مهاد كاراتي (2): هل ينشق الرجل الثاني في جماعة الشباب الصومالية؟

تحقيق: حامد فتحي - عبد الناصر أشكر موسى

هجمات وحملات دعائية.. ما الذي يحدث في الصومال؟

شنت جماعة الشباب المصنفة إرهابيةً في الـ 14 من يوليو الجاري هجومًا بسيارة مفخخة، استهدف مقهى شعبي بالقرب من تمثال الجندي المجهول في مديرية "بونطيري" في العاصمة مقديشو، وتسبب الانفجار في مقتل خمسة مدنيين وإصابة عشرين آخرين، وزعمت الجماعة أنّ المقهى يرتاده مسؤولون حكوميون.

وقبل يوم من الانفجار، في الـ 13 من يوليو، تمكنت مجموعة من سجناء الجماعة في السجن الرئيسي في مقديشو، من الحصول على أسلحة، وشنّ هجوم على الحراس، ودارت اشتباكات عنيفة لعدة ساعات انتهت بمقتل جميع السجناء المسلحين، كما أُصيب أربعة من أفراد الأمن.

تشير هذه العمليات إلى تردي الأوضاع الأمنية في العاصمة، وتراجع في الإنجازات الأمنية التي تحققت في العام الأول من عهد الرئيس حسن شيخ محمود، خاصة مع توقف الحرب الحاسمة ضد الإرهاب، وتنامي الخلافات السياسية بين الرئيس والمعارضة.

وقبيل هذه الأحداث، صدر عن مؤسسة "الكتائب" الجناح الإعلامي لجماعة الشباب في الصومال، إصدارًا مرئيًا بعنوان "كيف يطيب القعود"، كهدية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وظهرت فيه مجموعة من أعضاء الجماعة لا يتجاوز عددهم الخمسين مقاتلًا، خلال مراحل مختلفة من برنامج تدريبي للقوات الخاصة، في مكان أُطلق عليه "أكاديمية الشيخ أسامة بن لادن".

وإلى جانب التوظيف الكبير للصورة والحركة لإنتاج فيلم دعائي يشبه أفلام "الأكشن" في السينما، خاطبت الجماعة العاطفة الدينية، بعرض صور ومقاطع فيديو قديمة وحديثة من أكثر من 10 دول إسلامية، يظهر فيها اعتداءات على مجموعات من المواطنين، زعم الإصدار أنّهم لمسلمين مضطهدين.

يبدو أنّ الجماعة استفادت بشكل كبير من انشغال الحكومة الفيدرالية بالخلافات السياسية حول تعديل الدستور، وانتخابات رؤساء الولايات، وتمكنت خلال العام الأخير من تنظيم صفوفها، واستعادة مواقع كانت قد حررتها القوات الفيدرالية في ولايتي هرشبيلي وغلمدغ.

تقع جماعة الشباب في قلب أحد أخطر الصراعات الإقليمية، فهي حرب أجندات بالإضافة إلى الرصاص والقنابل، ولها عنصر صراع داخلي قوي بالإضافة إلى كونها تمردًا ضد الحكومة.

وتجسد قصة رجل واحد مدى تعقيد صراعات جماعة الشباب الداخلية والخارجية، هذا الرجل هو مهاد كاراتي، فعلى الرغم من بقاء القيادة الاسمية للجماعة حتى الآن في أيدي أحمد ديري، إلا أن كاراتي يتمتع بمكانة متساوية تقريبًا، حتى أنه قد يكون أقوى من ديري من حيث السيطرة على الموارد المالية والعسكرية لجماعة الشباب.

أمام هذا الواقع فإن ما يفعله كاراتي، وما يحدث له سيكون له تأثير كبير على الاتجاه المستقبلي لجماعة الشباب وحربها على الشعب الصومالي، ولهذا السبب نواصل تسليط الضوء على مهاد كاراتي والأسرار التي يخفيها.

معاناة أعضاء الجماعة

مع ذلك، لا يمكن لإصدار دعائي تجميل الواقع في الصومال، حيث الجماعة التي تزعم حمايتها للأمة المسلمة، هي المسؤول الأول عن قتل آلاف من الصوماليين سنويًا، كما أنّ صورها البراقة التي هدفت لخداع صغار السن، لا تكفي لتبديل حقيقة انشقاق وهروب عشرات الأعضاء من الجماعة بسبب الجوع والمرض والصراعات الداخلية.

