ما فرص نجاح الذكاء الاصطناعي في حل أزمة المياه؟
تعد المياه من أهم العناصر اللازمة للتنمية والإنتاج والاستهلاك، ومع ذلك، فإننا نفرط في استخدامها ونلوثها، رغم كونها مورداً ونظاماً لا يمكن تعويضها.
تم تحديد ثمانية حدود آمنة وعادلة في خمسة مجالات رئيسية تشمل المناخ والمحيط الحيوي والمياه والمغذيات والهباء الجوي.
تجاوز هذه الحدود يمكن أن يؤدي إلى أضرار جسيمة للبشر والطبيعة، وزيادة خطر تجاوز نقاط التحول الحرجة. وقد تجاوز البشر بالفعل الحدود الآمنة والعادلة لنظام الأرض في ما يتعلق بالمياه.
حتى الآن، تم تجاوز سبعة من الحدود الثمانية المحددة. بينما لم يتم تجاوز حدود الهباء الجوي على المستوى العالمي، إلا أن هذا الحد تم تجاوزه في العديد من المدن حول العالم.
بالنسبة للمياه، تقضي الحدود الآمنة والعادلة بعدم تقلب تدفقات المياه السطحية أكثر من 20٪ مقارنة بالتدفق الطبيعي شهرياً، وعدم تجاوز سحب المياه الجوفية لمعدل التغذية. كلا هذين الحدين قد تم تجاوزهما.
تجاوز هذه الحدود يحدث رغم عدم تلبية الحد الأدنى من احتياجات أفقر سكان العالم لخدمات المياه والصرف الصحي، مما سيؤدي إلى ضغوط أكبر على شبكات المياه المجهدة بالفعل.
إمكانات الذكاء الاصطناعي
يؤمن المتفائلون التقنيون بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون الحل لمشكلات المياه العالمية، ويمكنه المساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة البيئية والاجتماعية من خلال تصميم أنظمة لتحسين النقص في المعلمين والأطباء، وزيادة غلات المحاصيل، وإدارة احتياجات الطاقة.
خلال العقد الماضي، زادت الأبحاث بشكل كبير في هذا المجال مع تطبيقات محتملة تشمل تحسين كفاءة استخدام المياه ومراقبتها في الزراعة، وتعزيز معالجة مياه الصرف الصحي.
يمكن لأجهزة الاستشعار الحيوية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي اكتشاف المواد الكيميائية السامة في مياه الشرب بدقة أكبر من الطرق التقليدية لمراقبة الجودة. تسهم التكنولوجيا الذكية في تحسين أنظمة الري من خلال جمع البيانات وتحليلها لتعزيز كفاءة استخدام المياه واكتشاف التسريبات.
تأثير الذكاء الاصطناعي على استخدام المياه
على الرغم من هذه الفوائد، تظهر الأبحاث الأولية أن الذكاء الاصطناعي يمتلك آثاراً مائية كبيرة، حيث يُستخدم الماء لتبريد الخوادم اللازمة لحساباته ولإنتاج الطاقة التي يستهلكها. ومع تزايد اندماج الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، ستزداد آثاره على الماء بشكل حتمي.
تشير التقارير إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الكبيرة مثل ChatGPT تستهلك كميات هائلة من المياه، مما يضيف ضغوطاً على الموارد المائية. يُنتج الذكاء الاصطناعي أيضاً تلوثاً من خلال عمليات تصنيع الأجهزة التي تتطلب مواد نادرة ومياه في مراحل الإنتاج.
التحديات الجغرافية والبيئية
استثمارات الشركات التقنية في بناء مراكز البيانات في البلدان النامية، بما في ذلك المناطق الجافة في أفريقيا، تثير مخاوف بشأن تأثير هذه المراكز على الموارد المائية المحلية.
على سبيل المثال، أثار مركز بيانات غوغل المخطط له في أوروغواي احتجاجات بسبب احتياجاته الكبيرة من المياه، مما يعكس مشكلة عدم المساواة الجغرافية حيث تواجه الدول النامية معضلة بين الفوائد الاقتصادية والضغوط على الموارد المائية.
كثفت كبرى شركات التكنولوجيا استخدامها للمياه لتبريد مراكز البيانات، مما أثار مخاوف حول التأثير البيئي لطفرة الذكاء الاصطناعي.
ورفعت كل من Microsoft وGoogle وMeta استهلاكهم من الطاقة على مدار السنوات الأخيرة، مع إدمان ملايين المستخدمين خدماتهم.
ويشير أكاديميون إلى أن الطلب على الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة سحب المياه سواء كان من مصادر أرضية أو سطحية، بمستوى يتراوح ما بين 4.2 مليار و6.6 مليار متر مكعب بحلول 2027، وهو ما يعادل نصف الكمية المستهلكة من قبل المملكة المتحدة سنوياً، وذلك بحسب صحيفة Financial Times.
وشدد الأكاديميون من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد: لقد كان وقتاً حرجاً للكشف عن البصمة المائية السرية لنماذج الذكاء الاصطناعي ومعالجتها في ظل أزمة ندرة المياه العذبة المتزايدة، وتفاقم موجات الجفاف الممتدة.
ونمت تلك المخاوف، وسط تنافس شركات التكنولوجيا الرائدة لإصدار منتجات تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتعمل على نماذج لغوية كبيرة قادرة على توليد وتشغيل كميات كبيرة من البيانات النصية والرقمية.
في المحصلة تشير الأدلة إلى أن انتشار الذكاء الاصطناعي قد يزيد من أزمة المياه بدلاً من المساعدة في حلها. فيما لا توجد حتى الآن دراسات منهجية شاملة حول صناعة الذكاء الاصطناعي واستهلاكه للمياه، بينما تبقى شركات التكنولوجيا متكتمة حول آثاره المائية.
السؤال الأكبر هو ما إذا كانت الآثار المائية الهائلة للذكاء الاصطناعي ستفوق فوائده الاجتماعية والبيئية.