الذكاء الاصطناعي.. هل يشكل خطرًا على استمرارية بعض الوظائف؟
مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة، وتأثيرها على العديد من جوانب حياتنا الحديثة، يخشى بعض الخبراء من إمكانية أن تشكل هذه التقنيات خطرًا على استمرارية بعض الوظائف.
ويسمح الذكاء الاصطناعي لجهاز الحاسوب أن يفكر، ويتصرف، ويستجيب كما لو أنه إنسان، ويمكن تزويد الكمبيوتر بكميات هائلة من المعلومات والبيانات، ليتم تدريبها على تحديد الأنماط الموجودة فيها؛ فتصبح قادرة بعد ذلك على إنتاج تنبؤات، وحل المشكلات، وحتى التعلم من أخطائها، وتنفيذ العديد من المهام التي كانت تقتصر في السابق على البشر وحدهم.
ومنذ ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي على الساحة في نوفمبر 2022، قدرت شركة OpenAI التي طورت روبوت الدردشة الشهير ChatGPT، أن الوظائف الأكثر عرضة للخطر من الموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي الوظائف تلك ذات الأجور الأعلى.
لكن بعض الدراسات كشفت أن هناك مخاوف تتصاعد من أن الذكاء الاصطناعي قد يستولي في يوم من الأيام على وظائف ذوي الياقات البيضاء، وفقا لصحيفة “فاينانشال تايمز”.
Good article in the FT on how generative AI is having a impact on white-collar jobs with some being automated and others being enhanced. Concerns about job automation are valid but opportunities for AI to make jobs more productive exsithttps://t.co/mcy2D1acun
— CareerAI (@AICareerLab) November 11, 2023
وفي دراسة نُشرت هذا الصيف، أظهر باحثون أمريكيون أنه في غضون بضعة أشهر من إطلاق ChatGPT، شهد مؤلفو النصوص ومصممو الجرافيك على منصات العمل الحر الكبرى عبر الإنترنت انخفاضًا كبيرًا في عدد الوظائف التي حصلوا عليها، بل وحتى انخفاضات أكثر حدة في الأرباح.
ولا يشير هذا إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي كان يستولي على عملهم فحسب، بل يشير أيضًا إلى أنه يقلل من قيمة العمل الذي ما زالوا يقومون به.
الأمر الأكثر لفتا للانتباه هو أن الدراسة وجدت أن العاملين لحسابهم الخاص الذين حصلوا في السابق على أعلى الأرباح وأكملوا معظم أعمالهم، لم تكن احتمالية رؤية انخفاض في توظيفهم وأرباحهم أقل من العاملين الآخرين، بل كانت نتائجهم أسوأ. بعبارة أخرى، إن كونك أكثر مهارة لا يحميك من فقدان العمل أو الأرباح.
ما هي وظائف ذوي الياقات البيضاء؟
وظائف ذوي الياقات البيضاء هي وظائف مكتبية تتطلب مهارات ذهنية وإبداعية، ولا تحتاج إلى العمل في الأماكن التي تحتاج للجهد البدني. وعادة ما تتقاضى هذه الوظائف أجراً متوسطاً أو عالياً مقارنة مع باقي العمال.
ويمكن تقسيم وظائف ذوي الياقات البيضاء إلى عدة فئات رئيسية، منها:
وظائف الإدارة، مثل المديرين التنفيذيين، ومديري الإدارات، ومديري المشاريع، ومديري الموارد البشرية، ومديري التسويق، ومديري المبيعات.
وظائف التخصص، مثل المهندسين، والأطباء، والمعلمين، والمحامين، والعلماء، والمحاسبين، والمستشارين.
وظائف الخدمة، مثل الممرضين، والعاملين الاجتماعيين، والموظفين الإداريين، وموظفي خدمة العملاء.
وتختلف طبيعة العمل في وظائف ذوي الياقات البيضاء حسب الفئة التي تندرج تحتها، فوظائف الإدارة تتطلب اتخاذ القرارات وإدارة الموارد البشرية والمالية، بينما تتطلب وظائف التخصص مهارات علمية أو فنية، بينما تتطلب وظائف الخدمة تقديم الخدمات للعملاء أو المستفيدين.
