الروبوتات تحتل العالم وتدخل عالم الخدمات المنزلية والتجارية والطبية
باستخداماتها الواسعة ومهامها المتعددة، تعاظمت فوائد الروبوتات على مر السنوات، حتى أصبحت ذراعًا قوية تعين البشر على إنجاز أعمالهم بسرعة ودقة متناهيتين، لتجعل حياتهم اليومية أيسر بكثير من ذي قبل.
للروبوتات من اسمها نصيب؛ إذ ترمز كلمة روبوت في اللغة التشيكية إلى العمل الشاق؛ وهي مشتقة من كلمة (Robota) التي تعني السُخرة أو العمل الإجباري، وظهرت هذه الكلمة لأول مرة عام 1920 في مسرحية للكاتب التشيكي كارل تشابيك، حملت عنوان “رجال روسوم الآلية العالمية”.
ومع التطورات المستمرة الحاصل في مجال التكنولوجيا، دخلت الروبوتات عالم الخدمات المنزلية والتجارية والطبية، بعدما ثبّتت أقدامها في عالم الصناعات الثقيلة والدقيقة.
وبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة (أحد فروع الذكاء الاصطناعي التي تهتم بتطوير خوارزميات تسمح للحواسيب بامتلاك خاصية التعلُّم)، تحوّلت الروبوتات من مجرد آلة صماء تنفذ المهام الموكلة إليها، إلى بنية تُشبِه البشر من حيث الجسم وملامح الوجه والعينين، كالروبوت “صوفيا”
الذي صُمّم كي يتعلّم ويتأقلم مع السلوك البشري وتصرفاته، ليعمل مع البشر، وحتى أنه حصل في أكتوبر 2017 على الجنسية السعودية، ليكون بذلك أول روبوت يحصل على جنسية.
يبدو أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد فيما يتعلق بتقريب الشبه بينه وبين البشر، فقد اخترع علماء يابانيون “جلدًا بشريًا” للروبوتات، لديه القدرة على التعرُّق وشفاء نفسه بعد الإصابة بجرح. المادة التي طورها باحثو جامعة طوكيو، لا تشبه الجلد البشري في ملمسها فقط؛ بل يخرج منها الماء أيضًا كما يحدث عندما يعرق الإنسان، وقادرة على شفاء نفسها من الجروح، بواسطة “لصقات” الكولاجين، في محاولة لإضفاء ملمس “بشري” على جيلد الروبوتات، لتكون أكثر تشبُّها بالبشر.
وفي ظل هذا التقدم المذهل، تتسابق شركات التكنولوجيا الكبرى باستمرار، لتطوير روبوتات يمكنها تغيير طريقة تنفيذ المهام وتسهيل حياة الناس اليومية، وهو ما سيقودنا إلى مستقبل مثير حقًا، ويكشف لنا في الوقت ذاته عن مهام ربما لم نكن نتوقع في يوم من الأيام أن تقوم بها الروبوتات أصلاً.
هل ستأخذ وظائفنا حقًا؟
“الروبوتات ستأخذ وظائفنا”.. ربما يكون هذا شعورًا سائدًا لدى كثير منا تجاه الروبوتات التي بدأت تنتشر أكثر فأكثر، لتستحوذ على آلاف الوظائف التي يقوم بها البشر، وبالتالي يتزايد طابور العاطلين.
لكي نكون منصفين، فإن هذا الشعور يبدوا منطقيًا، في ظل توقعات تتنبأ بذلك. دراسة أجرتها جامعة بول ستيت الأمريكية توقعت أن العديد من المهن معرضة لخطر التشغيل الآلي بواسطة الروبوت، بما في ذلك شركات التأمين، والتسويق عبر الهاتف، وإعداد الإقرارات الضريبية. ولكي نكون أكثر دقة، من المتوقع أن تأخذ الروبوتات أكثر من نصف الوظائف التي تتطلب مهارات متدنية.
واقعيًا، لم نكن نتخيل يومًا أن تتحرك السيارات دون سائق. الآن كثير من السيارات باتت كذلك مثل مشروع “سيارات غوغل” ذاتية القيادة وربما نرى سيارات التاكسي على سبيل المثال تسير بمفردها في الطرقات وتصل بنا إلى وجهتنا بكبسة زر، ليحل الذكاء الاصطناعي محل ملايين السائقين.