في الأثناء، تحاول الجماعة بمثل هذه الإصدارات البراقة الظهور بمظهر جماعة جهادية مثالية، تقدم الغالي والنفيس في سبيل الأمة المسلمة، بينما لم تستطع تقبل الأجانب المقاتلين في صفوفها، وقامت بسلسة اغتيالات بحقهم في إطار الصراعات الداخلية، والتي تستمر حتى اليوم بين أمير الجماعة المعروف بـ"أبو عبيدة"، ونائبه الأول المعروف بـ"مهاد كاراتي"، بسبب الصراع حول النفوذ والأموال.

لماذا تحيط الشبهات بمهاد كاراتي؟

وخلال التقرير التالي، تستكمل "أخبار الآن" التقصي حول شخصية أبو عبد الرحمن مهاد ورسمي، الشهير بـ"مهاد كاراتي"، المُتهم بالتعاون مع المخابرات الصومالية، وتبحث حول علاقة الصراع بين الرجل وأمير الجماعة وهذه الاتهامات.

في الجزء الأول لهذا التقرير تتبعت "أخبار الآن" بدايات الرجل مع الحركات المتطرفة، وتتبعت قصة اعتقاله في كينيا بسبب نشاطه المرتبط بتنظيم القاعدة، ثم انضمامه لجماعة الشباب التي تأسست في 2006، ودوره في صراعاتها الداخلية، وصولًا إلى تحطم آماله بتولي زعامة الجماعة، وصدامه مع الأمير "أبو عبيدة".

كان العام الماضي، 2023، حافلًا بالنسبة لمهاد كاراتي، (Abdirahman Mahad Warsame)، حيث شهد أكبر ظهور إعلامي في تاريخه، بواقع ثماني مرات في إصدارات إعلامية عن الجناح الإعلامي للجماعة، وتضمنت ثلاثة إصدارات تحدث فيها منفردًا، وخمسة شملت إعادة بث لكلماته وتضمين تعليقات له، وبخلاف ذلك لم يظهر الرجل في أية مناسبة منذ مطلع العام الجاري، فيما ذكرت مصادر خاصة لـ"أخبار الآن" أنّه تعرض للإصابة في غارة جوية.

الاختفاء الغامض لكاراتي

كان آخر وأهم ظهور للرجل في الأيام الأخيرة من العام الماضي، وعلى الرغم من عدم اليقين بشأن مصير الرجل، إلا أنّ هناك حدثين ذُكر اسمه فيهما، ويتعلقان باختفائه وبعلاقته بالمخابرات الوطنية. يتمثّل الأول في حادث الهبوط الاضطراري لطائرة مروحية تابعة للأمم المتحدة في منطقة تسيطر عليها جماعة الشباب، بالقرب من إقليم جلجود في ولاية غلمدغ، في يناير/ كانون الثاني، من العام الجاري، وعلى متنها فريق إجلاء طبي من صوماليين وأجانب.

وزاد الغموض حول الطائرة، بعد إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وهو أكبر وكالة إغاثة إنسانية عاملة في الصومال، أنّ "الطائرة الهليكوبتر ليست تابعة له ولا للخدمة الجوية الإنسانية للأمم المتحدة، وأن من كانوا على متنها ليس من بينهم أي من موظفيه".

تواصلت "أخبار الآن" مع ضابط في وكالة الاستخبارات الوطنية، وقال إنّ "مهمة الطائرة كانت الهبوط في منطقة يُسيطر عليها والي شبيلي السفلى الموالي لكاراتي، ثم ينتقل طاقمها المكون من فريق طبي، وضابط صومالي وضابطين في الاستخبارات الكينية، بصحبة إمدادات طبية وعسكرية، وبمرافقة وحماية من رجال كاراتي إلى مدينة "جليب" في جوبالاند، حيث يقيم الأخير، لعلاجه من مضاعفات آلم المرارة، وفحصه بعد إصابته بنوبة قلبية".

أضاف المصدر، أنّ "الطائرة هبطت في منطقة يسيطر عليها رجال الأمير أحمد ديري، المعروف بـ "أبو عبيدة"، فسارعوا إلى محاصرتها وأسر من فيها، وقتلوا الطبيب الذي يحمل جنسية دولة عربية بعد محاولته الفرار، بينما تمكن الضابط الصومالي وممرضة أوغندية من الفرار، ولم يُعرف مصيرهما بعد".

