عام من الإرهاب البحري والتهديد للملاحة الدولية
هل كانت هجمات الحوثيين على السفن التجارية والملاحة البحرية لأجل غزة، أم لأهداف أخرى؟!
أخبار الآن | دبي - 20 ديسمبر 2024
بعد أكثر من عام على بدء الهجمات الحوثية على خطوط الملاحة في البحر الأحمر والعربي، أصبح الأمن البحري للمنطقة والعالم مهدداً بشكل غير مسبوق، حيث استغلت الجماعة موقعها الاستراتيجي في واحد من أهم الممرات المائية في العالم، لتنفيذ أجندات إقليمية تخدم طموحات إيران في المنطقة، تحت غطاء وشعار دعم غزة، هذا التحقيق يجيب علي سؤال، هل كانت هجمات الحوثيين على السفن التجارية والملاحة البحرية لأجل غزة، أم لأهداف أخرى؟!
في 20 من نوفمبر 2024، أدانت وزارة الخارجية التركية استهداف جماعة الحوثي لسفينة "Anadolu S" التركية في البحر الأحمر، والتي كانت تحمل طاقمًا من الجنسية التركية، وذلك بعد ساعات من إعلان الناطق العسكري باسم الحوثيين استهداف سفينة، وبحسب المتحدث العسكري باسم الميليشيا فأن قرار الاستهداف كان بسبب ما أسماه " انتهاكها قرار حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة" إلا أن البيانات التاريخية للسفينة لا تظهر أي تسجيل في الموانئ الإسرائيلية.
يشهد البحر الأحمر تصعيدًا خطيرًا من قبل الحوثيين الذين بدأوا هجماتهم على السفن التجارية في مطلع نوفمبر من العام المنصرم 2023، مما أدى إلى غرق سفينتين في حوادث متفرقة، السفينة الأولى هي روبيمار MV Rubymar، التي كانت ترفع علم بليز، وتعرضت لهجوم في فبراير 2024، وغرقت في مارس، حاملة 22 ألف طن من الأسمدة، بالإضافة إلى 20 ألف طن مواد مجهولة ما أدى إلى تسرب كل تلك المواد التي تعتبر خطيرة على الحياة البحرية مثل نترات الأمونيوم، وكانت السفينة الثانية، توتور ترفع العلم اليوناني والتي تعرضت لهجوم بزوارق مفخخة في 12 يونيو 2024، ما أدى إلى تدميرها وغرقها الفوري.
الخطوط البحرية تحت الهجوم
منذ 19 من نوفمبر 2023 وحتى 19 نوفمبر 2024، وعلى مدى عام كامل رصد فريق التحقيق في أخبار الآن، قيام جماعة الحوثي بـ 153 هجومًا لسفن تجارية، أثناء مرورها في المياه الإقليمية اليمنية، وبحسب تتبع المسار التاريخي للسفن المستهدفة، يتضح أن معظمها لم تدخل قط للموانئ الإسرائيلية، وهو ما يثبت أن جماعة الحوثي، هدفها الأساسي تهديد الملاحة البحرية وحريتها، وأن الاستهدافات ليس لها علاقة بدعم غزة كما تدعي.
في 19 فبراير 2024، استهدفت ميليشيا الحوثي ناقلة الشحن اليونانية Sea Champion، التي كانت تحمل 40,000 طن من الحبوب، بصاروخين باليستيين أثناء توجهها إلى ميناء عدن، فقد كانت السفينة في تحمل مساعدات إنسانية وطريقها لتفريغ جزء من شحنتها في ميناء عدن، قبل إكمال رحلتها إلى ميناء الحديدة لتسليم الكمية المتبقية، والتي تبلغ 31,000 طن من القمح، حيث سبق للسفينة أن قامت بـ11 رحلة لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الموانئ اليمنية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
في حينها وصف معمر الإرياني - وزير الإعلام اليمني الهجمات الحوثية المتكررة بالإرهابية، "بما في ذلك استهداف السفينة اليونانية Sea Champion بصاروخين باليستيين إيرانيّي الصنع أثناء توجهها إلى ميناء عدن، ساهمت بشكل مباشر في زيادة تكلفة تأمين وصول المساعدات الإنسانية والواردات الغذائية إلى اليمن، هذا التصعيد يعكس النوايا الحوثية الواضحة لضرب خطوط الإمداد الحيوية واستهداف الجهود الإغاثية، مما فاقم معاناة المواطنين اليمنيين المتأثرين بأسوأ أزمة إنسانية في العالم".