لكن في المقابل، هناك خبر سار هو أن الروبوتات مثلما ستحتل الكثير من الوظائف، فإنها ستخلق وظائفًا جديدة أيضًا، وقد يحتاج الأمر منا إلى تعليم إضافي وإعادة تدريب لهذه الوظائف، لكن الفرص ستكون موجودة.
ففي أثناء عملها، ستحتاج الروبوتات بالطبع إلى أشخاص للرصد والإشراف، وكلما احتجنا إلى المزيد من الروبوتات، زاد عدد الأشخاص الذين سنحتاجهم لتصميم تلك الروبوتات والإشراف على عملها.
ومن خلال تدريب موظفيك على العمل مع الروبوتات، فإنك تمنحهم سببًا للبقاء في أماكنهم في شركتك ولن تستغني عنهم، بل ستتاح لهم فرصة فريدة لتطوير مجموعة جديدة من المهارات التقنية أو الهندسية ذات الصلة.
هناك مثال حي على ذلك، وتجربة قائمة بالفعل حاليًا، فبمجرد دخول مقهى (DAWN) في العاصمة اليابانية طوكيو، تستقبلك الروبوتات بالترحاب، وتستمع لطلبك بإنصات لتقدم لك ما تريد، لكن كل هذا يتم عن طريق التحكم عن بُعد في هذا الروبوتات من قبل أشخاص من ذوي الهمم يجلسون في منازلهم، ويستطيعون بفضل تقنيات الاتصال الحديثة، التحكم في هذه الروبوتات وتوجيهها لتنفيذ طلبات الزبائن بكل دقة وحرفية. قد يكون هذا نموذجًا لمستقبل وظائف ذوي الهمم في الكثير من القطاعات، إذ لم تعد الإعاقة تعني العزلة، بل المشاركة الفاعلة والمؤثرة.
وعلى ذلك، من المتوقع أن تكون للروبوتات تأثير عميق على مكان العمل في المستقبل، سيصبحون قادرين على تولي أدوار متعددة في مكان العمل، لذلك حان الوقت لكي نبدأ في التفكير في الطريقة التي سنتفاعل بها مع زملائنا الجدد.
الطب والرعاية الصحية
من فترة، أصبحت الروبوتات مكملاً رائعًا للمهنيين الصحيين، سواء في مهام التشخيص أو في العلاج أو إعادة التأهيل أو مساعدة الناس.
وبفضل التطور المستمر، أصبح لدينا روبوتات سريعة للغاية في إجراء التشخيص، خاصة وقت الأزمات والجوائج التي تفتقر المستشفيات فيها للعنصر البشري الكافي، وقد ظهر دورها جليًا خلال جائحة “كوفيد-19”، فقد ساهمت بشكل كبير في سرعة التشخيص وفحص الحالات، لأنها بالفعل جيدة جدًا عندما يتعلق الأمر بتحديد الأنماط وجمع البيانات وربط جميع المعلومات للحصول على نتائج دقيقة، فبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن لبرامج معينة قراءة آلاف التقارير الطبية، ووضع تشخيص دقيق للغاية، بناء على المعلومات المخزنة لديها.
في المقابل، هناك أيضًا روبوتات يمكنها أداء مهام دقيقة قد لا يمكن إنجازها على يد الطبيب، لذلك فهي تعين الأطباء للغاية أثناء التدخلات الجراحية الدقيقة وتقلل من حدوث أخطاء طبية.
وتساعد الروبوتات بطرق أخرى أيضًا، حيث تسبب جائحة “كوفيد-19” في زيادة الطلب على روبوتات التطهير بالأشعة فوق البنفسجية، التي تجوب المباني لقتل البكتيريا وتعقيم الأسطح باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، هذا يحمي كل من يعمل ويعالج في المستشفيات ويقلل من انتشار الأمراض.
الروبوتات لم تساعد الأطقم الطبية فقط، لكنها دخلت بقوة في مجال الأجهزة التعويضية، والآن تتوافر أذرع أو أرجل آلية لمن فقد أحد أطرافه، ومؤخرا تم ابتكار ذراع آلية يتم التحكم بها ذهنيًا أي عن طريق أفكار الشخص الذي يتعامل معها.
