اختبارات الطلاب في عصر ChatGPT.. الغش يقودك إلى الصفر
- ChatGPT تحول إلى وسيلة للغش والانتحال الأكاديمي وسرقة الأفكار
- الأكاديميون يستخدمون أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لكشف التزييف
- يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة إبداعية وغير ضارة
تحول برنامج ChatGPT بين عشية وضحاها، إلى أداة سهلة في يد الطلاب حول العالم، تمكنهم من إنجاز واجباتهم الدراسية بمختلف أنواعها فقط بكبسة زر.
هذا التحول غير المسبوق في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الأكاديمية حول العالم، خشية استغلال هذه الأداة ذائعة الصيت كوسيلة للغش والانتحال الأكاديمي وسرقة الأفكار.
وفي محاولة لوقف هذا الخطر، سارعت عدد من المدارس والجامعات في دول عدة حول العالم، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا والهند لحظر استخدامه في الحرم المدرسي والجامعي.
كما قامت جامعة سيدني على سبيل المثال، بمراجعة سياسة النزاهة الأكاديمية الخاصة بها لحظر الاستخدام “غير المناسب” لهذه التكنولوجيا التي تتضمن إنشاء محتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ومن بين ملايين الأشخاص الذين بدأوا في تجربة ChatGPT بعد إطلاقه أواخر نوفمبر الماضي، استحوذ هذا البرنامج على اهتمام المراهقين وطلاب الجامعات، الذين انقسموا إلى فئتين، الأولى ركّزت على استخدامه بطريقة إبداعية وغير ضارة، فيما وجدت فيه الفئة الأخرى طول نجاة يخلصهم من صعوبة تنفيذ تكليفات المعلمين والواجبات المنزلية دون عبء يُذكر.
الإقبال الكبير على هذه الأداة غير المسبوقة، لا يأتي من فراغ؛ إذ إنها توفر إمكانات هائلة وانسيابية غير مسبوقة في الرد على الاستفسارات، وتنفيذ التكليفات، وكتابة المقالات المطولة عن موضوعات بعينها، ومواضيع إنشائية ونكات وحتى شعر، وفقاً لما يطلبه المستخدم، وهذا يُمكّن الطلاب من طرح الأسئلة وحل الواجبات وتنفيذ المهام المطلوبة منهم بكل سهولة.
سر تميز برنامج ChatGPT يكمن في اعتماده على تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث يستخدم خوارزميات التعلم التلقائي التي يتم تزويدها بملايين النصوص والمحادثات والمقالات الصحفية، والأكاديمية، والمدونات، ونصوص الأفلام، والبرامج التلفزيونية، لـ“فهم” معنى الكلمات والعبارات وإنتاج محتوى بناء على السياق لتقديم إجابات مُفصّلة عن الأسئلة المطروحة، بصيغة تبدو وكأنها مؤلفة من قبل البشر.
لكن في المقابل، هناك فخ يقع فيه مستخدمو هذا البرنامج من المراهقين والشباب دون وعي، فعلى الرغم من أن هذا البرنامج يُنتج ردودًا مقنعة ومتماسكة على الأسئلة المطروحة، إلا أن الإجابات أو الردود غالبًا ما تكون غير دقيقة وتتطلب مراجعتها بعناية للتحقق من صحتها، لأنها قد تحتوي على معلومات ومراجع مُزيفة ومفبركة.
تحذير للطلاب من الفشل
لتنبيه طلابهم، أطلق عدد من أساتذة الجامعات والمدرسين تحذيرات من خطورة تنفيذ التكليفات والواجبات المنزلية بواسطة ChatGPT، لأن ذلك ببساطة قد يجعل الطلاب يحصلون على “صفر“، ويخفقون في اجتياز الاختبارات، إذا تم اكتشاف ذلك من قبل المعلمين.
وسائل إعلام عالمية، سلّطت الضوء على عشرات الأمثلة التي اكتشف فيها الأساتذة محاولات طلابهم، الغش في المهام المكتوبة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، في ظل مخاوف من انتشار عمليات السرقة الأدبية والاحتيال ونشر المعلومات الخاطئة.
دارين هيك، أستاذ الفلسفة في جامعة فورمان الأمريكية، قال إنه ضبط طالبًا سلمه مقالًا تم إنشاؤه بواسطة ChatGPT.
وكان “هيك” كلّف طلابه بكتابة مقال من 500 كلمة حول موضوعين، الأول عن الفيلسوف الذي عاش في القرن الثامن عشر ديفيد هيوم، والثاني عن سبب استمتاع الناس بشيء يخيفهم.
الشك تسلل إلى “هيك” عندما قدم إليه أحد الطلاب مقالًا عن الموضوع تضمن بعض المعلومات الخاطئة المكتوبة جيدًا عن ديفيد هيوم.