انخفاض عدد السفن التجارية التي تصل إلى موانئ البحر الاحمر
انخفاض عدد السفن التجارية التي تصل إلى موانئ البحر الاحمر
أظهرت بيانات صادرة عن شركة Sea-Intelligence، وهي مؤسسة دولية متخصصة في تحليل بيانات الشحن البحري وسلاسل الإمداد، أن أزمة البحر الأحمر أدت إلى تراجع كبير في حركة السفن العميقة إلى الموانئ الرئيسية في المنطقة. حيث انخفضت الرحلات بنسبة 85% خلال النصف الأول من عام 2024، من أكثر من 200 رحلة شهريًا إلى أقل من 40. كانت الموانئ المشاطئة للبحر الأحمر هي الأكثر تضررًا، إذ شهد انخفاضًا بنسبة 74% في عدد الرحلات، ما يعكس التأثير المستمر للأزمة على الاقتصاد الإقليمي وحركة التجارة العالمية.
مع تصاعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، لوحظ ارتفاع في عدد السفن القديمة ذات التأمين الضعيف أو غير المعروف التي تمر عبر المنطقة. هذا التطور يعكس استغلال بعض الشركات للمخاطر المرتبطة بالممر المائي، حيث تتحمل السفن القديمة مسؤوليات أكبر في الملاحة بسبب ضعف التغطية التأمينية. في ظل تحويل السفن الحديثة طرقها إلى رأس الرجاء الصالح، تبدو هذه السفن القديمة فرصة للبعض لـ تحصيل أقساط تأمين أعلى، لكن ذلك يزيد من مخاطر الكوارث البيئية والتجارية في البحر الأحمر.
وبحسب تحليل قاعدة بيانات Ambrey Analytics، وقاعدة بيانات أخبار الآن، فإن نسبة 40٪ من السفن المستهدفة هي سفن تجاوزت عمرها الافتراضي أو قاربت على ذلك، حيث أن العمر الافتراضي لسفن الشحن هو 20 عامًا وفقًا للمعايير الدولية، بعدها تعتبر في الأساس "نفايات" كانت الشركات تتكبد ملايين الدولارات للتخلص منها بشكل صحيح. وهذا يثير احتمالاً مثيراً للقلق بأن الحوثيين يستغلون هذا الوضع، ويقدمون للشركات وسيلة مريحة ومجانية للتخلص من هذه المسؤوليات في المياه، ولم تستهدف هجمات الحوثيين السفن التجارية القديمة فحسب، بل استهدفت أيضًا السفن التي تحمل مواد خطرة مثل الأسمدة والنفايات الكيميائية، وذلك بحسب خبراء في الشحن البحري.
الجدير بالذكر أنه في عام 2012، بلغ عدد السفن العابرة للمحيطات التي انتهت صلاحيتها حوالي 1250 سفينة، وذلك بمتوسط 25 عام للسفينة، فضلاً عن أن ما نسبته 30٪ من تلك السفن كانت قد تآكلت قبل عمرها الإفتراضي، وذلك بحسب تقرير لمنظمة Shipbreaking.
يقول عبدالقادر الخراز - أستاذ علوم البحار والبيئة في جامعة الحديدة، لـ أخبار الآن، "تم تأكيد أن ما نسبته 43 % من السفن المستهدفة من قبل مليشيا الحوثي هي سفن قديمة يزيد نصف عمرها الافتراضي عن 14 عام، من خلال تحليل لبيانات السفن التي تمر عبر البحر الأحمر، كما أن شركات النقل البحري طيبة السمعة وكذا السفن الحديثة تتجنب المرور عبر البحر الأحمر وتأخذ طريق رأس الرجاء الصالح، و إغراق سفينتين فقط باستهداف مباشر ومتتالي في فترات قصيرة يثير شبهات حول ماذا كانت تحوي هذه السفن، حيث ان معظم السفن المستهدفة تكمل طريقها بشكل طبيعي.