وفي مجال الرعاية الصحية، هناك روبوتات تساعد كبار السن، أو الأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة أو ذوي الاحتياجات الخاصة. ولدينا مثال من واشنطن العاصمة، حيث يتواجد الروبوت “ستيفي” الذي صُمّم خصيصًا ليكون رفيقًا ومراقبًا للسلامة لكبار السن؛ إذ يمكنه إجراء محادثات مع البشر وممارسة الألعاب والمزيد، كما يقوم بتنبيه طاقم التمريض على الفور إذا احتاج أحد كبار السن لمساعدة، وبذلك يمكن أن تكون تملأ الروبوتات النقص المتزايد في الممرضات وتساعد مجتمعًا متناميًا من كبار السن.
مستقبل الروبوتات هذا المجال يبدو واعدًا، ففي مجال الرعاية الصحية، وبدلاً من الذهاب لزيارة طبيب يُخضعنا لفحص باستخدام سماعة طبية بسيطة، سيكون لدينا روبوتات ذكية تؤدي هذه المهام، وستتفاعل مع المرضى، وتتحقق من حالتهم، وتقيم مدى حاجتهم إلى مزيد من المواعيد.
في مجالات الأدوية سنشهد المزيد من التغييرات الضخمة، وهناك توقعات بأن نشهد روبوتات مثل أجهزة الصراف الآلي، تجلب لنا الأدوية، وبذلك نتمكن من الحصول على الأدوية التي نحتاج إليها، دون الحرج من التحدث إلى شخص غريب حول مشكلاتنا الصحية، كما نفعل في الصيدليات حاليًا.
باختصار، أسهم دخول الروبوتات في المجال الطبي والصحي في زيادة تحقيق نفس الهدف المرجو منها وهو تحسين حياة الناس وصحتهم، ولازلنا في انتظار المزيد.
استكشاف ومهام خطرة
تشهد الروبوتات تطورات جديدة ومثيرة في مجال الاستكشاف، بدء من أعماق البحر إلى سطح المريخ وعوالم الفضاء السحيق. وتمثل آفاق الاستكشاف الجديدة تحديًا لافتًا، لأنها تتضمن مناطق لا يستطيع البشر الذهاب إليها دون مساعدة التكنولوجيا المتقدمة، كما حدث مع الكوكب الأحمر.
وقد يتفاجأ البعض بسماع أن المحيطات هي واحدة من أقل الأماكن استكشافًا على وجه الأرض، فقد درس العلماء أقل من 20٪ من محيطات العالم. في المقابل، قام العلماء بتصوير 99٪ من سطح القمر بفضل الروبوتات.
ومن المحتمل أن تكون هناك أنواع كاملة من الكائنات في أعماق البحار لم يكتشفها العلماء حتى الآن، ومالا يعرفه الكثيرون، أن الروبوتات تساعد المستكشفين في اقتحام تلك العوالم العميقة، حيث يكون ضغط الماء مرتفعًا جدًا بحيث لا يتحمله الغواصون.
ومن بين هذه المشاريع، روبوت (Orpheus) الذي صُمم لاستكشاف المناطق التي تقع في عُمق بين 20 إلى 36 ألف قدم تحت سطح الماء. ويمكن أن يمهد هذا الروبوت لاستكشاف الكواكب والأقمار الأخرى التي يشتبه في وجود ماء عليها، بما في ذلك “تيتان” أكبر أقمار كوكب زحل، وقمر “أوروبا” “أفضل مرشح” للحياة على كوكب المشتري.
ولرسم خرائط الكهوف على المريخ، طورت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” الروبوت “سبوت“ الذي يستطيع التجوّل ببراعة في جميع أنواع تضاريس الكوكب الأحمر لرسم خرائط أنظمة الكهوف والتقاط الصور وجمع العينات.
مهام الروبوتات لا تقتصر على المحيطات والفضاء الخارجي، بل تجول في باطن الأرض لاستكشاف الأنابيب والممرات المائية التي تحيط بالعالم، لجلب المياه النظيفة لمليارات الأشخاص، وهي مهمة شاقة بل يمكن أن تكون مستحيلة بالنسبة للبشر؛ نظرا لمتطلبات السلامة.
وقد تم تطوير آلات مقاومة للماء ومُصممة للتضاريس الوعرة، ما يجعلها مثالية للمراقبة عن بُعد لجميع أنواع الأنابيب وأنظمة إدارة المياه، ومنها الروبوت (Deep Trekker Pipe Crawler) الذي يتحكم فيه العمال عن بُعد عبر الأنابيب تحت الأرض.
