GPT-4 يبشر بعصر جديد من الكفاءة المفرطة في العمل
- GPT-4 سيساعد المستخدمين في الحصول على وظيفة بشكل أسرع
لم يتوقف الحديث مؤخرًا عن هيمنة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وعلى رأسها ChatGPT، ومخاوف البعض من أن تحل محل البشر في الكثير من الوظائف.
هذا الخوف نابع من إمكانياتها الهائلة في تنفيذ العديد من المهام التي كانت حكرًا على البشر، مثل الدردشة المُطوّلة حول موضوع معين، وإنشاء ردود طبيعية تشبه البشر، وكتابة المقالات والشعر أو رموز الكمبيوتر وأكواد البرمجة، وغيرها.
وجاء الإصدار الأخير والمطور من ChatGPT، وهو GPT-4، ليعزز هذه المخاوف، بعد ظهور هذه النسخة بإمكانيات أكثر تقدمًا ودقة من النسخة السابقة.
لكن في حقيقة الأمر، ربما تقلب هذه النسخة الجديدة واقع سوق العمل رأسًا على عقب، ولن تحل محل البشر كما يتصور البعض، لكنها ستساعدهم في العثور على وظائف جديدة، وستغير طريقة عملهم، وتجعل المهام أكثر سهولة وإبداعًا.
ببساطة، هناك اتجاه كبير لاستخدام GPT-4 في مكان العمل لأتمتة العملية الإبداعية، وذلك لقدرته على خفض مقدار الوقت الذي يقضيه العمال في أنشطة الكتابة بشكل كبير؛ ما يسمح لهم بالتركيز على المهام الأكثر صعوبة.
GPT-4
لم يستفق عشاق التكنولوجيا من الصدمة التي أحدثها روبوت الدردشة ChatGPT الذي أطلقته شركة OpenAI في نوفمبر الماضي بنسخته GPT-3.5، بعد أن جذب المستخدمين بقدرته الخارقة على إنشاء كتابة أنيقة والإجابة على أي سؤال تقريبًا، لكن هذه النسخة اعتمدت على جيل أقدم من التكنولوجيا لم يكن قادرًا على التفكير وتعلم أشياء جديدة، ولم تكن إجاباته دائمًا صحيحة أو مناسبة أيضًا.
ولتلافي هذا القصور، أعلنت الشركة في 14 مارس الجاري، عن نسخة مطورة من الروبوت أطلقت عليها اسم GPT-4، تعتمد على نموذج معالجة اللغة الطبيعية (NLP) الأكثر تقدمًا من النسخة السابقة، والذي يولد كتابة شبيهة بالبشر باستخدام أساليب التعلم العميق، كما أنه مُجهّز بمجموعة نصية واسعة، تمنحه القدرة على كتابة نص متماسك ودقيق يشبه الإنسان، ويمكن استخدام هذه التقنية لأتمتة المهام مثل تلخيص النصوص والإجابة على الأسئلة وإنشاء محتوى أصلي.
تقول الشركة المطورة إن GPT-4 يُظهر أيضًا أداءً يشبه البشر إلى حد كبير في مختلف المعايير المهنية والأكاديمية، إذ يمكنه اجتياز امتحان المحاماة بدرجة أعلى 10% من المتقدمين للاختبار، كما يمكنه حل المشكلات الصعبة بدقة أكبر بفضل معرفته العامة وقدراته على حل المشكلات.
على سبيل المثال، يمكنه الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالضرائب، أو تحديد موعد اجتماع بين 3 أشخاص مشغولين، أو التعرف على أسلوب الكتابة الإبداعي للمستخدم.
6 اختلافات رئيسية
لإدراك حجم القفزة التكنولوجية التي حققتها الشركة المُطورة لـChatGPT، لابد أن نلقى الضوء على أبرز الفوارق الرئيسية بين النسخة القديمة GPT-3.5، والنسخة الجديدة GPT-4 التي تم تدريبها بمزيد من البيانات والمزيد من العمليات الحسابية، ومدى انعكاس هذا التطور على مهام العمل التي يمكن أن ينجزها.
بداية، فإن التغيير الأكثر وضوحًا في GPT-4 هو أنه يمكنه “رؤية” الصور الآن، وبذلك أصبح الروبوت متعدد الوسائط، ما يسمح له بفهم أكثر من طريقة واحدة للمعلومات.