وتابع أنّ "كاراتي حين علم بإخفاق المهمة، خرج بصحبة رجاله إلى منطقة قريبة من مقرّ إقامته، حيث هبطت مروحية عسكرية كينية، ونقلته لتلقي العلاج إلى كينيا، ثم سافر ضابطان من المخابرات الصومالية والتقوا به هناك"، ولم يتسنّ لـ"أخبار الآن" التأكد من مصادر إضافية حول ما سبق.

إصابة كاراتي

وقع الحدث الثاني مطلع شهر أبريل/ نيسان الماضي، حيث استهدفت غارة جوية بطائرة مُسيرة اجتماعًا لقادة جماعة الشباب، في محافظة شبيلي السفلى في ولاية جنوب الغرب، والتي تعتبر أحد أهم معاقل الجماعة.

وقالت مصادر قريبة من مكان الحادث لـ"أخبار الآن"، من بينها المحافظ محمد إبراهيم بري، إنّ "أمير الجماعة أحمد ديري ترأس الاجتماع بحضور قيادات كبيرة، وعلى رأسهم كاراتي، وخرج من مكان اللقاء قبيل دقائق من الغارة الجوية، التي أدت إلى مقتل عدد من القيادات، وإصابة مهاد كاراتي".

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الفيدرالية لم تعلن عن تلك الغارة، وكذا لم تنشر "أفريكوم" شيء بخصوصها، ما يفتح الباب أمام العديد من الافتراضات حول المسؤول عن تلك الغارة، وأهدافه منها، خاصة أنّ أمير الجماعة خرج قبيل دقائق فقط من وقوع الغارة.

هذا التضارب ليس بجديد، ففي شهر مايو/ أيار الماضي، أعلنت الحكومة الفيدرالية عن استهداف مقاتلي داعش بغارة جوية في ولاية بونتلاند، ولكن الأخيرة نفت تلك الأنباء، وفي ظل وجود ثلاث دول تشنّ غارات بطائرات مسيرة في الصومال، ومع وجود تنافس بين مقديشو وبونتلاند، وانقسام الدول الفاعلة في البلاد بين الطرفين، فمن غير المستبعد أنّ يحدث تنافس على إدارة ملف مكافحة الإرهاب، قد يؤدي إلى التضارب في الأهداف.

يُعتبر كاراتي من أهم وأقدم القادة في جماعة الشباب، ووضعت الولايات المتحدة مكافأة عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.

ولأنه يسيطر على أموال جماعة الشباب ومواردها الأخرى على الأقل مثل أحمد ديري، ولأنه محوري للغاية بالنسبة لمستقبل الجماعة، فتحت أخبار الآن ملف الرجل للتحقيق فيه بعمق، ونشرت الجزء الأول من التقرير حول تاريخه مع الحركات المتطرفة في تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الدولة في الصومال، ثم تتبعت مرحلة انتقاله إلى كينيا، حيث قُبض عليه في تهم تتعلق بالإرهاب، وأفُرج عنه في ظروف غامضة، جعلت البعض يتهمه بالتعاون مع مخابرات دولية سهلت خروجه من السجن.

ولئن كانت بعض المصادر الصومالية التي تحدثت لـ"أخبار الآن" شككت في تعاون مهاد كاراتي مع مخابرات دولية، فمعظمها تحدث عن نوع من التنسيق بينه والحكومة الفيدرالية الصومالية، ممثلة في وكالة المخابرات الوطنية والأمن الوطني (NISA).

هل يتعاون كاراتي مع الحكومة الفيدرالية؟

يقول الناطق الرسمي باسم القوات الخاصة في بونتلاند، سعيد موسى، إنّه "خلال التحقيق مع عضو في الجماعة قبضت عليه شرطة بوصاصو، ذكر أنّ أمير الجماعة أحمد ديري فَصل كل من مهاد كاراتي وبشير قرقب (Bashir Mohamed Mahamoud) في 2019 - قُتل قرقب في 2020 - من عضوية المجلس التنفيذي للجماعة، بسبب مشاركتهم في تفاهمات مع الحكومة الفيدرالية، أثناء تشييد الطريق السريع بين مقديشو وأفغوي".