ويتميز هذا الروبوت الصغر والقوي بكاميرا يمكن للعمال استخدامها لمعرفة ما يجري تحت الأرض وتحت الماء، ويمكن أن تساعد هذه الآلات فرق إدارة المياه في الاستجابة لحالات الطوارئ وضمان حصول الناس على مياه نظيفة وخالية من التلوث.
المطاعم والأعمال المنزلية
أصبحت الروبوتات المنزلية جزءًا من حياتنا بالفعل، يمكن الآن إعداد الروبوت المكنسة للقيام بالأعمال الروتينية، كما يمكننا جدولة وجبة دافئة مطبوخة في المنزل لتكون جاهزة بحلول الوقت الذي ننتهي فيه من العمل.
وهناك روبوت “سبوت ميني” الذي يحل مكان الحيوان الأليف بالمنزل، إلى جانب تأدية بعض المهام الأخرى كتنظيف البيت وتقديم الشراب، وهناك الكثير والكثير من الروبوتات المنزلية الأخرى التي تعين الإنسان على تأدية المهام المنزلية بسرعة ودقة.
في مجال المطاعم، أحدثت الروبوتات ثورة، وخاصة شركات الوجبات السريعة، إذ يمكن للروبوتات أن تحضر بيتزا كاملة في 5 دقائق، يمكن لهذه الروبوتات أن تعجن الدقيق وتنشر الصلصة وتضيف طبقة علوية وتضع البيتزا داخل وخرجها بعد خبزها.
دخلت الروبوتات أيضًا في أنواع أخرى من الأكلات السريعة، مثل البرجر ورقائق التورتيلا، حيث قامت سلسلة مطاعم البرجر الأمريكية “وايت كاسل ” بتوظيف 100 روبوت أوائل عام 2022، فيما تختبر سلسلة مطاعم “جبوتلي” في أمريكا، روبوتًا لصنع رقائق التورتيلا.
الأمر لا يقتصر على المطاعم والأعمال المنزلية فقط، فقد اقتحمت الروبوتات الحقول الزراعية، حيث ابتكر باحثون في جامعة موناش في أستراليا روبوتا يمكنه التعرف على التفاح الناضج في البساتين وقطفه من الأشجار، بسرعة تفاحة واحدة كل 7 ثوان، بفضل مقبض ناعم مصمم خصيصًا لقطف الفاكهة دون إتلافها. يمكن لهذا الروبوت أن يساعد المزارعين في سد النقص في العمالة ومواكبة الطلب المتزايد على الأغذية الطازجة.
إجمالاً، فإن الروبوتات مرشحة بقوة لتحل محل البشر في كثير من المهمات، لأنها تتمتع بميزات قوية أبرزها: السلامة، وخاصة في المهام الخطيرة مثل إزالة الألغام، أو المناطق التي يصعب على البشر الوصول إليها في الوقت الراهن مثل كوكب المريخ على سبيل المثال. ناهيك عن سرعتها في الأداء وإنتاجيتها العالية على الدوام، فهي لا تطلب راحة أو أجازة أسبوعية ولا تشعر بالتوتر أو الإرهاق أو تعمل تحت ضغط تى تنجز مهماتها كما البشر.
ميرة ثالثة هي الدقة في إتمام المهام، فالروبوت من المفترض أن يكون موظفًا ومراقبًا للجودة في الوقت ذاته، وبذلك يمكن أن يقضي على الخطأ البشري ويقدم عملاً مثاليًا في كل مرة. لهذه، يتعاظم دور الروبوتات أكثر فأكثر في المستقبل، لتكون في خدمة البشر، وتحت طوعهم، كلما أرادوا إلى ذلك سبيلاً.
في النهاية، الروبوتات أدوات رائعة لتذليل العقبات وتحسين حياتنا اليومية، لكن في المقابل، هي كغيرها من وسائل التكنولوجيا لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية. لذا من المهم جدًا أن نتعلم كيف نستخدمها بشكل واع ومسؤول، ونطوّعها دائمًا لصالح البشرية وليس العكس، فمثلما هناك روبوتات تبنى وتُعمّر وتزيل الألغام لتحفاظ على الأرواح، هناك أخرى تحمل القنابل والأسلحة الموجهة وتهدم وتقتل البشر، والإنسان وحده من سيحدد شكل التعاون المستقبلي بينه وبين الروبوت.