الذكاء الاصطناعي يؤثر على سوق العمل في السنوات القادمة
هل ستحل الروبوتات محل البشر في الوظائف؟ سؤال طُرح بقوة في الآونة الأخيرة مع تزايد الاهتمام حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، تلك التكنولوجيا الناشئة التي يمكنها إنشاء نصوص وصور ورموز برمجية، وانجذاب العديد من الشركات إلى إمكانية أتمتة المهام المتكررة وخفض التكاليف.
وبشكل عام، من المتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على سوق العمل في السنوات القادمة، من المهم أن يكون العمال على استعداد لهذه التغييرات من خلال تطوير المهارات التي ستكون مطلوبة في المستقبل.
وتشير الأبحاث إلى أن التكنولوجيا ستحدث بالفعل تغييراً جذرياً في مكان العمل، حيث وجدت إحدى الدراسات أن إدخال نماذج لغوية كبيرة مثل روبوت الدردشة الشهير ChatGPT يمكن أن يؤدي إلى تأثر نحو 80% من القوى العاملة في الولايات المتحدة بما لا يقل عن 10% من مهامهم بالتكنولوجيا.
ويمكن أن يتأثر ما يقرب من خمس العمال بما لا يقل عن 50% من مهامهم، ومن المرجح أن يكون التأثير محسوسًا إلى ما هو أبعد من الأدوار التقنية، في المجالات الأكثر كثافة في اللغة مثل القانون والإعلان والتمويل.
التعايش بين الإنسان والذكاء الاصطناعي
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن التكنولوجيا لن تتسبب في انكماش سوق العمل كما يخشى بعض البشر، بل يمكن أن تكون بمثابة نعمة لها، مع خلق أنواع جديدة من الأدوار وظهور التعايش بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” عن إريك برينغولفسون، الأستاذ في جامعة ستانفورد والمتخصص في الذكاء الاصطناعي، أن العديد من التطورات والتقنيات التحويلية في الماضي كانت تميل إلى زيادة الفجوات في عدم المساواة في الدخل بين العمال الأكثر والأقل خبرة، أو طلاب الكليات وغير الجامعيين، لكن هذا ليس هو الحال بالضرورة مع الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وفي دراسة أجريت جنبا إلى جنب مع أكاديميين آخرين من مختبر الاقتصاد الرقمي في جامعة ستانفورد، وجد برينغولفسون أن نشر الذكاء الاصطناعي التوليدي في مركز خدمة العملاء، لاقتراح أفضل الإجابات التي يمكن أن يقدمها الموظفون للعملاء، عزز إنتاجية الموظفين بنسبة 14%.
ويقول برينغولفسون إن الموظفين الأقل خبرة أو مهارة استفادوا أكثر من غيرهم، مع زيادة في الإنتاجية بنحو 30%، مضيفا أن هذا يمكن تطبيقه عادة في العديد من الصناعات.
وأشار برينغولفسون -الذي شارك في تأسيس منصة لإدارة العمل تسمى (Workhelix)، والتي تراجع المهام التي يتم تنفيذها عادةً- إلى أن بعض الاستخدامات الأكثر إنتاجية للذكاء الاصطناعي التوليدي هي تلك التي تعزز البشر بدلاً من تقليدهم أو استبدالهم”.
تشير الأبحاث إلى أن الطريقة التي يبرر بها معظم المديرين عائد الاستثمار في تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي هي من خلال الوعد بتخفيض سريع في عدد الموظفين، لكن محمد حسين جراحي، الأستاذ المشارك في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل والخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، يحذر من أن البحث عن كفاءات قصيرة المدى من خلال أتمتة المهام يمكن أن يؤدي على المدى الطويل إلى عواقب غير مقصودة، مثل فقدان عناصر قيمة من الخبرات البشرية.
ويقول للصحيفة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي هي مركز مهام. بالنسبة للجزء الأكبر، يرتبط هذا الذكاء ارتباطًا وثيقًا بمهام محددة، لكن الآلات لا تستطيع اختراق هذا الفهم الضمني للمنظمة ككل.
على النقيض من ذلك، يقول جراحي: “يتمتع البشر بمزايا تنافسية مهمة، بما في ذلك الذكاء العاطفي والاجتماعي، والتفكير الاستراتيجي والشامل القائم على سنوات من الخبرة الداخلية”.
ونتيجة لذلك، ستكون الشراكات بين الذكاء الاصطناعي والبشر ذات أهمية قصوى، كما يقول، وكذلك قدرتنا على التعاون مع هذه الآلات.
اكتساب مهارات جديدة
يضيف: “يجب على الخبراء البشريين أن يبقوا على اطلاع. سوف تتغير أدوارنا كشركاء في هذه الأنظمة. الأمر لا يتعلق بمهارات التواصل بين البشر، بل مهارات التعاون بيننا وبينهم”.
ومع ذلك، وكجزء من هذا التحول، سيحتاج البشر إلى اكتساب مهارات جديدة من أجل البقاء في المقدمة، مثل زيادة المعرفة بالذكاء الاصطناعي. قد يتضمن ذلك معرفة أكبر بنماذج اللغات الكبيرة مثل ChatGPT، لفهم مصدر البيانات الأساسية، وما إذا كانت هناك تحيزات في الخوارزميات، أو عيوب أخرى.
وعن تلك المهارات، يقول رافيت دوتان، مستشار وباحث أخلاقيات الذكاء الاصطناعي: “يتطلب التعامل مع الذكاء الاصطناعي مهارات تفكير نقدي قوية.
ويضيف: “في الذكاء الاصطناعي التوليدي، يتم وضع الكثير من الافتراضات الاجتماعية والثقافية، ويمكن أن تكون غير مرئية لأولئك الذين ليس لديهم وعي ثقافي، ومؤكد أن الشركات سوف تحتاج إلى تعيين أفراد ليتولوا المسائل الأخلاقية الشائكة”.
أدوار جديدة
في بعض الحالات، ستظهر أدوار جديدة خاصة بالذكاء الاصطناعي لتلبية الشعبية المتزايدة لهذه التكنولوجيا. هناك بالفعل سوق متنامية لمصنفي البيانات أو المعلقين الذين يساعدون في تدريب الخوارزميات، على سبيل المثال، من خلال توضيح ماهية كائن معين.
يقول دوتان: “يمكن أن يكون وضع العلامات مهارة مهمة حقًا، ولكن يجب الاعتراف بها وتقديرها على حقيقتها. يمكن أن تكون وظيفة حساسة للغاية لكن الناس ينظرون إليها على أنها عمالة رخيصة. وغالباً ما يتم الاستعانة بمصادر خارجية لدول أخرى.
هناك دور صاعد آخر في هذا المجال وهو “المهندس السريع”، وهو مهندس برمجيات تتمثل مهمته في اختبار وتطوير المطالبات النصية التي ستولد الاستجابة الأكثر دقة ومرغوبة من أي تطبيق للذكاء الاصطناعي.
ويختتم برينغولفسون حديثه قائلا: “أصبح من المهم بشكل متزايد التفكير في الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها، لذا فإن فهم ماهية مشاكل العملاء وما تريد أن تستهدفه هذه الأداة القوية هو أمر مهم. نحن بحاجة إلى تشجيع الموظفين على الاعتماد والتفكير في كيفية استخدام هذه الأداة لكي أكون أكثر إبداعًا.