وحول التعاون بين كاراتي والحكومة الفيدرالية، قال الضابط موسى، إنّ "مهاد كاراتي شخصية إرهابية معروفة لدى الصوماليين، وعلاقته بالأجهزة الأمنية خبر متواتر وصلنا بأكثر من طريقة، ووجدنا معلومات تفيد بأنه التقى مسؤول رفيع في الأجهزة الأمنية الصومالية في مزرعة "حواء عصر" في قرية "بصرة" الواقعة في شبيلي الوسطى، بعد العام 2022، بهدف بحث التفاوض بين الحكومة والجماعة".

بدوره أشار ضابط الاستخبارات لـ"أخبار الآن"، إلى وجود استقلالية في تعاون كاراتي مع المخابرات الوطنية والدولية؛ حيث بدأ الرجل الثاني في جماعة الشباب التعاون مع مخابرات دولية حليفة قبيل تأسيس الجماعة وتشكيل الحكومة الفيدرالية، وتأسست وكالة المخابرات والأمن الوطني "نيسا" بعد أعوام من ذلك.

وتابع بأن كاراتي الذي طالما تمنى أنّ يكون أميرًا لجماعة الشباب واجهته معارضة كبيرة وقوية، ومع شعوره بفقدان الأمل وصعوبة تحقيق هدفه تحول إلى التخلص من أعدائه داخل الجماعة، من خلال التعاون مع المخابرات الدولية والمحلية، وفق قوله.

ومنذ تنصيب الرئيس الحالي في مايو/ أيار 2022، حاز العديد من أقارب كاراتي على مناصب هامة في الدولة، ومن بينهم ابن عم لكاراتي، ولهذا توطدت علاقته بالمخابرات الوطنية. وكان لكاراتي تعاون مع هؤلاء الساسة الأقارب ضد الرئيس السابق محمد عبد الله "فرماجو"، كما ذكرت المصادر، التي من بينها رئيس وكالة الاستخبارات السابق، فهد ياسين.

يقول ضابط الاستخبارات: "عندما بدأت الخلافات بين كاراتي وأمير الجماعة أحمد ديري، لجأ الأول إلى عشيرته فساعدوه على التواصل مع الساسة المنتمين للعشيرة، ومنهم نائب برلماني، تولى رئاسة أهم جهاز أمنى في البلاد حتى وقتٍ قريب".

ويضيف أنّ كاراتي "لعب دورًا في خدمة عشيرته، قبل أنّ يصبح كبار المسؤولين في الحكومة الفيدرالية منها، من خلال التنسيق مع ساسة العشيرة في التصدي للرئيس السابق"، وفق قوله.

في السياق ذاته، تحدث رئيس وكالة المخابرات السابق، فهد ياسين الذي لعب دورًا كبيرًا في عهد فرماجو، عن ذلك التعاون بين كاراتي وأقاربه، ولئن يكن حديث فهد ياسين غير برئ من الخصومة السياسية والعشائرية، فمع ذلك تدعمه العديد من المصادر، التي تؤكد على وجود شكل من التعاون بين كاراتي والحكومة الفيدرالية.

أي صفقة لكاراتي؟

يقول باحث صومالي في الشؤون الأمنية، قريب الصلة بأجهزة الاستخبارات، فضل حجب اسمه، إنّ "هناك علاقة بين كاراتي والحكومة الفيدرالية، حيث الأخيرة تريد منه التعاون في تحرير أرض عشيرة "هوية" من الخوارج، مقابل العفو العام".

وأضاف أنّ كاراتي وقيادات أخرى من "هوية" اشترطت أنّ توفر الحكومة لهم الحماية من الملاحقة الدولية، لكن الحكومة لا تستطيع ضمان ذلك حتى الآن.

وذكر أنّ "ولاة جماعة الشباب في مناطق هوية من قبائل أخرى، لهذا كاراتي لا يستطيع الانشقاق قبل تحرير أرض القبيلة، وسيكون له دور في دفع قاعدة الحركة من القبيلة لترك السلاح".

وهناك وجاهة في وجود نوع من التنسيق بين كاراتي والحكومة الفيدرالية، نظرًا للروابط القبلية المشتركة مع البارزين في الحكومة التي تشكلت بعد تنصيب الرئيس الحالي في مايو/أيار 2022.