وكانت نسخة GPT-3.5 الخاصة بـChatGPT مقصورة فقط على الأسئلة والأجوبة النصية؛ ما يعني أنه يمكنهما القراءة والكتابة فقط، لكن مع GPT-4 يمكن تغذية الروبوت بالصور، وسيقوم بشرح الصورة وتحليل محتوياتها، حتى لو كانت مجرد رسم بخط اليد، أو صورة لمكونات وصفة لوجبة غداء، بل ويقترح عليك طريقة عمل وصفات مختلفة من تلك المكونات، وذلك في ثوان معدودة.
ثاني الاختلافات، أن GPT-4 قادر أيضًا على إنتاج ردود كتابية أطول تصل إلى أكثر من 25000 كلمة نصية، مقارنة بـ3000 كلمة في النسخة السابقة، وتم تدريبه ليكون أكثر أمانًا وواقعية، مع عدد أكبر من حالات الاستخدام التي تشمل الآن أيضًا إنشاء محتوى طويل، والبحث عن المستندات وتحليلها، والمحادثات الممتدة.
ثالث الفروق، أنه من الصعب خداع GPT-4، حيث تكمن أحد أكبر عيوب النماذج التوليدية مثل ChatGPT وBing في ميلهما للخروج عن سياق الموضوع من حين لآخر، ما يولد مطالبات تثير الدهشة، أو خلط الحقائق وإنتاج معلومات مضللة.
شركة OpenAI تشير إلى أنها أمضت 6 أشهر في تدريب GPT-4 باستخدام دروس من “برنامج اختبار الخصومة” وكذلك ChatGPT، ما أدى إلى “أفضل النتائج على الإطلاق فيما يتعلق بالوقائع وقابلية التوجيه وعدم الخروج من مسار المحادثة”.
وأدى ذلك إلى تحسين أمان الإجابات لمكافحة الاستخدام الاحتيالي، حيث تقل احتمالية إعطاء إجابات غير مناسبة بنسبة 82% مقارنة بالنسخة السابقة.
الفرق الرابع، أن GPT-4 قادر على معالجة الكثير من المعلومات في وقت واحد، وذلك بفضل التحسينات التي أدخلت على نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) وهي أدوات ذكاء اصطناعي يمكنها قراءة النص وتلخيصه وترجمته، كما يمكنها التنبؤ بالكلمات وصياغة الجُمل التي تعكس كيف يكتب البشر ويتحدثون.
وقد تم تدريب نماذج اللغات الكبيرة على مليارات من المعلمات؛ ما يعني كميات لا حصر لها من البيانات، ولكن هناك حدودًا لمقدار المعلومات التي يمكنهم معالجتها في محادثة واحدة.
ولاكتشاف الفارق في هذه الجزئية، يمكن أن يتعامل نموذج GPT-3.5 مع 4096 رمزًا أو حوالي 8000 كلمة، لكن GPT-4 يضاعف هذه الأرقام حتى 32768 رمزًا أو حوالي 64000 كلمة.
ببساطة، هذه الزيادة تعني أنه كان يمكن للنسخة القديمة من ChatGPT معالجة 8000 كلمة في وقت واحد، قبل أن تبدأ في فقدان مسار الأشياء، لكن الآن يمكن لـGPT-4 الحفاظ على سلامة مسار الموضوع خلال المحادثات الطويلة، ويمكنه أيضًا معالجة المستندات الطويلة وإنشاء محتوى طويل الشكل، وهو أمر كان محدودًا بدرجة أكبر في نسخة GPT-3.5.
الاختلاف الخامس، أن GPT-4 يتمتّع بدقة مُحسّنة، حيث تقر شركة OpenAI بأن GPT-4 به قيود مماثلة للإصدار السابق، فهو لا يزال غير موثوق تمامًا ويرتكب أخطاء منطقية، لكن مع ذلك، فإن GPT-4 يقلل بشكل كبير من هذه الأخطاء مقارنة بالنموذج السابق، فقد أحزر حوالي 40% أعلى من GPT-3.5 في تقييمات الوقائع، كما أنه سيكون من الصعب للغاية خداع GPT-4 لإنتاج مخرجات غير مرغوب فيها مثل الكلام الذي يحض على الكراهية والمعلومات المضللة.
