“تي إس إم سي” الرائدة في صناعة الرقائق تدشّن أول مصانعها في اليابان
افتتحت شركة “تي إس إم سي” العملاقة للرقائق السبت، أول مصنع لها في اليابان سيساهم في ضمان استمرارية الإمدادات العالمية لهذه الأجهزة البالغة الأهمية، وفق ما أكّد مؤسس الشركة موريس تشانغ في حفل التدشين الرسمي للمنشأة البالغة تكلفتها 8,6 مليارات دولار.
يزوّد العملاق التايواني لصناعة أشباه الموصلات شركات كبرى عدة على غرار آبل وإنفيديا، ويصنّع نصف الإنتاج العالمي للرقائق التي تستخدم في كل التجهيزات الإلكترونية من الهواتف الذكية إلى الأقمار الاصطناعية ويُعتمد عليها بشكل متزايد في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
لكن عملاء “تي إس إم سي” وأيضا الحكومات القلقة بشأن إمدادات أشباه الموصلات التي تكتسي أهمية حيوية لاقتصاداتها وقطاعاتها الدفاعية، تحض الشركة على إنتاج مزيد من الرقائق خارج الجزيرة المتمتّعة بحكم ذاتي.
وتثير مواقف الصين التي تزداد تشددا حيال تايوان التي تعتبرها بكين جزءا لا يتجزّأ من أراضيها متوعدة باستعادتها بالقوة إذا اقتضى الأمر، قلقا حول العالم إزاء الاعتماد على الجزيرة في إنتاج الرقائق ما دفع “تي إس إم سي” إلى تنويع مواقع إنتاجها.
وقال تشانغ البالغ 92 عاما في ظهور علني نادر لدى مشاركته في حفل التدشين السبت، إن المصنع في جزيرة كيوشو الواقعة في جنوب اليابان “سيسهم، على ما أعتقد، في تمتين إمدادات الرقائق لليابان والعالم”.
وأضاف “كذلك سيسهم في إطلاق نهضة على صعيد تصنيع أشباه الموصلات في اليابان”.
وقال كريس ميلر مؤلف كتاب “حرب الرقائق: المعركة من أجل التكنولوجيا الأكثر أهمية في العالم”، إن المصنع الجديد في اليابان هو “أبرز استثمار دولي لـ+تي إس إم سي+ منذ سنوات”.
وأشار ميلر في تصريح لوكالة فرانس برس إلى أن هذا المصنع “سيوطّد العلاقة السياسية بين تايوان واليابان في وقت تسعى تايوان للتثبت من أن لديها أصدقاء أقوياء بمقدورهم مساعدتها على مواجهة الضغوط الصينية”.
حوافز حكومية
ويعتبر تدشين مصنع “تي إس إم سي” ورقة رابحة لليابان التي تتنافس مع الولايات المتحدة وأوروبا على اجتذاب شركات تصنيع أشباه الموصلات من خلال حوافز هائلة.
وقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في حفل التدشين إن اليابان “باتت موطئ قدم هاما في إستراتيجية +تي إس إم سي+ العالمية”.
وأضاف “لدي آمال كبيرة أيضا بأن التبادل الاقتصادي بين اليابان وتايوان سيزداد حيوية”.
ساهمت شركات على غرار “توشيبا” و”إن إي سي” في ترسيخ هيمنة اليابان في مجال الرقائق في ثمانينيات القرن الماضي، لكن المنافسة لا سيما من جانب كوريا الجنوبية وتايوان قلّصت حصّتها في السوق العالمية إلى نحو 10 بالمئة بعدما كانت قد تخطّت 50 بالمئة.
حاليا ترصد الحكومة اليابانية حوافز بأربعة تريليونات ين (26,7 مليار دولار) للمساعدة في زيادة مبيعات الرقائق المنتجة محليا بثلاثة أضعاف إلى أكثر من 15 تريليون ين بحلول العام 2030.
ومصنع “تي إس إم سي” الجديد في بلدة كيكويو الذي تعهّدت الحكومة تحمّل أكثر من 40 بالمئة من تكاليفه (بمشاركة سوني ودينسو)، لن يكون الأخير.
فقد أعلنت “تي إس إم سي” هذا الشهر وبدعم “قوي” من الحكومة اليابانية، عن مشروع بناء منشأة ثانية لتصنيع رقائق أكثر تطورا، وسط تقارير تفيد بأنها تتطلّع إلى بناء مصنع ثالث وربّما رابع.
وتتلقى شركات أخرى دعما ماليا حكوميا على غرار “كيوكسيا” و”مايكرون” و”رابيدوس” في مشروع مشترك يضم “آي بي إم” وشركات يابانية لتصنيع رقائق 2 نانوميتر المتطورة.
لافتات ترحيب
كما أن “تي إس إم سي” بصدد بناء مصنع في ولاية أريزونا الأمريكية وتخطط لبناء آخر في ألمانيا سيكون الأول لها في أوروبا.
لكن اليابان تحظى بالأفضلية نظرا لقربها الجغرافي وخبرتها الكبيرة في القطاع، وسرعتها، أقلّه بالنسبة لمصنع كيكويو الذي استغرق بناؤه 22 شهرا فقط.
في مشهدية مناقضة في الولايات المتحدة التي أعلنت رصد 52,7 مليار دولار لتعزيز قطاعها، تأخر بناء مصنع أريزونا وسط نزاعات مع اتّحادات نقابية.
وقال تارو إيمامورا المسؤول المحلي في كيكويو في تصريح لفرانس برس “رأيت مصانع كثيرة بنتها شركات عدة، لكن مصنع +تي إس إم سي+ بني بسرعة ملحوظة”.
متحدثا في بلدية كيكويو حيث رفعت لافتة كتب عليها “نرحّب بعمّال تي إس إم سي” قال إيمامورا إن “الجميع في البلدة، من الأطفال إلى الشيوخ، باتوا يعرفون كلمتي +رقائق+ و+تي إس إم سي+”.
وتعدّ منطقة كوماموتو في كيوشو مركزا لشركات أشباه الموصلات اليابانية، بما في ذلك الشركات المصنعة لآلات تصنيع الرقائق على غرار طوكيو إلكترون التي تقيم علاقات تجارية نشطة مع الصين.
لكن على غرار قطاعات أخرى في اليابان التي تعاني من شيخوخة السكان، يسود قلق بشأن إيجاد ما يكفي من العمال، خصوصا مع ميل الطلاب المحليين للمغادرة أو تفضيلهم قطاعات مغايرة لقطاع الرقائق.
وقال البروفسور في المعهد الوطني للتكنولوجيا في كلية كوماموتو كينيتشيرو تاكاكورا في تصريح لفرانس برس إن الخريجين “أكثر اهتماما بالبرمجيات”.