الذكاء الاصطناعي يساعد في الاستعداد للكوارث المناخية والتكيف معها لتقليل أضرارها
تعيش جميع مناطق العالم هذه الأيام تحت وطأة موجة حر شديدة، بالتزامن مع تسجيل درجات حرارة قياسية في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بالإضافة إلى العالم العربي، بسبب تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
ويقول الخبراء إن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري هي المسؤولة عن ازدياد شدة موجات الحرارة ومدتها ومعدل تكرارها.
ولتقليل تأثيرات موجات الطقس المتطرف على سكان الأرض، يبحث علماء الأرصاد الجوية عادة على أنظمة جديدة تكون أكثر موثوقية للمساعدة في الاستعداد للكوارث المناخية ومن ثم تقليل خسائرها، وذلك نظرًا لأن تغير المناخ يجعل الطرق التقليدية تواجه صعوبة في التنبؤ بالطقس.
وحاليًا يستخدم علماء الأرصاد الجوية عمليات محاكاة حاسوبية ضخمة لعمل توقعاتهم، تستغرق ساعات لإكمالها، لأنه يتعين على العلماء تحليل متغيرات الطقس مثل درجة الحرارة وهطول الأمطار والضغط والرياح والرطوبة والغيوم واحدة تلو الأخرى.
وبما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت لاعبًا مهمًا في كثير من جوانب الحياة، فقد استغلها العلماء لتطوير أنظمة جديدة تجعل التنبؤات بالطقس المتطرف، وتحذيرات الطقس القاسي، أكثر دقة.
حرارة الأرض ترتفع بشكل أسرع
وكانت تقديرات برنامج متخصص للذكاء الاصطناعي كشفت في يناير الماضي، أن حرارة كوكب الأرض ترتفع بشكل متسارع بأكثر مما قدره العلماء سابقًا.
وحذر العلماء من أن الأرض قد تصل إلى درجة حرارة يصعب بعدها وجود أي حلول سريعة لإنقاذ الكوكب، وحدد العلماء 1.5 درجة من الاحترار كنقطة تحول رئيسية ستزداد بعدها فرص حدوث الفيضانات الشديدة والجفاف وحرائق الغابات ونقص الغذاء
وكشفت دراسة استندت في تقديراتها إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي أن كوكب الأرض يمكن أن يتجاوز عتبات الاحتباس الحراري الحرجة في وقت أقرب مما توقعته النماذج السابقة، وذلك على الرغم من الجهود الدولية التي تبذل في هذا الشأن.
واستخدم الباحثون في الدراسة الشبكات العصبية الاصطناعية – وهي نوع من التعلم الآلي أو الذكاء الاصطناعي – التي دربها العلماء على نماذج مختلفة للمناخ ثم استخدموا البيانات التاريخية لدرجة الحرارة التي تم تسجيلها في جميع أنحاء العالم كمدخلات مستقلة ليقوم الذكاء الاصطناعي بالتنبؤ لاحقاً اعتماداً عليها.
وقدرت الدراسة أن الكوكب يمكن أن تزيد درجة حرارته عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة وذلك خلال عشر سنوات، كما وجدت الدراسة أن هناك “إمكانية كبيرة” لارتفاع درجات حرارة الكوكب بما يتجاوز عتبة 2 درجة مئوية بحلول منتصف القرن الحالي.
وتنبأ الذكاء الاصطناعي باحتمالية تصل إلى حوالي 80% أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين قد يحدث قبل عام 2065، حتى لو نجح العالم خلال نصف القرن المقبل في الوصول إلى صفر انبعاث حراري بما يزيل قدراً كبيراً من التلوث المسبب للاحتباس الحراري.
حلول ذكية للتعامل مع أزمات الطقس
رغم أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحل التطوير، ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتحسين دقة التنبؤات وفعالية جهود الإغاثة، لكن ثبت للعلماء أن الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على إحداث فرق كبير في الطريقة التي نتعامل بها مع أزمات الطقس.
واستخدم علماء الأرصاد الجوية حول العالم أدوات الذكاء الاصطناعي في مجالات عدة أبرزها ما يلي:
التنبؤ بالطقس
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من بيانات الطقس وتحديد الأنماط التي يمكن أن تساعد في التنبؤ بأحداث الطقس المتطرفة.
يمكن أن يساعد هذا في إنقاذ الأرواح والممتلكات عن طريق توفير تحذيرات مبكرة للكوارث الطبيعية.
وفي ورقة بحثية نشرت مؤخرًا في دورية “نيتشر” العلمية، طور باحثون نموذجًا يستند إلى الذكاء الاصطناعي يطلق عليه (Pangu-Weather) قادر على التنبؤ بأنماط الطقس الأسبوعية حول العالم بسرعة أكبر بكثير من طرق التنبؤ التقليدية، وبدقة مماثلة.
وتمكنت خوارزمية التعلم العميق من توقع هطول الأمطار الغزيرة بشكل أكثر دقة وبإشعار أكثر من الطرق الرائدة الأخرى، حيث احتلت المرتبة الأولى في حوالي 70٪ من الوقت في الاختبارات ضد الأنظمة الحالية المماثلة.
وإذا تم تبني هذه النماذج، فيمكن استخدامها جنبًا إلى جنب مع الأساليب التقليدية للتنبؤ بالطقس لتحسين قدرة السلطات على الاستعداد لسوء الأحوال الجوية، وفق الباحثين.
وعن مميزات ذلك، فإنه يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي الأشخاص على كسب المزيد من الوقت عندما يتعلق الأمر بالتنبؤات قصيرة المدى حول أحداث الطقس مثل هطول الأمطار.
إدارة الطوارئ
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتنسيق جهود الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية.
ويمكن القيام بذلك عن طريق تتبع الضحايا والبنية التحتية المتضررة وتوزيع الموارد بكفاءة.
التكيُّف مع تغير المناخ
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة المجتمعات على التكيُّف مع تغير المناخ.
يمكن القيام بذلك عن طريق تطوير حلول مبتكرة لمشاكل مثل نقص المياه وارتفاع مستوى سطح البحر.
تجارب حيّة
هناك الكثير من التجارب الحيّة التي استخدمت فيها أدوات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع أزمات الطقس وكان أبرزها:
في عام 2017، استخدمت شركة غوغل الذكاء الاصطناعي لإنشاء خريطة للأضرار الناجمة عن إعصار هارفي.
ساعدت هذه الخريطة في تنسيق جهود الإغاثة وتحديد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة.
وفي عام 2018، استخدمت شركة بوينغ لصناعة الطائرات، الذكاء الاصطناعي لتطوير طائرة قادرة على مقاومة الظروف الجوية القاسية.
يمكن أن تساعد هذه الطائرة في إنقاذ الأرواح عن طريق نقل الناس والبضائع إلى المناطق التي تتعرض للكوارث الطبيعية.
في عام 2019، استخدمت شركة سيمنز الذكاء الاصطناعي لتطوير نظام يمكنه مراقبة مستويات المياه في النهر وحذر المجتمعات من الفيضانات المحتملة.
يمكن أن يساعد هذا النظام في إنقاذ الأرواح والممتلكات عن طريق توفير تحذيرات مبكرة للكوارث الطبيعية.
هذه مجرد أمثلة قليلة على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للتعامل مع أزمات الطقس، ومع استمرار تطوير الذكاء الاصطناعي، فمن المرجح أن نرى المزيد من الحلول المبتكرة التي يمكن أن تساعدنا في حماية سكان الأرض من تأثيرات تغير المناخ.