بعد التطور السريع الذي شهده العالم في السنوات الأخير، لم يعد لمهنة أبو أنس الاهتمام الكبير، حيث حلّت السّاعات الرقمية والإلكترونية مكان السّاعات الميكانيكية، إلا من فئة قليلة جداً يستعملونها في المنازل في الديكور أو أن هناك من يحب جمع الأشياء القديمة، ومع ذلك لا يمكن لأبو أنس أن يجلس في المنزل دون الخروج للمحل الذي يعمل فيه وجلوسه على طاولته وأمامه أدوات الصيانة.
واستطرد: “لم تعد لهذه السّاعات أي قيمة فالهاتف المحمول والسّاعات الإلكترونية أخذت مكان السّاعات القديمة وبجودة أفضل، وأصبحت السّاعات الميكانيكية القديمة موجودة فقط كقطع تعبر عن التراث وتجدها عند الأشخاص الذين يحبون جمع الأنتيكا”.
فيما يضيف: “رغم أن الساعة القديمة أوشكت على الانقراض إلا أني غير قادر على الجلوس في المنزل ففي كل أذهب إلى المحل واجلس على طاولتي وأمامي أدوات الصيانة واتأمل السّاعات من حولي وأتذكر جمال تلك الأيام التي قضيتها بينها وكم كنت سعيدا في ذلك الوقت”.
قرابة ستين سنة قضاها أبو أنس في مهنة أحبها وسعى للريادة فيها، تنتهي اليوم بفعل التطور السريع، ويسعى لإنعاش ما استطاع منها من خلال عدد من المفكات وعدسة يضعها على عينه، لكن الحقيقة التي يؤمن بها أبو أنس أن عهد السّاعات الميكانيكية القديمة قد انتهى.