كما أنّ الساسة المحليين في ولايتي هرشبيلي وغلمدغ لديهم نوع من التنسيق مع جماعة الشباب، حتى أنّهم لعبوا دورًا سلبيًا أعاق نجاحات الحكومة العسكرية، وقامت الجماعة بتوزيع السلاح على عدد من القبائل أثناء انسحابها من مناطق في الولايتين، مستثمرة في الصراعات القبلية.

والأمر المؤكد أنّ نوعًا من التنسيق يحدث بين جماعة الشباب والقبائل في مناطق سيطرة الأولى التي امتدت إلى 18 عامًا في بعض المناطق، كما أنّ الأمر نفسه يحدث مع الحكومة الفيدرالية، أخذًا في الاعتبار أنّ جماعة الشباب تختلف عن التنظيمات المصنفة إرهابيةً، في كونها مارست السلطة وخلقت روابط اجتماعية وسياسية ومصالح مشتركة، ولا يتشابه معها في ذلك سوى حركة طالبان. اللافت أنّ العديد من الصوماليين يشبهون الطابع العشائري للمجتمع بمثيله في أفغانستان.

وبافتراض صدق المعلومات عن تعاون مهاد كاراتي مع الحكومة الفيدرالية، فما الذي سيحصل عليه الأول نظير ذلك؟

طالما أثار عدم استهداف الحلفاء الدوليين لكاراتي رغم وجوده كقيادي في جماعة الشباب منذ 18 عامًا، شهية المعلقين لتفسير ذلك بوجود نوع من التفاهم أو على الأقل مصلحة في عدم استهدافه. وإن لم تكن تلك المصلحة مرتبطة بالشركاء الدوليين للصومال، فهي على الأقل ترتبط بالحكومة الفيدرالية التي ستجد قواسم قبلية مشتركة مع كاراتي، بخلاف الأمير ديري الذي ينحدر من صوماليلاند.

في السياق نفسه، فمن مصلحة كاراتي الحفاظ على روابط مع قبيلته الكبيرة في وسط البلاد، في ظل المعلومات شبه المؤكدة عن خصومته مع أمير الجماعة أحمد ديري.

ومن ناحية الحكومة الفيدرالية، فالتعاون يعتبر حديثًا، ويستند إلى العشائرية، ويضيف الباحث سابق الذكر لـ"أخبار الآن"، إن "كاراتي يستفيد من التعاون مع المخابرات المحلية لإمداده بالمال والسلاح، لتقوية نفوذه على حساب خصمه أمير الجماعة". وذكر أنّ النجاحات التي حققتها القوات الحكومية ضدّ جماعة الشباب، عمقت التقارب بين كاراتي وأقاربه.

وتابع أنّ "هناك اتفاقًا بينهما يقوم على العمل سويةً لتقويض جماعة الشباب، مقابل تأمين استسلام كاراتي من خلال منحه حصانة من المحاكمة، ومنصب حكومي رفيع مثل العديد من القادة المنشقين عن الجماعة، على غرار مختار روبو الذي يشغل منصب وزير الأوقاف"، وفق حديثه.

هل يُقوض كاراتي الشباب؟

تحدثت "أخبار الآن" إلى باحث صومالي ثان، طلب عدم الكشف عن اسمه، وذكر أنّه التقى كاراتي في عام 2012، وقال إنّ نفوذ كاراتي داخل جماعة الشباب ينبع من عشيرته الكبيرة، موضحًا أنّ تصعيد القادة في الجماعة مرتبط بقدرتهم على جمع الأموال وتأمين المجندين والدعم القبلي.

وبحسبه، تستعين وكالة المخابرات والأمن الوطني (NISA) بالمنشقين من جماعة الشباب في مكافحة الجماعة، مثل التعرف على المقبوض عليهم، والاستجواب في أماكن الاحتجاز، ومنهم أحد قادة مخابرات الجماعة السابقين إسماعيل حرسي الذي استسلم للقوات الفيدرالية عام 2014.

يكشف ما سبق عن جدية الحكومة الفيدرالية في منح الحصانة لكل من ينشق عن الجماعة، مهما كان منصبه أو مسؤوليته عن الجرائم التي حدثت. لهذا فالعفو عن كاراتي الغير معروف نسبيًا للشعب الصومالي، رغم مكانته الكبيرة داخل الجماعة، لن يكون عسيرًا، خصوصًا لو كان من في السلطة من أقاربه.