ومن المثير أن تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن المتخصص باليمن هذا العام، أشار إلى أن الحوثيين استفادوا ماديًا من استهداف الملاحة البحرية، وفقًا لـ تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، هناك مزاعم حول قيام الحوثيين بجباية رسوم غير قانونية من وكالات الشحن البحري مقابل السماح لسفنها بالإبحار عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون التعرض لها. تقدّر عائدات هذه الرسوم بنحو 180 مليون دولار شهريًا، وبحسب التقرير فـإن الأموال تُودع في حسابات في ولايات قضائية متعددة (بلدان أخرى) عبر شبكة تحويلات مصرفية تشمل عمليات غسيل الأموال لصالح الجماعة وإيران.
من جهته يقول علي الذهب- الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني لـ أخبار الآن، "تثير الهجمات الحوثية على السفن شكوكًا حول استفادتهم من ترتيبات مالية غير مشروعة. لكن الأمر يتجاوز الحوثيين، حيث يشير إلى شبكة شراكة مع جماعات الجريمة المنظمة عبر الحدود. قد تكون هناك أطراف دولية تمدهم بالمعلومات، تضمن لسفنها المرور الآمن دون استهداف. هذا التنسيق لا يقتصر على دفع الأموال بل يشمل تبادل معلومات استراتيجية، مما يكشف عن منظومة فساد معقدة تخدم الحوثيين وشركائهم الدوليين."
خطوط ملاحة بحرية بعيدًا عن الإستهداف
رغم التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، حافظت شركة الشحن الفرنسية CMA CGM على تسيير خطوطها عبر المنطقة، بما في ذلك المرور عبر قناة السويس وصولاً إلى موانئ مثل جدة، والخليج العربي، ودول آسيوية أخرى. استمرار الشركة في العمل دون وقوع أي حوادث لسفنها يثير احتمال دفع رسوم "حماية" غير قانونية لتجنب استهداف الحوثيين، ما يدعم فرضية الجباية المالية شركات الشحن مشغلي السفن التجارية العاملة في المنطقة، وذلك كما جاء في تقرير فريق الخبراء.
وجد فريق التحقيق في أخبار الآن أن جماعة الحوثيين أقدموا على استهداف وحيد لسفينة تابعة للشركة، حيث أبلغت هيئة الملاحة البحرية البريطانية وقوع انفجارات قريبة من سفن الشركة خلال عبورها المنطقة، دون أن تتسبب بأضرار ملموسة، وأكملت مسارها، بالرغم من إعلان الحوثيين أن الإصابة كانت مباشرة ودقيقة.
يقول ستيوارت تشيرلز- صحفي متخصص في تغطية النقل المتعدد الوسائط وسلاسل التوريد، لأخبار الآن، "رغم تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية، إلا أن شركة الشحن الفرنسية CMA CGM واصلت تسيير سفنها عبر البحر الأحمر دون تعرض أي منها لهجمات، ما يثير تساؤلات حول احتمال وجود ترتيبات مالية تضمن مرورها الآمن وسط هذا التصعيد."
يقول عبد الملك اليوسفي - الخبير في الشؤون السياسية اليمنية، لـ أخبار الآن، "اتخذت ميليشيا الحوثي من غزة غطاءً لعملياتها الإرهابية التي تخدم أجندة التوسع الإيراني وفق استراتيجية الباسيج البحري للحرس الثوري. لكن هذه العمليات لم تخدم فلسطين، بل أضرت بها بتحويل الاهتمام العالمي من الجرائم الإسرائيلية إلى الإرهاب الحوثي في البحر الأحمر. استهدفت الميليشيا سفناً لا علاقة لها بإسرائيل، بينما تُركت أخرى تمر بسلام، مما يعكس بروباغندا كاذبة تهدف إلى عسكرة المنطقة وزعزعة استقرارها".
مشيرًا إلى أن هذه العمليات أيضاً أفشلت خارطة الطريق للسلام في اليمن وعمّقت الاحتراب الداخلي. "ورغم ذلك، فإن إرهاب الحوثي أقنع العالم بحقيقة الجماعة كمنظمة تهدد أمن التجارة الدولية، وتزيد من معاناة اليمنيين والاقتصادات الإقليمية، ما يستدعي دعم الدولة اليمنية لاستعادة سيادتها وضمان استقرار المنطقة".