سادس الاختلافات، أن GPT-4 يعتبر أفضل في فهم اللغات غير الإنجليزية، وبما أن معظم بيانات التعلم الآلي باللغة الإنجليزية، كما هو الحال مع أغلب المعلومات الموجودة على الإنترنت اليوم، لذلك قد يكون تدريب نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) بلغات أخرى أمرًا صعبًا.
لكن GPT-4 أكثر تعددًا في اللغات وقد أثبت OpenAI أنه يتفوق في الأداء على GPT-3.5 ونماذج الذكاء الاصطناعي المماثلة من خلال الإجابة بدقة عالية على الآلاف من الاستفسارات المتعددة عبر 26 لغة مثل الإيطالية والأوكرانية والكورية وحتى لغة التيلجو في الهند.
ليس ذلك فحسب، لكن GPT-4 يتعامل مع اللغة الإنجليزية بشكل أفضل مع دقة تصل إلى 85.5%، كما أنه يتعامل على سبيل المثال مع لغات في الهند مثل التيلجو بدرجة إتقان تبلغ 71.4%، وهذا يعني أن المستخدمين سيكونون قادرين على استخدام GPT-4 لإنتاج مخرجات بوضوح أكبر ودقة أعلى بلغاتهم الأصلية.
مهام متعددة.. من الطب إلى الترجمة
فتحًت الإمكانيات المذهلة لـ GPT-4 بابًا واسعًا أمام أصحاب المهن المختلفة، لإمكانية الاستفادة منها في تسهيل مهام عملهم وإنجازها في وقت أسرع، وتجويد المخرجات، وإنجاز أكثر من مهمة في آن واحد.
وتحولت ميزة رؤية الصور وفهم محتوياتها، لأداة قوية بالنسبة للمطورين، تمكنهم من تحليل الصور وكتابة التعليمات البرمجية بجميع لغات البرمجة الرئيسية وبشكل مذهل.
وبعد ساعات فقط من إطلاق GPT-4، قال العديد من المستخدمين إنهم أنشأوا ألعاب كمبيوتر في أقل من دقيقة بمجرد أن طلبوا من برنامج الدردشة إنشاء كود، حيث يمكنه بسهولة تحويل صورة لنموذج مرسوم يدويًا لموقع ويب بسيط إلى موقع ويب فعلي باستخدام كود HTML وJavascript، كما يمكنه أن يحلل ويصف الصور، وهو قادر على تفسير الصور التي تحتوي حتى على نكات أو دعابة.
سوق الأوراق المالية سيستفيد من هذه الميزة أيضًا، وهذا يعني أنه لا يمكن للباحثين التدقيق في النموذج لتحديد كيفية التلاعب أو التضليل للأشخاص عن غير قصد.
مؤسسة مورغان ستانلي الأمريكية للخدمات المالية والاستثمارية، أعلنت أنها استخدمت GPT-4، بعد تدريبه على آلاف الأوراق التي نشرها محللوها حول أسواق رأس المال وفئات الأصول وتحليل الصناعة وغير ذلك، لإنشاء روبوت محادثة لمستشاري الثروة الخاصين بها، مضيفة أن نحو 200 موظف بالبنك يستخدمون هذه الأداة يوميًا.
وقال جيف ماكميلان، رئيس التحليلات في مورغان ستانلي إن هذا الجهد سيثري العلاقة بين مستشاري مورغان ستانلي وعملائهم من خلال تمكينهم من مساعدة المزيد من الأشخاص بسرعة أكبر.
وعن الفرق في الأداء، ذكر متحدث باسم مؤسسة مورغان، أنه بفضل GPT-4، فإن مستشاريها يمكنهم الآن في ثوانٍ أن يفعلوا ما اعتادوا فعله في غضون نصف ساعة، مثل النظر في ملاحظة محلل لتقديم المشورة للعميل بشأن أداء شركات معينة وأسهمها.
أما عن ميزة الردود الطويلة لـGPT-4، فإنها ستمكن المستخدمين من الحصول على معلومات مُوسّعة عن أي موضوع يحتاجونه، مهما كانت هذه الموضوعات بسيطة أو غريبة مثل كيفية تنظيف أحواض السمك.