وبعد فحص المقال باستخدام أداة طورتها شركة Open AI التي أطلقت ChatGPT، أشارت النتائج إلى أنه من المحتمل بنسبة 99٪ أن المقال قد تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
فيما قال أنتوني أومان، أستاذ الدراسات الدينية والفلسفة في جامعة ميشيغان الأمريكية إنه أمسك بطالبين قدّما إليه مقالات كُتبت بواسطة ChatGPT.
وقال كل من “هيك” وأومان إنهما واجها طلابهم، الذين اعترفوا جميعًا في النهاية بالمخالفة، وكانت المحصلة أن الطلاب فشلوا في اجتياز الاختبار، وتم تحويل الوقائع إلى عميد الكلية الأكاديمي، وأرغم الطلاب على إعادة كتابة المقالات من الصفر كشرط لاجتياز الاختبار.
وأشار “هيك” إلى أنه شك في المقالات لأنه وجد أنها تحتوي على عدة معلومات غير مذكورة في الفصل الدراسي، كما ورد فيها ادعاءات لا معنى لها.
فيما ذكر “أومان” أن المقالات التي كتبت بواسطة ChatGPT كانت مثالية للغاية، لكنها تفتقر إلى السياق المنضبط، وليس هناك عمق أو رؤية محددة للمقال المكتوب.
ووافقهما الرأي كريستوفر بارتل، أستاذ الفلسفة في جامعة ولاية أبالاتشيان الأمريكية، مشيرا إلى أنه في حين أن القواعد في المقالات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تكاد تكون مثالية، إلا أن المادة تميل إلى الافتقار إلى التفاصيل.
أدوات لكشف التزييف الأكاديمي
في تطبيق عملي لمقولة “وداوني بالتي هي الداء“، بدأت عدد من الأكاديميين وأساتذة الجامعات استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، التي بإمكانها أن تكشف التزييف الأكاديمي، وكانت نتائجها متفاوتة.
هذه النصيحة قدمها ChatGPT ذاته، عندما طُرح عليه سؤال حول الطرق التي يمكن من خلالها كشف الانتحال، وجاءت إجاباته كالتالي: استخدم أداة من أدوات الكشف عن المحتوى المسروق، وابحث عن الأنماط المتكررة أو غير المعتادة في النص، وتحقق من وجود نصوص منسوخة من مواقع أخرى، وتحقق من صحة الإجابات والمعلومات المقدمة.
وانتشرت بقوة مؤخرًا، أدوات كشف الاحتيال التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، التي تكشف عن إمكانية وجود تزييف في النص بنسب تتراوح بين 60 إلى 99%، ومن أبرزها أداة GPT-2 Output Detector، وأداة Writer AI Content Detector، PlagScan وCopyleaks وغيرها.
وبعد مناقشة استمرت أسابيع في المدارس والكليات حول مخاوف من قدرة قدرته على مساعدة الطلاب على الخداع الأكاديمي وإعاقة العملية التعليمية، أطلقت شركة OpenAI المطورة لـChatGPT، منذ أيام، أداة جديدة لفحص النصوص وإمكانية اكتشاف التزييف.
لكن في المقابل، حذّر جان لايكي، رئيس فريق المواءمة في شركة OpenAI المكلف بجعل أنظمتها أكثر أمانًا، من أن الأداة الجديدة –مثل الأدوات الأخرى المتاحة بالفعل– ليست مضمونة.
وأضاف أن طريقة اكتشاف النص المكتوب بالذكاء الاصطناعي “غير كاملة وستكون خاطئة في بعض الأحيان، لهذا السبب، لا ينبغي الاعتماد عليها فقط عند اتخاذ القرارات“.
وكشفت CrossPlag وهي إحدى شركات الكشف عن السرقات الأدبية أن أداة شركة OpenAI رصدت اثنين فقط من 10 مقالات تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي عندما تم اختبارها.
وقالت الشركة: “بينما ستكون أدوات الكشف ضرورية، فهي ليست معصومة من الخطأ“.
ورغم ذلك، يخشى الكثير من الأكاديميين من صعوبة اكتشاف حالات الخداع الأكاديمي بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث تكافح جامعات مثل فورمان لإنشاء بروتوكولات أكاديمية رسمية لتطوير التكنولوجيا ومحاولة كشف التزييف.
ونصح بعض الأكاديميين في الوقت الحالي، بأن أفضل ما يمكن فعله لكشف التزييف، هو مفاجأة الطلاب بالامتحانات الشفوية المُرتجلة، لكشف مدى تمكنهم من معرفة محتوى المادة التي أعدوها.
وجه مُغاير
هناك وجهة نظر مغايرة تمامًا، يطرحها البعض، وهي إمكانية تحفيز الطلاب والمدرسين على الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي وعلى رأسها ChatGPT في تنمية القدرات النقدية.