وحول مستقبل التعاون بين كاراتي والمخابرات الوطنية، ذكر الضابط في وكالة الاستخبارات، أنّ ذلك "لا يمكن التنبؤ به، لكن كاراتي سينجو بنفسه كما أعتاد حين تقترب نهاية جماعة الشباب". والأمر الأكيد فيما يتعلق بعلاقة كاراتي بالحكومة الفيدرالية هي عدم الثبات، وهي سمة أساسية في المشهد السياسي والأمني الصومالي.

وأحد الأمثلة التي توضح هذا التعقيد هي تراجع الحكومة الفيدرالية عن محاربة جماعة الشباب، مقابل تركيزها على تمرير التعديلات الدستورية، والتي من المتوقع أنّ تخلق اضطرابات سياسية غير مسبوقة. وفي ظل ذلك، فمن غير المستبعد أنّ تدخل الأطراف السياسية في شكل من التنسيق مع الجماعة، لمواجهة معركة التعديلات الدستورية التي مررها البرلمان.

الانشقاق أم تشكيل جماعة جديدة

قال عبد السلام غوليد نائب رئيس جهاز المخابرات الصومالي السابق والخبير في مكافحة التطرف، في تصريحات سابقة لـ"أخبار الآن"، إنّه "إذا نجحت الحكومة في هزيمة جماعة الشباب عسكريًا، فمن الممكن أن تشهد الجماعة صراعات داخلية بين القيادات العليا، وسيُقضى على بعضهم".

وأضاف أعتقد أن "الرجل الذي سيتولى السلطة هو مهاد كاراتي، أعتقد أنه هو الرجل الأكثر خطورة في تنظيم القاعدة في الصومال".

وبشكل عام فالظروف التي تتواجد فيها الجماعة اليوم من تقلص كبير في النفوذ والأراضي التي تسيطر عليها، والخسائر الكبيرة التي تعرضت لها منذ انطلاق الحرب الحاسمة ضدها، لن تساعد على توسع الصراع بين الخصمين كاراتي وديري، خصوصًا أنّ الجماعة لن تتحمل صراعًا مفتوحًا آخر على غرار صراع غوداني مع خصومه في (2011-2014).

وفي المحيط الخارجي للجماعة، تتزايد خطوات الحكومة الفيدرالية نحو تأسيس قوى أمنية وعسكرية قادرة على القضاء على الإرهاب والحفاظ على الأمن والاستقرار. لكن الجماعة هي الأخرى استوعبت التقدم الحكومي نسبيًا، واستعادت المبادرة بالهجوم بعد أشهر من التراجع، وأثبتت أنّها تحافظ على وجود كبير في وسط البلاد فيما يناقض السردية الحكومية لمسار الحرب. بشكل عام فمن غير الممكن الحسم بمستقبل الواقع الصومالي، فضلًا عن واقع جماعة الشباب، أو طبيعة علاقاتها بالمجتمع والسلطة، في ظل وجود خصومات قبلية وسياسية، ليس من المبالغة القول إنّها تفوق ما لدى العديد من الخصوم تجاه الجماعة.

ختامًا، سيعرف كاراتي الذي وصفته مصادر في الجماعة تحدث إلى مؤلفي كتاب "حركة الشباب من الداخل: التاريخ السري لأقوى حليف للقاعدة" بأنّه "لديه سمعة جيدة في التنظيم والإدارة لكنه يتجنب الخطوط الأمامية" كيف يرتب أموره. لهذا فهو في حاجة إلى استمرار التعاون مع الأجهزة الأمنية المحلية، في ظل الخلافات التي لم تنقطع مع خصمه أمير الجماعة، علماً أنّ كليهما مهددان بمخاطر صحية، قد تقصي أحدهما من المشهد أو كليهما.

على كل حال، فمستقبل التعاون بين كاراتي والحكومة الفيدرالية وحلفائها لن يتكشف عن قريب، خاصة بعد استيعاب جماعة الشباب للتقدم الذي حققته قوات الحكومة الفيدرالية وحلفائها، واستعادة زمام المبادرة في استهداف المعسكرات المحلية والدولية، وزيادة وتيرة العداءات ضد المدنيين. فضلًا عن تعاظم الصراع بين الرئيس حسن شيخ محمود وخصومه من الرؤساء السابقين وولاية بونتلاند، بعد إقرار التعديلات الدستورية التي ألغت النظام العشائري السياسي، وذلك في 30 مارس/ آذار 2024.