وفي هذا الإطار، يقول جوشوا براودر، الرئيس التنفيذي لبرنامج Chatbot للخدمات القانونية DoNotPay، إن شركته تعمل بالفعل على استخدام الأداة لإنشاء “دعاوى قضائية بنقرة واحدة”، في إشارة مبكرة إلى الإمكانات الهائلة لـGPT-4 لتغيير كيفية عمل الأشخاص في مختلف الصناعات.
ويضيف: “تخيل أنه يمكنك إنشاء دعوى قضائية من 1000 كلمة بكبسة زر. لم يكن GPT-3.5 جيدًا بما فيه الكفاية في هذا الشأن، لكن GPT-4 يتولى المهمة بشكل جيد للغاية.
في مهنة الطب أيضًا، يفكر الأطباء في استخدام GPT-4 لاستشارات المرضى.
أنيل جيحي، أستاذ مساعد في الطب وطبيب قلب في جامعة نورث كارولينا الأمريكية، وصف لروبوت الدردشة التاريخ الطبي لعدد قليل من المرضى الذين رآهم سابقًا، والذين قدموا حالات طبية معقدة. في غضون ثوانٍ فقط، أعطاه GPT-4 إجابة مثالية حول الطريقة التي كان يجب أن يعالج بها المريض باستخدام جميع المصطلحات الطبية الصحيحة.
يقول “جيحي”: “لقد فكرت بشكل مقنع للغاية من خلال تلك السيناريوهات السريرية ووضعت خيارات يجب مراعاتها. حقًا كان رائعا للغاية”.
ويضيف: “لن يحل GPT-4 محل الطبيب البشري، لكنه يعد واحدًا من الأشياء التي يمكننا استخدامها لجعل مهمات العمل تسير بشكل أفضل”.
أما عن ميزة الترجمة الموجودة في ChatGPT، فإنها لم تحل محل المترجمين كما يخشى البعض، لكنها ستجعلهم أكثر إنتاجًا وأسرع أداء، خاصة بعد زيادة عدد المخرجات إلى 25 ألف كلمة.
تقول نوريا لانديراس، التي عملت كمترجمة محترفة لأكثر من 20 عامًا: “قبل ظهور أدوات الترجمة مثل Google Translate، كان إنتاج المحترف ما بين 1000 و2000 كلمة يوميًا، لكن الآن من المتوقع أن يصل إلى 7000، ومع دخول أدوات مثل GPT-4 سيرتفع مستوى أداء البشر إلى أكثر من ذلك بكثير”.
هناك ميزة أخيرة لـGPT-4 ستساعد المستخدمين بلا شك في في الحصول على الوظائف وتفتح أمامهم دوائر أكثر انتشارًا للعمل، وذلك بعد أن تم دمج إمكانيات GPT-4 في تطبيق “لينكد إن” الشهير الخاص بالوظائف والمهن.
وسيستفيد زوار “لينكد إن” من إمكانيات GPT-4 لتساعدهم على إنشاء وضبط حساباتهم على المنصة؛ ما يفيد بعرض خبراتهم بطريقة أفضل، ويعكس الحصول على وظائف بطريقة أسرع.
وأشارت “لينكد إن” إلى أن الاعتماد على الميزة الجديدة لتحديث حسابات المستخدمين حتمًا سيحسن فرص حصول المستخدمين على عروض وظيفية بمعدل الضعف مقارنة ببقية المستخدمين، كما أضاف التطبيق ميزة كتابة ملخص عن خبرات المستخدمين في الجزء الخاص بـ”About” داخل حساباتهم.
ختامًا، فإن GPT-4 يبشر بعصر جديد من الكفاءة المفرطة في العمل، حيث يتعين على المحترفين العمل بشكل أكثر ذكاءً وأسرع، كما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية مثل GPT-4 لن تحل محل العمال المحترفين، كما يخشى البعض، لكنها سيضعهم دائما تحت ضغط أكبر ليكونوا أكثر إنتاجية وأسرع فيما يفعلونه، لذلك حان الوقت لاستغلال هذه الأدوات بشكل أمثل.