من جانبه، يأمل داستن يورك، الأستاذ المشارك في الاتصال بجامعة ماريفيل الأمريكية، أن يتعلم المعلمون استخدام ChatGPT كأداة ويدركون أنها يمكن أن تساعد الطلاب على التفكير النقدي.
ويضيف “يورك“: “في السابق حينما ظهر محرك البحث جوجل، وموسوعة ويكيبيديا، وتنامى استخدام شبكة الإنترنت، اعتقد المعلمون أن ذلك سيدمر التعليم، لكن ذلك لم يحدث“.
وتابع: “أكثر ما يقلقني هو المعلمين الذين قد يحاولون عدم الاعتراف بأهمية إتقان التعامل مع مهارات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT. إنها أداة مفيدة، وليست سيئة كما يتصور البعض، لكن إذا استخدمت في سياقها الصحيح.
ووافقته الرأي جيني ديفيس، الأستاذة المشاركة في الجامعة الوطنية الأسترالية، التي تشعر بالتفاؤل بأن هذا الذكاء الاصطناعي الجديد سيكون بمثابة حافز للتغيير في ممارسات التعلم في الفصول الدراسية.
وأضافت “ديفيس“: “هذه عملية طويلة الأمد تتطلب تفكيرًا ذاتيًا نقديًا من قبل المعلمين، جنبًا إلى جنب مع محادثات هادفة مع الطلاب حول بيئة التعلم التي يتم تعزيزها حاليًا، لأن خدمة ChatGPT، وعلى الرغم من كل ما يثار حولها، إلا إنها قد تحفزنا أيضًا على إعادة التفكير في الممارسات التعليمية التقليدية، وإعادة وضع تصور لتجربة الفصل الدراسي، من خلال المراقبة الصارمة للطلاب أثناء الاختبارات“.
وعن مخاوف التزييف التي تنتاب البعض، أشارت إلى أن أي تقنية تظهر على الساحة لابد من التعاطي معها ومواجهتها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة المرتبطة بها، وأن يتم وضع قواعد للتأكد من دقة وسلامة إجابات الطلاب، وضرورة أن تكون الإجابات “مرتبطة بدقة بمحتوى الدورة التدريبية” التي يناقشها المعلم مع طلابه، وأن تحتوي التقييمات على التفكير النقدي.
وفي تجربة عملية لقياس قدرات ChatGPT في اجتياز الاختبارات، أعطى جوناثان تشوي، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة مينيسوتا الأمريكية، روبوت ChatGPT الاختبار نفسه الذي يخوضه طلاب كلية الحقوق للتخرج، وكان يضم 95 سؤالاً، اختيار من متعدد، و12 سؤالا استنتاجيا في 4 تخصصات.
وفي المحصلة، كشف تشوي وزملاؤه أن ChatGPT حصل على درجة إجمالية بلغت “C+” وهي تساوي (79 – 75%).
وأضاف أن البرنامج أظهر في كتابة نصوصه أنه يتقن القواعد القانونية الأساسية وأنه يتمتع بقدرة قوية على التنظيم والكتابة، لكن في المقابل، كان “غالبا ما يجد صعوبة في تحديد المشكلات عند طرح سؤال مفتوح عليه، وهي مهارة أساسية في امتحانات كلية الحقوق“.
واستنتج تشوي وزملائه أن ChatGPT ليس طالبًا بارعًا عندما يتصرف وحده، لكنهم رأوا أنه “يمكن أن تكون، من خلال التعاون مع عنصر بشري، مفيدًا جدا لطلاب الحقوق الذين يخضعون للامتحانات وكذلك للمحامين الممارسين“.
وأخيرًا، يبقى ChatGPT كغيره من وسائل التكنولوجيا الحديثة، سلاحًا ذو حدين، ولتحقيق أقصى استفادة منه في العملية التعليمية، يجب على الأكاديميين والتربويين توعية الطلاب بكيفية استغلال هذه التقنية بالصورة المثلى؛ إذ يمكن أن يكون هذا البرنامج نقطة انطلاق رائعة للطلاب للاستفادة من قدراته والبناء عليها، حيث يقدم إسهابًا مفيدًا وأفكارًا أولية.
لكن في المقابل، يجب الحذر من المحتويات التي ينتجها، لأنها يمكن أن تحتوي على أخطاء معلوماتية، وبنية غير صحيحة من الناحية الواقعية، وكلمات زائدة، وانتحال، وسوء فهم؛ لذلك يمكن أن يكون هذا البرنامج مفيدًا للغاية إذا كان لدى الطلاب مهارات للتحقق من مخرجاته، والاستفادة من أفكاره الأولية، والبناء عليها.