وبشكل عام، فإن وظائف ذوي الياقات البيضاء تتميز بالاستقرار والرواتب المرتفعة، ولكنها تتطلب مهارات ذهنية وإبداعية وقدرة على تحمل المسؤولية.
إنتاجية أكثر وتنفيذ أسرع وجودة أعلى
وتغطي سوق العمل الحر عبر الإنترنت شكلا خاصا جدا من عمل ذوي الياقات البيضاء وسوق العمل، لكن ماذا عن النظر إلى أعلى مراتب طبقة العاملين في مجال المعرفة؟
ورصدت دراسة حديثة أجرتها كلية هارفارد للأعمال، تأثير إعطاء GPT-4 وهو أحدث ما قدمته شركة أوبن أيه آي والأكثر تقدما، للموظفين في مجموعة بوسطن الاستشارية.
كان موظفو مجموعة بوسطن الاستشارية الذين تم تعيينهم عشوائيا لاستخدام GPT-4 عند تنفيذ مجموعة من المهام الاستشارية أكثر إنتاجية بكثير من زملائهم الذين لم يتمكنوا من استخدام الأداة.
ولم يقتصر الأمر على تنفيذ الاستشاريين، الذين ساعدهم الذكاء الاصطناعي، المهام بشكل أسرع 25% وإنجاز مهام أكثر بشكل عام بنسبة 12%، بل تم تقييم عملهم على أنه أعلى جودة بنسبة 40% من أقرانهم الذين لم يتلقوا مساعدة الذكاء الاصطناعي.
أكثر المستفيدون
وبشكل عام، استفاد الموظفون من مختلف المهارات من تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولكن في نمط شائع الآن في دراسات الذكاء الاصطناعي التوليدي، جاءت أكبر مكاسب الأداء بين الموظفين الأقل مهارة في القوى العاملة، وفق “فاينانشال تايمز”.
لذلك من الأفضل فهم النماذج اللغوية الكبيرة بوصفها مكررة وملخصة ممتازة للمعرفة الإنسانية الموجودة في المجال العام. وكلما اقتربت معرفة الفرد بالفعل من هذا الحد، قلت الفائدة من استخدامها.
لكن كانت هناك مشكلة واحدة: في مهمة أكثر دقة، تضمنت تحليل الأدلة الكمية فقط بعد قراءة دقيقة للمواد النوعية، كان أداء الاستشاريين بمساعدة الذكاء الاصطناعي أسوأ: فقد غابت عن أداة ChatGPT التفاصيل الدقيقة.
كيف نحقق أقصى استفادة؟
وتخبرنا الدراسات بثلاثة أشياء هي:
أولا، يتطلب تحقيق أقصى استفادة من هذه أدوات الذكاء الاصطناعي، مع تجنب مخاطرها، التعامل معها بوصفها امتدادا لنا، والتحقق من مخرجاتها كما نتحقق من نتائجنا، فهي ليست مساعدة منفصلة معصومة من الخطأ يمكننا أن نسلمها المسؤولية.
ثانيا، سيكون التنظيم أمرا أساسيا، لأن العمل الحر عبر الإنترنت هو سوق عمل غير منظمة كما سيتضح، ودون وسائل الحماية، حتى العاملون في مجال المعرفة سيواجهون مشكلات.
ثالثا، كلما كان دور الموظف متعدد الأوجه، قل خطر الأتمتة الكاملة، حيث أن نموذج العمل الحر لأداء مهمة واحدة لعدة عملاء مثل كتابة المحتوى أو تصميم الشعار، مثلا معرض للخطر خاصة.
بلغة جيل الألفية، يعد الذكاء الاصطناعي التوليدي الصديق العدو للعمال ذوي الياقات البيضاء، ومن الحكمة أن نكون حذرين، لكن هذه العلاقة ربما تصبح مزدهرة.